أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 16 - صـ 261

جلسة 3 من مارس سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ أحمد زكي محمد، وبحضور السادة المستشارين: محمد ممتاز نصار، وإبراهيم عمر هندي، وأحمد حسن هيكل، ومحمود عباس العمراوي.

(40)
الطعن رقم 16 لسنة 33 ق "أحوال شخصية"

( أ ) نقض. "إعلان تقرير الطعن". بطلان.
عدم مراعاة مواعيد إعلان تقرير الطعن مؤشراً عليه بقرار الإحالة. لا بطلان.
(ب) حكم. "الطعن في الحكم". "الأحكام الجائز الطعن فيها". "الأحكام الصادرة قبل الفصل في الموضوع".
الحكم برفض الدفع بعدم الاختصاص. حكم صادر قبل الفصل في الموضوع. الطعن فيه يكون مع الحكم الصادر في الموضوع.
(ج) وقف. "قسمة الوقف". اختصاص.
قسمة أعيان الوقف. استبقاء الاختصاص بها للمحاكم الشرعية بمقتضى القانون 180 لسنة 1952. اختصاص دائرة الأحوال الشخصية بها.
(د) وقف. "قسمة الوقف". "شروط القسمة". "القسمة الرضائية".
قسمة أعيان الوقف قسمة لازمة. شرطه. إجراء القسمة بواسطة المحكمة. حكمته.
1 - إذ عدل المشرع المادة 11 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض بالقانون رقم 106 لسنة 1962 وألقى على قلم كتاب المحكمة عبء إعلان المطعون عليهم بتقرير الطعن في الخمسة عشر يوماً التالية لقرار الإحالة بقصد التيسير على الطاعن والإقلال من مواطن البطلان في التشريع خاصة وأن الطعن بعد تمحيصه من دائرة فحص الطعون وإحالته إلى الدائرة المختصة يكون قد خطا مرحلة أصبح معها جديراً بالعرض عليها، فإنه يكون قد دل على أن الشارع لم يشأ أن يرتب البطلان على عدم مراعاة مواعيد إعلان تقرير الطعن مؤشراً عليه بقرار الإحالة.
2 - الحكم برفض الدفع بعدم الاختصاص هو حكم صادر قبل الفصل في الموضوع ولا تنتهي به الخصومة كلها أو بعضها، فيكون الطعن فيه مع الحكم الصادر في الموضوع لا فور صدوره وعلى استقلال وفقاً لنص المادة 378 مرافعات.
3 - النزاع بشأن قسمة أعيان الوقف مما كانت تختص به المحاكم الشرعية قبل إلغائها وقد استبقى لها القانون رقم 180 لسنة 1952 هذا الاختصاص بما نص عليه في المادة الثامنة من أن "تستمر المحاكم الشرعية في نظر دعاوى القسمة التي رفعت لإقرار الحصص في أوقاف أصبحت منتهية بمقتضى هذا القانون". وإذ كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى برفض الدفع بعدم اختصاص دائرة الأحوال الشخصية بنظر الدعوى فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه.
4 - إن المشرع وإن أجاز في المادة 40 من القانون رقم 48 لسنة 1946 قسمة أعيان الوقف بين المستحقين قسمة لازمة وعلى خلاف ما كان مقرراً قبل صدوره إلا أنه مع ذلك اشترط أن تحصل القسمة بواسطة المحكمة، ولم ير الأخذ بالقسمة الرضائية التي تتم باتفاق المستحقين في الوقف لما قد تنطوي عليه من غبن فاحش أو تصرف مستتر بالبيع أو التنازل من أحد المستحقين للآخر إضراراً بحقوق من يؤول إليه الاستحقاق فيما بعد.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليهم الستة الأول أقاموا الدعوى رقم 251 سنة 1957 بني سويف الابتدائية ضد الطاعن طالبين الحكم بتثبيت ملكيتهم إلى 6 أفدنة و6 قراريط و17.5 سهماً بما عليها من المباني والأشجار شيوعاً في الأطيان المبينة الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى وكف منازعة المدعى عليه لهم في هذا القدر وتسليمه وقالوا شرحاً لدعواهم إن المرحوم رزق الله حنا عبد الملك وقف أطياناً زراعية مقدارها 571 فدانا و9 قراريط و4 أسهم على نفسه حال حياته ومن بعده على زوجته دميانة سليمان وعلى أولاده منها وجعل النظر عليها لنفسه ثم لزوجته ومن بعدها يكون النظر لكل مستحق على مقدار ما يؤول إليه من استحقاق وقد توفى الواقف في سنة 1907 كما توفيت زوجته في سنة 1919 فأصبح كل مستحق ناظراً على حصته، ثم توفيت فكتوريا بنت الواقف عن ابنها شوقي زكي عوض وآل إليه نصيبها في الوقف نظراً واستحقاقاً، ثم توفى هذا الأخير عقيماً وليس له إخوة ولا أخوات وآلت حصته إلى من هم في درجته وذوي طبقته من أولاد خاله وخالاته وقسمت هذه الحصة إلى 35 قسماً منها تسعة أقسام لأولاد السيدة عديلة وتسعة لأولاد السيدة تفيده عدا ابنتها جوليت وسبعة لأولاد السيدة نعيمة وسبعة لأولاد المدعى عليه وثلاثة لفهمي مقار ابن السيدة فرحة بنت الواقف وللسيدة جوليت ابنة تفيده بنت الواقف، وأن القدر موضوع النزاع هو ما آل للمدعين عن السيدتين تفيده وفهيمة بنتي الواقف وما خصهم في حصة شوقي زكي عوض وما اشترته السيدة جوليت وهبه من حصة المدعي الأول ومن السيدتين عايدة إلياس وأميلي وهبه وإذ نازعهم المدعى عليه في ملكية هذا القدر فقد انتهوا إلى طلب الحكم لهم به. كما أقام المطعون عليه السابع الدعوى رقم 81 سنة 1958 بني سويف الابتدائية ضد الطاعن وباقي المطعون عليهم طالباً الحكم بتثبيت ملكيته إلى 4 أفدنة و9 قراريط و14 سهماً المبينة الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى وتسليمها وكف منازعة الطاعن له فيها مؤسساً دعواه على أنه اشترى هذا القدر من المطعون عليهم بموجب عقود مسجلة وأن الطاعن نازعه في الملكية ورد الطاعن بأنه في سنة 1907 اتفقت الناظرة السابقة مع مستحقي الطبقة الأولى ومن حل محل من توفى منهم على قسمة الوقف بينهم لاستحالة إدارته بواسطة تسعة نظار وحررت معهم عقداً بتاريخ 2/ 1/ 1917 فوضوا فيه الأستاذ صليب سامي إجراء القسمة ونص في العقد على أنه في حالة وفاة أحد المتقاسمين قبل إتمامها يحل محله من تؤول إليه حصته وتسير الإجراءات في مواجهته ورتب على ذلك أن نية المتعاقدين قد اتجهت إلى أن تكون القسمة نهائية، وما لم يمكن قسمته يظل شائعاً إلى أن يتفقوا على طريقة بشأنه وقد أجريت القرعة واختص الطاعن بجميع أطيان ناحية العساكرة وصفط راش واشمنت بحوض العقلة على الوجه المبين بتقرير الخبير، وما ذهب إليه المدعون من عدم جواز قسمة الوقف قسمة نهائية استناداً إلى أن المحكمة الشرعية قضت ببطلان القسمة في الدعوى التي أقيمت ضده من السيدة عديلة وأن الطاعن نقضها بنفسه حين باع نصيبه شائعاً في أطيان منشأة كساب مع أنه لم يختص بشيء في أطيان هذه الجهة بموجب القسمة مردود بأن المحكمة العليا الشرعية قضت بجواز القسمة وعدم لزومها وبذلك حفظت له حقوقه، وأن القسمة تمت بواسطة محكم وبرضاء جميع المستحقين طبقاً لنص المادة 40 من القانون رقم 48 لسنة 1946 يجوز لكل مستحق طلب فرز حصته في الوقف متى كان قابلاً للقسمة ولم يكن فيها ضرر، وعلى فرض أن هذه القسمة كانت قسمة مهايأة مكانية فقد انقلبت إلى قسمة نهائية بالتطبيق لأحكام المادة 846 من القانون المدني، كما أن السيدة جوليت وآخرين رفعوا الدعوى رقم 2194 سنة 1950 مصر الشرعية بطلب نقض القسمة وعارض النظار في هذا الطلب وقالوا إنها تمت سليمة ولا مانع عندهم من تقسيم نصيب شوقي بين مستحقيه وقررت المحكمة ندب خبير زراعي لمراجعة عقد القسمة وبيان ما إذا كانت عادلة أو غير عادلة وفرز نصيب كل من شوقي وزكي ودميانه بين مستحقيه إذا تبين له أن القسمة عادلة ولم تدفع أمانة الخبير ومضت المدة المكسبة للملكية مع السبب الصحيح ومؤدى ذلك أن المحكمة أقرت القسمة وأنه ليس فيها غبن أما عن البيع الشائع في أطيان منشأة كساب فإن جميع المستحقين نقضوا القسمة في أطيان هذه الجهة بالتراضي لوجود مشترين عرضوا ثمناً مغرياً وأن نقض القسمة في جهة لا يستلزم نقضها في جميع الجهات. وبتاريخ 17/ 12/ 1958 قررت المحكمة إحالة الدعويين إلى دائرة الأحوال الشخصية باتفاق الطرفين، وقيدت الدعوى الأولى برقم 49 سنة 1959 أحوال شخصية بني سويف الابتدائية وقيدت الثانية برقم 50 سنة 1959 أحوال شخصية بني سويف الابتدائية حيث دفع الطاعن بعدم اختصاص المحكمة نوعياً ومركزياً بنظرهما. وفي 14/ 6/ 1959 حكمت المحكمة حضورياً: أولاً - بضم الدعوى رقم 50 سنة 1959 للدعوى رقم 49 سنة 1959 ليصدر فيهما حكم واحد. ثانياً - برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعويين وباختصاصها نوعياً ومركزياً بنظرهما - ثالثاً: وفي الموضوع (1) في الدعوى رقم 49 سنة 1959 أحوال شخصية بتثبيت ملكية المدعيين إلى 6 ف و6 ط و17.5 س الموضحة الحدود والمعالم الصحيفة وبالبيان الموضح بتلك الصحيفة وبصور الأسباب بالنسبة لكل نوع ومنع منازعة المدعى عليه لهم فيها مع التسليم وألزمت المدعى عليه بالمصروفات وخمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة ورفضت طلب شمول الحكم بالنفاذ المعجل بلا كفالة (2) وفي الدعوى 50 سنة 1959 أحوال شخصية بتثبيت ملكية المدعي إلى 4 ف و9 ط و14 س الموضحة الحدود والمعالم بالصحيفة ومنع منازعة المدعى عليه الأول له فيها وتسليمها للمدعي وألزمت المدعى عليه الأول بالمصروفات ومبلغ ثلاثمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة وذلك في مواجهة باقي المدعى عليهم ورفض طلب شمول الحكم بالنفاذ المعجل بلا كفالة. واستأنف الأستاذ عطية رزق الله هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة طالباً إلغاءه والحكم أصلياً بعدم اختصاص محكمة الأحوال الشخصية بنظر الدعويين واحتياطياً برفضهما وقيد هذا الاستئناف برقم 126 كلي سنة 76 ق. وقدمت النيابة مذكرة طلبت فيها القضاء ببطلان الحكم لعدم اشتماله على ذكر اسم عضو النيابة الذي أبدى الرأي في القضية. وبتاريخ 26/ 10/ 1961 حكمت المحكمة حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وببطلان الحكم المستأنف الصادر من محكمة أول درجة بتاريخ 14/ 6/ 1959 وبرفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة وباختصاصها والتأجيل لجلسة 14/ 12/ 1961 لسماع المرافعة في موضوع الاستئناف مع إبقاء الفصل في المصاريف. ثم عادت وبتاريخ أول مارس سنة 1962 فحكمت حضورياً وفي موضوع الاستئناف: أولاً - وفي الدعوى رقم 49 سنة 1959 كلي أحوال شخصية بتثبيت ملكية المستأنف ضدهم الستة الأول إلى 6 ف و6 ط بما عليها من المباني والأشجار حسب البيان الموضح بصلب عريضة الدعوى سالفة الذكر وبالتحديد المساحي شيوعاً في الأطيان المبينة الحدود والمعالم بها وتسليمها لهم ومنع مناعة المستأنف لهم فيها. ثانياً - وفي الدعوى رقم 50 سنة 1959 كلي أحوال شخصية بتثبيت ملكية المستأنف عليه السابع إلى 4 ف و9 ط و14 س الموضحة الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى المذكورة شيوعاً في أعيان الوقف المبينة بها وتسليمها له ومنع مناعة المستأنف له فيها وذلك في مواجهة باقي المستأنف ضدهم. ثالثاً - إلزام المستأنف المصاريف عن الدرجتين وألف قرش مقابل أتعاب المحاماة عنهما مناصفة بين طرفي المستأنف عليهم في الدعويين. وطعن الأستاذ عطية رزق الله في هذا الحكم وفي الحكم الصادر بتاريخ 26/ 10/ 1961 فيما قضى به من رفض الدفع بعدم الاختصاص بطريق النقض للأسباب الواردة في التقرير وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون وقررت إحالته إلى هذه الدائرة حيث أصر الطاعن على طلب نقض هذين الحكمين ودفع المطعون عليهم الخمسة الأول والسابع ببطلان الطعن وبعدم قبوله بالنسبة للحكم الصادر في 26/ 10/ 1961 وطلبوا في الموضوع رفضه وأصرت النيابة العامة على رأيها الوارد في مذكرتيها وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن المطعون عليهم الخمسة الأول والسابع دفعوا ببطلان تقرير الطعن وقالوا في بيان هذا الدفع إن المادة 11 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بعد تعديلها بالقانون رقم 106 لسنة 1962 توجب على قلم الكتاب إعلان الطعن إلى جميع الخصوم الذين وجه إليهم مؤشراً عليه بقرار الإحالة وذلك في الخمسة عشر يوماً التالية لصدور هذا القرار، وإذ كان قرار الإحالة قد صدر في 30/ 11/ 1963 وأعلن تقرير الطعن مؤشراً عليه بهذا القرار إلى المطعون عليهم الأول والثالث والتاسع في 16/ 12/ 1963 وإلى المطعون عليه السادس في 21/ 12/ 1963 ولم يتم إعلان المطعون عليهم الحادية عشرة والثانية عشرة والسابع عشر والثامنة عشرة والتاسعة عشرة وكان الموضوع غير قابل للتجزئة لقيام النزاع حول الشيوع في الملك فإن الطعن يكون باطلاً بالنسبة لجميع المطعون عليهم.
وحيث إن هذا الدفع في غير محله ذلك أن القانون رقم 106 لسنة 1962 وقد عدل المادة 11 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض وألقى على قلم كتاب المحكمة عبء إعلان المطعون عليهم بتقرير الطعن في الخمسة عشر يوماً التالية لقرار الإحالة وجاء في المذكرة الإيضاحية لهذا القانون أن المشرع "رأى أن يرفع عن كاهل الطاعن إعلان الطعن إلى جميع المدعى عليهم بعد صدور قرار الإحالة فأوجب على قلم الكتاب اتخاذ هذا الإجراء وذلك بقصد التيسير على الطاعن والإقلال من مواطن البطلان في التشريع خاصة وأن الطعن بعد تمحيصه من دائرة فحص الطعون وإحالته إلى الدائرة المختصة يكون قد خطا مرحلة أصبح معها جديراً بالعرض عليها" فإنه يكون قد دل على أن الشارع لم يشأ أن يرتب البطلان على عدم مراعاة مواعيد الإعلان، وإذ كان ذلك، وكان الثابت أن جميع المطعون عليهم أعلنوا بصورة من تقرير الطعن مؤشراً عليها بقرار الإحالة فإنه يتعين رفض هذا الدفع.
وحيث إن المطعون عليهم الحاضرين دفعوا بعدم قبول الطعن في الحكم الصادر برفض الدفع بعدم الاختصاص لأن ميعاد الطعن بالنقض طبقاً للقانون 57 لسنة 1959 قبل تعديله بالقانون رقم 106 لسنة 1962 هو ثلاثون يوماً من تاريخ الحكم، وإذ كان هذا الحكم قد صدر في 26/ 10/ 1961 ولم يقرر بالطعن فيه إلا في 27/ 3/ 1962 فإن الطعن يكون غير مقبول لرفعه بعد الميعاد.
وحيث إن هذا الدفع في غير محله ذلك أن الحكم برفض الدفع بعدم الاختصاص هو حكم صادر قبل الفصل في الموضوع ولا تنتهي به الخصومة كلها أو بعضها فيكون الطعن فيه مع الحكم الصادر في الموضوع لا فور صدوره وعلى استقلال وفقاً لنص المادة 378 من قانون المرافعات.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه قضى برفض الدفع بعدم اختصاص دائرة الأحوال الشخصية بنظر الدعوى رقم 49 لسنة 1959 والدعوى رقم 50 لسنة 1959 بني سويف الابتدائية استناداً إلى أن الخصوم اتفقوا على إحالتهما إلى هذه الدائرة، وما استند إليه الحكم خطأ ومخالفة للقانون لأن المطلوب فيهما تثبيت الملكية مما يدخل في الاختصاص النوعي للمحكمة المدنية وهو اختصاص من النظام العام لا يجوز الاتفاق على مخالفته وللمحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها ويجوز التمسك به في أية حالة كانت عليها الدعوى ولا يغير من ذلك ما ذهب إليه الحكم من أن المادة 26 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية قد نصت على اختصاص محاكم الأحوال الشخصية بدعاوى الوقف والاستحقاق فيه بجميع أسبابه والنظر عليه وغير ذلك مما يتعلق بشئونه، لأن نصيب المستحقين في الوقف ليس محل نزاع وطلب تثبيت الملكية لا يدخل في نطاق المادة 26 سواء رفعت الدعوى به من الوقف أو عليه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أن النزاع في الدعويين يدور في جوهره حول قسمة أعيان الوقف بين المستحقين بموجب الاتفاق المؤرخ 2/ 1/ 1917 وما إذا كانت هذه القسمة لازمة أو غير لازمة، والنزاع بشأن قسمة أعيان الوقف مما كانت تختص به المحاكم الشرعية قبل إلغائها وقد استبقى لها هذا الاختصاص بما نصت عليه المادة الثامنة من القانون رقم 180 لسنة 1952 من أن "تستمر المحاكم الشرعية في نظر دعاوى القسمة التي رفعت لإقرار الحصص في أوقاف أصبحت منتهية بمقتضى هذا القانون" وإذ كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى في قضائه إلى رفض الدفع بعدم الاختصاص فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه.
وحيث إن حاصل السبب الأول أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه في الدعوى على أن المادة 56 من القانون رقم 48 لسنة 1946 وإن أجازت قسمة أعيان الوقف ونصت على سريان هذه القسمة على الماضي إلا أنه من غير المحتمل تطبيقها، وهو بذلك يكون قد امتنع عن تطبيق المادة المذكورة في حين أنها صريحة في أن أحكام القسمة الواردة في المادة 40 من هذا القانون تطبق على جميع الأوقاف الصادرة قبل تاريخ العمل به، وفي حين أنه متى اتفق الخصوم على القسمة وجب تصديق المحكمة عليها، والثابت في الدعوى أن السيدة جوليا ومن معها أقاموا الدعوى رقم 2194 سنة 1950 القاهرة الشرعية بطلب نقض القسمة وندبت المحكمة مكتب الخبراء للاطلاع على عقد القسمة وتطبيقه على الطبيعة لمعرفة ما إذا كانت هذه القسمة عادلة أم لا بحيث إذا وجدها عادلة قام بتقسيم نصيب الناظرة السابقة وشوقي زكي بين المستحقين، ومؤدى ذلك أنها عولت على عقد القسمة وأرادت أن تتأكد من عدالتها قبل إجراء القسمة الفرعية في نصيب المتوفين.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أن المشرع وإن أجاز في المادة 40 من القانون رقم 48 لسنة 1946 - قسمة أعيان الوقف بين المستحقين قسمة لازمة وعلى خلاف ما كان مقرراً قبل صدوره إلا أنه مع ذلك اشترط أن تحصل القسمة بواسطة المحكمة، ولم ير الأخذ بالقسمة الرضائية التي تتم باتفاق المستحقين في الوقف لما قد تنطوي عليه من غبن فاحش أو تصرف مستتر بالبيع أو التنازل من أحد المستحقين للآخر إضراراً بحقوق من يؤول إليه الاستحقاق فيما بعد وإذ كان الثابت في الدعوى أن القسمة التي تمت بين الطاعن وباقي مستحقي الطبقة الأولى بموجب الاتفاق المؤرخ 2/ 1/ 1917 لم تقرها المحكمة، وكان ندب الخبير للاطلاع على عقد القسمة وتطبيقه على الطبيعة للتحقق من عدالتها لا يعتبر إقراراً لها، فإن الحكم المطعون فيه إذ لم يعتد بهذه القسمة لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه.
وحيث إن حاصل السببين الثاني والخامس أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه في الدعوى على أن الخصوم بما فيهم الطاعن اتفقوا على نقض القسمة بأن أشهروا حصصهم شائعة في الوقف بعد حله، وأن الطاعن باع نصيبه شائعاً في جميع أعيان الوقف ولم يجعل البيع محدداً على النحو الوارد في عقد القسمة بما يعتبر اعترافاً منه بأن هذا العقد لم يعد له وجود، وأنه في الدعوى رقم 110 سنة 40/ 41 مصر الشرعية قضت المحكمة بنقض عقدي القسمة والبدل المحررين بين الطاعن وإخوته عن الحديقة لبطلانهما وأيدتها في ذلك المحكمة العليا الشرعية، وهذا من الحكم قصور وتناقض وفساد في الاستدلال من وجوه: أولها - أنه أغفل دلالة الخطابات المتبادلة بين الطاعن ومأمورية الشهر العقاري وهي تفيد أن الطاعن اعترض على إشهار حصص المستحقين شائعة في الوقف لحصول القسمة بينهم، ولم توافق المأمورية على هذا الاعتراض مما لا يصح معه القول بأن الطاعن وافق على نقض القسمة. وثانيها - أنه بعد أن قرر الحكم أن الطاعن باع حصة شائعة في جميع أعيان الوقف عاد فقرر أنه قدم عقد بدل ابتدائي محرر بينه وبين يحيى سليم جابر عن الأطيان التي اختص بها في ناحية زاوية الناوية بموجب القسمة مما يفيد أن الطاعن لم يبع نصيبه شائعاً في الوقف وهو تناقض يعيب الحكم. وثالثها - أن المحكمة العليا الشرعية لم تعتبر عقدي القسمة والبدل باطلين وإنما ذكرت أن البدل هو تعديل للقسمة الحاصلة بين المستحقين في 2/ 1/ 1917 وأن كلا العقدين ليس مقصوداً به التمليك والتملك وإنما الاستمرار على الحالة التي تمت بها القسمة مع بقاء العين موقوفة والقسمة غير لازمة.
وحيث إن هذا النعي مردود في جملته بما سبق الرد به على السبب الأول من أن القسمة لا تكون لازمة إلا إذا تمت بواسطة المحكمة، ومن ثم فإن النعي على الحكم بالقصور والتناقض وفساد الاستدلال فيما استدل به على نقض القسمة يكون غير منتج ولا جدوى فيه.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن القسمة تمت بموجب العقد المؤرخ 2/ 1/ 1917 ووضع كل مستحق يده على حصة مفرزة مدة تزيد على خمس وأربعين سنة، ووفقاً للفقرة الثانية من المادة 846 من القانون المدني تنقلب هذه القسمة إلى قسمة نهائية، والحكم المطعون فيه لم يعمل هذه المادة استناداً إلى أن الطاعن تمسك بعقد القسمة ولم ينكر الوقف فلا يحق له التمسك بمضي المدة التي تجعل القسمة لازمة، ومؤدى هذا أن الحكم جرد عقد القسمة من كل أثر قانوني مع أن العقد شريعة المتعاقدين، يضاف إلى ذلك أن المحكمة لم تتحدث عن سكوت المطعون عليهم على القسمة من تاريخ صدور القانون رقم 48 لسنة 1946، وهذا السكوت من جانبهم مع استمرارهم في استغلال أنصبتهم دليل على قبولها.
وحيث إن هذا النعي مردود: أولاً - بما سبق الرد به على السبب الأول من أن القسمة التي جرت باتفاق المستحقين في الوقف غير لازمة، ومردود. ثانياً - بأنه من تاريخ صدور القانون رقم 180 لسنة 1952 بإنهاء الوقف على غير الخيرات إلى تاريخ رفع الدعوى في سنة 1957 لم تمض المدة المقررة في الفقرة الثانية من المادة 846 من القانون المدني لتحول قسمة المهايأة إلى قسمة نهائية.
وحيث إن حاصل السبب الرابع أن الطاعن يستحق في نصيب العقيم شوقي زكي بمقتضى المادة 33 من القانون رقم 48 لسنة 1946 وأقام الدعوى رقم 757 سنة 1959 مصر الابتدائية باستحقاقه في هذا النصيب وطلب وقف السير في الدعوى الحالية لحين الفصل في النزاع القائم بشأنه، ولم يستجب الحكم المطعون فيه لهذا الطلب وقضى بتقسيم نصيب العقيم على من هم في طبقته، وأنه طلب ندب خبير لمعاينة أطيان الوقف وتطبيق عقد القسمة عليها للتحقق من عدالتها كما فعلت المحكمة الشرعية في الدعوى رقم 2194 سنة 1950 تصرفات مصر الشرعية، ولم يرد الحكم على هذا الطلب وهو مخالفة للقانون وقصور يعيبه.
وحيث إن هذا النعي مردود في الوجه الأول منه بأن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه في هذا الخصوص على أن "المرحوم شوقي زكي عوض توفى في سنة 1939 عقيماً وآل نصيبه لمن في درجته وأهل طبقته من أهل الوقف الموقوف عليهم وذلك طبقاً لنص حجة الإيقاف، وهذا معناه أن نصيب شوقي في الوقف آل إلى أولاد خاله الأستاذ عطية رزق الله المستأنف - وأولاد خالته باقي المستأنف ضدهم - وقد وزع المستحقون نصيب شوقي في الوقف على أنفسهم مشاعاً بوفاته عقيماً وساروا في جميع معاملاتهم وكل ما يتعلق بالوقف على أن المستأنف لا يستحق شيئاً في نصيب المرحوم شوقي فالثابت من عقد البيع الصادر من المستأنف ببيع نصيبه في أطيان منشأة كساب أنه باع هذا النصيب على أساس استحقاقه باعتباره ابن الواقف دون أن يدعي بأي حق في نصيب شوقي الذي مات عقيماً، كما باعت عايدة إلياس في نفس هذا العقد نصيبها في تلك الناحية على أن جزءاً من هذا النصيب المباع آل إليها باعتبارها بنت الواقف وجزءاً آل إليها عن شوقي زكي الذي مات عقيماً وعلى اعتبار أنها بنت خالته ووقع المستأنف على هذا العقد الأمر الذي لا شك يدل على موافقته على هذا التصرف، وزيادة على ذلك فإن المستأنف أشهر نصيبه في الوقف باعتباره مستحقاً لما آل إليه عن والده الواقف دون أن يزعم أنه له نصيباً فيما تركه المرحوم شوقي زكي المذكور في هذا الوقف". ولا يغير من هذا الوضع صدور القانون رقم 48 لسنة 1946 والتحدي بما نصت عليه المادة 33 منه لأن الواقف نص في كتاب وقفه على أنه "إن لم يكن له ولد ولا ولد ولد ولا أسفل من ذلك يكون ما هو له من ذلك لأخيه وإخوته المشاركين له في الدرجة والاستحقاق مضافاً لما يستحقونه من ذلك فإن لم يكن له أخوة ولا أخوات يكون ما هو له من ذلك لمن في درجته وذوي طبقته من أهل الوقف الموقوف عليهم". كما لا يغير من هذا النظر رفع الطاعن دعوى مستقلة أمام محكمة القاهرة الابتدائية باستحقاقه لنصيب في حصة العقيم بعد صدور الحكم الابتدائي وبعد استئنافه، ولم تر المحكمة موجباً لوقف السير في الاستئناف إلى أن يفصل في هذه الدعوى ومفاد ذلك أن الحكم المطعون فيه قدر - وفي حدود سلطته الموضوعية - عدم جدية منازعة الطاعن في نصيب العقيم، ومردود في الوجه الثاني بأن الحكم المطعون فيه عرض لطلب الطاعن ندب خبير للتحقق من عدالة القسمة ورأى عدم إجابته بعد أن استظهر من وقائع الدعوى أنها نقضت من جانب المستحقين.