أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 21 - صـ 524

جلسة 31 من مارس سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: بطرس زغلول، وأحمد حسن هيكل، وعباس حلمي عبد الجواد، وإبراهيم علام.

(84)
الطعن رقم 597 لسنة 35 القضائية

تنظيم. "تنفيذ قرارات الهدم". مباني. "المنشآت الآيلة للسقوط". قرار إداري. "تنفيذ الأمر الإداري". مسئولية. إيجار.
صدور قرار من السلطة القائمة على أعمال التنظيم بهدم البناء الآيل للسقوط. تنفيذ هذا القرار في غير أحوال الخطر الداهم والضرورة القصوى بإخلاء العقار وهدمه. شرطه. صدور حكم قضائي بذلك. التزام المالك وجهة التنظيم به.
مفاد نص المادة السابعة من القانون رقم 605 لسنة 1954 في شأن المنشآت الآيلة للسقوط بعد تعديلها بالقانون رقم 289 لسنة 1956، مرتبطاً بباقي أحكام القانون المذكورة وما أوضحته مذكرته الإيضاحية، أن للسلطة القائمة على أعمال التنظيم في حالة الضرورة القصوى التي تهدد البناء بالانهيار العاجل أن تأمر بهدمه بعد موافقة اللجنة المشار إليها بالمادة سالفة الذكر، مما مؤداه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن المشرع أراد الخروج عن الأصل العام بالنسبة لقرارات الهدم التي تصدرها السلطة القائمة على أعمال التنظيم في غير أحوال الخطر الداهم والضرورة القصوى، فلم يجعل للإدارة حق تنفيذها بالطريق المباشر عند امتناع ذوي الشأن عن تنفيذها اختياراً، بل علق جواز تنفيذها على صدور حكم من القضاء في هذا الخصوص. وإذ أجازت المادة الثانية فقرة (د) من القانون رقم 121 لسنة 1947 بشأن إيجار الأماكن، للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان المؤجر إذا ثبت أنه أصبح آيلاً للسقوط ويخشى منه على سلامة السكان، وأوجبت المادة 15/ 1 على المؤجر أن يقدم طلب الإخلاء إلى المحكمة الابتدائية المختصة طبقاً للإجراءات التي رسمها ذلك القانون للحصول على حكم بالإخلاء، وكان المشرع قد أخضع - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - قرارات الهدم لرقابة المحكمة الجنائية، وعلق تنفيذها على صدور حكم من تلك المحكمة بإجراء الهدم، وذلك على خلاف الأصل العام الذي يقضي بخروج الأمر الإداري عن رقابة المحاكم وبقابليته للتنفيذ المباشر [(1)] فإن مؤدى هذه الأحكام أنه ليس للسلطة القائمة على التنظيم أو لمالك العقار - إذا كان هو الذي استصدر قراراً من هذه السلطة بهدمه على اعتبار أنه آيل للسقوط - تنفيذ هذا القرار بمجرد صدوره بإخلاء العقار من السكان والقيام بهدمه فعلاً، وإنما يجب على أي منهما حتى يستطيع تنفيذ ذلك القرار أن يتخذ الإجراءات التي رسمها القانون على الوجه السالف البيان.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 5964/ 62 مدني كلي القاهرة ضد وزارة الأوقاف - الطاعنة - وطلب الحكم بإلزامها بأن تدفع له مبلغ 2817 ج، وقال بياناً لدعواه إن مصلحة الضرائب كانت قد اتخذت إجراءات لبيع مقهى "بلافيستا" الكائن بالمبنى رقم 4 بميدان رمسيس ضد يني افروسيتي الذي كان يستأجره من وزارة الأوقاف وفاء لدين الضريبة المستحقة في ذمته، وقد رسا المزاد عليه في 24 مارس سنة 1958، غير أنه فوجئ في 12 من أكتوبر سنة 1958 بإخطار من وزارة الأوقاف تنبه عليه فيه بإخلاء المقهى المذكور لرغبتها في هدم البناء الذي يقع فيه وإعادة بنائه بشكل أوسع، وعلى الرغم من اعتراضه على الوزارة الطاعنة بأن مندوبها حضر جلسة المزاد السالفة الذكر ولم ينبه المزايدين إلى أنها كانت تنتوي هدم المقهى، فقد استصدرت قراراً من بلدية القاهرة بتاريخ 18 يونيه سنة 1960 بهدم البناء بحجة وجود خلل فيه، وقامت فعلاً بهدم العقار المجاور له ثم الأدوار العليا منه بقصد إجباره على إخلاء المقهى الذي يقع فيه وحرمانه من الانتفاع به، مما دعاه إلى رفع الدعوى رقم 865/ 61 مدني مستعجل القاهرة بطلب إثبات حالة بناء ذلك المقهى، وإذ أثبت الخبير في تقريره أن ذلك البناء سليم وأن الطاعنة بدأت في هدم العقار المجاور له والأدوار العليا منه دون أن تتخذ الاحتياطات المناسبة ولم تلتزم الطريق القانوني لإخلاء المقهى وعمدت إلى مباشرة أعمال الهدم في العقار المجاور والأدوار العليا من المبنى الذي به المقهى لإجباره على إخلائه، وقد أدى ذلك إلى إلحاق الضرر به بما يقدر بالمبلغ السالف الذكر فقد أقام دعواه للمطالبة به. دفعت الطاعنة بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة وطلبت في الموضوع رفض الدعوى تأسيساً على أنها هدمت المبنى الذي يقع به المقهى بناء على القرار الذي استصدرته بذلك من بلدية القاهرة بعد موافقة اللجنة المختصة في هذا الشأن. وبتاريخ 31 ديسمبر سنة 1964 قضت محكمة أول درجة برفض الدفع وبإلزام الطاعنة بأن تدفع للمطعون ضده المبلغ المطالب به. استأنفت الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 439/ 82 ق، وبتاريخ 30 من أكتوبر سنة 1965 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وفي الجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة بهذا الرأي.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين تنعى الطاعنة بالسبب الأول منهما على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك تقول إنها دفعت بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة، تأسيساً على أن المطعون ضده لم يكن هو الشخص الذي رسا عليه مزاد بيع المقهى موضوع النزاع، وأنه بالتالي لا تربطه بوزارة الأوقاف - الطاعنة - علاقة إيجارية تخوله أن يقيم عليها دعوى التعويض عن قيامها بهدم المبنى الذي يقع فيه، وقد رفض الحكم المطعون فيه هذا الدفع بناء على ما ذهب إليه من أن انتفاع المطعون ضده بذلك المقهى كان نتيجة لموافقة الوزارة الضمنية على أن يشغله، واستدل الحكم على هذه الموافقة بأن الوزارة كانت على علم بحيازة المطعون ضده لذلك المقهى منذ بيعه بالمزاد، وأنها وجهت إليه إخطاراً تنبه عليه فيه بإخلائه وقعدت عن اتخاذ الإجراءات لطرده منه، هذا في حين أنه لم يقم دليل من الأوراق على صحة ما ذهب إليه الحكم في هذا الخصوص، بل إن الثابت أنه لم يصدر من الوزارة ما ينم عن موافقتها على شغل المطعون ضده للمقهى وأنها استصدرت من بلدية القاهرة قراراً في سنة 1960 بهدم المبنى الذي يقع فيه ذلك المقهى، وأعقبت ذلك بإقامة الدعوى رقم 3708/ 60 مدني كلي القاهرة بطلب طرده منه، وهو مما يعيب الحكم بالفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان الحكم المطعون فيه أقام قضاءه برفض الدفع على أن مصلحة الضرائب اتخذت الإجراءات لبيع المقهى موضوع النزاع جبراً على يني أفروسيتي الذي يستأجره من وزارة الأوقاف - الطاعنة - وذلك لعدم قيامه بالوفاء بالضريبة المستحقة عليه، وأنه وإن رسا مزاد بيع ذلك المقهى بجميع مشتملاته المادية والمعنوية بناء على هذه الإجراءات على من يدعى ممدوح السواح أحمد، إلا أن المطعون ضده هو الذي شغل ذلك المقهى منذ رسو المزاد وقام بترميمه وأدخل عليه تحسينات كما زوده بالمنقولات اللازمة لاستغلاله وتم المخاطبات بينه وبين الوزارة على أساس أنه هو الذي يشغل المقهى بعد رسو المزاد، لما كان ذلك، فإن ما قرره الحكم المطعون فيه من أن المطعون ضده هو الذي كان يشغل العقار وله الحق في طلب التعويض عما لحقه من ضرر بفعل الطاعنة، يكون قد أقيم على أسباب سائغة تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها. وإذ رتب الحكم على ذلك قضاءه برفض الدفع، فإن النعي عليه بالفساد في الاستدلال في هذا الخصوص يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، وتقول في بيان ذلك إنها تمسكت أمام محكمة الموضوع بأنها استصدرت قراراً من الجهة المختصة بهدم المبنى الذي يقع به المقهى موضوع النزاع باعتبار أنه آيل للسقوط وأخطرت ساكنيه بذلك القرار فاستجابوا له جميعاً وأخلوا المبنى فيما عدا المطعون ضده الذي ظل شاغلاً المقهى المشار إليه حتى إذا أقامت عليه الوزارة الدعوى رقم 3708/ 61 مدني كلي القاهرة بطلب طرده منه، سارع إلى تركه وإخلائه مما فيه ومكن الوزارة بذلك وبعد مضي عام على صدور قرار الهدم - من أن تهدم المبنى المذكورة إلى مستوى سطح الأرض، غير أن الحكم المطعون فيه ذهب في الرد على هذا الدفاع إلى أن الوزارة كانت قد عقدت العزم على هدم ذلك البناء لا لأنه آيل للسقوط بل لرغبتها في إعادة بنائه بشكل أوسع وشرعت فعلاً في هدم العقار المجاور له ثم هدمت الأدوار العليا من ذلك البناء بعد أن استصدرت قراراً من بلدية القاهرة بهدمه ودون القيام بالإجراءات التي يستوجبها القانون لتنفيذ قرار الهدم وبغير اتخاذ الاحتياطات الواجبة للمحافظة على سلامة مبنى المقهى بما أدى إلى حصول "تشريكات" فيه، وترى الطاعنة أن الحكم لم يبين ماهية الإجراءات القانونية الواجب القيام بها في هذا الخصوص، وإذ كان الثابت أن قرار الهدم قد صدر بناء على وجود خلل في البناء، فإن ذلك يدل على أن "التشريكات" المشار إليها كانت موجودة قبل صدور ذلك القرار، وبفرض وجودها بعده، فإنه لم يثبت أن فعلاً إيجابياً قد وقع من الوزارة في ذات المبنى أدى إلى حدوث "التشريكات" فيه، مما ينتفي معه خطأ الطاعنة ويؤدي إلى عدم مساءلتها عن الضرر الذي أصاب المطعون ضده، وهو مما يعيب الحكم بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن المادة السابعة من القانون رقم 605 لسنة 1954 في شأن المنشئات الآيلة للسقوط بعد تعديلها بالقانون رقم 289 لسنة 1956 المنطبق على واقعة الدعوى، إذ نصت على أنه "يجوز للسلطة القائمة على أعمال التنظيم في أحوال الخطر الداهم إخلاء البناء وكذلك المباني المجاورة عند الضرورة من السكان بالطريق الإداري واتخاذ ما تراه لازماً من الاحتياطات والتدابير في فترة لا تقل عن أسبوع، إلا في حالة تهديد البناء بالانهيار العاجل فيكون لها الحق في القيام بإخلائه فوراً، كما تكون لها في حالة الضرورة القصوى هدم البناء بعد موافقة لجنة برياسة قاض يندبه رئيس المحكمة الابتدائية الكائن في دائرتها العقار وعضوية اثنين من المهندسين يصدر بتعينهما قرار من وزير الشئون البلدية، وعلى السلطة القائمة على أعمال التنظيم أن تعلن أولي الشأن بالحضور أمام اللجنة وتصدر قرارها مسبباً خلال أسبوع من تاريخ عرض الأمر عليها بعد سماع أقوال الخصوم وعمل المعاينات والتحقيقات المستعجلة التي ترى ضرورة لها" فإن مفاد هذا النص مرتبطاً بباقي أحكام القانون المشار إليه وما أوضحته مذكرته الإيضاحية من أن للسلطة القائمة على أعمال التنظيم في حالة الضرورة القصوى التي تهدد البناء بالانهيار العاجل أن تأمر بهدمه بعد موافقة اللجنة المشار إليها بالمادة السابعة سالفة الذكر، مما مؤداه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن المشرع أراد الخروج عن الأصل العام بالنسبة لقرارات الهدم التي تصدرها السلطة القائمة على أعمال التنظيم في غير الأحوال الخطر الداهم والضرورة القصوى فلم يجعل للإدارة حق تنفيذها بالطريق المباشر عند امتناع ذوي الشأن عن تنفيذها اختياراً بل علق جواز تنفيذها على صدور حكم من القضاء في هذا الخصوص. وإذ أجازت المادة الثانية فقرة "د" من القانون رقم 121 لسنة 1947 بشأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين الذي يحكم واقعة الدعوى للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان المؤجر إذا ثبت أنه أصبح آيلاً للسقوط ويخشى منه على سلامة السكان، وأوجبت المادة 15 فقرة أولى من هذا القانون على المؤجر أن يقدم طلب الإخلاء إلى المحكمة الابتدائية المختصة طبقاً للإجراءات التي رسمها ذلك القانون للحصول على حكم بالإخلاء، وكان المشرع قد أخضع - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - قرارات الهدم لرقابة المحكمة الجنائية، وعلق تنفيذها على صدور حكم من تلك المحكمة بإجراءات الهدم وذلك على خلاف الأصل العام الذي يقضي بخروج الأمر الإداري عن رقابة المحاكم وبقابليته للتنفيذ المباشر فإن مؤدى هذه الأحكام أنه ليس للسلطة القائمة على التنظيم أو لمالك العقار - إذا كان هو الذي استصدر قراراً من هذه السلطة بهدمه على اعتبار أنه آيل للسقوط - تنفيذ هذا القرار بمجرد صدوره بإخلاء العقار من السكان والقيام بهدمه فعلاً وإنما يجب على أي منهما حتى يستطيع تنفيذ ذلك القرار أن يتخذ الإجراءات التي رسمها القانون على الوجه السالف البيان، لما كان ذلك وكان الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه قد حصل من واقع الدعوى ومن الأوراق المقدمة فيها أن الوزارة الطاعنة عمدت - بعد أن استصدرت قراراً من بلدية القاهرة في 18 يوليه سنة 1960 بهدم المبنى الذي يقع فيه المقهى موضوع النزاع حتى سطح الأرض - إلى تنفيذ هذا القرار دون أن تتخذ الطريق الذي رسمه القانون لهدمه، واستدل الحكم على ذلك بمذكرة المراقب العام لمراقبة تنظيم الوايلي المؤرخة 9 نوفمبر سنة 1960 والتي اطلع عليها الخبير الذي ندبته محكمة أول درجة في دعوى إثبات الحالة رقم 865/ 61 مدني مستعجل القاهرة والتي كان المطعون ضده قد رفعها على الطاعنة إثر حصول الهدم والتي أرفق الخبير صورة منها بتقريره، وإذ خلص الحكم من ذلك إلى أن الطاعنة "كانت قد انتوت وأعملت رأيها على هدم العقار غير عابئة بحقوق شاغليه فكلفت المقاول بتنفيذ عملية الهدم دون أن تضع في اعتبارها ما يصيب شاغليه من ضرر في أموالهم وممتلكاتهم وقد يصل إلى أرواحهم ودون أن تسلك السبيل السوي أولاً" وكان هذا الذي استخلصه الحكم يؤدي إلى ما انتهى إليه من مساءلة الطاعنة عن الضرر الذي أصاب المطعون ضده من عملية الهدم المشار إليها، وكان الحكم قد أشار في مقام التدليل على خطأ الطاعنة بهدم البناء إلى أنه كان يتعين عليها أن ترفع دعوى الإخلاء ابتداء وقبل الشروع في الهدم وهو ما يعد منه تحصيلاً لماهية الإجراءات القانونية الواجب اتخاذها في هذا الخصوص. لما كان ما تقدم فإن النعي على الحكم بالفساد في الاستدلال وبالقصور في التسبيب في هذا الخصوص يكون على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.


[(1)] نقض 30 مارس سنة 1967 - مجموعة المكتب الفني س 18 ص 733.