أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 16 - صـ 1358

جلسة 29 من ديسمبر سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ أحمد زكي محمد نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد ممتاز نصار، وإبراهيم عمر هندي، وصبري أحمد فرحات، ومحمد شبل عبد المقصود.

(213)
الطعن رقم 264 لسنة 30 القضائية

وقف. "الاستحقاق في الوقف". "مناطه".
وقف. حق الانتفاع. سريان أحكام الشريعة الإسلامية عليه. مناط الاستحقاق في الوقف. طلوع الغلة. معناه. الوقت الذي ينعقد فيه الحب أو يؤمن فيه على الثمر من العاهة.
متى كان العقد المترتب عليه حق الانتفاع هو عقد وقف فإن أحكام الشريعة الإسلامية هي التي تجري في شأنه وتطبق عليه من جهة تعيين مدى حقوق المستحقين فيه وما يكون لهم من التصرف في أعيانه وما لا يكون. ومقتضى الشريعة الإسلامية أن الاستحقاق في الوقف منوط بطلوع الغلة وهو الوقت الذي ينعقد فيه الحب أو يؤمن فيه على الثمر من العاهة وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن عثمان إسماعيل فاضل بصفته قيماً على شقيقه المحجور عليه جميل إسماعيل فاضل أقام الدعوى رقم 537 سنة 1952 مدني القاهرة الابتدائية ضد السيدة فاطمة مرتضى - وآخرين - بطلب إلزامها بأن تدفع له 1661 ج و598 م وفوائده بواقع 4% من تاريخ المطالبة الرسمية للسداد مع المصاريف والأتعاب وهذا المبلغ هو قيمة ما يخصه في تركة مورثته المرحومة خديجة فاضل رستم من ثمن قطن ونقود مودعة بنك مصر وديون ومواشي وآلات زراعية وأثناء نظرها توفيت المدعى عليها وأدخل المدعي ورثتها السيد حياة مرتضى ومحمد الغزالي الشندي خصوماً فيها وعدل طلباته إلى طلب الحكم بإلزامهما بأن يدفعا له مبلغ 4985 ج قيمة ما يخصه ويخص شقيقه في التركة ثم انضم إليهما أخوهما أحمد إسماعيل فاضل طالباً الحكم بنصيبه مع إلزام التركة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وشمول الحكم بالنفاذ المعجل بلا كفالة، وقالوا شرحاً لها إن المرحومة خديجة فاضل رستم توفيت في 7 أغسطس سنة 1950 عن ابنتها فاطمة مرتضى وأولاد أخويها عمر وإسماعيل "والدهم" وتركت 493 قنطاراً من القطن محصول 120 فداناً من أطيان الوقف الكائنة بناحية أورين مركز شبراخيت التي كانت هي المستحقة الوحيدة فيه وقد باعتها السيدة فاطمة بثمن قدره 12325 ج استولت عليه باعتباره استحقاقاً لها لا تركة عن المورثة ويخص المدعين ثلاثة أعشاره، كما تركت مواشي وآلات زراعية قيمتها 3366 ج ونقوداً مودعة بنك مصر وديناً لها سدده المدين بعد وفاتها، وجرى النزاع فيها - من بين ما جرى - حول محصول القطن وهل هو استحقاق المورثة فيدخل ضمن تركتها أم استحقاق ابنتها الموقوف عليها من بعدها فلا يدخل، والمواشي والآلات الزراعية وقيمتها - وبتاريخ 26/ 1/ 1958 حكمت المحكمة حضورياً بإلزام المدعى عليهما بأن يدفعا من تركة مورثة مورثتهما المرحومة خديجة مرتضى مبلغ 102 ج و300 م مع المصاريف المناسبة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات مع المقاصة في أتعاب المحاماة وأسست قضاءها على أن محصول القطن والمواشي والآلات الزراعية لا تدخل ضمن عناصر التركة واستأنف المدعون هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة طالبين تعديله والحكم بإلزام المستأنف عليهما متضامنين بأن يدفعا لهم من تركة مورثة مورثتهم المرحومة خديجة رستم مبلغ 4915 ج و472 م والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة الرسمية والمصروفات المناسبة والأتعاب عن الدرجتين وقيد هذا الاستئناف برقم 939 سنة 75 ق. وبتاريخ 21/ 4/ 1960 حكمت المحكمة حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف وإلزام المستأنف عليهما بأن يدفعا من تركة مورثتهما المرحومة خديجة هانم رستم مبلغ 747 ج و900 م والفوائد بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية الحاصلة في 6/ 2/ 1952 لغاية السداد مع المصاريف المناسبة عن الدرجتين لما قضى به وألزمت المستأنفين بباقي المصروفات وأمرت بالمقاصة في أتعاب المحاماة، وأسست قضاءها على أن المواشي والآلات الزراعية تعتبر تركة. وطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة في التقرير وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون وقررت إحالته إلى هذه الدائرة حيث أصر الطاعنون على طلب نقض الحكم وطلب المطعون عليه الأول رفض الطعن ولم تحضر المطعون عليها الثانية وقدمت النيابة العامة مذكرة أحالت فيها إلى مذكرتها الأولى وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن حاصل السببين الأول والثاني أن الحكم المطعون فيه قضى باعتبار محصول القطن استحقاقاً للمرحومة فاطمة مرتضى لا تركة عن مورثتها مستنداً في ذلك إلى أن القانون الواجب التطبيق هو الشريعة الإسلامية لا القانون المدني وأن زراعة القطن كان ينفق عليها من مال الوقف، الذي كانت المرحومة خديجة رستم هي المستحقة الوحيدة فيه، لا من مالهما الخاص، وهو خطأ ومخالفة للقانون وقصور يعيبه ويبطله من وجهين (أولهما) أنه طبق على واقعة النزاع في الدعوى أحكام الشريعة الإسلامية في حين أن القانون الواجب التطبيق هو القانون المدني، وفي حين أن أحكام الشريعة - وعلى ما جاء في الفتوى المودعة ملف الطعن - لا تخالف أحكام القانون المدني، في هذا الخصوص لأن أطيان الوقف كانت منزرعة على الذمة ومصاريف زراعة القطن لم تكن من مال الوقف ولكن من مال المرحومة خديجة رستم المستحقة الوحيدة فيه (وثانيهما) أنه مع تمسك الطاعنين بهذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة الاستئناف وبأن نفقات زراعة القطن صرفت من مال المورثة لا من مال الوقف فقد أغفل الحكم الرد عليه وكان واجباً أن يقول كلمته فيه.
وحيث إن هذا النعي مردود في الوجه (الأول) منه بأنه متى كان العقد المترتب عليه حق الانتفاع هو عقد وقف فإن أحكام الشريعة الإسلامية هي التي تجري في شأنه وتطبق عليه من جهة تعيين مدى حقوق المستحقين فيه وما يكون لهم من التصرف في أعيانه وما لا يكون، ومقتضى هذه الأحكام أن الاستحقاق في الوقف منوط بطلوع الغلة وهو الوقت الذي ينعقد فيه الحب أو يؤمن فيه على الثمر من العاهة، وإذ كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه، ومردود في الوجه (الثاني) بما أورده الحكم المطعون فيه من أن "الحكم المستأنف في محله للأسباب التي أوردها" ومنها أنه "لم يثبت أن زراعة القطن قد صرفت عليها المرحومة خديجة رستم من مالها الخاص" وفي ذلك ما يكفي للرد على دفاع الطاعنين في هذا الخصوص.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن محكمة الاستئناف رفضت إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات مقدار وقيمة المواشي والآلات الزراعية التي استولت عليها المرحومة فاطمة مرتضى واكتفت بإقرار المطعون عليهما بحجة أن التحقيق أصبح غير منتج لوفاتها منذ عشر سنين، وهو خطأ في القانون لا يحتاج إلى بيان.
وحيث إن هذا النعي مردود بما أورده الحكم المطعون فيه من أن "المحكمة لا ترى محلاً لإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ثمن هذه المواشي والآلات الزراعية لمرور أكثر من عشر سنوات على وفاة السيدة خديجة رستم مما يجعل طريق الإثبات بالبينة غير منتج وترى المحكمة الاكتفاء بما هو ثابت بمحضر تسليم الحراسة المؤرخ 2 يونيه سنة 1952" وهي تقريرات سائغة وليس في سبب الطعن ما يكشف عن وجه الخطأ فيما جرى وعول عليه الحكم من ذلك.