أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 21 - صـ 531

جلسة 31 من مارس سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: بطرس زغلول، وأحمد حسن هيكل، وإبراهيم علام، ومحمد أسعد محمود.

(85)
الطعن رقم 38 لسنة 36 القضائية

( أ ) إثبات. "البينة". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". نقض. "أسباب الطعن".
استقلال قاضي الموضوع بتقدير أقوال الشهود طالما لم يخرج عن مدلولها. عدم جواز إثارة الجدل في هذا الشأن أمام محكمة النقض.
(ب) بيع. "انعقاد البيع" عقد. "تكييف العقد". صورية. هبة.
التصرف المنجز. صحيح سواء أكان العقد في حقيقته بيعاً أو هبة مستترة في عقد بيع استوفى الشكل القانوني.
(ج) وارث. "التحايل على أحكام الإرث". بيع. "بيع المورث لأحد الورثة". تركة. نظام عام.
أحكام الإرث المتصلة بقواعد التوريث وأحكامه من النظام العام. عدم جواز التحايل عليها. التصرفات المنجزة الصادرة من المورث حال صحته لأحد الورثة أو لغيرهم. صحيحة ولو ترتب عليها حرمان بعض الورثة أو التقليل من أنصبتهم في الميراث.
1 - تقدير أقوال الشهود مرهون بما يطمئن إليه وجدان قاضي الموضوع ولا سلطان لأحد عليه في ذلك؛ إلا أن يخرج بتلك الأقوال إلى ما لا يؤدي إليه مدلولها. ولمحكمة الموضوع السلطة في بحث الدلائل والمستندات المقدمة لها وفي موازنة بعضها بالبعض الآخر، وترجيح ما تطمئن نفسها إليه ترجيحه منها وفي استخلاص ما ترى أنه واقعة الدعوى، وذلك بمنأى عن رقابة محكمة النقض.
2 - إذا كان التصرف منجزاً فإنه لا يتعارض مع تنجيزه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - عدم استطاعة المتصرف إليه دفع الثمن المبين بالعقد، لأن التصرف الناجز يعتبر صحيحاً سواء أكان العقد في حقيقته بيعاً أو هبة مستترة في عقد بيع استوفى شكله القانوني [(1)].
3 - التحايل الممنوع على أحكام الإرث لتعلق الإرث بالنظام العام هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ما كان متصلاً بقواعد التوريث وأحكامه المعتبرة شرعاً، كاعتبار شخص وارثاً وهو في الحقيقة غير وارث أو العكس، وكذلك ما يتفرع عن هذا الأصل من التعامل في التركات المستقبلة كإيجاد ورثة قبل وفاة المورث غير من لهم حق الميراث شرعاً أو الزيادة أو النقص في حصصهم الشرعية، ويترتب على هذا أن التصرفات المنجزة الصادرة من المورث في حالة صحته لأحد ورثته أو لغيرهم تكون صحيحة، ولو كان يترتب عليها حرمان بعض ورثته أو التقليل من أنصبتهم في الميراث، لأن التوريث لا يقوم إلا على ما يخلفه المورث وقت وفاته أما ما يكون قد خرج من ماله حال حياته فلا حق للورثة فيه [(2)].


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 383 سنة 1962 شبين الكوم الابتدائية بصحيفة معلنة إلى المرحوم عبد المجيد بدوي مليك في 15/ 9/ 1962 طلب فيها الحكم بصحة ونفاذ العقد المؤرخ 9/ 1/ 1958 والمتضمن بيعه له عمارة وأطياناً زراعية مساحتها 22 ف و3 ط مبينة الحدود والمعالم بالعقد وبصحيفة الدعوى، وقال شرحاً لدعواه إنه بموجب العقد سالف البيان باع له المرحوم عبد المجيد بدوي مليك والده ووالد مورث الطاعنين العقارات المشار إليها مقابل ثمن قدره 2500 جنيه دفع منه 2000جنيه عند التوقيع على العقد ودفع الباقي بتاريخ 30/ 9/ 1958 وإذ رفض البائع أن يسلمه مستندات التمليك فقد أقام دعواه للحكم له بطلباته. وبجلسة 2/ 10/ 1962 حكمت المحكمة بانقطاع سير الخصومة بوفاة المدعى عليه فعجلها المطعون عليه ضد مورث الطاعنين عبد العزيز عبد المجيد بدوي مليك الذي دفع بأنه يجهل توقيع مورثه على العقد وحلف اليمين على ذلك، وبتاريخ 2/ 4/ 1963 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون عليه أن بصمتي الختم والإبهام المذيل بهما عقد البيع هما لمورثه، وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين تنازل مورث الطاعنين عن الدفع بالجهالة، وطعن على عقد البيع بأنه يخفي وصية. وبتاريخ 25/ 6/ 1963 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت مورث الطاعنين أن عقد البيع المؤرخ 9/ 1/ 1958 ليس بيعاً منجزاً، ولم يدفع فيه ثمن وأنه ينطوي على وصية. وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين حكمت بتاريخ 11/ 2/ 1964 بصحة ونفاذ عقد البيع بالنسبة لثلث العمارة والأطيان الزراعية الواردة بالعقد ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. استأنف المطعون عليه هذا الحكم بالاستئناف رقم 128 سنة 14 ق مدني طنطا. وبتاريخ 22/ 11/ 1965 حكمت المحكمة بتعديل الحكم المستأنف وبصحة ونفاذ العقد عن القدر بأكمله. طعن ورثة المرحوم عبد العزيز عبد المجيد بدوي مليك في هذا الحكم بطريق النقض. وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة برأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى الطاعنون بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقولون إن الحكم أقام قضاءه على أن عقد البيع الصادر من المرحوم عبد المجيد بدوي مليك مورث الطرفين إلى المطعون عليه لا يخفي وصية، تأسيساً على عدم قيام دليل على توافر الشرطين المنصوص عليهما في المادة 917 من القانون المدني لاعتبار التصرف وصية، وهما احتفاظ المورث بحيازة العقارات التي تصرف فيها وبحقه في الانتفاع بها مدى حياته، هذا في حين أن شهود مورث الطاعنين أجمعوا على أن المرحوم عبد المجيد بدوي مليك مورث الطرفين ووالدهما ظل يحتفظ بحيازة العقارات المبيعة حال حياته، وعلى أن وضع يد المطعون عليه وتحرير عقود الإيجار باسمه مع المستأجرين للعمارة إنما كان بطريق النيابة عن والده، وإذ قرر الحكم رغم ذلك بعدم توافر شرطي المادة 917 سالفى البيان فإنه يكون معيباً بالفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن أورد الشرطين اللازمين لقيام القرينة القانونية المنصوص عليها في المادة 917 من القانون المدني لاعتبار التصرف الصادر من المورث إلى أحد ورثته يخفي وصية، وهما احتفاظ المتصرف بحيازة العين المتصرف فيها وباحتفاظه بحقه في الانتفاع بها لحساب نفسه مدى حياته، قرر الحكم بعد ذلك في شأن عدم توافر هذين الشرطين بالنسبة للتصرف المطعون فيه ما يلي" إن كلا الشرطين الواردين بالمادة 917 من التقنين المدني غير متوافرين، إذ لا دليل على أن المتصرف ظل محتفظاً بحيازته للعمارة والأرض موضوع الدعوى حتى وفاته وأن له حق الانتفاع بها مدى حياته، بل إن المستفاد من ظروف الدعوى وملابساتها وقرائن الأحوال فيها والمستندات المقدمة من المستأنف - المطعون عليه - والسابق بيانها أن المتصرف قد هجر التجارة نهائياً ومحا اسمه من السجل التجاري برقم 6376 في 14/ 1/ 1956 وأنه منذ هذا التاريخ اشتغل المستأنف بالعمل في محل التجارة (الورشة) وطالبته مصلحة الضرائب بسداد المستحق على نشاطه بالمحل منذ هذا التاريخ عن السنوات من سنة 1956 حتى سنة 1961 بتنبيهات مختلفة كما قام بسداد رسوم البلدية باسمه وقدم الوصول الدالة على ذلك والمؤرخة 5/ 5/ 1960 و25/ 6/ 1961 و8/ 5/ 1962 و18/ 5/ 1962 كما حرر المستأنف عقود الإيجار مع المستأجرين للعمارة وحول له البائع ما كان باسمه من عقود مما يفيد أنه باشر وضع اليد على الأعيان المبيعة باسمه ولحسابه، ويؤكد هذه الحقيقة أن إدارة مركز الشاي والتوزيع بالإسكندرية قد خاطبته بوصفه مؤجراً لها وذلك بكتابها المؤرخ 28/ 9/ 1961، فلا اعتداد بعد ذلك بما قرره شهود مورث المستأنف عليهم - مورث الطاعنين - من أن وضع يد المستأنف كان بطريق الإنابة عن والده المتصرف له، لأن هذه الأقوال لم تثبت، وتدحضها أوراق الدعوى كما تقدم، فضلاً عن تناقض هؤلاء الشهود في تقدير أملاك المورث، كما قرر من شهد منهم في محضر تحقيق الدفع بالجهالة أنه لا علم له بالعقد موضوع الدعوى وحقيقته" وكان الواضح من هذا الذي قرره الحكم أنه لم يأخذ بما قرره شهود مورث الطاعنين من أن مورث الطرفين ظل يحتفظ بحيازة الأعيان موضوع التصرف وبحقه في الانتفاع بها بعد التصرف ومن أن حيازة المطعون عليه لهذه الأعيان بعد التصرف، كانت لحساب مورث الطرفين، واستند الحكم في ذلك إلى ما استخلصه من المستندات المقدمة في الدعوى من أن المورث المذكور اعتزل التجارة ومحا اسمه من السجل التجاري منذ 14/ 1/ 1956، وأنه منذ ذلك التاريخ والمطعون عليه هو الذي يقوم بتشغيل الورشة ويسدد الضرائب ورسوم البلدية المستحقة عن هذا الاستغلال، ومن أن المطعون عليه حرر بعض عقود الإيجار مع مستأجري العمارة وحول له المورث باقي العقود التي كانت محررة باسمه، وأن أحد المستأجرين بالعمارة خاطبه بوصفه مؤجراً له، وحصل الحكم مما تقدم أن المطعون عليه وضع اليد على الأعيان المبيعة باسمه ولحسابه، ثم رتب على ذلك أن التصرف الصادر إليه منجز ولا يخفي وصية، وكان تقدير أقوال الشهود مرهوناً بما يطمئن إليه وجدان قاضي الموضوع ولا سلطان لأحد عليه في ذلك، إلا أن يخرج بتلك الأقوال إلى ما لا يؤدي إليه مدلولها، وكان لمحكمة الموضوع السلطة في بحث الدلائل والمستندات المقدمة لها وفي موازنة بعضها بالبعض الآخر وترجيح ما تطمئن نفسها إلى ترجيحه منها وفي استخلاص ما ترى أنه واقعة الدعوى وذلك بمنأى عن رقابة محكمة النقض، وكانت الأسباب سالفة البيان التي استند إليها الحكم سائغة ومن شأنها أن تؤدي إلى ما انتهى إليه، فإن ما يثيره الطاعنون بهذا السبب لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير المحكمة لشهادة الشهود والمستندات المقدمة في الدعوى مما لا يجوز قبوله أمام محكمة النقض، ويكون النعي بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن السبب الثاني يتحصل في النعي على الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون، ويقول الطاعنون في بيان ذلك إن الحكم بعد أن قرر أن العقد يبقى صحيحاً سواء اعتبر بيعاً أو هبة مستورة في عقد بيع، عاد وقرر أن شهود المطعون عليه أجمعوا على أنه دفع الثمن كاملاً من ناتج أموال تجارته وبيع ماشيته ومصوغات زوجته، في حين أن شهود مورث الطاعنين أجمعوا على أن المطعون عليه لم يدفع ثمناً وأن الثمن المسمى بالعقد لا يتفق مع قيمة العقارات المبيعة، فضلاً عن أن الثابت أن المورث كان يقيم مع المطعون ضده في معيشة واحدة وأنه خصه - وهو أحد الورثة - بجميع أملاكه وحرم الباقين، مما يعد تحايلاً على قوانين الميراث التي تعتبر من النظام العام ويعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن الحكم المطعون فيه أورد في هذا الخصوص ما يلي "إن ما ساقته محكمة أول درجة من قرائن أخرى في أسبابها، وتخلص في عدم مناسبة الثمن الوارد بالعقد وشموله على كافة أملاك المورث وعدم قدرة المستأنف - المطعون عليه - المالية على الشراء، مردود بأنه سواء دفع ثمن أو لم يدفع فإن التصرف يبقى سليماً ما دام قد صدر منجزاً مستوفياً للشروط التي يتطلبها القانون باعتباره بيعاً أو في الأقل باعتباره هبة مستورة في عقد بيع، وفضلاً عن ذلك فقد أجمع شهود المستأنف على أنه أدى الثمن كاملاً بما دفعه من ناتج أموال تجارته وبيع مواشيه ومصاغ زوجته". ويبين من هذا الذي أورده الحكم أنه قرر أن التصرف إلى المطعون عليه قد صدر منجزاً ومستوفياً للشروط التي يقتضيها القانون وأنه على هذا الأساس يكون صحيحاً سواء اعتبر بيعاً أو هبة مستترة في عقد بيع، وهذا من الحكم صحيح في القانون، ذلك أنه إذا كان التصرف منجزاً فإنه لا يتعارض مع تنجيزه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - عدم استطاعة المتصرف إليه دفع الثمن المبين بالعقد، لأن التصرف الناجز يعتبر صحيحاً سواء أكان العقد في حقيقته بيعاً أو هبة مستترة في عقد بيع استوفى شكله القانوني. وما قرره الحكم من أن المطعون عليه دفع الثمن كاملاً أخذاً بأقوال شهوده وإطراحاً لأقوال شهود مورث الطاعنين، هو مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع في تقدير أقوال الشهود. لما كان ذلك وكان التحايل الممنوع على أحكام الإرث لتعلق الإرث بالنظام العام هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ما كان متصلاً بقواعد التوريث وأحكامه المعتبرة شرعاً كاعتبار شخص وارثاً وهو في الحقيقة غير وارث أو العكس، وكذلك ما يتفرع عن هذا الأصل من التعامل في التركات المستقبلة، كإيجار ورثة قبل وفاة المورث غير من لهم حق الميراث شرعاً أو الزيادة أو النقص في حصصهم الشرعية، ويترتب على هذا أن التصرفات المنجزة الصادرة من المورث في حال صحته لأحد ورثته أو لغيرهم تكون صحيحة ولو كان يترتب عليها حرمان بعض ورثته أو التقليل من أنصبتهم في الميراث، لأن التوريث لا يقوم إلا على ما يخلفه المورث وقت وفاته، أما ما يكون قد خرج من ماله حال حياته فلا حق للورثة فيه. لما كان ما تقدم وكان الحكم المطعون فيه على ما سلف بيانه قد اعتبر أن التصرف المطعون فيه منجز ولا يخفي وصية فإن النعي عليه بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن مبنى السبب الثالث النعي على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون، ويقول الطاعنون في بيان ذلك إن الحكم قضى بطلبات المطعون عليه مع أن دعواه غير مقبولة، لأنه لم يقم قبل رفعها بإعذار المورث بتنفيذ التزامه طبقاً لما تقضي به المادة 157 من القانون المدني.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك أنه لما كان الطاعنون لم يقدموا ما يدل على سبق تمسكهم أمام محكمة الموضوع بأن المطعون عليه لم يقم بإعذار المورث بتنفيذ العقد، فإنه لا يقبل منهم التحدي بهذا السبب لأول مرة أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.


[(1)] نقض 13 فبراير سنة 1968 - مجموعة المكتب الفني السنة 19 ص 271.
[(2)] نقض 9 يناير 1964 - مجموعة المكتب الفني السنة 15 ص 43.