أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 21 - صـ 513

جلسة 26 من مارس سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ إبراهيم عمر هندي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، والسيد عبد المنعم الصراف، ومحمد سيد أحمد حماد، وعلي عبد الرحمن.

(82)
الطعن رقم 4 لسنة 36 القضائية

( أ ) بيع. "العقد النهائي". التزام. "تنفيذ الالتزام". "الشرط الجزائي." تعويض. عقد.
عقد البيع النهائي دون العقد الابتدائي هو قانون المتعاقدين. خلوه من النص على الشرط الجزائي الوارد بالعقد الابتدائي يدل على تخلي الطرفين عن هذا الشرط.
(ب) محكمة الموضوع. "سلطتها في تفسير العقود". عقد.
سلطة محكمة الموضوع في تفسير العقود واستظهار نية طرفيها. مناط ذلك.
1 - العقد النهائي دون العقد الابتدائي هو الذي تستقر به العلاقة بين الطرفين ويصبح قانون المتعاقدين، وإذ يبين من العقد النهائي أنه قد خلا من الشرط الجزائي المنصوص عليه في العقد الابتدائي، فإن هذا يدل على أن الطرفين قد تخليا عن هذا الشرط وانصرفت نيتهما إلى عدم التمسك به أو تطبيقه.
2 - لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تفسير العقود والشروط المختلف عليها بما تراه أوفى بمقصود العاقدين مستعينة في ذلك بجميع ظروف الدعوى وملابساتها ولا رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك، متى كان تفسيرها تحتمله عبارة هذه الشروط ولا خروج فيها على المعنى الظاهر لها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن عبد الحليم نعمان حسن أبو سمرة - الطاعن - أقام الدعوى رقم 262 سنة 1964 كلي دمياط ضد نعيم نعمان حسن أبو سمرة - المطعون عليه - طالباً إلزامه بأن يدفع له مبلغ 1000 جنيه على سبيل التعويض مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وشمول الحكم بالنفاذ المعجل وبلا كفالة، وقال في بيان دعواه إنه بموجب عقد مؤرخ 5/ 5/ 1955 باع له المدعى عليه 18 ف بثمن قدره 4500 جنيه دفع وقت التعاقد وأن القدر المبيع آل إلى البائع بموجب عقد قسمة عرفي تم بينه وبين أخيه سعد وتعهد المدعى عليه فيه بالتوقيع على عقد البيع النهائي عند طلبه بمجرد تسجيل عقد القسمة، واتفقا على أن يلتزم كل من يخل أو يخالف أي شرط من شروط العقد بتعويض قدره ألف جنيه للطرف الآخر، وأنه قدم طلب الشهر برقم 842 سنة 56 فارسكور، وحرر العقد النهائي وتأشر عليه برقم 260 سنة 57، إلا أن المدعى عليه امتنع عن التوقيع عليه رغم إنذاره رسمياً في 25/ 2/ 56، ثم عاد فقدم طلب الشهر برقم 386 سنة 61 وأنذره في 25/ 11/ 61 للحضور إلى مكتب الشهر بدمياط للتوقيع على العقد النهائي، ولما لم يحضر حرر محضراً بغيبته ورفع دعوى بصحة العقد، إلا أنه لم يقيدها لقيام المدعى عليه بالتوقيع على العقد في 14/ 12/ 1961 وقد ترتب على التراخي في التوقيع على العقد النهائي إلى ما بعد صدور القانون 127 سنة 61 أن استولى الإصلاح الزراعي على المساحة المبيعة لانطباق ذلك القانون على البائع مما اضطره لرفع اعتراض عن هذا الاستيلاء انتهى الأمر فيه إلى الاعتداد بالتصرف، ولقد تحمل بسبب ذلك نفقات باهظة في التقاضي أمام المحاكم، كما أوقع الإصلاح الزراعي ضده حجزين إداريين وفاء لإيجار الأطيان المبيعة عن سنتي 62، 63 واضطر لدفع إيجار سنة 62، وتحمل كذلك فرق رسوم التسجيل التي زادت بمقتضى القانون في الفترة بين تاريخ الإنذار الحاصل في 25/ 2/ 1959 وبين تاريخ التوقيع على العقد في 4/ 12/ 1961، وإذ كان يستحق مقابل هذه الأضرار التعويض المتفق عليه والبالغ 1000 جنيه فقد انتهى إلى طلب الحكم له بهذا المبلغ، ورد المدعى عليه بأنه تعهد في البند السابع من العقد بتنفيذ التزامه بالتوقيع فور تسجيل عقد القسمة الذي ترك تحت يد المدعي 200 جنيه لحساب تسجيله، وإذ تم هذا التسجيل بتاريخ 2/ 11/ 1961 فقد وقع على عقد البيع النهائي في 14/ 12/ 1961، فضلاً عن أن المدعي لم يصب بضرر نتيجة هذا التأخير، إذ تسلم الأطيان وأجرها للغير وحصل أجرتها، وأنه غير مسئول عن بطء الإجراءات أو صدور قانون الإصلاح الزراعي أو تعديل رسوم التسجيل، وفي 5/ 5/ 1965 حكمت المحكمة بإلزام المدعى عليه بأن يدفع للمدعي مبلغ 1000 جنيه على سبيل التعويض والمصاريف ومبلغ 10 جنيه مقابل أتعاب المحاماة وأمرت بالنفاذ المعجل وبلا كفالة، واستأنف المدعى عليه هذا الحكم لدى محكمة استئناف المنصورة طالباً الحكم (أولاً) وبصفة مستعجلة بإلغاء وصف النفاذ المشمول به الحكم أو بوقفه (ثانياً) وبصفة عادية بإلغاء الحكم المستأنف بكامل أجزائه والقضاء برفض الدعوى مع إلزام المستأنف عليه بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين، وقيد استئنافه برقم 162 سنة 17 ق، وفي 24/ 11/ 1965 حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى وألزمت المستأنف عليه بالمصروفات عن الدرجتين ومبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة. وطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة في التقرير وعرض الطعن على هذه الدائرة حيث أصر الطاعن على طلب نقض الحكم وطلب المطعون عليه رفض الطعن وأصرت النيابة على رأيها الذي أبدته بمذكرتها وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن حاصل السبب الأول، أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على ما قرره من أن عدم إيراد الشرط الجزائي في العقد النهائي يفيد التنازل عنه، وهو منه خطأ في تطبيق القانون وفساد في الاستدلال ومخالفة للثابت في الأوراق، ذلك أن ما يرد بالعقد النهائي من شروط إنما ينصرف إلى الحقوق المستقبلة التي تسري على الطرفين، أما ما سبق ذلك من أضرار تكون قد لحقت بالمشتري فليس من شأن النصوص التي ترد في العقد النهائي معالجتها، بل يجب الرجوع إلى العقد الابتدائي أو إلى القواعد القانونية العامة، وليس من المستساغ عقلاً أن يرد في العقد النهائي اتفاق على أمر مختلف عليه بين الطرفين هو تراخي أو عدم تراخي البائع في التوقيع عليه، كما أنه ليس من المستساغ القول بأن عدم ورود الشرط الجزائي في العقد النهائي يفيد التنازل عنه، إذ أن التنازل عن الحق يجب أن يكون صريحاً ولا يؤخذ بالظن، وإذ كان الثابت أن الطاعن تمسك بالشرط الجزائي طوال الفترة التي تراخى فيها البائع وتحدى به في إنذاري 25/ 2/ 59، 25/ 11/ 61 فلا يجوز أن ينسب إليه التنازل عنه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن العقد النهائي دون العقد الابتدائي هو الذي تستقر به العلاقة بين الطرفين ويصبح قانون المتعاقدين، ولما كان يبين من عقد البيع النهائي المشهر بتاريخ 14/ 12/ 1961 أنه قد خلا من النص على الشرط الجزائي المنصوص عليه في البند الثامن من عقد البيع الابتدائي أو الإحالة إليه، فإن هذا يدل على أن الطرفين قد تخليا عن هذا الشرط وانصرفت نيتهما إلى عدم التمسك به أو تطبيقه، إذ كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر، فإنه لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون أو شابه فساد في الاستدلال.
وحيث إن حاصل السبب الثاني أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وشابه القصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه رفع دعواه بالتعويض بسبب تخلف المطعون عليه عن التوقيع على العقد النهائي، وفصل أوجه الضرر فيما تكبده من رسوم تسجيل بواقع 7% بدلاً من 5% وما غرمه من مصاريف قضائية وغير قضائية في رفع دعوى صحة ونفاذ العقد ومواجهة الإصلاح الزراعي بالعقد ورفع اعتراض أمام اللجنة القضائية للإصلاح الزراعي، وطلب إلزام المطعون عليه بمبلغ التعويض على أنه تعويض اتفاقي، وبفرض أن عدم إيراد الشرط الجزائي بالعقد النهائي يوجب عدم إعماله - وهو ما لا يسلم به - فإنه ما كان يحل لمحكمة الموضوع أن تحكم برفض الدعوى بناء على هذا النظر، بل كان عليها أن تواجه الدعوى بوصفها دعوى تعويض عادية لم يتفق الطرفان فيها مقدماً على مقدار التعويض، وتبحث أركانها وتقضي فيها وفقاً للقواعد العامة، وإذ بين الطاعن بدعواه أمام محكمة أول درجة الأضرار التي أصابته بسبب تأخر المطعون عليه في التوقيع على العقد النهائي، كما نبه محكمة الاستئناف إلى ذلك بمذكرته المقدمة لجلسة 24/ 11/ 1965 مبرزاً استناده احتياطياً لنصوص القانون العامة في التعويض ولم تفطن محكمة الموضوع لكل ذلك، فإنها تكون قد خالفت القانون وشاب حكمها قصور مبطل له، حتى لو سلم جدلاً بوجهة نظرها بشأن عدم قيام الشرط الجزائي. ويتحصل السبب الثالث في أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وخالف الثابت في الأوراق وأغفل الفصل في دفاع جوهري، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن دفاع المطعون عليه قام على أنه ما دام عقد القسمة لم يسجل فهو في حل من التوقيع على العقد النهائي، بينما قام دفاع الطاعن على أن التزام البائع بالتوقيع على العقد النهائي هو التزام واجب النفاذ فوراً، إذ وضع ذلك الشرط لصالحه هو وعلى اعتبار أنه ليس بمستطاع التوقيع على العقد النهائي قبل تسجيل التصرفات التي آل بمقتضاها الملك للبائع، وما دام قد اقتنع مكتب الشهر بالتأشير على مشروع العقد لصلاحيته للشهر ولو لم يسجل عقد القسمة المبرم بين البائع وأخيه، اعتباراً بأنه يجوز للشريك على الشيوع أن يبيع نصيبه مفرزاً فليس للبائع أن يمتنع عن التوقيع على ذلك المشروع بعد التأشير عليه بصلاحيته للشهر في 13/ 5/ 1957 بمقولة إن عقد القسمة لم يسجل، ولقد أخذ الحكم بدفاع المطعون عليه وقرر أنه بفرض قيام الشرط الجزائي فإن البائع لم يتخلف عن تنفيذ التزامه الذي علق على تسجيل عقد القسمة وأوفى به بمجرد تسجيله، مع أن عقد القسمة قد تسجل في 14/ 10/ 1961 وأنذر الطاعن المطعون عليه في 25/ 11/ 1961 للتوقيع على العقد محدداً له يوم 30/ 11/ 1961، ولما لم يحضر حرر له الموثق محضر غياب، ولم يعرض الحكم لدفاعه مع أنه دفاع جوهري لو عرض له لتغير وجه الرأي في الدعوى، كما أغفل التحدث عما إذا كان البائع يعتبر متخلفاً عن القيام بالتزامه إذا تراخى في تسجيل عقد القسمة المشار إليه ما يزيد على ست سنوات مع أن التزامه في هذا الخصوص واجب النفاذ فوراً أو في أجل معقول، وليس من المستساغ أن يمتد إلى ست سنوات مع إلحاح المشتري المتواصل وإنذاره رسمياً، وبذلك فقد أخطأ الحكم في تطبيق القانون وخالف الثابت في الأوراق وشابه قصور في التسبيب.
وحيث إن النعي في هذين السببين مردود، ذلك أن الحكم المطعون فيه بعد أن استخلص تخلى الطرفين عن الشرط الجزائي بعدم النص عليه في العقد النهائي أضاف إلى ذلك قوله "إنه فضلاً عن ذلك فإن البند السابع من العقد الابتدائي قد تضمن تعهداً من البائع بالتوقيع على العقد النهائي بمجرد إتمام تسجيل عقد القسمة الذي لم يكن قد تم تسجيله بعد، وهو تعهد مشروط بتسجيل عقد القسمة دون تحديد أجل لتسجيل هذا العقد أو التوقيع على العقد النهائي وقد قام المستأنف بتنفيذ تعهده بالتوقيع على العقد بمجرد تسجيل عقد القسمة، ومن ثم فلا محل للقول بأنه أخل بالتزامه التعاقدي أو أن هناك تقصيراً من جانبه في التوقيع على العقد يصح مساءلته عنه" وهذا الذي أورده الحكم وانتهى إليه لا يخرج عن كونه تفسيراً لما تضمنه البند السابع من العقد الابتدائي، وإذ كان لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تفسير العقود والشروط المختلف عليها بما تراه أوفى بمقصود العاقدين، مستعينة في ذلك بجميع ظروف الدعوى وملابساتها، ولا رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك متى كان تفسيرها تحتمله عبارة هذه الشروط ولا خروج فيها على المعنى الظاهر لها، وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص من العقد الابتدائي والبند السابع منه الذي جرى نصه على أن "يقر الطرف الأول (البائع) أنه يملك الأطيان المبيعة بموجب عقد قسمة بينه وبين شقيقه مسعد نعمان حسن أبو سمرة وهذا العقد لم يتم تسجيله بعد وبمجرد إتمام تسجيل هذا العقد فإن الطرف الأول يتعهد بالتوقيع على العقد النهائي متى طلب إليه الطرف الثاني" - بأن نية الطرفين قد اتجهت إلى إرجاء تنفيذ التزام المطعون عليه بالتوقيع على العقد النهائي إلى ما بعد تسجيل عقد القسمة المبرم بين البائع وشقيقه وأن المطعون عليه قد التزم حدود هذا الاتفاق، ورتب على ذلك انتفاء الخطأ الموجب لمسئوليته، وكانت عبارات هذا السند تؤدي إلى ما استخلصه منها، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من مخالفة للقانون وخطأ في تطبيقه وتأويله وقصور في التسبيب وفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت في الأوراق يكون على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.