أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 21 - صـ 714

جلسة 28 من إبريل سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: بطرس زغلول، وأحمد حسن هيكل، وعباس حلمي عبد الجواد، ومحمد أسعد محمود.

(116)
الطعن رقم 101 لسنة 36 القضائية

( أ ) دعوى. "تقرير التلخيص". أمر الأداء.
وضع تقرير تلخيص وتلاوته قبل المرافعة قبل صدور القانون 100 لسنة 1962. عدم وجوبه في الدعاوى التي لا تعرض على التحضير، ومنها المعارضة في أمر الأداء.
(ب) تزوير. "إثبات التزوير". إثبات. "إنكار التوقيع".
إنكار التوقيع. سماع الشهود مقصور على إثبات واقعة التوقيع دون الالتزام ذاته. الادعاء بالتزوير. إثباته ونفيه يكون بكافة الطرق ومنها القرائن.
(ج) إثبات. "البينة". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير البينة".
محكمة الموضوع لها أن تأخذ بمعنى للشهادة دون معنى آخر تحتمله.
(د) خبرة. "الخبير الاستشاري". تزوير. محكمة الموضوع.
محكمة الموضوع لها أن تأخذ بتقرير الخبير الاستشاري دون رأي الخبير الذي ندبته لتحقيق التزوير. ولها إجراء المضاهاة بنفسها.
(هـ) صورية. "إثبات الصورية". محكمة الموضوع.
تقدير أدلة الصورية هو مما يستقل به قاضي الموضوع.
(و) حكم. "عيوب التدليل". "الفساد في الاستدلال".
الموازنة بين الأدلة. ترجيح دليل على آخر لا يعد من قبيل الفساد في الاستدلال.
(ز) إثبات. "القرائن". صورية. "الادعاء بصورية سبب العقد". عقد.
المادتان 136 و137 مدني أقامتا قرينة قانونية بأن للعقد سبباً مشروعاً. الادعاء بصورية السبب المذكور. عبء الإثبات يقع على مدعي الصورية.
1 - إن ما كان يستلزمه المشرع قبل صدور القانون رقم 100 لسنة 1962 من وضع تقرير تلخيص وتلاوته قبل بدء المرافعة، إنما كان ينصرف إلى الدعاوى التي تعرض على التحضير، أما الدعاوى التي كانت تقدم مباشرة إلى المحكمة دون عرضها على التحضير، فلم يكن يتطلب فيها هذا الإجراء. ولما كانت المعارضة في أمر الأداء يحكم فيها على وجه السرعة، فتقدم إلى المحكمة مباشرة دون عرضها على التحضير، فإن مؤدى ذلك ألا يكون هناك محل لوضع تقرير تلخيص أو تلاوته بالجلسة قبل بدء المرافعة فيها.
2 - ما نصت عليه المادة 274 من قانون المرافعات السابق من أنه لا تسمع شهادة الشهود إلا فيما يتعلق بإثبات حصول الكتابة أو الإمضاء أو الختم أو بصمة الإصبع على الورقة المقتضى تحقيقها ممن نسبت إليه، إنما هو خاص بإنكار الخط أو الإمضاء أو الختم أو بصمة الإصبع، ولا مجال لتطبيقه عند الادعاء بالتزوير، والمقصور منه هو احترام القاعدة العامة في الإثبات بعدم تمكين من يتمسك بورقة أنكرها خصمه من أن يثبت بشهادة الشهود - في غير الأحوال التي يجوز فيها ذلك قانوناً - الالتزام المدون بها، ولذلك جاء النص مقصوراً على أن الشهود لا يسمعون إلا عند إثبات واقعة الكتابة أو التوقيع دون الالتزام ذاته، بخلاف الحال في الادعاء بالتزوير فإن الأمر فيه إذا ما قبلت شواهد التزوير يكون متعلقاً بجريمة أو غش مما يجوز قانوناً إثباته بجميع الطرق ومنها قرائن الأحوال، وذلك يستتبع أن يكون لخصم مدعي التزوير الحق في أن يثبت بجميع الطرق أيضاً عدم صحة ادعائه عملاً بالمادة 192 من قانون المرافعات. ولما كان التحقيق الذي أجرته محكمة أول درجة قد تناول غير التوقيع وقائع أخرى واعتمدت عليها المحكمة فلا تثريب عليها في ذلك.
3 - لمحكمة الموضوع أن تأخذ بمعنى للشهادة دون معنى آخر تحتمله أيضاً متى كان المعنى الذي أخذت به لا يخالف الثابت في الأوراق ولا يتجافى مع مدلول الشهادة.
4 - محكمة الموضوع غير ملزمة برأي الخبير الذي ندبته لإثبات حقيقة الحال في الورقة المدعى تزويرها، ولها أن تأخذ بتقرير الخبير الاستشاري الذي تطمئن إليه متى أقامت حكمها على أدلة صحيحة من شأنها أن تؤدي عقلاً إلى النتيجة التي انتهت إليها، كما لها أن تبني قضاءها على نتيجة المضاهاة التي تقوم بإجرائها بنفسها لأنها هي الخبير الأعلى فيما يتعلق بوقائع الدعوى المطروحة عليها.
5 - تقدير أدلة الصورية هو مما يستقل به قاضي الموضوع لتعلقه بفهم الواقع في الدعوى.
6 - لا تعتبر الموازنة بين الأدلة والأخذ بدليل معين منها دون دليل آخر لم تطمئن إليه المحكمة من قبيل الفساد في الاستدلال.
7 - مؤدى نص المادتين 136 و137 من القانون المدني أن المشرع قد وضع بهما قرينة قانونية يفترض بمقتضاها أن للعقد سبباً مشروعاً ولو لم يذكر هذا السبب، فإن ذكر في العقد فإنه يعتبر السبب الحقيقي الذي قبل المدين أن يلتزم من أجله، وإن ادعى المدين صورية السبب المذكور في العقد كان عليه أن يقيم الدليل القانوني على هذه الصورية.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدها استصدرت بتاريخ 12/ 11/ 1960 أمري أداء الأول بإلزام الطاعن بأن يؤدي لها مبلغ 5000 جنيه بمقتضى سند مؤرخ 1/ 11/ 1959 وثابت التاريخ في 11/ 4/ 1960 ويستحق الوفاء في شهر أكتوبر سنة 1960، والثاني بإلزامه بأن يدفع لها مبلغ 2000 جنيه بموجب سند مؤرخ 18/ 4/ 1960 وثابت التاريخ في 11/ 5/ 1960 ويستحق الوفاء في 1/ 11/ 1960. عارض الطاعن في هذين الأمرين بالدعويين رقمي 1024، 1025 سنة 1960 كلي طنطا، ودفع بصورية الدين الثابت بالسندين المشار إليهما قولاً منه بأنه حررهما لها لضمان استمرار العلاقة الزوجية بينهما وحتى لا يقوم بفصم عراها من جانبه، وأنها أقرت ببراءة ذمته من هذا الدين علاوة على استلامها منه مبلغ 2000 ج على سبيل الأمانة، واستند في ذلك إلى مخالصة مؤرخة 2/ 11/ 1960 نسب صدورها إليها، وقدم تأييداً لقوله بصحة توقيعها على هذه الورقة تقريراً استشارياً من الخبير أحمد العزيزي وطلب رفض الدعوى. ادعت المطعون ضدها بتزوير هذه الورقة وأعلنت الطاعن بمذكرة بشواهده، وبتاريخ 6 من مارس سنة 1960 قضت محكمة أول درجة بندب أحد خبراء قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي لتحقيق الادعاء بالتزوير. وبعد أن باشر الخبير مأموريته وقدم تقريراً انتهى فيه إلى أن توقيع المطعون ضدها على الورقة المدعى بتزويرها هو توقيع صحيح، صرحت المحكمة للمطعون ضدها بتقديم تقرير استشاري عن هذا التوقيع، فقدمت تقريراً من الخبير يوسف المرزوقي خلص فيه إلى أن التوقيع المنسوب إليها هو توقيع مزور عليها. وبتاريخ 29/ 4/ 1963 قضت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المطعون ضدها تزوير الإمضاء المنسوبة إليها على الورقة المدعى بتزويرها، وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين حكمت بتاريخ 7/ 9/ 1964 برد وبطلان الورقة المؤرخة 2/ 11/ 1960 وبتأييد أمري الأداء المعارض فيهما. استأنف الطاعن هذا الحكم أمام محكمة استئناف طنطا بالاستئناف رقم 277 سنة 14 قضائية طالباً الحكم ببطلانه لعدم تلاوة تقرير التلخيص والقضاء له بطلباته السابقة، واستند في تأييد دفاعه إلى إقرار تاريخه 5/ 7/ 1962 مذيل بإمضاء منسوب صدورها إلى المطعون ضدها ويتضمن تنازلاً عن مؤخر صداقها موضوع السند الثاني المطالب بقيمته وفي 21/ 12/ 1965 قضت محكمة الاستئناف ببطلان الحكم المستأنف وبرد وبطلان الورقة المؤرخة 2/ 11/ 1960 والإقرار المؤرخ 5/ 7/ 1962 وبتأييد أمري الأداء المعارض فيهما. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره صممت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب حاصل السبب الأول منها بطلان الحكم المطعون فيه، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه على الرغم من أن محكمة الاستئناف قضت ببطلان الحكم المستأنف لعدم تلاوة تقرير التلخيص فإنها استندت في قضائها إلى شهادة شهود المطعون ضدها الذين سمعوا في التحقيق الذي أجرته محكمة أول درجة بناء على حكمها الصادر بتاريخ 29/ 4/ 1963 مع أن هذا الحكم هو الآخر مشوب بالبطلان لذات السبب، إذ لم يثبت فيه حصول تلاوة تقرير التلخيص في القضية قبل بدء المرافعة من الهيئة التي أصدرته، ولأنه صدر في دعوى رفعت في ظل قانون المرافعات قبل إلغاء المادة 116 بالقانون رقم 100 لسنة 1962 الذي ألغى نظام التحضير، وإذ يترتب على إغفال هذا الإجراء بطلان ذلك الحكم وما يترتب عليه من إجراءات وهو بطلان متعلق بالنظام العام، فإن تعويل محكمة الاستئناف على أقوال الشهود الذين سمعوا تنفيذاً لذلك الحكم، يكون قد وقع باطلاً لابتنائه على دليل مستمد من إجراء باطل.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن ما كان يستلزمه المشرع قبل صدور القانون رقم 100 لسنة 1962 من وضع تقرير تلخيص وتلاوته قبل بدء المرافعة إنما كان ينصرف إلى الدعاوى التي تعرض على التحضير، أما الدعاوى التي كانت تقدم مباشرة إلى المحكمة دون عرضها على التحضير فلم يكن يتطلب فيها هذا الإجراء. ولما كانت المعارضة في أمر الأداء يحكم فيها على وجه السرعة طبقاً لما كانت تنص عليه المادة 855 من قانون المرافعات السابق فيسري على أي حكم يصدر فيها، وبغض النظر عن طلبات الخصوم، ما يسري على الدعاوى المبينة في المادة 118 مرافعات، فتقدم إلى المحكمة مباشرة دون عرضها على التحضير مما مؤداه ألا يكون هناك محل لوضع تقرير تلخيص أو تلاوته بالجلسة قبل بدء المرافعة في المعارضة في أوامر الأداء، وإذ كان حكم محكمة أول درجة الذي قضى في 29/ 4/ 1963 بإحالة الدعوى إلى التحقيق صادراً في معارضة في أمر أداء، فلا على محكمة الاستئناف إن هي استندت إلى أقوال الشهود الذين سمعوا تنفيذاً لذلك الحكم، ومن ثم يكون النعي على الحكم المطعون فيه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم استند إلى أقوال الشهود في إثبات الدين الوارد بالسندين، هذا في حين أنه لا يجوز أن تسمع شهادة الشهود إلا فيما يتعلق بإثبات حصول الإمضاء أو الختم أو بصمة الإصبع على الورقة المدعى بتزويرها، مما كان يتعين معه على محكمة الاستئناف ألا تستخلص من أقوال الشهود إلا ما كان متعلقاً بواقعة الإمضاء ذاتها، وإذ هي جاوزت ذلك إلى إثبات الالتزام، فإن حكمها يكون مخالفاً للقانون.
وحيث إن هذا النعي مردود بما جرى به قضاء هذه المحكمة من أن ما كانت تنص عليه المادة 274 من قانون المرافعات السابق من أنه لا تسمع شهادة الشهود إلا فيما يتعلق بإثبات حصول الكتابة أو الإمضاء أو الختم أو بصمة الإصبع على الورقة المقتضى تحقيقها ممن نسبت إليه، إنما هو خاص بإنكار الخط أو الإمضاء أو الختم أو بصمة الإصبع، ولا مجال لتطبيقها عند الادعاء بالتزوير والمقصود منها هو احترام القاعدة العامة في الإثبات بعدم تمكين من يتمسك بورقة أنكرها خصمه من أن يثبت بشهادة الشهود - في غير الأحوال التي يجوز فيها ذلك قانوناً - الالتزام المدون بها، ولذلك جاء النص مقصوراً على أن الشهود لا يسمعون إلا عند إثبات واقعة الكتابة أو التوقيع دون الالتزام ذاته، بخلاف الحال في الادعاء بالتزوير فإن الأمر فيه إذا ما قبلت شواهد التزوير يكون متعلقاً بجريمة أو غش مما يجوز قانوناً إثباته بجميع الطرق ومنها قرائن الأحوال، وذلك يستتبع أن يكون لخصم مدعي التزوير الحق في أن يثبت بجميع الطرق أيضاً عدم صحة ادعائه عملاً بالمادة 192 من قانون المرافعات. لما كان ذلك وكان التحقيق الذي أجرته محكمة أول درجة قد تناول غير التوقيع وقائع أخرى واعتمدت عليها المحكمة فلا تثريب عليها في ذلك، ومن ثم فإن النعي على الحكم بمخالفة القانون بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن السبب الثالث يتحصل في أن الحكم المطعون فيه شابه خطأ في الإسناد وفساد الاستدلال، وذلك من أربعة أوجه (الأول) أطرح الحكم أقوال شاهدي الطاعن على أساس أنها متناقضة، قولاً منه إنه بينما يقرر الأول أنه وجد الثاني بالمنزل عند حضوره فإذا بهذا الأخير يؤكد أنه تقابل مع الأول خارج المنزل، في حين أن المستفاد من أقوالهما في التحقيق أنهما تقابلا على باب المنزل (الثاني) استند الحكم في عدم أخذه بأقوال شاهدي الطاعن إلى أنها ظاهرة الافتعال إذ لا يقبل أن يتفق حضورهما في تلك الساعة المبكرة ويتصادف حديث الزوجين أمامهما عن التوقيع على المخالصة، ويرى الطاعن أن هذا القول من الحكم ينطوي على فساد في الاستدلال، ذلك أن الشاهدين ذكرا أنهما تقابلا في الساعة الثامنة صباحاً فلا يعتبر هذا الوقت مبكراً، وأن اتفاق حضورهما في هذا الوقت يرجع إلى ما قرراه في التحقيق من أن أولهما كان على موعد مع الطاعن أما الثاني فقد ذهب إليه في منزله في تلك الساعة ليضمن وجوده وليسدد له مطلوبه من الإيجار خشية طرده من الأرض الزراعية التي يستأجرها منه، هذا إلى أن الحكم أطرح أقوال شاهديه بغير مسوغ وأهدر تقارير الخبراء الفنيين ومنها ما هو مقدم من قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي واعتمد على أقوال شهود المطعون ضدها مما يجعله مشوباً بفساد الاستدلال في هذا الخصوص أيضاً. (الثالث) قرر الحكم أنه من غير المقبول أن يقوم الطاعن بإيداع مبلغ 2000 ج على سبيل الأمانة لدى زوجته في الوقت الذي ثبت فيه أنهما كانا على خلاف في حين أن هذا الخلاف لا أساس له في الأوراق. (الرابع) استند الحكم في القضاء بعدم صحة المخالصة إلى عدم ملاءة الطاعن مع أن شهود المطعون ضدها أنفسهم الذين اطمأنت المحكمة إلى أقوالهم قد شهدوا بأنه ملئ.
وحيث إن النعي في وجهه الأول غير صحيح، ذلك أنه يبين من الاطلاع على صورة محضر التحقيق المودعة بملف الطعن أن شاهد الطاعن الأول "أحمد أحمد هاشم الشيخ" قرر أنه توجه إلى منزل الطاعن فوجد الشاهد الثاني سليمان مصطفي المدبولي في المنزل ثم دخل فوجد الطرفين يتناقشان بشأن المخالصة المدعى بتزويرها، وقرر هذا الشاهد في موضع آخر أنه قابل الشاهد الثاني عند المنزل، أما الشاهد الثاني فقد ذكر أنه توجه إلى منزل الطاعن ووقف في الخارج ولما حضر الشاهد الأول صعد معه إلى المنزل، وقد استخلصت محكمة الاستئناف وجود تناقض في أقوال هذين الشاهدين، إذ بينما يقرر الأول أنه وجد الثاني بالمنزل، عند حضوره، إذ بالأخير يؤكد أنه تقابل مع الأول خارج المنزل. ولما كان لمحكمة الموضوع أن تأخذ بمعنى للشهادة دون معني آخر تحتمله أيضاً، متى كان المعنى الذي أخذت به لا يخالف الثابت في الأوراق ولا يتجافى مع مدلول الشهادة، وكان الحكم المطعون فيه لم يخرج فيما استخلصه من أقوال الشاهد الأول - وعلى النحو السالف بيانه - عما يؤدي إليه مدلول هذه الأقوال، فإن النعي على الحكم بالتناقض في هذا الخصوص يكون على غير أساس. والنعي في باقي الأوجه مردود، ذلك أنه لما كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن ذكر وقائع الدعوى تفصيلاً وأورد دفاع الطرفين وتناول بالبحث الأدلة التي يستند إليها كل منهما بما في ذلك تقارير خبراء الخطوط ووازن بينها، انتهى إلى استبعاد كل من التقرير الاستشاري المقدم من الخبير أحمد العزيزي بتاريخ 1/ 2/ 1961 وتقرير خبير قسم أبحاث التزييف والتزوير وأخذ بتقرير الخبير الاستشاري المؤرخ 4/ 10/ 1961 المقدم من الخبير يوسف المرزوقي، وأضاف أنه بمناظرة المحكمة للورقة المدعى بتزويرها بالعين المجردة تبين بجلاء إضافات وتحشيرات في صلب الورقة ووجود اختلاف بين التوقيعات الثابتة في أسفلها وتوقيعات المضاهاة على النحو الذي أوضحه التقرير الأخير، وإذ أقام الحكم المطعون فيه قضاءه برد وبطلان المخالصة على تقرير الخبير الاستشاري المقدم من المطعون ضدها وعلى عملية المضاهاة التي أجرتها المحكمة بنفسها وعلى مناقشة أقوال الشهود، وكانت محكمة الموضوع غير ملزمة برأي الخبير الذي ندبته لإثبات حقيقة الحال في الورقة المدعى بتزويرها ولها أن تأخذ بتقرير الخبير الاستشاري الذي تطمئن إليه متى أقامت حكمها على أدلة صحيحة من شأنها أن تؤدي عقلاً إلى النتيجة التي انتهت إليها كما لها أن تبني قضاءها على نتيجة المضاهاة التي تقوم بإجرائها بنفسها لأنها هي الخبير الأعلى فيما يتعلق بوقائع الدعوى المطروحة عليها، وكان ما يثيره الطاعن بصدد ما استخلصه الحكم المطعون فيه من أقوال الشهود لا يعدو أن يكون مجادلة موضوعية في تقدير محكمة الموضوع للأدلة بغية الوصول إلى نتيجة أخرى غير التي أخذت بها تلك المحكمة، وهو ما لا يجوز أمام محكمة النقض، فإن النعي على الحكم بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الخامس من السبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم برد وبطلان الإقرار المؤرخ 5/ 7/ 1962 جاء على خلاف الحكم الصادر بين الخصوم أنفسهم في الاستئنافين رقمي 220، 225 سنة 1962 طنطا وقد قضي فيهما بصحة الإقرار المشار إليه وحاز ذلك الحكم قوة الأمر المقضي مما يجوز معه الطعن في الحكم المطعون فيه بطريق النقض. هذا إلى أن الحكم المطعون فيه قد استدل على تزوير الإقرار بأن الطاعن لم يقدمه عندما شرعت المطعون ضدها في تنفيذ حكم النفقة الذي تناوله هذا الإقرار بتوقيع الحجز عليه، وبأنه لم يقدمه في الإشكال في التنفيذ المرفوع منه واقتصر على تقديم صورته الفوتوغرافية، وبأنه ترك دعوى براءة الذمة رقم 1327 سنة 1962 للشطب. ويرى الطاعن أن هذا الذي قرره الحكم ينطوي على فساد في الاستدلال لأن التنفيذ كان سابقاً على صدور الإقرار ولأن عدم تقديم الأصل يرجع إلى أنه كان مودعاً في الاستئنافين المشار إليهما، ولأنه ترك دعوى براءة الذمة للشطب بعد أن أصبحت غير ذات موضوع بالحكم له نهائياً بما تضمنه الإقرار سالف الذكر.
وحيث إن هذا النعي في شقة الأول عار عن الدليل، إذ لم يقدم الطاعن ما يثبت أن الإقرار المؤرخ 5/ 7/ 1962 قد قضي بصحته في الاستئنافين رقمي 220، 225 سنة 1962 طنطا، والنعي في باقي ما ورد به مردود بأن الحكم المطعون فيه لم يستند في قضائه برد وبطلان الإقرار المشار إليه إلى القرائن التي ساقها الطاعن ونعى على الحكم استناده إليها، وإنما أشار إليها في مقام استعراضه لمراحل النزاع بين الطرفين حول النفقة، ثم أخذ بعد ذلك في سرد الأدلة على تزوير الإقرار المشار إليه بقوله "إن المستندات تقطع بأن الإقرار المقدم من المستأنف (الطاعن) لم يكن له وجود في التاريخ المدون به وأن هذا الأخير إنما اصطنعه لخدمة هذه الدعوى، وإلا لما تأخر عن تقديمه في الدعاوى العديدة التي رفعها استناداً إليه، وفضلاً عن ذلك فإنه لا يعقل أن تقدم المستأنف عليها (المطعون ضدها) على تخفيض النفقة وإبراء زوجها من مؤخر الصداق في الوقت الذي كانت فيه المنازعات بينهما على أشدها حول العلاقة الزوجية على ما هو ثابت من الحكم الصادر في الاستئناف رقم 7 سنة 13 ق طنطا بتاريخ 4/ 11/ 1963 بتأييد الحكم القاضي بتطليق المستأنف عليها (المطعون ضدها) من زوجها لسوء معاملته لها وعدم أمانته، ولا يستساغ حصول الإبراء من مؤخر الصداق قبل انفصام العلاقة الزوجية بحكم التطليق المشار إليه". ولما كان يبين من ذلك أن الحكم قضى برد وبطلان الإقرار المؤرخ 5/ 7/ 1962 عملاً بالمادة 290 من قانون المرافعات السابق استناداً إلى أدلة سائغة مستمدة من الأوراق وليس من بينها شروع المطعون ضدها في تنفيذ حكم النفقة ولا ترك الطاعن دعوى براءة الذمة للشطب، وكان الطاعن لم يقدم ما يدل على سبق تمسكه أمام محكمة الموضوع بأن أصل الإقرار كان مودعاً في الاستئنافين رقمي 220، 225 طنطا، فإن النعي بهذا الوجه يكون على غير أساس.
وحيث إن السبب الرابع يتحصل في النعي على الحكم المطعون فيه بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه تمسك أمام محكمة الموضوع بصورية السندين الصادر بهما أمري الأداء وقد ردت المحكمة على هذا الدفاع بأن السند الأول ثبت تاريخه في 11/ 4/ 1960 وأنه حرر قبل الزواج وفي حياة زوجها الأول واستندت المحكمة في ذلك إلى أقوال شهود المطعون ضدها بحجة أنها جاءت مؤيدة لأوراق الدعوى، وهذا من الحكم خطأ في الاستدلال، ذلك أن الزواج الذي تم في 18/ 4/ 1960 قد سبقته مقدمات وأن السند حرر في ذات اليوم الذي ثبت تاريخه فيه بقصد تهديد الطاعن فيما لو أقدم على تطليق زوجته وجعل تاريخه 1/ 11/ 1959 على خلاف الحقيقة حتى يكون صدوره في زمن سابق على الزواج، وما كان للمحكمة أن تستند إلى أقوال شهود المطعون ضدها لما ثبت من وجود ضغائن وقضايا مرددة بينهم وبينه ولأنه ليس في الأوراق ما يساند أقوالهم، ورتب الطاعن على ذلك القول ببطلان السند لانعدام سببه، وأضاف أن السند الثاني المحرر في 18/ 4/ 1960 وهو تاريخ الزواج قد ذكر فيه أنه مقابل صداق المطعون ضدها وقد ثبت من الإقرار المؤرخ 5/ 7/ 1962 أنها تقاضت صداقها بالكامل، وإذ قضى الحكم المطعون فيه رغم ذلك بقيمة هذا السند، فإنه يكون قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال فوق خطئه في القانون.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قرر بصدد التدليل على عدم صورية السند المؤرخ 1/ 11/ 1959 ما يأتي "إن المستأنف (الطاعن) تمسك بصورية سند المديونية بمبلغ 5000 جنيه الصادر في 1/ 11/ 1959 بمقولة إنه حرره لزوجته حال قيام الزوجية بينهما لتأمينها ضد قيامه بفصم هذه العلاقة، وأنه دين لا مقابل له ولا سبب، وهذا الدفاع من جانبه فضلاً عن أنه يتعارض مع ادعائه التخالص من هذا الدين بموجب المخالصة المدعى بتزويرها فقد ثبت عدم صحته من ثبوت تاريخ السند في 11/ 4/ 1960 أي قبل زواجه بالمستأنف عليها (المطعون ضدها) وقد أجمع الشهود الذين اطمأنت إليهم المحكمة على أن قيمة السند قد دفعت فعلاً للمستأنف قبل زواجه بالمستأنف عليها (المطعون ضدها) الأمر الذي ينفي الصورية ويؤكد صحة السند ومشروعيته". ولما كان يبين من هذا الذي قرره الحكم أن محكمة الاستئناف بعد أن عرضت إلى دفاع الطاعن والموازنة بين أدلة الإثبات وأدلة النفي انتهت في حدود سلطتها التقديرية إلى إطراح دفاع الطاعن وأخذت بدفاع المطعون ضدها، ودللت على صحة السند الأول بثبوت تاريخه في 11/ 4/ 1960 أي قبل زواج الطاعن بالمطعون ضدها، كما استندت إلى أقوال شهود المطعون ضدها الذين اطمأنت إليهم، وإلى أن تمسك الطاعن بالصورية يتعارض مع ادعائه بالتخالص، وكان ما ينعاه الطاعن على الحكم من أخذه بأقوال الشهود رغم وجود ضغائن ومنازعات قضائية بينهم وبين الطاعن مردود بأن تقدير أقوال الشهود مرهون بما يطمئن إليه وجدان قاضي الموضوع ولا سلطان لأحد عليه في ذلك طالما أنه لا يخرج بتلك الأقوال إلى ما لا يؤدي إليه مدلولها، وكان غير صحيح ما ينعاه الطاعن على الحكم من أنه خالف الثابت في الأوراق فيما قرره بشأن أقوال شهود المطعون ضدها ذلك أن هذه الأقوال تتفق مع ما انتهى إليه الخبير الاستشاري "يوسف المرزوقي" - الذي اطمأنت إليه المحكمة - من أن المخالصة مزورة. لما كان ذلك وكان تقدير أدلة الصورية هو مما يستقل به قاضي الموضوع لتعلقه بفهم الواقع في الدعوى، وكانت محكمة الاستئناف قد أقامت قضاءها - وعلى ما سبق القول - على أسباب تكفي لحمله وتسوغ النتيجة التي انتهت إليها، فإن النعي على الحكم بالقصور يكون على غير أساس. كما أن النعي عليه بالفساد في الاستدلال لإطراح دفاع الطاعن وتصديقه دفاع المطعون ضدها يكون على غير أساس أيضاً، إذ لا تعتبر الموازنة بين الأدلة والأخذ بدليل معين منها دون دليل آخر لم تطمئن إليه المحكمة من قبيل الفساد في الاستدلال. أما ما ينعاه الطاعن من أن السند المؤرخ 1/ 11/ 1959 باطل لانعدام سببه، فإن هذا النعي مردود بأن مؤدى نص المادتين 136 و137 من القانون المدني أن المشرع قد وضع بهما قرينة قانونية يفترض بمقتضاها أن للعقد سبباً مشروعاً ولو لم يذكر هذا السبب، فإن ذكر في العقد فإنه يعتبر السبب الحقيقي الذي قبل المدين أن يلتزم من أجله، وإن ادعى المدين صورية السبب المذكور في العقد كان عليه أن يقدم الدليل القانوني على هذه الصورية. ولما كان الحكم المطعون فيه قد نفى صورية سبب الدين موضوع السند المشار إليه على النحو المتقدم ذكره، فإن النعي ببطلان هذا السند لانعدام سببه يكون غير سديد، وإذ حصل الحكم المطعون فيه وعلى ما سلف البيان في الرد على السبب الثالث وفي أسباب سائغة أن الإقرار المؤرخ 5/ 7/ 1962 إقرار مزور على الطاعنة وحكم برده وبطلانه ورتب على ذلك قضاءه بتأييد أمر الأداء الخاص بالسند المؤرخ 18/ 4/ 1960، وكان هذا الذي انتهى إليه الحكم يعد نتيجة طبيعية لما قرره من تزوير الإقرار، فإن النعي على الحكم بالقصور في التسبيب ومخالفة الثابت في الأوراق في هذا الخصوص يكون غير سديد.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.