أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 16 - صـ 538

جلسة 29 من إبريل سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمود توفيق إسماعيل، وحافظ محمد بدوي، ومحمد صادق الرشيدي، وعباس حلمي عبد الجواد.

(87)
الطعن رقم 374 لسنة 30 قضائية

ارتفاق. "حقوق الارتفاق التبادلية". "التنازل عن حقوق الارتفاق". التزام. "سبب الالتزام".
في حقوق الارتفاق التبادلية سبب التزام مالك العقار باحترام حق الارتفاق المقرر على عقاره لمصلحة عقار آخر هو التزام مالك هذا العقار الآخر باحترام الارتفاق المقابل لمصلحة مالك العقار الأول. خروج أيهما عن التزامه إسقاط لحقه في التزام جاره مالك العقار الآخر. التنازل عن حقوق الارتفاق يجوز أن يكون صراحة أو ضمناً.
في حقوق الارتفاق التبادلية يكون سبب التزام مالك العقار باحترام حق الارتفاق المقرر على عقاره لمصلحة عقار آخر هو التزم مالك هذا العقار الآخر باحترام الارتفاق المقابل المقرر لمصلحة مالك العقار الأول فإذا خرج أيهما عن الالتزام المفروض عليه وخالف شروط عقده أو قيوده فإنه يكون قد أسقط حقه في إلزام جاره مالك العقار الآخر بتنفيذ التزامه الذي يغدو بلا سبب والتنازل عن حقوق الارتفاق - كما يكون صريحاً - يجوز أن يكون ضمنياً إذ لم يشترط القانون لتحققه صورة معينة [(1)].


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - تتحصل حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - في أن المطعون عليه الأول بصفته أقام على الطاعن والمطعون عليها الثانية الدعوى رقم 33 سنة 1951 مدني كلي سوهاج طلب فيها الحكم بإزالة المباني التي أحدثاها أو أحدثها أحدهما على قطعة الأرض المبينة بصحيفة تلك الدعوى وقال في بيان دعواه إنه بموجب عقد بيع مؤرخ 10 من مايو سنة 1921 ومسجل في 11 من مايو سنة 1923 اشترت كنيسة نهضة القداسة التي يمثلها المطعون عليه الأول من المطعون عليها الثانية نصف قطعة أرض مسطحها 1400 متر واشترط في العقد أن تترك المشترية عند البناء مسافة قدرها متر ونصف بطول الجهة البحرية وأن تترك البائعة أو من يتلقى حق الملكية عنها قدراً مساوياً لهذه المسافة من الجهة القبلية ولما كان الطاعن وقد آلت إليه ملكية بعض باقي القطعة من البائعة المذكورة خالف هذا الشرط في المباني التي أقامها - بينما قامت الكنيسة من جانبها بتنفيذه فقد قام المطعون عليه الأول بوصفه ممثلاً للكنيسة بإنذار الطاعن والبائعة له "المطعون عليها الثانية" بتنفيذ هذا الشرط ولما لم يفعلا رفع عليهما هذه الدعوى بطلباته السابقة - دفع الطاعن الدعوى بأن الكنيسة لم تراع قيود البناء التي فرضها عقد شرائها إذ أقامت سوراً على المسافة التي تعهدت بتركها فلا يجوز لها بعد ذلك أن تطالبه باحترام الشرط الوارد في عقد البيع الصادر إليه من البائعة الأصلية، هذا علاوة على أنه قد قام بالبناء على نهاية ملكه بالاتفاق بينه وبين المطعون عليه الأول بصفته. وبتاريخ 22 من نوفمبر سنة 1954 حكمت المحكمة بندب خبير لبيان ما إذا كان الطاعن قد بنى في المسافة الممنوع عليه البناء فيها وفقاً لعقد شرائه من المطعون عليها الثانية ووصف هذه المباني وما تكلفته والأضرار التي تلحقه من إزالتها - وبعد أن قدم الخبير تقريره قضت محكمة الدرجة الأولى في 10 من ديسمبر سنة 1958 بإلزام الطاعن بإزالة المباني التي أحدثها بطول قطعة الأرض المشتراة بعقده المؤرخ في 26 من فبراير سنة 1949 من الجهة القبلية بعرض متر ونصف. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 120 سنة 34 قضائية أسيوط - وبجلسة 16 من يونيه سنة 1960 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف - طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض ورأت النيابة في مذكرتها نقض الحكم وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 25 من فبراير سنة 1964 فقررت إحالته إلى هذه الدائرة وبالجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة رأيها السابق.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون وقصوره في التسبيب وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك في دفاعه أمام محكمة الموضوع بأن عدم تنفيذ الكنيسة لما تعهدت به بإقامتها سوراً على نهاية ملكها دون أن تترك المسافة المتفق عليها - يجعله في حل من عدم تنفيذ ما التزم به من ناحيته. كما تمسك أيضاً بأن اتفاقاً تم بينه وبين الكنيسة على أن يبني كل منهما على نهاية ملكه بما يعتبر تعديلاً للعقد وطلب الإحالة إلى التحقيق لإثبات حصول هذا الاتفاق - ولم يأخذ الحكم الابتدائي ولا الحكم المطعون فيه بدفاعه آنف الذكر ورد الحكم الأول على الشق الأول من هذا الدفاع بأنه إذا صح اعتبار إقامة السور خروجاً عما التزم به المطعون عليه الأول فإن ذلك لا يبيح للطاعن أن يخل هو الآخر بالتزامه بل إن له بدوره أن يطالب بإزالة المباني المخالفة - وقد قضى الحكم المطعون فيه بتأييد الحكم الابتدائي وأخذ بأسبابه وأضاف إليها أن إقامة الكنيسة للسور لا يعتبر نقضاً للقيود التي فرضت على كل عقار لمصلحة الآخر كما أضاف رداً على الشق الآخر من الدفاع المتضمن حصول الاتفاق سالف الذكر بأن ما قرره الطاعن أمام الخبير المنتدب في الدعوى من أنه أقام البناء بعد أن أقامت الكنيسة السور ينفي حصول الاتفاق المدعى به ويرى الطاعن أن هذا الذي استند إليه الحكم المطعون فيه في إطراح دفاعه آنف الذكر بشقيه ينطوي على مخالفة للقانون وقصور في التسبيب ذلك أن التزام الكنيسة بمراعاة قيود البناء المتفق عليها كان هو السبب في التزامه هو بمراعاة هذه القيود فإذا ما أخلت الكنيسة بالتزامها فإن ذلك يجعله في حل من احترام تعهده أما ما أضافه الحكم المطعون فيه من أن إقامة الكنيسة للسور لا يعتبر نقضاً منها للقيود التي فرضت على كل عقار لمصلحة الآخر فإنه قول يشوبه القصور لأن الحكم لم يبين علة عدم اعتباره هذه المخالفة نقضاً للقيود التي التزمت بها الكنيسة كذلك فإن ما رد به الحكم المطعون فيه على دفاعه المتضمن سبق حصول اتفاق بينه وبين الكنيسة على مخالفة تلك القيود هذا الرد هو الآخر قاصر لأن قول الطاعن أمام خبير الدعوى بأنه أقام البناء بعد أن أقامت الكنيسة السور لا ينفي بتاتاً حصول الاتفاق الذي ادعاه.
وحيث إن هذا النعي سديد في شقيه ذلك أنه يبين من الحكم الابتدائي الذي أحال إليه الحكم المطعون فيه في أسبابه أنه بعد أن كيف القيود والاشتراطات المقررة على عقار كل من الطاعن والمطعون عليه الأول بصفته بأنها حقوق ارتفاق تبادلية روعي في التزامها منفعة العقارين قال الحكم "وبما أنه يبين من الاطلاع على تقرير الخبير أن المدعى عليه الثاني (الطاعن) بعد أن التزم بما تعهد به وترك فضاء قدره متران على طول قطعة الأرض التي اشتراها عاد وأقام بناء على هذا الفضاء أوصله بالبناء الأصلي وهو ما لم ينكره المدعى عليه (الطاعن) بل اعترف به ومن ثم يكون قد خالف ما التزم به وما التزمت به من نقلت إليه ملكية الأرض من ترك فضاء قدره متران - ويتعين من أجل ذلك إنزال حكم القانون عليه إذا ما توافرت شروطه ولا يحول دون ذلك قوله إن المدعي قد خالف بدوره ما التزم به وأقام حول أرضه سوراً لأنه حتى لو صح أن إقامة السور من جانب المدعي يعتبر خروجاً على ما التزم به بموجب العقد وتعدياً على حق الارتفاق المقرر لأرض المدعى عليه على عقار المدعي (المطعون عليه الأول) فإن هذا لا يعتبر مبرراً لكي يخل بدوره بالتزامه ويعتدي على حق الارتفاق المقرر على عقاره لمصلحة عقار المدعي (المطعون عليه الأول) بل كان عليه إذا ما رأى في فعل المدعي تعدياً على حقه أن يطلب بدوره إلزامه بأن يحترم تعهده ويزيل البناء المخالف لا أن يخرج بدوره عن التزامه" وقد أخذ الحكم المطعون فيه بهذه الأسباب وزاد عليها قوله "كما أن إقامة الكنيسة للسور لا يعتبر نقضاً للقيود التي فرضت على كل عقار لمصلحة الآخر" وهذا الذي قرره الحكم وأقام عليه قضاءه ينطوي على مخالفة للقانون وقصور في التسبيب ذلك أنه من المقرر أنه في حقوق الارتفاق الاتفاقية المتبادلة يكون سبب التزام مالك العقار باحترام حق الارتفاق المقرر على عقاره لمصلحة عقار آخر هو التزام مالك هذا العقار الآخر باحترام الارتفاق المقابل المقرر لمصلحة مالك العقار الأول، فإذا خرج أيهما عن الالتزام المفروض عليه وخالف شروط عقده أو قيوده فإنه يكون قد أسقط حقه في إلزام جاره مالك العقار الآخر بتنفيذ التزامه الذي يغدو بلا سبب، والتنازل عن حقوق الارتفاق كما يكون صريحاً يجوز أن يكون ضمنياً إذ القانون لم يشترط لتحققه صورة معينة - لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون مخالفاً للقانون فيما قرره رداً على دفاع الطاعن في هذا الخصوص من أن إقامة الكنيسة للسور بالمخالفة لقيود البناء التي التزمت بها لا يعتبر مبرراً لإخلال الطاعن بدوره بتعهده - كذلك فإن الحكم المطعون فيه قد جاء قاصر البيان فيما قرره من أن إقامة الكنيسة للسور لا يعتبر نقضاً للقيود التي فرضت على كل عقار لمصلحة العقار الآخر إذ لم يبين ما إذا كان هذا السور قد أقيم على المنطقة المحظور البناء فيها أم لا وإذا كان قد أقيم فعلاً على هذه المنطقة فما هو سند الحكم في عدم اعتباره ذلك نقضاً للقيود المتفق عليها كما جاء الحكم مشوباً بالقصور أيضاً فيما قرره رداً على دفاع الطاعن المتضمن سبق حصول اتفاق بينه وبين الكنيسة على إقامة مبانيه على النحو الذي أقيمت به إذ أن استناد الحكم إلى ما قرره الطاعن أمام الخبير من أنه أقام البناء بعد أن أقامت الكنيسة السور - هذا القول ليس من شأنه أن يؤدي عقلاً إلى نفي حصول الاتفاق المدعى.
وحيث إنه لما تقدم يتعين نقض الحكم.


[(1)] نقض 28/ 5/ 1964 في الطعن رقم 484 لسنة 29 ق بمجموعة المكتب الفني س 15 ص 758 ونقض 25/ 1/ 1962 بمجموعة المكتب الفني س 13 ص 97.