أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 16 - صـ 1059

جلسة 16 من نوفمبر سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد عبد اللطيف، وإميل جبران، وأمين فتح الله، والسيد عبد المنعم الصراف.

(165)
الطعن رقم 317 لسنة 30 القضائية

تموين. استيلاء. "الاستيلاء الناقل للملكية". ملكية. ضريبة. "فرضها بالطريق القانوني".
الاستيلاء الناقل للملكية لا يتحقق من مجرد صدور قرار الاستيلاء في ذاته. يشترط أن يكون الاستيلاء فعلياً مقترناً بالتسليم للمواد المستولى عليها بجردها جرداً وصفياً في حضور ذوي الشأن أو بعد دعوتهم للحضور بخطاب مسجل. عدم توافر هذه الشروط. اعتبار قرار الاستيلاء إجراءاً تنظيمياً قصد به العدالة في التوزيع ومنع المضاربة في السلعة لا تنتقل به الملكية ولا الحيازة إلى الحكومة. تحصيل الحكومة حصيلة من ثمن السلعة. اعتباره نوعاً من الضريبة أو الرسوم المفروضة بغير الطريق القانوني والتي لا يصح الاتفاق عليها [(1)].
الاستيلاء الذي تنتقل بموجبه ملكية الشيء المستولى عليه إلى الحكومة لا يتحقق من مجرد صدور قرار الاستيلاء في ذاته وإنما يشترط - على ما جرى به قضاء محكمة النقض - الاستيلاء الفعلي المقترن بالتسليم للمواد المستولى عليها ويكون ذلك بجردها جرداً وصفياً في حضور ذوي الشأن أو بعد دعوتهم للحضور بخطاب مسجل فإذا لم تتوافر هذه الشروط فإن قرار الاستيلاء لا يعدو أن يكون إجراءاً تنظيمياً قصد به تحقيق العدالة في التوزيع على المستهلكين ومنع المضاربة في السلعة وتحديد الكميات الواجب صرفها منها وليس من شأن مثل هذا القرار نقل ملكية السلعة أو نقل حيازتها إلى الحكومة ولا تملك الحكومة بموجبه وبمجرد صدوره اقتضاء حصيلة من ثمن السلعة فإن فعلت عدت الحصيلة التي تستولى عليها نوعاً من الضريبة أو الرسوم المفروضة بغير الطريق القانوني.
ولا يصح الاتفاق على فرض هذه الحصيلة لمخالفة ذلك للنظام العام إذ الضريبة لا تفرض بالاتفاق.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وغيره من الأوراق - تتحصل في أن الطاعنة أقامت الدعوى رقم 2987 لسنة 1946 كلي القاهرة طالبة الحكم بإلزام المطعون عليهم متضامنين أن يدفعوا لها مبلغ 56982 ج و964 م مع الفوائد القانونية والمصروفات، وقالت شرحاً لها إن وزارة التموين أصدرت ثلاثة قرارات بالاستيلاء على جميع الأخشاب التي استوردها من الخارج - أو يستوردها مستقبلاً - الشركة الطاعنة وتجار آخرون، وبعد صدور هذه القرارات جرت محادثات شفوية بين الطاعنة ووزارة التموين وتبودلت بينهما المكاتبات وانتهى الأمر إلى بقاء الأخشاب في حيازة الطاعنة، تبيعها للجمهور بثمن قدره 52 ج للمتر المكعب من خشب السويد و28 ج و250 م للمتر المكعب من الخشب الفاليرى، وتأخذ لنفسها 35 ج من ثمن كل متر من النوع الأول و20 ج من ثمن كل متر من النوع الثاني، وتدفع الباقي للوزارة - وتقول الطاعنة إنها بسبب هذه الإجراءات التي اتخذتها معها وزارة التموين، اضطرت إلى أن تدفع لحسابها في البنك المبلغ الذي من أجله أقامت هذه الدعوى بطلب استرداده - وتبني الطاعنة دعواها على أن قرارات الاستيلاء ليست صحيحة قانوناً وأن المبالغ التي دفعتها للبنك لحساب وزارة التموين ليست في حقيقتها إلا ضريبة قصد بها مقاسمة التجار أرباحهم بغير سند من القانون - دفع المطعون عليهم الدعوى بعدة دفوع، وطلبوا الحكم برفضها موضوعاً، وأقاموا من جانبهم دعوى فرعية بالمبلغ الباقي على الطاعنة - وبتاريخ 7/ 6/ 1958 حكمت المحكمة برفض الدفوع وبرفض دعوى الطاعنة، وندبت في الدعوى الفرعية خبيراً لإجراء الحساب - استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالنسبة لقضائه برفض دعواها وقيد استئنافها برقم 74 لسنة 76 ق القاهرة، وكذلك استأنفه المطعون عليهم بالنسبة لقضائه برفض الدفوع وقيد استئنافهم برقم 715 لسنة 77 ق. وبتاريخ 19/ 5/ 1960 حكمت المحكمة برفض الاستئنافين وبتأييد الحكم المستأنف - طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة برأيها متضمنة طلب نقض الحكم، وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون وبتاريخ 2/ 2/ 1964 قررت إحالته إلى هذه الدائرة، وفي الجلسة المحددة لنظره صممت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن مما تنعاه الشركة الطاعنة على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والخطأ في الإسناد والقصور في الأسباب - وفي بيان ذلك تقول إن الحكم المطعون فيه الذي أيد الحكم الابتدائي لأسبابه وللأسباب الأخرى التي أضافها قائم في موضوع الدعوى على أن قرارات الاستيلاء ينبني عليها نقل ملكية الأخشاب إلى الحكومة وبذلك تكون هي صاحبة الحق في بيعها وفي توزيعها على الجمهور بالثمن الذي تراه مناسباً - هذا في حين أن الاستيلاء الذي صدرت به هذه القرارات هو - على خلاف ما ذكره الحكم المطعون فيه - استيلاء عام مجرد ليس من شأنه أن ينقل الملكية ولا الحيازة إلى الحكومة، وقد بقيت الأخشاب حيث هي، تبيعها الطاعنة، وتدفع من ثمن البيع - في البنك ولحساب وزارة التموين - الحصة التي فرضتها عليها، مع أن حصيلة هذه الحصة ليست إلا ضريبة مفروضة بغير الطريق القانوني - أما الاتفاقات التي فرضت على الطاعنة عقب صدور قرار الاستيلاء وكان من مقتضاها دفع الطاعنة - لحساب الحكومة - المبالغ المستقطعة من الثمن، فهي اتفاقات عديمة الأثر قانوناً، إذ الضريبة لا تقرر اتفاقاً بين الفرد والحكومة - وما دام الأساس الوحيد لهذه الاتفاقات هو قرار الاستيلاء فإنها تسقط بسقوطه، وما ذكره الحكم المطعون فيه من أن الأخشاب المستولى عليها قد حددت تحديداً دقيقاًًًًًًً بموجب قرارات الاستيلاء الثلاثة هو قول غير صحيح، إذ لم يرد في القرار الأول أي تحديد لكمية الأخشاب ولا أي تحديد لنوعها - والقراران الثاني والثالث لم يجيئا إلا توكيداً لهذا القرار - هذا إلى أنه يتعين لصحة قرار الاستيلاء عمل جرد وصفي للبضاعة المستولى عليها، ولم يبين الحكم المطعون فيه ما إذا كان هذا الشرط قد توافر أم لا، وما قرره من أن الأخشاب سعرت بالطريق القانوني تسعيراً جبرياً تلتزم به الطاعنة لا سند له من الأوراق إذ لم يصدر قرار بتسعير الأخشاب ولم يكن قيام الطاعنة بدفع حصة من ثمن بيع الخشب لحساب الحكومة، سببه صدور قرار بالتسعير - وتقول الطاعنة أيضاً أنه لا صحة لما قرره الحكم المطعون فيه من أنه بفرض أن قرارات الاستيلاء تنطوي على ضريبة فرضت بغير الطريق القانوني فليست الطاعنة هي التي تطالب باستردادها لأن دافع الزيادة في السعر هو المستهلك، وهو بهذه الصفة صاحب الحق في طلب استردادها - لا صحة لهذا القول لأن الحكومة معترفة في المذكرات المقدمة منها إلى محكمة الموضوع، بأن الطاعنة كانت تبيع الخشب من قبل صدور قرارات الاستيلاء بنفس السعر الذي حددته وزارة التموين بعدها، وقدره 52 جنيهاً للمتر من خشب السويد و30 جنيهاً للمتر من خشب الفاليرى، وهو ما يدل على أن المستهلك لم تلحقه أية خسارة ولم تفرض عليه أية زيادة في الثمن - ولو أن قرارات الاستيلاء لم تصدر لاستمرت الطاعنة في قبض الثمن كاملاً بالأسعار التي كانت تبيع بها من قبل - أما وقد حرمت من المبالغ التي استقطعت من الثمن لحساب الحكومة، نتيجة صدور قرارات الاستيلاء الباطلة، فإنها تكون صاحبة الحق في طلب استرداد هذه المبالغ - وأخيراً تقول الطاعنة أنها تمسكت بهذا الدفاع أمام محكمة الاستئناف وقدمت أدلتها على صحته، لكن المحكمة أغفلته ولم ترد عليه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أنه يستفاد من الاطلاع على أسباب الحكم الابتدائي المؤيد استئنافياً وعلى الأسباب الأخرى التي أضافها الحكم المطعون فيه، أنه قضى برفض دعوى الطاعنة تأسيساً على أن قرارات الاستيلاء صحيحة، ينبني عليها نقل ملكية الأخشاب إلى الحكومة وبذلك تكون هي صاحبة الحق في بيعها وفي توزيعها على الجمهور بالثمن الذي تراه مناسباً ويحق لها أن تتفق على هذا الثمن فيما بينها وبين الطاعنة، صاحبة الخشب أصلاً - ويبين من الاطلاع على قرارات الاستيلاء أنه بتاريخ 19/ 9/ 1945 أصدر وزير التموين قرار الاستيلاء رقم 475 لسنة 1945 ونص في المادة الأولى منه على أنه (يستولى على جميع الأخشاب الواردة من السويد برسم دائرة أسعد باسيلي وعلى الأخشاب التي وردت أو سترد مستقبلاً برسم اتحاد مستوردي الأخشاب أو برسم أي مستورد آخر سواء كانت في الدوائر الجمركية أو بأي مكان تكون هذه الأخشاب قد نقلت إليه بجميع أنحاء المملكة المصرية) وبتاريخ 6/ 10/ 1945 أصدر وزير التموين قرار الاستيلاء رقم 525 لسنة 1945 ونص في مادته الأولى على أنه (يستمر الاستيلاء استيلاءً عاماً على المواد الآتية:... جميع الأخشاب التي وردت أو سترد مستقبلاً برسم اتحاد مستوردي الأخشاب أو برسم أي مستورد آخر سواء كانت بالدوائر الجمركية أو بأي مكان تكون هذه الأخشاب قد نقلت إليه بجميع أنحاء المملكة المصرية) وأصدر وزير التموين بتاريخ 9/ 10/ 1945 قرار الاستيلاء رقم 535 لسنة 1945، وقد نص فيه على أنه (بعد الاطلاع على القرارين سالفي الذكر، وحيث إنه صدر القرار رقم 475 لسنة 1945 بالاستيلاء على رسالة خشب السويد الواردة باسم دائرة أسعد باسيلي وقدرها 5000 متر مكعب وصدر القرار رقم 525 لسنة 1945 باستمرار الاستيلاء على هذه الرسالة. وحيث إن دائرة أسعد باسيلي أبدت وقت صدور القرار الأول ولدى الشروع في تنفيذه أنه متبق لديها كمية قدرها 2291 متراً مكعباً من الرسالة المذكورة. وحيث إنه قد اتضح أن هناك كمية أخرى قدرها 2500 متر مكعب من خشب السويد لا تزال باقية من الرسالة المذكورة بالدائرة علاوة على كمية الـ 2291 متراً مكعباً التي تنفذ عليها الاستيلاء - قررنا: مادة (1) يستمر الاستيلاء على 2500 متر من رسالة الخشب الواردة من السويد برسم دائرة أسعد باسيلي وهي المتبقية لدى الدائرة علاوة على كمية الـ 2291 متراً مكعباً من خشب السويد التي سبق تنفيذ قرار الاستيلاء عليها من الرسالة سواء كانت هذه الكمية موجودة بدائرة أسعد باسيلي أو بأي مكان تكون قد نقلت إليه) ولما كان الاستيلاء الذي تنتقل بموجبه ملكية الشيء المستولى عليه إلى الحكومة لا يتحقق من مجرد صدور قرار الاستيلاء في ذاته، وإنما يشترط - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - الاستيلاء الفعلي المقترن بالتسليم للمواد المستولى عليها, ويكون ذلك بجردها جرداً وصفياً في حضور ذوي الشأن أو بعد دعوتهم للحضور بخطاب مسجل, فإذا لم تتوافر هذه الشروط فإن قرار الاستيلاء لا يعدو أن يكون إجراءاً تنظيمياً قصد به تحقيق العدالة في التوزيع على المستهلكين ومنع المضاربة في السلعة وتحديد الكميات الواجب صرفها منها, وليس من شأن مثل هذا القرار, نقل ملكية السلعة, أو نقل حيازتها, إلى الحكومة, ولا تملك الحكومة بموجبه وبمجرد صدوره اقتضاء حصيلة من ثمن السلعة, فإن فعلت عدت الحصيلة التي تستولى عليها نوعاً من الضريبة أو الرسوم المفروضة بغير الطريق القانوني - كما أنه لا يصح الاتفاق على فرض هذه الحصيلة لمخالفة ذلك للنظام العام، إذ الضريبة لا تفرض بالاتفاق - لما كان ذلك، وكانت عبارة قرار الاستيلاء الأول - على ما سبق بيانه - جاءت عامة شاملة لما ورد من الأخشاب، ولما سيرد منها في المستقبل لحساب الطاعنة أو لحساب غيرها ممن لم يعينهم القرار بالاسم، ولم يرد بها أي تحديد للكميات ولا لنوع الأخشاب، ولم يصدر القراران الثاني والثالث إلا توكيداً للقرار الأول - وإذ اعتبر الحكم المطعون فيه أن من شأن قرارات الاستيلاء، هذه، نقل ملكية الأخشاب إلى الحكومة وقرر "أن الأخشاب المستولى عليها قد حددت تحديداً دقيقاً" دون أن يستظهر تحقق شرط جرد الأخشاب جرداً وصفياً، مع أن توافر هذا الإجراء - على ما سبق بيانه وما تقضي به المادتان 45 و46 من القانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين - لازم حتى يكون الاستيلاء ناقلاً للملكية - وإذ كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد قرر أنه بفرض أن قرارات الاستيلاء تنطوي على ضريبة فرضت بغير الطريق القانوني فليست الشركة الطاعنة هي التي تطالب باستردادها لأنها لم تتحمل عبئها، فلا حق لها في التحدث عنها وأن دافع هذه الضريبة - وهو المستهلك - هو صاحب الحق في طلب استردادها - هذا في حين أنه يبدو مما سلف، أن الطاعنة هي التي كانت تقوم بدفع هذه الضريبة من ثمن الأخشاب المملوكة لها - وقد تمسكت بهذا الدفاع في المذكرة المقدمة منها إلى محكمة الاستئناف، لجلسة 19/ 5/ 1960، والمودعة صورة لها بملف هذا الطعن - كما تمسكت أيضاً في هذه المذكرة بأن وزارة التموين قد أقرت بأن المستهلك كان يشتري الخشب قبل صدور قرارات الاستيلاء بنفس السعر الذي حددته الوزارة بعد صدور هذه القرارات - ولم يتناول الحكم هذا الدفاع الجوهري بالرد - إذ كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد خالف القانون، وجاء مشوباً بالخطأ في الإسناد والقصور في التسبيب، بما يستوجب نقضه بغير حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.


[(1)] راجع: نقض 12 ديسمبر سنة 1963 بمجموعة المكتب الفني س 14 ص 1139 ونقض 13/ 12/ 1962 س 13 ص 113 ونقض 21/ 12/ 1961 س 18 ص 810.