مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثالث (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1939 لغاية 29 أكتوبر سنة 1942) - صـ 106

جلسة 7 مارس سنة 1940

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

(38)
القضية رقم 61 سنة 9 القضائية

( أ ) أملاك عامّة. حصانتها. مناطها. بقاؤها مخصصة للمنفعة العامّة. زوال تخصيصها لذلك. جواز تملكها بوضع اليد. سور مدينة القاهرة القديم. ليس الآن من المنافع العامّة. [(1)]
(المادة 9 مدني)
(ب) آثار. آثار عامّة. آثار ليست عامّة. آثار غير مملوكة للحكومة.
(القانون رقم 8 لسنة 1918 والمرسوم الصادر في 16 أغسطس سنة 1936)
(جـ) لجنة حفظ الآثار القديمة العربية. الأعمال المنوطة بها. آثار غير مملوكة للحكومة. لا شأن للجنة بها. قيام اللجنة بتسجيل أثر من تلك الآثار. لا يترتب على التسجيل أي حق للحكومة. تسجيل آثار العصر العربي. يجب أن يصدر به قرار من وزير المعارف. دعوى إعلان القرار لصاحب الأثر لكي يترتب عليه حق الارتفاق. حق صاحب العقار في المطالبة بالتعويض. مدّة سقوطه. سنة من تاريخ الإعلان.
(الأمر العالي الصادر في 18 ديسمبر سنة 1881 والقانون رقم 8 لسنة 1918)
1 - إن الحصانة التي أسبغها القانون على الأملاك العامة إذ أخرجها من دائرة المعاملات بما نص عليه من عدم جواز بيعها والتصرف فيها إلا بقانون أو أمر مناطها بقاء تلك الأملاك مخصصة للمنفعة العامّة. فإذا ما زال هذا التخصيص لسبب مّا فإنها تدخل في عداد الأملاك الخاصة وتأخذ حكمها من حيث إمكان تملكها بوضع اليد المدّة المكسبة للملكية. ووضع اليد في هذه الحالة لا يكون متعارضاً مع الحصانة المقررة للأملاك العامة إذ هو لا يتهدّد به منها إلا ما فقد بالفعل هذه الصفة فقداناً تاماً على وجه مستمر غير منقطع. وإذن فسور مدينة القاهرة القديم لا يعتبر الآن من المنافع العمومية بعد أن تهدّم واندثرت معالمه وفقد ما خصص له، ثم وضع الناس أيديهم على أجزاء مختلفة منه وأدخلوها في منازلهم.
2 - إن الآثار ليست جميعها عامة، بل إن منها ما أنشأه الأفراد أصلاً وانتقل بالتوارث إلى من خلفهم مما لا وجه معه لعدّها من المنافع العامة. ومنها ما تملكوه بوضع اليد عليه بعد زوال تخصيصه للمنافع العامة مما يعتبر من الآثار غير المملوكة للحكومة التي تسري عليها أحكام القانون رقم 8 لسنة 1918 الخاص بحماية آثار العصر العربي.
3 - إن الأمر العالي الصادر في 18 ديسمبر سنة 1881 بإنشاء لجنة حفظ الآثار القديمة العربية قد بيّن على سبيل الحصر أعمال هذه اللجنة فيما نص عليه في المادة الثانية منه. والمفهوم من هذا النص أن هذه الأعمال مقصورة على الآثار العامة. وليس في هذا النص ولا في باقي مواد الأمر العالي المذكور ما يفيد أن أعمال تلك اللجنة تتناول الآثار غير المملوكة للحكومة. فإذا حصل أن قامت اللجنة بتسجيل أثر من الآثار غير المملوكة للحكومة فإن هذا التسجيل لا يمكن أن يترتب عليه أي حق للحكومة قبل صاحب الأثر. أما القانون رقم 8 لسنة 1918 الخاص بحماية آثار العصر العربي فالمفهوم من نصوصه أنه يجب لتسجيل الأثر أن يصدر قرار بذلك من وزير المعارف، وأن يعلن هذا القرار لصاحب العقار لكي يترتب عليه حق الارتفاق وليكون الإعلان مبدأ لمدّة السنة المقرّرة لسقوط حق المطالبة بالتعويض. وإذن فإذا كان قرار التسجيل لم يعلن لصاحب العقار فلا يبدأ سقوط الحق في المطالبة.


الوقائع

تتلخص وقائع هذه الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه ومن مذكرات الخصوم ومستنداتهم المقدّمة لهذه المحكمة والتي قدّمت من قبل لمحكمة الاستئناف - في أن المطعون ضدّها رفعت لدى محكمة مصر الابتدائية دعوى ضدّ وزارة الأوقاف (لجنة حفظ الآثار العربية) قيدت بجدولها برقم 445 سنة 1935 كلي قالت في صحيفتها المعلنة في 22 من يناير سنة 1935 إنها تملك منزلاً بمقتضى عقد شراء عرفي مؤرّخ في 13 من فبراير سنة 1919 ومسجل بمحكمة مصر المختلطة في 20 من أغسطس سنة 1919، وإنه حدث أن أنشئ في سنة 1931 على مقربة منه شارع الأمير فاروق ونزعت ملكية المباني والأراضي اللازمة لإنشائه ومن بينها المنزل الواقع غربي منزلها والمعروف بمنزل السلحدار فتخلف منه جزء صغير أصبح يفصل منزلها عن هذا الشارع، وقد طلبت شراء هذا الجزء لتصل بمنزلها إلى شارع الأمير فاروق، وتمهيداً لهذا الشراء شرعت في إزالة السور الذي كان يفصل منزلها عن هذا الجزء المتخلف من منزل الجار إلا أن مصلحة حفظ الآثار وقفت في سبيلها فعمدت إلى تقديم زوجها إلى المحاكمة الجنائية بتهمة هدم جزء من سور البلد القديم المعتبر من الآثار العربية. وقد حكم عليه بالعقوبة في القضية رقم 118 جنح باب الشعرية سنة 1932 وأيد هذا الحكم استئنافياً في القضية رقم 17365 استئناف مصر سنة 1934. وأعقبت ذلك أن استولت مصلحة الآثار على ذلك الجزء من السور وعلى مساحة أرض طولها 13 متراً و45 سنتيمتراً في عرض 3 أمتار ونصف متر. لهذا فإنها تطلب أن يقضي لها بالتعويض ضدّ الوزارة في مقابل ما استولت عليه مصلحة الآثار من ملكها وفي مقابل الضرر الذي أصابها من عمل الوزارة لمنعها من إيصال ملكها بشارع الأمير فاروق، وقدّرت ذلك بمبلغ 500 جنيه، وطلبت أن يحكم لها بهذا المبلغ مع المصاريف والأتعاب.
نظرت هذه الدعوى، ثم قضت المحكمة في 26 من مايو سنة 1936 حضورياً وقبل الفصل في الموضوع بندب خبير لأداء المأمورية المبينة بأسباب الحكم. وقد باشر الخبير مأموريته وقدّم تقريره وبجلسة 13 من أكتوبر سنة 1936 قرّر الحاضر عن وزارة الأوقاف أن مصلحة الآثار ضمت لوزارة المعارف العمومية. وبإعلان مؤرّخ في 26 من أكتوبر سنة 1936 اختصمت المطعون ضدّها وزارة المعارف. وبعد أن سمعت المحكمة أقوال طرفي الخصومة حكمت في 26 من مارس سنة 1937 حضورياً برفض دعوى المطعون ضدّها وألزمتها بالمصاريف و300 قرش مقابل أتعاب محاماة للوزارة بانية حكمها على أن السور الذي استولت عليه الحكومة والذي تطالب المطعون ضدّها بالتعويض لعدم انتفاعها به إنما هو من المنافع العامة دون أن يؤثر على صفته هذه أنه أصبح غير صالح للغرض الذي أنشئ من أجله، وأنه لا يخرج من عداد الأملاك العامة إلا بقانون أو أمر، ولذلك فلا يجوز تملكه بوضع اليد مهما طالت المدّة.
استأنفت المطعون ضدّها هذا الحكم لدى محكمة استئناف مصر طالبة للأسباب الواردة بصحيفة استئنافها إلغاء الحكم المذكور والقضاء لها بما طلبت أمام المحكمة الابتدائية مع المصاريف والأتعاب عن الدرجتين.
ومحكمة الاستئناف بعد أن نظرت هذه القضية حكمت حضورياً في 26 من يونيه سنة 1938 بقبول الاستئناف شكلاً وقبل الفصل في الموضوع بالانتقال لمحل النزاع مصحوبة بالخبير الذي ندبته المحكمة الابتدائية. وبعد أن تم الانتقال وأعيد الاستئناف للمرافعة سمعت المحكمة طلبات طرفي الخصومة ثم حكمت في 26 من مارس سنة 1939 حضورياً في موضوع الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وإلزام المستأنف عليها بأن تدفع للمستأنفة 136 جنيهاً و500 مليم مع المصاريف عن الدرجتين و500 قرش مقابل أتعاب المحاماة.
أعلن هذا الحكم للطاعنة في 15 من يونيه سنة 1939 فقرّرت بالطعن فيه بطريق النقض في 11 من يوليه سنة 1939 بتقرير أعلن للمطعون ضدّها في 22 منه إلخ.


المحكمة

ومن حيث إن الطعن بني على ثلاثة وجوه: يتحصل أوّلها في أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله، وذلك بتقريره أن الأموال العامة يجوز أن تزول عنها صفتها هذه بالفعل وبدون حاجة إلى استصدار قانون أو أمر، مخالفاً بذلك ما تقضي به المادة التاسعة من القانون المدني من جهة، وبنفيه الصفة العامة عن السور المتنازع عليه من جهة أخرى بمقولة إنه تهدّم واندثر ولم يعد صالحاً لردّ غارات الأعداء عن المدينة. وفات الحكم أنه جزء من سور البلد القديم المملوك أصلاً للدولة، فهو بذلك أثر من آثار العصر العربي، وبالتالي من الأموال العامة طبقاً لنص الفقرة العاشرة من المادة التاسعة من القانون المدني ولقانوني الآثار رقم 14 سنة 1912 ورقم 8 سنة 1918.
ويتحصل الوجه الثاني في بطلان الحكم المطعون فيه لإغفاله الرد على دفع جوهري. وفي بيان ذلك تقول الطاعنة إنها تمسكت في دفاعها الاحتياطي وفي حالة ما إذا اعتبرت المحكمة هذا الأثر مملوكاً للمطعون ضدّها بسقوط حقها في طلب التعويض بمضي المدة. وذلك لأن العقار المتنازع عليه قد سجلته لجنة حفظ الآثار في سنة 1894 ضمن آثار العصر العربي. وفي 13 من إبريل سنة 1918 صدر القانون رقم 8 سنة 1918 منظماً أحكام حماية الآثار العربية فنصت الفقرة الثانية من المادة الرابعة منه على تقرير حق ارتفاق على الأعيان الثابتة غير المملوكة للحكومة والمسجلة في عداد آثار العصر العربي، وأشارت المادة السادسة منه إلى تعويض من يصيبه ضرر بسبب ترتيب حق الارتفاق المذكور. إلا أن المطعون ضدّها لم ترفع دعواها بطلب التعويض المترتب على تقرير حق الارتفاق إلا في 22 من يناير سنة 1935 ولهذا تكون دعواها غير مقبولة لسقوط الحق المطالب به بمضي المدّة، ويكون الحكم المطعون فيه بقضائه بالتعويض قد أغفل هذا الدفع إغفالاً تاماً حيث لم يتعرّض له لا بنفي ولا بإثبات مما يعيبه عيباً جوهرياً موجباً لبطلانه.
وفي الوجه الثالث تقول الطاعنة إنه حتى لو صح أن الأثر مملوك للمطعون ضدّها، وأن الحق في طلب التعويض بسببه لم ينقض بالتقادم المسقط فإن حق الارتفاق المقرر قانوناً بمقتضى قانون 13 من إبريل سنة 1918 سابق في وجوده على عقد شراء المطعون ضدّها للعقار في 13 من فبراير سنة 1919 فهي بذلك تكون قد اشترت العقار مثقلاً بحق الارتفاق فليس لها إذن بعد ذلك حق ولا صفة في المطالبة بقيمته لأن عقدها لا يخوّلها ذلك ولم يطرأ بعد شرائها سبب انتقص حقوقها، ويكون الحكم لها بتعويض لهذا السبب مخالفاً للقانون.
تلك هي أسباب الطعن التي قدّمتها الطاعنة.
ومن حيث إنه تبين من مراجعة الحكم المطعون فيه أنه بعد أن أثبت أن السور موضوع النزاع يدخل في حدود منزل المطعون ضدّها، كما ثبت من تقرير الخبير المنتدب من المحكمة الابتدائية الذي تأيد بمعاينة المحكمة الاستئنافية - بعد أن أثبت الحكم ذلك ردّ على دفاع الطاعنة بأن هذا السور يعتبر من المنافع العمومية تأسيساً على الفقرة الثالثة من المادة التاسعة من القانون المدني بما محصّله أن هذا السور الذي لا يزيد طوله على ثلاثة عشر متراً لا يمكن أن يكون معدّاً لرد غارة الأعداء عن مدينة القاهرة، وأنه إن صح أنه كان في غابر الزمان جزءاً من سور المدنية فإنه لا يصح اعتباره الآن من المنافع العمومية بعد أن تهدّم واندثرت معالمه وفقد ما خصص له، وبعد أن وضع الناس أيديهم على أجزاء مختلفة منه بإدخالها في منازلهم ووضع يدهم عليها كما حصل في هذا الجزء المتنازع عليه الذي دخل في منزل المطعون ضدّها وبقى في وضع يدها من شرائها إياه في 13 من فبراير سنة 1919 وأنه لذلك انتقل من الأملاك العامة إلى الأملاك الخاصة التي يصح تملكها بوضع اليد.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه لم يخطئ قانوناً فيما ذهب إليه من جواز تملك الأملاك المخصصة للمنفعة العامة إذا ما زال عنها هذا التخصيص وانتقلت بالفعل إلى الأملاك الخاصة بدون حاجة إلى صدور قانون أو أمر. فقد جرى قضاء هذه المحكمة على ذلك إذ سبق أن قرّرت بتاريخ 23 من نوفمبر سنة 1939 في الطعن رقم 17 سنة 9 قضائية ما يأتي: "القاعدة التي يجب السير عليها في هذا الشأن هي أن الحصانة التي أسبغها القانون على الأملاك العامة فأخرجها من دائرة المعاملات بما قضى به من عدم جواز بيعها والتصرف فيها إلا بقانون أو أمر (المادة 9 من القانون المدني) مقيدة ببقاء تلك الأملاك مخصصة للمنفعة العامة. فإذا ما زال عنها هذا التخصيص لسبب مّا انفصلت هذه الأملاك عن الأملاك العامة ودخلت في عداد الأملاك الخاصة وأخذت حكمها من حيث إمكان تملكها بوضع اليد المدّة الطويلة المكسبة للملكية. وليس وضع اليد في هذه الحالة متعارضاً مع السياج الذي أحاط به القانون الأملاك العامة لأنه لا يهدّد من هذه الأملاك إلا ما أصبح بالفعل فاقداً لهذه الصفة فقداناً تاماً بطريقة مستمرّة لا انقطاع فيها".
ومن حيث إن الطاعنة تقول إن العين موضوع النزاع إذا لم تعتبر سوراً من الأسوار الواردة بالفقرة الثالثة من المادة 9 من القانون المجني لتهدّمها وعدم صلاحيتها للغرض الذي أنشئت من أجله فهي لهذا أصبحت أثراً من الآثار العامة المنصوص عليها بالفقرة العاشرة من تلك المادة، وأنه لذلك لا يصح تملكها مهما طال وضع اليد عليها - إن ما تقوله الطاعنة من ذلك مردود بأن الآثار ليست جميعها عامة بل إن منها ما أنشأه الأفراد أصلاً وانتقلت ملكيته بالتوارث إلى ذرّيتهم مما لا سبيل إلى اعتباره من المنافع العامة، ومنها ما تملكوه بوضع اليد عليه بعد زوال تخصيصه للمنفعة العامة على ما سبق بيانه مما يعتبر من الآثار المملوكة لغير الحكومة والتي تسري عليه أحكام القانون رقم 8 لسنة 1918 الخاص بحماية آثار العصر العربي فيما جاء به خاصاً بالآثار غير المملوكة للحكومة.
ومن حيث إن ما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه من إغفاله الرد على دفعها الذي تمسكت به أمام المحكمة الابتدائية والاستئنافية المتضمن سقوط حق المطعون ضدّها في المطالبة بالتعويض لمضي المدّة القانونية الطويلة والقصيرة من وقت تسجيل هذا الأثر - هذا القول مردود أيضاً بأن الحكم المطعون فيه بعد أن ذكر أن لجنة حفظ الآثار سجلت هذا السور باعتباره من الآثار العربية، وأن هذا التسجيل لا يخرجه من ملكية المطعون ضدّها، وأنه ما دام أن الحكومة لم تنزع ملكيته طبقاً لقانون نزع الملكية للمنفعة العامة فهو باق في ملكية المطعون ضدها - بعد أن ذكر الحكم هذا قال إن التسجيل يفرض على السور - طبقاً للفقرة الثانية من المادة الرابعة من القانون رقم 8 لسنة 1918 - نوعاً من الارتفاق. وفي هذا الذي ذكره الحكم الرد الضمني على عدم الأخذ بما دفعت به الطاعنة من سقوط حقها في التعويض، إذ أنه يستخلص منه أن التسجيل في نظر المحكمة لا يؤثر على حق المطعون ضدّها في المطالبة بالتعويض عما أصابها من الضرر بسبب ترتيب حق ارتفاق على ملكها، وأن هذا الحق لم يسقط بمضي المدّة.
ومن حيث إنه بالرجوع إلى القوانين الخاصة بالآثار العربية لمعرفة ما يترتب على تسجيل عقار من العقارات باعتباره أثراً من آثار العهد العربي فإنه يرى أن الأمر العالي الصادر في 18 من ديسمبر سنة 1881 بإنشاء لجنة الآثار القديمة العربية قد قصر أعمال هذه اللجنة على ما جاء في المادة الثانية في ذلك الأمر ونصها كما يأتي:
"(أوّلاً) إجراء اللازم لجرد وحصر الآثار العربية القديمة التي يكون فيها فائدة صناعية أو تاريخية".
"(ثانياً) ملاحظة صيانة تلك الآثار ورعاية حفظها من التلف وإخبار نظارة الأوقاف بالتصليحات والمرمات المقتضى إجراؤها فيها مع إيضاح المهم منها".
"(ثالثاً) النظر في الرسومات والتصميمات التي تعمل عن المرمات اللازمة لهذه الآثار والتصديق عليها وملاحظة إجراء تلك المرمات".
"(رابعاً) حفظ رسومات جميع الأشغال التي تنتهي بكتبخانة الأوقاف وإعلان النظارة المذكورة عن القطع التي تتخلف من العمارة ويلزم نقلها للأنتيكخانة لأجل حفظها بها".
والذي يفهم من هذا أن أعمال اللجنة كلها انحصرت في القيام على شئون الآثار العامة إذ لم يرد بالأمر العالي المذكور ما يفهم منه أن أعمالها يصح أن تتناول الآثار غير المملوكة للحكومة. فإذا فرض وقامت اللجنة بتسجيل أي أثر غير مملوك للحكومة فلا يترتب على حصول هذا التسجيل أي حق للحكومة قبل صاحب هذا الأثر. أما القانون رقم 8 لسنة 1918 الصادر لحماية آثار العصر العربي فإنه بعد أن بيّن بمادته الأولى ما يعدّ أثراً من آثار العصر العربي نص في المادة الرابعة على أن الأعيان الثابتة غير المملوكة للحكومة المسجلة الآن أو التي تسجل في المستقبل في عداد آثار العصر العربي تجرى عليها الأحكام الآتية: (أوّلاً) يجوز للحكومة أن تنزع ملكيتها طبقاً لقوانين نزع الملكية للمنافع العامة (ثانياً) لا يجوز هدمها ولا نقلها ولا تجديدها ولا ترميمها ولا تعديلها إلا برخصة من وزارة المعارف بعد أخذ رأي لجنة حفظ الآثار العربية. ونص في المادة الخامسة على أن تسجيل هذه الآثار يحصل بقرار يصدر من وزير المعارف، وفي المادة السادسة على أنه إذا ترتب على حق الارتفاق المفروض في الفقرة الثانية من المادة الرابعة ضرر بأحد الأفراد، فله الحق في تعويض من وزارة المعارف بالكيفية المبينة بتلك المادة. ثم ختمت هذه المادة بما يأتي:
"ويسقط الحق في التعويض إذا لم يطلبه صاحبه طلباً صريحاً في بحر السنة من يوم إعلانه من وزارة المعارف بقرار التسجيل". فالذي يؤخذ من نصوص هذا القانون أنه يجب أن يصدر قرار بتسجيل الأثر من وزير المعارف، وأن هذا القرار يجب أن يعلن لصاحب العقار حتى يترتب عليه حق الارتفاق، وأن حق المطالبة بالتعويض يسقط بمضي سنة من تاريخ إعلان قرار التسجيل.
ومن حيث إنه ما دام أنه لم يثبت أن الطاعنة قد أعلنت المطعون ضدّها بقرار التسجيل طبقاً لأحكام القانون رقم 8 سنة 1918 ذلك الإعلان الذي بغيره لا يبدأ سقوط حق المطالبة بالتعويض عن الارتفاق فليس لها أن تتمسك ضدّها بأي نوع من أنواع السقوط في دعوى المطالبة بالتعويض.
وليس لها كذلك أن تتمسك بما جاء في الوجه الثالث من أن المطعون ضدّها قد اشترت العقار مثقلاً بحق الارتفاق ولم يحصل بعد شرائها انتقاص لملكيتها - ليس للطاعنة أن تتمسك بذلك لأن المطعون ضدّها إنما اشترت العقار بجميع ماله وعليه من حقوق حالة بذلك محل البائع لها.


[(1)] راجع أيضاً القاعدة رقم 5 من هذا الجزء.