مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثالث (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1939 لغاية 29 أكتوبر سنة 1942) - صـ 52

جلسة 11 يناير سنة 1940

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعبد الفتاح السيد بك وعلي حيدر حجازي بك وأحمد مختار بك المستشارين.

(23)
القضية رقم 63 سنة 9 القضائية

حكر. بناء أقامه المحتكر على الأرض المحكورة. نزع ملكية هذه الأرض هي والبناء للمنفعة العامة. آثاره. فسخ عقد الاحتكار. سقوط حق المحتكر في البقاء والقرار. ثمن البناء. من حق المحتكر. ثمن الأرض من حق الوقف. (قانون العدل والإنصاف والمادة 370 من القانون المدني وقانون نزع الملكية للمنفعة العامة)
إنه لما كانت الشريعة تقضي بأنه إذا خرب البناء المحتكر، أو جف شجره، ولم يبق لهما أثر في أرض الوقف، ومضت مدّة الاحتكار، فإن الأرض تعود إلى جهة الوقف، ولا يكون للمحتكر ولا لورثته حق البقاء وإعادة البناء، وبأنه إذا لم يمكن الانتفاع بالعين المؤجرة فإن العقد ينفسخ وتسقط عن المحتكر أجرة المدّة الباقية - لما كان ذلك كان نزع ملكية الأرض المحكورة هي وما عليها من بناء للمنفعة العامة يترتب عليه حتماً أن يفسخ عقد الاحتكار، ويسقط ما كان للمحتكر من حق البقاء والقرار، ولا يكون له إلا ثمن بنائه. أما الوقف فيكون له كل ثمن الأرض.


الوقائع

تتلخص وقائع هذه الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه ومن مذكرات طرفي الخصومة ومستنداتهما المقدمة لهذه المحكمة والتي كانت من قبل مقدّمة لمحكمة الاستئناف - في أن المطعون ضدّها بصفتها ناظرة على وقف والدها المرحوم علي الترجمان بك رفعت على الطاعن وعلى وزارة الأشغال دعوى لدى محكمة مصر الابتدائية قيدت بجدولها برقم 384 سنة 1935 كلي قالت في صحيفتها المعلنة في 26 من ديسمبر سنة 1934 وأوّل يناير سنة 1935 إنه كان لوقف علي الترجمان بك قطعة أرض بشارع فؤاد الأوّل بالقاهرة مساحتها 62 متراً مربعاً و46 سنتيمتراً وكان يشغلها الطاعن ببناء أقامه عليها بطريق التحكير وقد نزعت ملكيتها وزارة الأشغال واستولت على الأرض والبناء جميعاً وقدّر ثمن البناء بمبلغ 116 جنيهاً و724 مليماً قبضه الطاعن، وقدّرت الأرض بمبلغ 499 جنيهاً و685 مليماً بواقع المتر الواحد ثمانية جنيهات. وقالت المطعون ضدّها إن هذا المبلغ الأخير هو من حق جهة الوقف لأنه هو المقابل للأرض إلا أن الطاعن قد أنذرها هي ووزارة الأشغال في 12 من يونيه سنة 1934 مدّعياً أن له الثلثين فيه على أساس أنه محتكر للأرض. لذلك رفعت هذه الدعوى طالبة الحكم فيها بعدم أحقيته لصرف مبلغ 333 جنيهاً و120 مليماً الذي يدّعي أنه يستحقه في ثمن الأرض وبأحقيتها هي لصرفه بصفتها السالفة الذكر مع إلزامه بالمصاريف والأتعاب والنفاذ.
نظرت محكمة مصر هذه الدعوى وفي 14 من ديسمبر سنة 1935 حكمت حضورياً برفضها وألزمت المطعون ضدّها بالمصاريف و200 قرش مقابل أتعاب المحاماة للطاعن.
استأنفت المطعون ضدّها هذا الحكم لدى محكمة استئناف مصر وطلبت للأسباب الواردة بصحيفة استئنافها إلغاء الحكم المستأنف والقضاء لها بطلباتها التي قدّمتها لمحكمة أوّل درجة مع إلزام الطاعن بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين. وأثناء تحضير هذا الاستئناف قرّرت المحكمة إيقاف الدعوى بناء على طلب المطعون ضدّها حتى يفصل من المحكمة الشرعية في النزاع المطروح أمامها.
وبإعلان مؤرّخ في 5 من مايو سنة 1938 عجل الطاعن نظر الاستئناف طالباً رفضه وتأييد الحكم المستأنف. وبعد أن سمعت محكمة الاستئناف الطلبات الختامية لطرفي الخصوم حكمت حضورياً في 26 من فبراير سنة 1939 بقبول الاستئناف شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم أحقية المستأنف عليه في ثلثي ثمن أرض الوقف ومقداره 333 جنيهاً و120 مليماً وبأحقية المستأنفة بصفتها لهذا المبلغ جميعه وألزمت المستأنف عليه بالمصاريف عن الدرجتين و1000 قرش مقابل أتعاب المحاماة عنهما.
أعلن هذا الحكم للطاعن في 18 من يونيه سنة 1939 فطعن فيه بطريق النقض إلخ.


المحكمة

ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون والشريعة الإسلامية. وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن من طبيعة التحكير شرعاً أن يتملك المحتكر حق البقاء والقرار على أرض الوقف وأن ينتفع بالعين المحكرة ويستغلها بوجوه الانتفاع كافة ما دام قائماً بسداد قيمة الحكر لجهة الوقف. وبذلك لا تصبح الأرض المحكرة خالصة للوقف بل تبقى محملة بحق البقاء والقرار المقرّر للمحتكر على عين الوقف، ويترتب على ذلك أن يكون للمحتكر أن يستولى على ثلثي ثمن الأرض في مقابل حق البقاء والقرار المذكور. فقضاء الحكم المطعون فيه لجهة الوقف بكل ثمن الأرض المحكرة للطاعن والمنزوعة ملكيتها للمنفعة العامة من غير أن يخصم منه ما يقابل ما للطاعن من البقاء والقرار يعتبر إهداراً لهذا الحق العيني المترتب على أرض الوقف. هذا هو مبنى وجه الطعن.
وحيث إن الاحتكار من وضع فقهاء الشريعة الإسلامية وهو عندهم عقد إيجار يعطي للمحتكر حق البقاء والقرار على الأرض المحكورة ما دام يدفع أجره المثل، ونصوا على أنه لو خرب بناء المحتكر أو جف شجره ولم يبق لهما أثر في أرض الوقف ومضت مدّة الاحتكار عادت الأرض إلى جهة الوقف ولم يكن للمحتكر ولا لورثته حق البقاء وإعادة البناء. ونصوا أيضاً على أنه إذا لم يمكن الانتفاع بالعين المؤجرة ينفسخ العقد وتسقط الأجرة عن المحتكر عن المدّة الباقية.
وحيث إنه تطبيقاً لهذه النصوص الشرعية يبين أن بناء الطاعن الذي أقامه على الأرض المحكورة وقد نزعت ملكيته واستولت عليه الحكومة قد أصبح لا يمكن انتفاع المحتكر به، وبذلك انفسخ عقد الحكر، وبانفساخه تعود الأرض للوقف خالية من حق البقاء والقرار ويكون للوقف وحده حق الحصول على ثمن الأرض.
وحيث إن هذه القواعد لا تختلف في روحها عما نصت عليه المادة 370 من القانون المدني إذ ورد بها أنه إذا هلكت العين المؤجرة هلاكاً كلياً فينفسخ عقد الإيجار حتماً. ولا شك أن نزع الملكية للمنفعة العامة هو نوع من الهلاك التام، وما دام أن عقد الاحتكار لا يخرج عن كونه نظير عقد الإيجار فإن نزع ملكية الأرض المحكورة وما عليها من بناء يترتب عليه حتماً فسخ عقد الاحتكار، ويسقط بذلك ما كان للمحتكر من حق البقاء والقرار ولا يكون له في هذه الحالة إلا ثمن بنائه، وأما الوقف فله كل ثمن الأرض.
وحيث إن ما يشير إليه الطاعن من أن للمحتكر ثلثي ثمن الأرض في حالة الاستبدال فهو قول إن صح فمحله أن يستبدل المحتكر أرض الوقف القائم عليها بناؤه أو غراسه، وفي هذه الحالة يراعى في تقدير ثمن الأرض أنها مثقلة بما للمحتكر من حق البقاء والقرار عليها وهو عيب ينقص من قيمتها. أما في حالة نزع ملكية العين للمنفعة العامة فإن حق البقاء يزول بفسخ عقد الاحتكار على ما سبق بيانه.
وحيث إنه يبين مما تقدّم أن الحكم المطعون فيه بقضائه باستحقاق جهة الوقف لكل ثمن الأرض التي نزعت ملكيتها للمنفعة العامة لم يخالف أحكام الشريعة الإسلامية ولا أحكام القانون؛ ومن ثم يكون هذا الطعن على غير أساس ويتعين رفضه.