أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 21 - صـ 475

جلسة 19 من مارس سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ إبراهيم عمر هندي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، والسيد عبد المنعم الصراف، ومحمد صدقي البشبيشي، ومحمد سيد أحمد حماد.

(76)
الطعن رقم 14 لسنة 36 القضائية

بيع. "التزامات البائع". "الالتزام بضمان العيب الخفي". "تخلف الصفة في المبيع". حكم. "مخالفة القانون".
كفالة البائع لصفة معينة في المبيع. عدم اشتراط المشرع في حالة فوات هذه الصفة ما استلزمه في العيب الذي يضمنه البائع من وجوب كونه مؤثراً وخفياً. مجرد تخلف الصفة وقت التسليم موجب لضمان البائع. مخالفة الحكم هذا النظر. خطأ في القانون.
المشرع وإن كان قد ألحق حالة تخلف الصفة التي كفلها البائع للمشتري بالعيب الخفي، إلا أنه لم يشترط في حالة فوات الصفة ما اشترطه في العيب الذي يضمنه البائع من وجوب كونه مؤثراً وخفياً، بل إنه جعل مجرد تخلف الصفة وقت التسليم موجباً لضمان البائع متى قام المشتري بإخطاره، سواء كان المشتري يعلم بتخلفها وقت البيع أو كان لا يعلم، وسواء كان يستطيع أن يتبين فواتها أو كان لا يستطيع. ولما كان الحكم المطعون فيه لم يعرض لأمر تحقق الصفة في الحدود السالف ذكرها وجرى على أن عدم توفر هذه الصفة عيب في المبيع يشترط فيه ليوجب مسئولية البائعة توافر الخفاء، فإنه يكون قد خالف القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن السيد/ محمد السيد مرزوق بصفته ولياً طبيعياً على أولاده أقام الدعوى رقم 5982 سنة 1963 كلي القاهرة ضد شركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير طالباً الحكم بإلزامها بأن تدفع له تعويضاً مقداره سبعة آلاف جنيه. وقال شرحاً للدعوى إن الشركة المدعى عليها أعلنت عن مزاد لبيع العمارة رقم 16 بشارع إسماعيل صبري في ضاحية مصر الجديدة مقررة في نشرة إعلانها عن المزاد أنه يمكن الارتفاع بمبانيها إلى 24 متراً، وقد تقدم بناء على ذلك إلى المزاد الذي أجري في يوم 5/ 12/ 1962 فرسا عليه بثمن قدره 14400 ج، ولما كان ارتفاع العمارة يبلغ 17.90 متراً وكان ملحوظاً في البيع الذي انعقد برسو المزاد إمكان الارتفاع بمبانيها إلى 24 متراً فقد طلب من الشركة البائعة أن تنص في السند الكتابي المثبت للبيع على تحمل الأساس لهذا الارتفاع ولكنها رفضت رغم إنذارها، وإذ كان تحمل الأساس لهذا الارتفاع من الشروط الجوهرية في التعاقد لأنه ييسر له إقامة طابقين يغلان نصف الإيجار السنوي للعمارة بحالتها الراهنة وبذلك يبلغ إيرادها ما يعادل 5% من ثمنها، فإن الشركة البائعة تكون ملزمة بالضمان لعدم توافر صفة في المبيع كفلت وجودها فيه، ومن ثم فقد أقام الدعوى بطلب مبلغ سبعة آلاف جنيه وهو ما رآه تعويضاً مناسباً. وبتاريخ 9/ 5/ 1965 قضت المحكمة برفض الدعوى، واستأنف المدعي هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة طالباً إلغاءه والحكم له بالتعويض الذي طلبه، وقيد استئنافه برقم 1129 سنة 82 قضائية، وبتاريخ 9/ 11/ 1965 حكمت المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه وبالجلسة المحددة لنظر الطعن أمام هذه الدائرة صممت النيابة على رأيها الوارد في مذكرتها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه، مخالفة القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول إنه أقام الدعوى مؤسسة على ضمان البائع لتخلف صفة كفلها في المبيع وهي تحمل أساس العمارة المبيعة لمبان ارتفاعها 24 متراً، غير أن محكمة أول درجة رفضت الدعوى قولاً منها أن العيب لم يكن خفياً لأن المشتري كان يستطيع أن يتبين مدى تحمل أساس العمارة بوساطة أهل الخبرة قبل الإقدام على الشراء، وما دام قد قصر في هذا فإنه لا ضمان على الشركة البائعة، وأضافت إلى قولها هذا بأن المشتري قد وقع بعد رسو المزاد على عقد دون أن يذكر فيه شيء عن ضمان البائعة، ولما استأنف هذا الحكم عاب عليه معالجته للدعوى على أساس عدم توافر شروط العيب الخفي، ونعى عليه ما توهمه أنه وقع بعد رسو المزاد عقداً خلا من شرط الضمان، ولكن محكمة الاستئناف قضت بتأييد الحكم المستأنف، وأقامت قضاءها على أن تقصير المشتري في معاينة أساس العمارة يرفع عن الشركة البائعة مسئوليتها، وأضافت إلى ذلك أن دفتر الاشتراطات رقم 1 الخاص بقطعة الأرض المقامة عليها العمارة يصرح للمالك أن يرتفع بمبانيها إلى 24 متراً إذا كان الأساس يسمح بذلك دون أن يكون مخالفاً لقيود البناء، وأن المحكمة قد اقتنعت من ظروف الدعوى أن المشتري كان يشتري العمارة بحالتها الراهنة، ثم أحالت إلى أسباب الحكم الابتدائي فيما لا يتعارض مع أسبابها، ويقول الطاعن إن ما قرره الحكم المطعون فيه يخالف القانون لأنه عالج الدعوى على أساس عدم توافر الخفاء في العيب الموجب للضمان، في حين أن الدعوى مؤسسة على ضمان البائعة لتخلف صفة في المبيع كفلتها للمشتري في العقد الذي انعقد برسو المزاد، وهي حالة مستقلة عن حالة العيب الخفي لا يشترط فيها الخفاء. ويضيف الطاعن إلى ذلك قوله، إنه لما كانت أسباب الحكم قد خلت من أي رد على دفاعه القائم على أن دفتر الاشتراطات المقدم من الشركة البائعة لا يتصل بالنزاع لأنه خاص بالبناء في أرض فضاء وأنه لم يوقع على أي عقد خلا من شرط ضمان البائعة، فإن الحكم يكون أيضاً مشوباً بالقصور.
وحيث إن هذا النعي صحيح، ذلك أن الحكم الابتدائي الذي أحال إلى أسبابه الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على قوله "وحيث إنه في الدعوى الراهنة كان في الإمكان للمشتري بواسطة أهل الخبرة قبل الإقدام على المزاد أن يتبين ما إذا كان المبنى يرتفع إلى 24 متراً من عدمه، أما وأنه لم يفعل وأقدم على الشراء، فإنه يكون مقصراً، ولا يعتبر ذلك عيباً في المبيع خصوصاً وأن البائعة رفضت ذكر أن المبنى يتحمل ارتفاعاً مقداره 24 متراً في عقد البيع، وأقبل المشتري على تحرير العقد دون ذكر لهذا الضمان، ومن ثم فلا حق له في طلب التعويض" وأضاف الحكم المطعون فيه إلى ما تقدم قوله "وبما أنه ظاهر من مطالعة دفتر الاشتراطات رقم (1) والخاص بالقطعة التي بها العمارة موضوع الدعوى والمقدم من المستأنف عليها أنه لا يجوز الارتفاع بالمبني إلى أكثر من 24 متراً، وبذلك يكون للمستأنف أساساً أن يرتفع بمبنى العمارة إلى 24 متراً إذا سمح الأساس بذلك دون أن يخالف قيود البناء الواردة في دفتر الاشتراطات سالفة الذكر حتى ولو لم تنص البائعة على ذلك في عقد البيع، ويبقى بعد ذلك البحث فيما إذا كانت العمارة بحالتها الراهنة وقت التعاقد قد تتحمل الارتفاع ببنائها الحالي إلى 24 متراً أم لا، وهل كان في مقدور المستأنف قبل دخول المزاد أن يعاين العمارة بنفسه ومعه أحد أهل الخبرة ويجس أساسها ويقيس ارتفاعها وقوة احتمالها للارتفاع دورين، أما وأنه لم يسلك هذا السبيل فلا يلومن إلا نفسه، هذا فضلاً عن أن المحكمة قد اقتنعت من ظروف الدعوى وملابساتها من إغفال المستأنف القيام بهذا البحث عن قوة احتمال الأساس أنه كان يشتري العمارة بحالتها التي هي عليها وقت الشراء" ولما كان يبين من هذا الذي ذكره الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه أساساً على أنه بفرض صحة ما يذهب إليه الطاعن، من أن أساس العمارة المبيعة لا يتحمل الارتفاع بالمباني إلى 24 متراً، فإن هذا لا يعتبر عيباً في المبيع يوجب ضمان الشركة البائعة لعدم خفائه، إذ كان المشتري يستطيع أن يتبينه بوساطة أهل الخبرة. ولما كان الطاعن قد أقام الدعوى على أساس تخلف صفة في المبيع كفلتها الشركة البائعة في إعلان المزايدة، وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه وإن كان المشرع قد ألحق حالة تخلف الصفة التي كفلها البائع للمشتري بالعيب الخفي، إلا أنه لم يشترط في حالة فوات الصفة ما اشترطه في العيب الذي يضمنه البائع من وجوب كونه مؤثراً وخفياً بل إنه جعل مجرد تخلف الصفة وقت التسليم موجباً لضمان البائع متى قام المشتري بإخطاره، سواء كان المشتري يعلم بتخلفها وقت البيع أو كان لا يعلم، وسواء كان يستطيع أن يتبين فواتها أو كان لا يستطيع. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه لم يعرض لأمر تحقق الصفة في الحدود السالف ذكرها وجرى على أن عدم توفر هذه الصفة عيب في المبيع يشترط فيه ليوجب مسئولية الشركة البائعة توافر الخفاء، فإنه يكون قد خالف القانون، وإذ كان الحكم المطعون فيه لم يضمن أسبابه أي رد على ما هو ثابت من أن الطاعن قد تمسك لدى محكمة الموضوع من أن دفتر اشتراطات البناء لا يتصل بالنزاع لأنه خلص بالبناء في أرض فضاء، والحال أن المبيع عمارة قائمة فعلاً كفلت البائعة في إعلانها عن المزاد تحمل أساسها لمبان ارتفاعها 24 متراً، وأنه لم يوقع بعد رسو المزاد على أي عقد خلا من النص على ضمان البائعة لتخلف صفة في المبيع، وكان من شأن هذا الدفاع إذا صح أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى، ذلك أنه إذا صح أن دفتر الاشتراطات خاص بالبناء في أرض فضاء، فإنه لا يكون ذا أثر على شروط العقد الذي انعقد برسو المزاد إذا كانت الشركة البائعة قد كفلت فيه صفة في المبيع وهي تحمل أساس العمارة لمبان ارتفاعها 24 متراً، وإذا كان المشتري لم يوقع بعد رسو المزاد على أي عقد آخر خلا من النص على ضمان البائعة، فإنه لا يكون قد تنازل عن هذا الضمان، وإذ كان هذا، فإن الحكم يكون أيضاً مشوباً بالقصور. ولا غناء فيما قاله الحكم المطعون فيه من أن المحكمة اقتنعت من ظروف الدعوى وملابساتها أن المشتري كان يشتري العمارة بحالتها الراهنة، ذلك أن محكمة الاستئناف قد أفصحت عن أن هذه الملابسات هي إغفال المشتري بحث مدى قوة احتمال أساس العمارة في حين أنه إجراء لا يتطلبه القانون منه إذا صح أن الشركة البائعة قد كفلت له توفر ذلك في أساس العمارة، ولما كان الحكم المطعون فيه قد تحجب بهذا النظر القانوني الخاطئ السالف بيانه عن بحث شروط التعاقد، ليتبين ما إذا كان صحيحاً أن الشركة البائعة قد كفلت صفة في المبيع أو كان هذا القول غير صحيح وليتبين في حالة كفالة تلك الصفة فواتها من عدمه، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه وإحالة الدعوى إلى محكمة الموضوع.