أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 16 - صـ 1126

جلسة 23 من نوفمبر سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد عبد اللطيف، وإميل جبران، وأمين فتح الله، والسيد عبد المنعم الصراف.

(176)
الطعن رقم 87 لسنة 31 القضائية

( أ ) عقد "عقود إدارية". "ماهيتها". أشخاص اعتبارية. "أشخاص القانون العام". قانون.
عقد توريد سلعة لازمة لتسيير مرفق عام. احتواؤه على شروط غير مألوفة في القانون الخاص. اعتباره عقداً إدارياً تحكمه أصول القانون العام دون أحكام القانون المدني.
(ب) عقد "عقود إدارية". شرط جزائي.
اختلاف طبيعة التأمين في العقد الإداري عن الشرط الجزائي في العقود المدنية. جواز الاتفاق على حق جهة الإدارة في مصادرة التأمين حال إخلال المتعاقد معها بالتزامه. حقها في المصادرة من تلقاء نفسها ودون توقف على ثبوت وقوع ضرر لها من جراء ذلك الإخلال.
1 - متى كان العقد قد أبرم بين المطعون عليه ووزارة الدفاع - وهي من أشخاص القانون العام - بشأن توريد سلعة لازمة لتسيير مرفق عام واحتوى على شروط غير مألوفة في القانون الخاص فإنه يعتبر عقداً إدارياً تحكمه أصول القانون العام دون أحكام القانون المدني.
2 - التأمين - في العقد الإداري - يختلف في طبيعته عن الشرط الجزائي الذي ينص عليه في العقود المدنية، إذ التأمين مقصود به ضمان وفاء المتعهد بالتزامه طبقاً للعقد وفي المواعيد المتفق عليها حرصاً على سير المرفق العام بانتظام واطراد وفي سبيل تحقيق هذه الغاية يحق للإدارة مصادرته من تلقاء نفسها ولا يتوقف استحقاق جهة الإدارة على إثبات وقوع ضرر لها من جراء إخلال المتعاقد بالتزامه كما لا تجوز المنازعة في استحقاقه له أو لجزء منه بحجة انتفاء الضرر فإذا كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى اعتبار المطعون عليه مخالفاً شروط العقد الإداري المبرم بينه وبين وزارة الدفاع بتأخيره في توريد الأحذية المتفق عليها في الميعاد وكان العقد صريحاً في إقامة الحق للوزارة الطاعنة في مصادرة التأمين حال وقوع هذه المخالفة فإن الحكم إذ لم يقم الحق للطاعنة في مصادرة التأمين وقضى للمطعون عليه بقيمته تأسيساً على انتفاء الضرر يكون قد خالف القانون مما يستوجب نقضه [(1)].


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن مورث المطعون عليهم المرحوم كامل محمد - أقام الدعوى رقم 4620 سنة 1954 كلي القاهرة ضد وزارة الحربية يطلب الحكم بإلزامها بأن تدفع له مبلغ 9071 ج و750 م وقال شرحاً لدعواه إنه بتاريخ 20/ 5/ 1952 رست عليه مناقصة توريد 40302 زوجاً من الأحذية مقابل 31179 ج و520 م دفع منه عند تقديم عطائه مبلغ 629 ج و245 م من التأمين وفي 11 يونيه سنة 1952 أخطرته الطاعنة بقبول عطائه وطلبت منه أن يسدد في ظرف عشرة أيام مبلغ 2488 ج و707 م تكملة التأمين، وإذ كان له في ذمة الطاعنة مبلغ خمسة عشر ألف جنيه باقية من صفقات سابقة فقد سعى للتوصل لخصم باقي التأمين من هذا المبلغ واستمرت المراسلات بينهما في هذا الشأن ولكنها انتهت برفض الطاعنة لهذا الطلب. وفي 9/ 10/ 1952 أنذرته الطاعنة بوجوب تنفيذ التزامه في ظرف أسبوع على اعتبار أن أجل التوريد ينتهي في 11/ 10/ 1952، فورد لها 11850 زوجاً من الأحذية في أيام 14 و18 و20 و26 أكتوبر سنة 1952 واستمر في التوريد إلى أن جاوز نصف الكمية المطلوبة، إلا أن الطاعنة تأخرت في دفع قيمة ما ورد لها استناداً إلى أنها غيرت من طريقة التسليم بأن اشترطت (التحليل) ولم تكتف بالتسليم بالمناظرة وقد ترتب على ذلك تكدس الأحذية بمخازن المطعون عليه - الذي ما كان يستطيع تسليمها لمخازن الطاعنة لعدم توافر شروط الحفظ والتهوية بها وبلغ عدد المهيأ منها للتسليم 8188 زوجاً من الأحذية ثمنها 7621 ج و920 م وأضاف المطعون ضده أنه فوجئ بخطاب من الطاعنة مؤرخ 11/ 2/ 1953 ضمنته طلب إيقاف التوريد للتغيير في المواصفات، وفي 27/ 4/ 1954 أخطرته بفسخ العقد بالنسبة إلى 12800 زوج أحذية بيادة و4410 قماش أبيض و176 قماش بني و748 جلد أسود ومصادرة التأمين النسبي عنها لتقصيره بعدم التوريد في الميعاد وبخطاب في 17 يوليه سنة 1954 حددت الطاعنة التأمين الذي صادرته بمبلغ 1449 ج و830 م، وأنه لما كان التأخير في التسليم مرده امتناع الطاعنة عن خصم باقي التأمين مما كان مستحقاً له قبلها من صفقة سابقة وتغيير الطاعنة للمواصفات المتفق عليها - وهو ما لا يسأل عنه - فإنه يكون مستحقاً لباقي مبلغ التأمين الذي صادرته الطاعنة وقدره 1149 ج و830 م فضلاً عن مبلغ 7621 ج و920 م قيمة الأحذية التي طلبت الطاعنة وقف توريدها بعد إتمام صنعها، ومجموع المبلغين هو المطالب به بهذه الدعوى، دفعت الطاعنة بأن المطعون ضده هو الذي قصر في التوريد وأنه من حقها مصادرة التأمين طبقاً لشروط العقد، وبتاريخ 23/ 2/ 1953 حكمت المحكمة بندب خبير لتحقيق مدى تأخر المطعون عليه في التوريد وسببه وبعد أن قدم الخبير تقريره حكمت المحكمة في 16/ 1/ 1960 بإلزام الطاعنة أن تدفع للمطعون عليه مبلغ 1449 ج و830 م وهو ما يمثل قيمة التأمين الذي كانت الطاعنة قد صادرته ورفضت ما عدا ذلك - استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 424 سنة 77 ق القاهرة طالبة إلغاءه، وبتاريخ 12/ 1/ 1961 حكمت المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف - طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض بتقرير في 11/ 2/ 1961 وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون، وقدمت النيابة مذكرة طلبت فيها رفض الطعن، وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة وبالجلسة المحددة لنظره عدلت النيابة عن رأيها السابق وطلبت نقض الحكم.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه، خطأه في تطبيق القانون ذلك أنه استند في إلزامها برد ما صادرته من التأمين إلى أنه لم يلحقها ضرر من عدم توريد الأحذية - في حين أن مجرد عدم قيام المتعهد بالتزامه نحو مرفق الدفاع الوطني وهو من أهم المرافق العامة القومية يؤدي حتماً وعلى وجه اللزوم إلى الإضرار بحسن سير المرفق بانتظام واطراد مما يوجب الحكم بمصادرة التأمين وقد تضمنت أحكام البند 53 من لائحة المخازن والمشتريات والفقرتين 2 و3 من البند الحادي عشر من شروط المناقصة التي تحكم واقعة النزاع باعتبارها الأحكام الواجبة التطبيق دون أحكام القانون المدني ما يخول جهة الإدارة إلغاء العقد إذا عجز المتعهد عن توريد أكثر من رسالة في الميعاد المتفق عليه ويكون الإلغاء بكتاب موصى عليه دون حاجة إلى إخطار أو تنبيه أو إنذار أو حكم يصدر بذلك من القضاء وبمجرد إلغاء العقد يصادر التأمين المودع من المتعهد.
وحيث إن هذا النعي في محله ذلك أنه يبين من أسباب الحكم الابتدائي التي أحال إليها الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بإلزام الوزارة الطاعنة برد ما صادرته من تأمين على قوله "وحيث إنه في خصوص استرداد الجزء المصادر من التأمين فإن البادي من شروط التعاقد أن الطرفين اتفقا على أن تقصير المدعي في التوريد كله أو بعضه يستتبع إلغاء العقد ومصادرة التأمين وهذا الذي تراضى عليه الطرفان بخصوص التأمين هو من قبيل الاتفاق على الشرط الجزائي الذي يحدد به مقدار التعويض الذي يستحقه الدائن إذا تأخر المدين في تنفيذ التزامه أو قصر في التنفيذ، ومن المعلوم في هذا المقام أن القانون المدني يشترط لاستحقاق الشرط الجزائي وقوع الضرر إذ نص في الفقرة الأولى من المادة 244 أن التعويض الاتفاقي لا يكون مستحقاً إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه ضرر أي أنه افترض وقوع الضرر وألقى على عاتق المدين عبء إثبات أن الدائن لم يلحقه ضرر ولما كان المستفاد من كتاب سلاح الأسلحة والمهمات المؤرخ 30/ 1/ 1954 أن إلغاء العقد لم يترتب عليه أي ضرر للسلاح إذ الأحذية المتعاقد عليها قد ألغي استعمالها في الجيش فإن المدعى عليها - وهي الدائنة - تكون قد رفعت عن كاهل المدعي عبء الإثبات المنوط به قانوناً ومتى كان الضرر قد ثبت انتفاؤه على ما سبق بيانه فلا محل للتعويض الممثل في مصادرة جزء التأمين المشار إليه لأن التعويض خطأ وضرر وعلاقة تربط بينهما برباط السببية" وهذا الذي قرره الحكم وأقام عليه قضاءه غير صحيح في القانون ذلك أنه يبين من العقد أساس الدعوى أنه مبرم بين وزارة الدفاع وبين المطعون عليه وقد تعهد الأخير بمقتضاه أن يورد عدداً من الأحذية والنعال المبينة به في بحر أربعة شهور تنتهي في 11/ 10/ 1952، وتم التعاقد بينه وبين الوزارة عن طريق مناقصة رست عليه احتوت ضمن ما احتوته من شروط على حق الوزارة في إلغاء العقد ( أ ) إذا ارتكب المتعهد أو من ينوب عنه أي شيء من قبيل الرشوة أو السلب أو أي محاولة من هذا القبيل لدى أي موظف أو عامل. (ب) إذا أشهر المتعهد إفلاسه. (جـ) إذا طبق حق الرفض في أكثر من رسالة واحدة أو إذا عجز المتعهد عن توريد أكثر من رسالة في المدة المحددة وأن الإلغاء يكون بموجب كتاب موصى عليه من الوزارة بدون حاجة إلى إخطار أو تنبيه أو إنذار أو التجاء إلى القضاء وأنه بمجرد إلغاء العقد لأي سبب من الأسباب يصادر التأمين وذلك بدون إخلال بحق الوزارة في استرداد أي تعويض نظير الأضرار التي تحدث من عجز المتعهد في تنفيذ العقد، ولما كان هذا العقد قد أبرم بين المطعون عليه ووزارة الدفاع - وهي من أشخاص القانون العام - بشأن توريد سلعة لازمة لتسيير مرفق عام واحتوى على النحو المتقدم ذكره على شروط غير مألوفة في القانون الخاص فإنه يعتبر عقداً إدارياً تحكمه أصول القانون العام دون أحكام القانون المدني، لما كان ذلك، وكانت هذه الأصول تقضي بأن التأمين يختلف في طبيعته عن الشرط الجزائي الذي ينص عليه في العقود المدنية، إذ التأمين مقصود به ضمان وفاء المتعهد بالتزامه طبقاً للعقد وفي المواعيد المتفق عليها حرصاً على سير المرفق العام بانتظام واطراد، وفي سبيل تحقيق هذه الغاية يحق للإدارة مصادرته من تلقاء نفسها ولا يتوقف استحقاق جهة الإدارة له على إثبات وقوع ضرر لها من جراء إخلال المتعاقد بالتزامه، كما لا تجوز المنازعة في استحقاقها له أو لجزء منه بحجة انتفاء الضرر، لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى اعتبار المطعون عليه قد خالف شروط التعاقد بتأخيره في توريد الأحذية المتفق عليها في الميعاد وكان العقد صريحاً في إقامة الحق للطاعنة في مصادرة التأمين في حالة وقوع هذه المخالفة - وهي التأخير في التوريد - وإذا لم يقم الحكم المطعون فيه الحق للطاعنة في مصادرة التأمين وقضى للمطعون عليه بقيمته تأسيساً على انتفاء الضرر، فإن هذا الحكم يكون قد خالف القانون مما يستوجب نقضه.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه ولما تقدم يتعين القضاء في موضوع الاستئناف بإلغاء الحكم الابتدائي وبرفض دعوى المطعون عليه فيما يتعلق بالمبلغ المحكوم به.


[(1)] راجع نقض 30/ 4/ 1964 بمجموعة المكتب الفني س 15 ص 619 ونقض 21/ 11/ 1963 بمجموعة المكتب الفني ص 14 ص 1081.