أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 16 - صـ 973

جلسة 4 من نوفمبر سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: حافظ محمد بدوي، وإبراهيم الجافي، وعباس حلمي عبد الجواد، وسليم راشد أبو زيد.

(154)
الطعن رقم 372 لسنة 30 القضائية

( أ ) استئناف. "إجراءات نظر الاستئناف". "تقرير التلخيص".
وجوب وضع تقرير التلخيص في الاستئناف من العضو المقرر وتلاوته قبل بدء المرافعة. لم يستلزم القانون وضع تقرير آخر كلما جد جديد في الدعوى أثناء نظرها أمام المحكمة. في حالة تغيير بعض أعضاء المحكمة يجب تلاوة التقرير من جديد دون أن يشترط أن يكون هذا التقرير من عمل أحد أعضاء الهيئة الجديدة.
(ب) وكالة. إثباتها. "الوكالة الضمنية".
وكالة الزوج عن زوجته لا تستخلص ضمناً من مجرد قيام رابطة الزوجية.
(ج) وكالة. وديعة. قرض. "حساب جاري". إثبات. "مبدأ ثبوت الكتابة".
علاقة البنك بالعميل الذي يقوم بإيداع مبالغ في حسابه لديه ليست علاقة وكالة. هي علاقة وديعة ناقصة. اعتبارها بمقتضى المادة 726 مدني قرضاًً - شرطاً مبدأ الثبوت بالكتابة الذي يجوز تكملته بالبينة: وجوب صدور الورقة من الخصم المراد إقامة الدليل عليه أو ممن ينوب عنه في حدود نيابته وأن يكون من شأنها أن تجعل الحق المدعى به قريب الاحتمال. لا يعد كذلك إيصال البنك بإيداع مبلغ لحساب شخص آخر دون تحديد للمودع.
(د) إثبات. "الإثبات بالقرائن". "قرائن قضائية".
القرينة القضائية من الأدلة التي لم يحدد القانون حجيتها. تقدير القرائن القضائية من مطلق تقدير القاضي. مثال.
(هـ) قوة الأمر المقضي. إثبات. "القرائن القانونية". دعوى. بيع.
الحكم برفض دعوى صحة التعاقد لعدم قيام المشتري بالتزامه بدفع كامل الثمن، لا يمنع المشتري من العودة إلى دعوى صحة التعاقد إذا ما قام بإيفاء البائع بباقي الثمن.
(و) حكم. "قصور. ما يعد كذلك". إثبات. "الإثبات بالبينة". "المانع الأدبي من الحصول على الكتابة".
تمسك المشتري بقيام مانع أدبي بينه وبين البائع وهو أنه كان يعمل لديه. دفاع جوهري. إغفال الحكم بحث هذا الدفاع. قصور.
(ز) نقض. "الحكم في النقض". قضاة. "عدم صلاحية القاضي".
الأحكام الصادرة من محكمة النقض أحكام باتة لا سبيل للطعن عليها بأي طريق. المادة 27 من القانون 57 لسنة 1959 - لا يستثنى من ذلك إلا حالة الطعن ببطلان الحكم الصادر من محكمة النقض لقيام سبب من أسباب عدم الصلاحية. المادتان 313 و341 من قانون المرافعات.
1 - إن كل ما أوجبه القانون هو أن يضع العضو المقرر في الدائرة الاستئنافية تقريراً يلخص فيه موضوع الاستئناف وطلبات الخصوم وأسانيد كل منهم ودفوعهم ودفاعهم وأن يتلى هذا التقرير في الجلسة قبل بدء المرافعة. ولم يستلزم القانون وضع تقرير آخر كلما جد جديد في الدعوى أثناء نظرها أمام المحكمة كما أنه في حالة تغيير بعض أعضاء المحكمة بعد تلاوة التقرير فإنه وإن كان يجب تلاوة التقرير من جديد ليعلم من لم يكن حاضراً منهم عند تلاوة التقرير السابق بما لم يحط به علماً من قبل، إلا أنه لا يشترط أن يكون التقرير الذي يتلى في هذه الحالة من عمل أحد أعضاء الهيئة الجديدة بل يكفي تلاوة التقرير الذي وضعه العضو المقرر الأول لأن تلاوة هذا التقرير تفيد أن العضو الذي تلاه قد أقره وتبناه ولم يجد داعياً لوضع تقرير جديد وتتحقق بهذه التلاوة الغاية التي يهدف إليها المشرع من إيجاب وضع التقرير وتلاوته [(1)].
2 - وكالة الزوج عن زوجته لا تستخلص ضمناً من مجرد قيام رابطة الزوجية.
3 - علاقة البنك بالعميل الذي يقوم بإيداع مبالغ في حسابه لدى البنك ليست علاقة وكالة وإنما هي علاقة وديعة ناقصة تعتبر بمقتضى المادة 726 من القانون المدني قرضاً ومن ثم فالإيصال الصادر من البنك بإيداع مبلغ لحساب شخص آخر - دون تحديد للمودع - لا يمكن اعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة يجوز تكملته بالبينة لأن الورقة التي تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة يجب أن تكون صادرة من الخصم المراد إقامة الدليل عليه أو ممن ينوب عنه في حدود نيابته وأن يكون من شأنها أن تجعل الحق المدعى به قريب الاحتمال وهو ما لا يتوافر في الإيصال المذكور.
4 - حيازة الطاعن لإيصال إيداع مبلغ بالبنك لحساب شخص آخر إن صح اعتباره قرينة على حصول الإيداع منه فإنها لا تعدو أن تكون قرينة قضائية وهي من الأدلة التي لم يحدد القانون حجيتها والتي أطلق للقاضي في الأخذ بنتيجتها وعدم الأخذ بها، كما أطلق له في أن ينزل كل قرينة منها من حيث الأهمية والتقدير المنزلة التي يراها.
5 - الحكم برفض دعوى صحة التعاقد لعدم قيام المشتري بالتزامه بدفع كامل الثمن معناه - في هذه الصورة - رفضها بحالتها وهو لا يمنع المشتري من العودة إلى دعوى صحة التعاقد إذا ما قام بإيفاء البائع بباقي الثمن.
6 - متى كان الطاعن (المشتري) قد تمسك أمام محكمة الاستئناف بقيام مانع أدبي بينه وبين البائعة - وهو أنه كان يعمل خادماً لديها وأن هذه العلاقة تحول بينه وبين الحصول على كتابة بما أوفاه من الثمن وكان الحكم المطعون فيه قد أغفل بحث هذا الدفاع الجوهري والرد عليه فإن الحكم يكون مشوباً بالقصور بما يستوجب نقضه.
7 - لا سبيل للطعن بأي طريق في الأحكام الصادرة من محكمة النقض إذ هي أحكام باتة وقد نصت المادة 27 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض على أنه لا تجوز المعارضة في أحكام محكمة النقض الغيابية ولا يقبل الطعن في أحكامها بطريق التماس إعادة النظر. واغتنى المشرع عن النص على منع الطعن في أحكام محكمة النقض بسائر طرق الطعن الأخرى العادية وغير العادية لعدم إمكان تصور الطعن بها على تلك الأحكام. ولم يستثن المشرع من ذلك الأصل إلا ما أورده في المادة 314 من قانون المرافعات من جواز الطعن ببطلان الحكم الصادر من محكمة النقض إذا قام بأحد القضاة الذين أصدروه سبب من أسباب عدم الصلاحية المنصوص عليها في المادة 313 من هذا القانون وذلك زيادة في الاصطيان والتحوط لسمعة القضاء.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام على المطعون ضدهما الدعوى رقم 53 سنة 1951 مدني كلي بني سويف طلب فيها الحكم ضد المطعون ضدها الأولى وفي مواجهة الثانية بصحة التعاقد عن البيع الصادر له من المطعون ضدها الأولى والمتضمن بيعها له 367.5 متراً مربعاً بالحدود والبيانات الواردة بالعريضة لقاء ثمن مقداره 4041 جنيهاً وتسليمها له وأسس دعواه على امتناع البائعة عن تنفيذ التزامها بنقل الملكية إليه وطلب إجبارها على تنفيذ هذا الالتزام وارتكن في إثبات دعواه إلى ورقة وصفها بأنها تتضمن عقد بيع صادر إليه من المطعون ضدها الأولى كما قدم للتدليل على وفائه بالثمن إيصالاً صادراً من بنك مصر يفيد إيداع مبلغ 115 جنيهاً في حساب المطعون ضدها الأولى دون بيان لاسم المودع، وذكر الطاعن أن هذا المبلغ هو ما كان باقياً في ذمته من الثمن - وقد دفعت المطعون ضدها الأولى الدعوى بأنها لم تقبض من الثمن إلا مبلغ مائة جنيه أو ما ينقص عن ذلك قليلاً وأن باقي الثمن كان مقسطاً على خمس سنين غير أن الطاعن طلب منها بعد ذلك التفاسخ لعدم رغبته في الصفقة فقبلت وتفاسخت معه وردت إليه ما كان قد دفعه من الثمن. وبتاريخ 6/ 2/ 1952 قضت المحكمة برد وبطلان المستند رقم 1 من حافظة الطعن وهو الورقة التي وصفها بأنها عقد بيع، واعتباره مزوراً وبرفض الدعوى - استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 209 سنة 69 ق - وبجلسة 26/ 5/ 1956 قضت تلك المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وحكمت للطاعن بطلباته فطعنت المطعون ضدها الأولى في هذا الحكم بطريق النقض وقيد طعنها برقم 196 سنة 23 ق وبتاريخ 14/ 11/ 1957 نقضت محكمة النقض الحكم المطعون فيه وأحالت القضية إلى محكمة استئناف القاهرة للحكم فيها من جديد مؤسسة قضاءها بذلك على ما قالته من أنه "لما كان عقد البيع من العقود التبادلية فإن البائع لا يجبر على تنفيذ التزامه إذا ما دفع الدعوى بعدم قيام المشتري بتنفيذ التزامه بأن لم يوف إليه بثمن المبيع المستحق وهو دفع يترتب على ثبوته حبس التزام البائع بنقل الملكية حتى يقوم المشتري بتنفيذ التزامه وقد أخطأت محكمة الاستئناف في فهم القانون وجرها هذا الخطأ إلى التخلي عن النظر فيما دفعت به البائعة دعوى المشتري من عدم وفائه بكامل الثمن وفيما رد به هذا الأخير من جانبه بل وأسس عليه دعواه من أنه وفى بالتزامه بالثمن وطلب إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات هذا الوفاء فشاب الحكم المطعون فيه قصور مبناه خطأ في فهم القانون". وبتاريخ 14 من يونيه سنة 1960 حكمت محكمة الاستئناف من جديد برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من رفض دعوى المستأنف وأقامت قضاءها على أن المشتري "الطاعن" لم يقدم ما يثبت أنه أوفى بكامل الثمن فيكون متخلفاً عن الوفاء بالتزامه وبذلك يحق للبائعة "المطعون ضدها الأولى" أن تمتنع عن تنفيذ التزامها طبقاً للمادة 161 من القانون المدني التي هي تطبيق لحق الحبس في نطاق العقود الملزمة للطرفين وفي 13/ 7/ 1960 طعن الطعن في هذا الحكم بطريق النقض وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 26/ 11/ 1963 وفيها صممت النيابة على المذكرة التي قدمتها وانتهت فيها إلى أنها ترى نقض الحكم وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة - وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة برأيها السابق.
وحيث إن الطاعن ينعى في السبب الأول على الحكم المطعون فيه أنه قد شابه بطلان جوهري أثر فيه ذلك أن الهيئة التي أصدرته قد خلفت هيئة أخرى في نظر الاستئناف ولم تقم بما يفرضه عليها القانون من وضع تقرير تلخيص جديد من عمل أحد أعضائها يضمنه ما جد في الدعوى أثناء نظرها أمام المحكمة بل اكتفت بتلاوة التقرير الذي كان قد وضعه أحد أعضاء الهيئة السابقة رغم أن المحكمة بعد وضع هذا التقرير كانت قد أصدرت في 26/ 5/ 1953 حكماً للطاعن بطلباته ثم نقض هذا الحكم وعجل نظر الاستئناف بعد ذلك وقد استجد في الاستئناف بعد إعادة القضية من محكمة النقض أن قدمت مستندات جديدة من الطرفين وتبودلت المذكرات بينهما في مسائل قانونية لم تثر من قبل ومن ثم تكون المحكمة قد أغفلت إجراء جوهرياً يترتب على إغفاله بطلان الحكم عملاً بالمادتين 116، 416 من قانون المرافعات.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن كل ما أوجبه القانون هو أن يضع العضو المقرر في الدائرة الاستئنافية تقريراً يلخص فيه موضوع الاستئناف وطلبات الخصوم وأسانيد كل منهم ودفوعهم ودفاعهم وأن يتلى هذا التقرير في الجلسة قبل بدء المرافعة ولم يستلزم القانون وضع تقرير آخر كلما جد جديد في الدعوى أثناء نظرها أمام المحكمة - كما أنه في حالة تغيير بعض أعضاء المحكمة بعد تلاوة التقرير فإنه وإن كان يجب تلاوة التقرير من جديد ليعلم من لم يكن حاضراً منهم عند تلاوة التقرير السابق بما لم يحط به علماً من قبل إلا أنه لا يشترط أن يكون التقرير الذي يتلى في هذه الحالة من عمل أحد أعضاء الهيئة الجديدة بل يكفي تلاوة التقرير الذي وضعه العضو المقرر الأول لأن تلاوة هذا التقرير تفيد أن العضو الذي تلاه قد أقره وتبناه ولم يجد داعياً لوضع تقرير جديد وتتحقق بهذه التلاوة الغاية التي يهدف إليها المشرع من إيجاب وضع التقرير وتلاوته - لما كان ذلك - وكان الثابت من الأوراق أن مستشار التحضير قد وضع تقريراً أحيلت به الدعوى إلى المرافعة وأن هذا التقرير تلي بجلسة المرافعة الأخيرة فإن محكمة الاستئناف تكون قد قامت بما فرضه عليها القانون ويكون النعي بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى في السبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في فهم الواقع وفي تطبيق القانون. وفي بيان ذلك يقول إن المطعون ضدها الأولى أقرت في التحقيقات التي أجريت في الشكوى الإدارية رقم 299 سنة 1951 بني سويف بأنها باعته أرض النزاع بثمن مقداره 441 ج اقتضت منه وقت التعاقد مبلغ مائة جنيه والباقي اتفق على دفعه منجماً على عدة أقساط وبذلك تكون قد أقرت باستلامها جزءاً من الثمن وبتراخيها في المطالبة بالباقي ومن ثم يكون هناك شروع في الوفاء وإذ كانت المادة 221 من القانون المدني القديم الذي وقع - في ظله - البيع وسداد الثمن تجيز للقاضي أن يأذن بالإثبات بالبينة إذا كان هناك شروع في الوفاء فإن محكمة الاستئناف إذ لم تلتفت إلى ذلك ولم تأمر بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ما ادعاه الطاعن من وفائه بالثمن - فإن حكمها يكون مشوباً بالقصور والخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه خلواً مما يدل على أن الطاعن عرض هذا الوجه من أوجه دفاعه على محكمة الاستئناف - وكان الطاعن من جانبه لم يقدم إلى محكمة النقض دليلاً على ذلك وقد تبين من الاطلاع على المذكرتين المقدمتين منه إلى محكمة الاستئناف أن ادعاءه بوجود شروع في الوفاء كان مبنياً على أساس أنه أودع لحساب المطعون ضدها الأولى مبلغ 115 ج لا على أساس أنه سدد مبلغ المائة جنيه فإن ما يثيره الطاعن يعتبر سبباً جديداً لا يجوز التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض لما يخالطه من واقع لم يسبق عرضه على محكمة الموضوع.
وحيث إن الطاعن ينعى في السبب الرابع على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون - وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك أمام محكمة الموضوع بأنه أوفى البائعة بباقي الثمن وقدره 115 ج بأن أودعه باسمها ولحسابها بنك مصر فرع بني سويف في 13/ 5/ 1946 بحضور زوجها الذي أيد هذه الواقعة بإقرار مكتوب تضمن أن هذا المبلغ قد دفعه الطاعن وأنه هو الباقي عليه من الثمن - لكن الحكم المطعون فيه أطرح هذا الدفاع ورد عليه بأن إيصال البنك لا ينهض دليلاً على الوفاء بكامل الثمن كما لا يعد مبدأ ثبوت بالكتابة يجيز الإحالة إلى التحقيق لإثبات هذا الوفاء وأن الزوج لا يعتبر وكيلاً عن زوجته حتى يكون إقراره حجة عليها - ويرى الطاعن أن هذا الذي قرره الحكم ينطوي على خطأ في فهم الواقع وفي تطبيق القانون - ذلك أنه يكفي لاعتبار الورقة مبدأ ثبوت بالكتابة أن تكون صادرة من نائب الخصم، والبنك عندما يقبض لحساب البائعة فإنه يكون نائباً عنها إنابة قانونية ومن ثم فالإيصال الصادر منه يعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة ولو لم يذكر فيه اسم الطاعن باعتباره الدافع للمبلغ ما دام أن هذا الإيصال كان في حيازته إلى أن قدمه للمحكمة وقد عجزت المطعون ضدها الأولى عند استجوابها بجلسة 2/ 5/ 1960 عن تعليل سبب حيازة الطاعن لذلك الإيصال وهذه الحيازة تعتبر وحدها كافية لإثبات أنه الدافع إلى أن يقوم الدليل على العكس - كما لم تلق المحكمة بالاً إلى أن هذه البائعة قد أقرت في استجوابها بأنها كلفت زوجها بإيداع المبلغ المشار إليه لحسابها وبذلك يعتبر الزوج نائباً عنها في هذه المهمة فإذا ما أقر هذا الزوج أن الطاعن هو الدافع وأن المدفوع كان آخر قسط فإن هذا الإقرار يكون حجة عليها لصدوره من نائبها في حدود نيابته وإذا لم يكن هذا الإقرار دليلاً كاملاً على وفاء الثمن فإنه على الأقل يعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه رد على ما يثيره الطاعن بهذا السبب بقوله "ومن حيث إن قول المستأنف (الطاعن) أن إيصال البنك بإيداع 115 ج يغنيه عن تقديم الإيصالات السابقة لأنه قرينة على الوفاء بالأقساط السابقة فمردود بأن هذا الإيصال ليس صادراً من البائعة أو من ينوب عنها في التقرير بأن هذا المبلغ هو باقي الثمن فهو لذلك لا يعد قرينة على الوفاء بالأقساط السابقة طبقاً للمادة 587 مدني ولا عبرة بما قرره زوج المستأنف عليها - المطعون ضدها الأولى - من أن هذا المبلغ هو الباقي من ثمن الأرض لأنه لم يثبت في الدعوى أنه وكيل عن زوجته وأن وكالته تبيح له هذا الإقرار هذا فضلاً عن أن هذا الإيصال لا يعتبر كذلك مبدأ ثبوت بالكتابة لأنه لم يصدر من البائعة أو ممن يمثلها لأن البنك لا يمثل المستأنف عليها "المطعون ضدها الأولى" في أي شأن يتصل من قريب أو بعيد بمعاملاتها بصفة عامة أو يمثل هذا التعاقد بصفة خاصة ومتى كان ذلك فإنه يتعين الالتفات عن طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المستأنف "الطاعن" أنه أوفى بكامل الثمن. وهذا الذي أورده الحكم فيه الرد الكافي على ما يثيره الطاعن بسبب النعي ولا مخالفة فيه للقانون ذلك أن وكالة الزوج عن زوجته لا تستخلص ضمناً من مجرد قيام رابطة الزوجية كذلك فإنه لما كان الإيصال الصادر من البنك ليس فيه ما يفيد أن الطاعن هو الذي قام بإيداع المبلغ الوارد فيه أو أن هذا المبلغ هو آخر قسط من الثمن وكان البنك من جهة أخرى لا يعتبر نائباً عن المطعون عليها الأولى لأن العلاقة التي تربطهما بالنسبة للمبالغ التي تقوم الأخيرة بإيداعها في حسابها لدى البنك ليست علاقة وكالة وإنما هي علاقة وديعة ناقصة تعتبر بمقتضى المادة 726 من القانون المدني قرضاً - فإن هذا الإيصال لا يمكن اعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة يجوز تكملته بالبينة لأن الورقة التي تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة يجب أن تكون صادرة من الخصم المراد إقامة الدليل عليه أو ممن ينوب عنه في حدود نيابته وأن يكون من شأنها أن تجعل الحق المدعى به قريب الاحتمال وهما الأمران المنتفيان في الإيصال - أما عن حيازة الطاعن لهذا الإيصال فإنه إن صح اعتبارها قرينة على حصول الإيداع منه فإنها لا تعدو أن تكون من القرائن القضائية وهي من الأدلة التي لم يحدد القانون حجيتها والتي أطلق للقاضي في الأخذ بنتيجتها وعدم الأخذ بها كما أطلق له في أن ينزل كل قرينة منها من حيث الأهمية والتقدير المنزلة التي يراها - وإذن فمتى كانت محكمة الموضوع لم تر في حيازة الطاعن لإيصال البنك ما يقنعها بحصول الإيداع منه فذلك حقها الذي لا معقب عليه - وإذ كان ما تقدم، فإن النعي بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الخامس أن محكمة الاستئناف قررت استجواب الخصوم شخصياً وتم ذلك بمحضر جلسة 2/ 5/ 1960 ولم تقل المحكمة كلمتها فيما تضمنه إقرار المطعون ضدها الأولى في هذا الاستجواب بصحة ما قاله الطاعن من أنه أودع لحسابها مبلغ 115 جنيهاً وإذ لم تتعرض المحكمة لهذا الاستجواب والأثر القانوني لما تضمنه من إقرارات فإن حكمها يكون مشوباً بالقصور.
وحيث إن هذا النعي مردود بأنه لما كان الثابت من الأوراق أن المحكمة لم تأمر باستجواب الخصوم على الوجه الذي نظمه قانون المرافعات في المادة 166 وما بعدها وإنما قررت مناقشتهما فلا عليها إن هي لم تعرض في حكمها لما أسفرت عنه هذه المناقشة وحسبها أنها أقامت قضاءها على أسباب مسوغة للنتيجة التي انتهت إليها ذلك أنه يكفي للوصول للنتيجة التي انتهى إليها الحكم المطعون فيه أن يكون الطاعن قد تخلف عن الوفاء بأي جزء من الثمن ومن ثم فإقرار البائعة في محضر المناقشة بأن الطاعن أوفاها بعض الثمن - بفرض حصوله - لا يغير من هذه النتيجة هذا إلى أنه لا صحة لما يدعيه الطاعن بسبب النعي من أن المطعون ضدها الأولى أقرت بمحضر المناقشة المؤرخ 2/ 5/ 1960 بأنه هو الذي أودع مبلغ المائة والخمسة عشر جنيهاً لحسابها في البنك.
وحيث إن السبب السادس - يتحصل في أن المطعون ضدها الأولى تناقضت في تصوير واقعة الدعوى فادعت أولاً في بلاغها إلى شرطة بندر بني سويف عقب رفع الدعوى بأن بيعاً لم يتم ولم يدفع ثمن وأنه كان هناك شروع في بيع عدل عنه ثم عادت وأقرت عند سؤالها في الشكوى رقم 299 سنة 1951 إداري بني سويف بأن البيع تم بكامل شرائطه القانونية ولكنهما تفاسخا عنه كما تناقضت في كيفية دفع الثمن إذ قررت في الشكوى الإدارية أنها قبضت من الطاعن ما يقرب من مائة جنيه ردته إليه عند التفاسخ واستردت العقد منه وثبت بعد ذلك أنها لم ترد أو تسترد شيئاً - وكذلك تناقضت في واقعة دفع مبلغ المائة وخمسة عشر جنيهاً فذكرت في محضر الاستجواب أن الطاعن قام بدفع مبلغ مائة جنيه "أول قسط" وقسط باقي الثمن على أقساط سنوية تدفع في مواعيدها المبينة بالعقد ثم عدلت عن ذلك إلى القول بأنها أخذت العربون وقدره مائة جنيه وأضافت إليه 15 ج من مالها ثم أودعت المبلغ البنك بواسطة زوجها - ورغم هذا التناقض فإنها عجزت عن تعليل سبب حيازة المشتري للطلبين المحررين للمساحة بتوقيعهما متضمنين البيع والمبيع والثمن وكافة شروط البيع - كما عجزت عن تعليل حيازة المشتري لإيصال دفع مبلغ المائة والخمسة عشر جنيهاً الذي قرر الطاعن وأيده زوجها بأنه قام بإيداعه لحسابها في البنك باعتباره آخر قسط من ثمن المبيع - وهذا التناقض يدل على أنها غير صادقة فيما تدعيه وبالتالي يعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة يجوز تكملته بالبينة - وإذ لم يعرض الحكم المطعون فيه في أسبابه لهذا التناقض ولم يعتبره مبدأ ثبوت بالكتابة ولم يجز للطاعن أن يثبت بشهادة الشهود وفاءه الثمن فإنه يكون مشوباً بالقصور والخطأ في القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن الطاعن لم يقدم لمحكمة النقض ما يفيد أنه طلب إلى محكمة الموضوع إحالة الدعوى إلى التحقيق على أساس أن تناقض المطعون ضدها الأولى في دفاعها يعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة وقد خلا الحكم المطعون فيه ومذكرتاه اللتان قدم صورتيهما مما يفيد إبداء هذا الطلب ومن ثم يكون النعي على الحكم بمخالفة القانون والقصور في هذا الخصوص على غير أساس أما باقي ما يثيره الطاعن في هذا النعي فإن بعضه مما تضمنته أسباب الطعن المتقدمة وسبق الرد عليها وبعضه الآخر لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل مما يستقل به قاضي الموضوع.
وحيث إن مبنى السبب السابع بطلان الحكم الصادر من محكمة النقض في الطعن الأول رقم 169 سنة 23 قضائية لابتنائه على إجراءات باطلة ذلك أن إعلان الطاعن بذلك الطعن وقع باطلاً لإعلانه له في غير محل إقامته كما نسب إليه زوراً أنه وقع على هذا الإعلان ببصمة أصبعه وقد تمسك الطاعن أمام محكمة الاستئناف بعد أن أحيلت إليها القضية من محكمة النقض بهذا البطلان ولكنها أغفلت الرد عليه فشاب حكمها القصور وانتهى الطاعن في هذا السبب إلى طلب نقض الحكم المطعون فيه والتصريح له باتخاذ إجراءات الادعاء بالتزوير على بصمة الأصبع المنسوبة له على ورقة إعلانه بالطعن السابق رقم 169 سنة 23 ق.
وحيث إن الطعن بهذا السبب على الحكم الصادر من محكمة النقض غير جائز ذلك أن محكمة النقض هي خاتمة المطاف وأحكامها باتة ولا سبيل إلى الطعن فيها - وقد نصت المادة 27 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض على أنه لا تجوز المعارضة في أحكام محكمة النقض الغيابية ولا يقبل الطعن في أحكامها بطريق التماس إعادة النظر واغتنى المشرع عن النص على منع الطعن في أحكام محكمة النقض بسائر طرق الطعن الأخرى العادية وغير العادية لعدم إمكان تصور الطعن بها على تلك الأحكام ولم يستثن المشرع من ذلك الأصل إلا ما أورده في المادة 314 من قانون المرافعات من جواز الطعن ببطلان الحكم الصادر من محكمة النقض إذا قام بأحد القضاة الذين أصدروه سبب من أسباب عدم الصلاحية المنصوص عليها في المادة 313 من هذا القانون وذلك زيادة في الاصطيان والتحوط لسمعة القضاء - لما كان ذلك، فإن الطعن بهذا السبب على حكم النقض السابق على أساس ابتنائه على إجراءات باطلة لا يكون جائز القبول.
وحيث إن حاصل السبب الثامن أن ما أورده الحكم المطعون فيه في أسبابه من أن البيع انعقد بين الطرفين وأن المشتري قد تخلف عن سداد باقي الثمن يؤدي إلى الحكم بعدم قبول الدعوى لا إلى رفضها ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد خالف القانون بقضائه برفض دعوى الطاعن.
وحيث إن هذا النعي لا جدوى منه ذلك أن الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى رفض الدعوى لعدم قيام المشتري بالتزامه بدفع كامل الثمن فإن القضاء بالرفض في هذه الصورة معناه رفضها بحالتها وهو لا يمنع الطاعن من العودة إلى دعوى صحة التعاقد إذا ما قام بإيفاء البائعة بباقي الثمن.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك في دفاعه أمام محكمة الاستئناف بقيام مانع أدبي بينه وبين المطعون ضدها الأولى - وهو أنه كان يعمل في خدمتها وأن هذه العلاقة تحول بينه وبين الحصول على سند كتابي بإيفاء الثمن - لكن الحكم أغفل الرد على هذا الدفاع وبذلك شابه القصور.
وحيث إن هذا النعي صحيح ذلك أنه يبين من مذكرة الطاعن المقدمة لمحكمة الاستئناف أنه تمسك أمام تلك المحكمة بقيام مانع أدبي بينه وبين البائعة - وهو أنه كان يعمل خادماً لديها - وأن هذه العلاقة تحول بينه وبين الحصول على كتابة بما أوفاه من الثمن - ولما كان الحكم المطعون فيه قد أغفل بحث هذا الدفاع الجوهري والرد عليه فإنه يكون مشوباً بالقصور بما يستوجب نقضه في هذا الخصوص فقط.
وحيث إنه لما كان هذا الطعن للمرة الثانية فإنه يتعين على هذه المحكمة أن تحكم في الموضوع عملاً بالمادة 24 من القانون رقم 57 لسنة 1959 الذي يحكم الطعن.
وحيث إن موضوع الدعوى صالح للفصل فيه.
وحيث إن دفاع الطاعن يقوم على أنه كان خادماً عند البائعة "المطعون ضدها الأولى" وأن هذه العلاقة لم تكن لتسمح له بالحصول على سند كتابي بوفائه الثمن وبالتالي يجوز له إثبات هذا الوفاء بالبينة.
وحيث إن هذه المحكمة - ترى من ظروف الدعوى وملابساتها - أن العلاقة بين الطاعن والمطعون ضدها الأولى لم تكن لتحول دون حصوله على دليل كتابي بما يكون قد أداه لها من الثمن سيما وأنه يقر في مذكرته رقم 7 ملف المقدمة لمحكمة الاستئناف وفي محضر المناقشة المؤرخ 2/ 5/ 1960 أنه ترك خدمتها من قبل حصول الوفاء المدعى به بمدة طويلة وافتتح له محلاً لصنع الأحذية ومن ثم ينتفي قيام المانع الأدبي الذي يجيز الإثبات بالبينة فيما يجب إثباته بالكتابة.


[(1)] راجع نقض 16 مايو سنة 1963 بمجموعة المكتب الفني س 14 ص 677.