أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 16 - صـ 1362

جلسة 29 من ديسمبر سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ أحمد زكي محمد نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد ممتاز نصار، وإبراهيم عمر هندي، ومحمد نور الدين عويس، ومحمد شبل عبد المقصود.

(214)
الطعن رقم 26 لسنة 31 ق "أحوال شخصية"

( أ ) وقف "الوقف المرتب الطبقات". "الترتيب الأفرادي والترتيب الجملي".
اعتبار الشارع الترتيب بين طبقات الموقوف عليهم من الذرية ترتيباً أفرادياً إذا لم ينص الواقف على الترتيب الجملي. المادتان 32 و58 من قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946.
(ب) وقف. "إلغاء الوقف على غير الخيرات". "الوقف المرتب الطبقات". ملكية.
ملكية ما انتهى الوقف فيه. أيلولتها إلى الواقف إن كان حياً وكان له حق الرجوع. فإن لم يكن حياً أو لم يكن له حق الرجوع آلت إلى المستحقين الحاليين. في الوقف المرتب الطبقات تؤول الملكية إلى المستحقين الحاليين وإلى ذرية من مات من ذوي الاستحقاق في طبقتهم كل بقدر حصته أو حصة أصله.
1 - تنص المادة 32 من قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946 على أنه "إذا كان الوقف على الذرية مرتب الطبقات لا يحجب أصل فرع غيره ومن مات صرف ما يستحقه أو كان يستحقه إلى فرعه"، كما تنص المادة 58 من هذا القانون على عدم تطبيق أحكام المواد من 32 إلى 35 إذا كان في كتاب الوقف نص يخالفها. هذا التلازم بين النصين يدل على أن الشارع أراد أن يجعل الترتيب بين طبقات الموقوف عليهم من الذرية ترتيباً أفرادياً ما لم ينص الواقف على أنه قد رتب بينها ترتيباً جملياً. وإذ كان الثابت في الدعوى أن الواقف نص في كتاب وقفه على أنه لا يستحق بطن أنزل مع وجود واحد من البطن العليا بل تحجب الطبقة الأولى منهم الطبقة السفلى ومن مات منهم بغير نسل تكون حصته للطبقة العليا، وهو ظاهر الدلالة على أنه أراد أن يجعل الترتيب بين الطبقات الموقوف عليهم ترتيباً جملياً لا يحتمل، فإنه لا تطبق في شأنه أحكام المادة 32 من قانون الوقف.
2 - النص في المادة الثالثة من القانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات على أن "يصبح ما ينتهي فيه الوقف على الوجه المبين في المادة السابقة ملكاً للواقف إن كان حياً وكان له حق الرجوع فيه فإن لم يكن آلت الملكية للمستحقين الحاليين كل بقدر حصته في الاستحقاق وإن كان الوقف مرتب الطبقات آلت الملكية للمستحقين الحاليين ولذرية من مات من ذوي الاستحقاق من طبقتهم كل بقدر حصته أو حصة أصله في الاستحقاق" يدل على أن الشارع أراد أن يجعل ملكية ما انتهى الوقف فيه للواقف إن كان حياً وكان له حق الرجوع يستوي في ذلك أن يكون قد احتفظ لنفسه بغلة الوقف أو جعل الاستحقاق لغيره حال حياته، فإن لم يكن الواقف حياً أو لم يكن له حق الرجوع آلت الملكية للمستحقين الحاليين كل بقدر حصته، وفي الوقف المرتب الطبقات تؤول الملكية إلى المستحقين الحاليين فيه وإلى ذرية من مات من ذوي الاستحقاق من طبقتهم كل بقدر حصته أو حصة أصله، وهم ذرية من دخل في الوقف وتناول استحقاقاً فيه وكان من أهل الطبقة التي انحل عليها ثم توفى بعد الدخول وانتقل استحقاقه بحكم الترتيب الجملي - إلى الباقين من أهل طبقته لا ذرية من توفى قبل دخوله في الوقف واستحقاقه لشيء فيه ولم يكن بذلك من أفراد الطبقة التي انحل عليها الوقف ولا من ذوي الاستحقاق، أو صاحب حصة ونصيب فيه، وهي أوصاف وقيود قصد إليها الشارع وعناها بقوله "وآلت الملكية للمستحقين الحاليين ولذرية من مات من ذوي الاستحقاق من طبقة كل بقدر حصته أو حصة أصله" ولا تصدق في حق من توفى أصله قبل الدخول في الوقف.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن أحمد بدوي أحمد عمر عزت ومصطفى كمال أحمد عمر عزت ونزيهة أحمد عمر عزت أقاموا الدعوى رقم 611 سنة 1956 القاهرة الابتدائية للأحوال الشخصية ضد وزارة الأوقاف يطلبون الحكم باستحقاقهم لحصة قدرها ستة قراريط من أربعة وعشرين قيراطاً ينقسم إليها ريع وقف المرحوم محمد خسرو باشا المبين بحجة الوقف الصادرة من محكمة بني سويف الشرعية في 24 ربيع الثاني سنة 1286 لكل واحد منهم قيراطان مع أمر وزارة الأوقاف بعدم التعرض لهم فيها وتسليمها، وقالوا شرحاً لها إن الواقف أنشأ وقفه على نفسه مدة حياته ومن بعده على المذكورين من عتقائه ومن بعدهم على أولاده وأولاد أولادهم وقد توفى الواقف وتوفى كل من عتقائه عقيماً فيما عدا: (1) يوسف صديق (2) عمر عزت (3) مصطفى مهرى (4) عمر فخري (5) محبوب أغا (6) آدم أغا، وبوفاة كل من أولاد مصطفى مهرى وآدم أغا عقيماً انحصر الاستحقاق في أولاد الباقين منهم وهم (1) منيرة بنت يوسف صديق (2) أحمد بن عمر عزت (3) زينب بنت عمر فخري (4) محمد بن محبوب أغا مرابعة بينهم فيخص كل فريق منهم ستة قراريط من أصل أربعة وعشرين قيراطاً ينقسم إليها ريع الوقف، وإذ أقيمت وزارة الأوقاف في النظر على الوقف وأنكرت على المدعين استحقاقهم الذي آل إليهم عن والدهم أحمد عمر عزت مخالفة بذلك المادتين 32 من قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946 و3 من القانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات، فقد انتهوا إلى طلب الحكم لهم به - كما أقامت السيدة فاطمة أحمد مصطفى مهرى الشهير بمصطفى ماهر الدعوى رقم 265 سنة 1953 القاهرة الابتدائية الشرعية ضد وزارة الأوقاف تطلب الحكم باستحقاقها لحصة قدرها أربعة قراريط من أصل أربعة وعشرين قيراطاً ينقسم إليها ريع الوقف، وقالت شرحاً لها إن الواقف أنشأ وقفه على نفسه مدة حياته ومن بعده على عتقائه ثم من بعدهم على أولادهم وأولاد أولادهم طبقة بعد طبقة الطبقة الأولى منهم تحجب الطبقة السفلى حجباً مطلقاً بحيث لا يستحق أحد من الطبقة السفلى شيئاً مع وجود الطبقة التي هي أعلى منها ومن يموت من أي طبقة ينتقل نصيبه إلى الموجودين من طبقته، وقد توفى الواقف وانتقل الاستحقاق من بعده إلى عتقائه ومن بعدهم إلى أولاد من مات منهم عن ذرية وهم (1) محمد بن محبوب أغا (2) زينب عمر فخري (3) منيرة بنت يوسف صديق (4) عزت بن آدم أغا (5) محمود وأحمد وجميلة أولاد مصطفى مهرى، وبوفاة جميلة عقيماً انحصر الاستحقاق في الباقين فيخص كل منهم أربعة قراريط من أصل أربعة وعشرين قيراطاً ينقسم إليها ريع الوقف وإذ أنكرت عليها الوزارة استحقاقها الذي انتقل إليها عن والدها أحمد مصطفى مهرى طبقاً للمادة 3 من القانون رقم 180 لسنة 1952 ومنعتها من الاستيلاء عليه فقد طلبت الحكم لها به - كذلك أقامت السيدة عصمت محمود مصطفى مهرى الدعوى رقم 156 سنة 1953 القاهرة الابتدائية الشرعية ضد وزارة الأوقاف والسيدة زينب عمر فخري وآخرين تطلب الحكم باستحقاقها لحصة قدرها أربعة قراريط من أصل أربعة وعشرين قيراطاً ينقسم إليها ريع الوقف وتسليمها مع ريعها والدعوى رقم 212 سنة 1953 تطلب الحكم باستحقاقها بصفتها وصية على أختها القاصر اعتماد محمود مصطفى مهرى لحصة قدرها أربعة قراريط من أصل أربعة وعشرين قيراطاً ينقسم إليها ريع الوقف، وقالت شرحاً لهما إن الوقف مرتب الطبقات ترتيباً جملياً وبوفاة الواقف ومن توفى عقيماً من عتقائه انحصر الاستحقاق في ستة أشخاص منهم والدها محمود مصطفى مهرى الذي توفى عنها وعن أختها لأبيها اعتماد. وردت وزارة الأوقاف بأنها لا تعرف أحداً من المستحقين ولم تصرف لهم شيئاً من ريعه فيما عدا الحصة التي فرزت لزينب عمر فخري. وقررت المحكمة ضم هذه الدعاوى جميعها للارتباط. وجرى النزاع في الدعويين الأولين حول نصيب من مات من الموقوف عليهم قبل دخوله في الوقف واستحقاقه لشيء منه وهل ينتقل إلى ذريته وتستحقه إعمالاً لشرط الواقف والمادتين 32 من القانون رقم 48 لسنة 1946 و3 من القانون رقم 180 لسنة 1952 أم لا ينتقل إلى ذريته ولا تستحقه. وبتاريخ 16/ 6/ 1958 حكمت المحكمة حضورياً (أولاً) بعدم اختصاصها بنظر طلبي التسليم والريع. (ثانياً) وفي الدعويين 265 سنة 1953 و611 سنة 1956 برفض دعوى كل من أحمد بدوي ومصطفى كمال ونزيهة أولاد أحمد عمر عزت وفاطمة أحمد مصطفى مهرى المدعين في الدعويين المذكورتين وألزمت كلاً منهم بمصاريف دعواه (ثالثاً) وفي الدعويين رقمي 156 سنة 1953 و212 سنة 1953 باستحقاق كل من عصمت واعتماد بنتي محمود مصطفى مهرى لمقدار 1/ 12 من الوقف موضوع الدعوى وذلك في مواجهة المدعى عليهما الأخيرين وألزمت المدعى عليهما الأول والثانية بالمصاريف ومبلغ ثلاثمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة، وأسست قضاءها برفض الدعويين الأولين على أن الوقف مرتب الطبقات ترتيباً جملياً فلا تستحق بطن أنزل مع وجود أحد من أفراد الطبقة التي تعلوها وأن والد المدعين في كل منهما توفى قبل دخوله في الوقف واستحقاقه لشيء منه وطبقاً للمادة 3 من القانون رقم 180 لسنة 1952 لا يستحق أولادهم شيئاً في الوقف لأنهم من أفراد طبقة أنزل من الطبقة التي نقضت من أجلها القسمة وقد توفى أصلاهم قبل نقض القسمة وقبل أن يدخلا في الوقف واستأنفت السيدة فاطمة هذا الحكم طالبة إلغاءه والحكم لها بطلباتها وقيد استئنافها برقم 135 سنة 75 ق، وكذلك استأنفه كل من أحمد بدوي ومصطفى كمال ونزيهة أحمد عمر عزت طالبين إلغاءه والحكم لهم بطلباتهم وقيد استئنافهم برقم 137 سنة 35 ق. وقررت المحكمة ضم الاستئنافين، وبتاريخ 23/ 3/ 1961 حكمت بقبولهما شكلاً ورفضهما موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف وألزمت كل مستأنف مصروفات استئنافه وثلاثة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة عن كل استئناف منهما، وأسست قضاءها هذا على الأسباب التي أوردتها وما لا يتعارض معها من أسباب الحكم الابتدائي. وطعن أحمد بدوي عزت ومن معه في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة بالتقرير، وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون وقررت إحالته إلى هذه الدائرة حيث لم يحضر الطاعنون، وطلبت المطعون عليها التاسعة رفض الطعن ولم يحضر باقي المطعون عليهم ولم يبدوا دفاعاً، وقدمت النيابة العامة مذكرة أحالت فيها إلى مذكرتها الأولى وطلبت قبول الطعن.
وحيث إن حاصل السبب الأول أن الحكم المطعون فيه قضى برفض دعوى الطاعنين الاستحقاق في الوقف بحجة أن المادة 32 من قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946 لا تعطيهم حقاً في الاستحقاق ومستنداً في ذلك إلى أن الحكم المقرر فيها - وعلى ما تقضي به المادة 58 من القانون - لا ينطبق في الأوقاف السابقة على صدور القانون إذا كان في كتاب الوقف نص صريح يخالفه، وقد تضمن كتاب الوقف هذا النص المخالف إذ جاء فيه "لا تستحق بطن أنزل مع وجود أحد من البطن العليا بل تحجب الطبقة الأولى منه السفلى"، وهذا الذي أسس الحكم قضاءه عليه خطأ ومخالفة للقانون، ووجه الخطأ والمخالفة أنه اعتبر العبارة الواردة في حجة الوقف مانعاً من تطبيق المادة 32 دون نظر إلى ما جاء في المذكرة الإيضاحية للقانون من أنه عدل عن مذهب الحنفية في ترتيب الطبقات وأخذ بالأظهر من مذهب الحنابلة وما ذكره المالكية وهو أن الترتيب ترتيب أفراد على أفراد وأن الفرع يقوم مقام أصله شرط الواقف قيامه أو لم يشرطه فلا يحجب أصل فرع غيره من الموقوف عليهم، فما اعتبره الحكم مانعاً وسماه مخالفة في حجة الوقف لا يصلح أن يكون كذلك لأنه موضوع التشريع والقاعدة التي قصد المشرع مخالفتها وإبطال أحكامها بحيث لا يجوز بشرط من الواقف أن يحجب أصل فرع غيره، يؤكد ذلك عبارة "المراد من الذرية ذرية الموقوف عليهم سواء أكانوا ذرية الواقف أم غيره، وما يستحقه الميت يكون لولده والمراد منه المستحق بالفعل سواء كان أصلياً أم آل إليه من استحقاق موقوف عليهم آخرين وإذا كان الأصل قد مات قبل الاستحقاق فمتى آل الاستحقاق لطبقته، ولو كان حياً لاستحق، فإن فرعه يحل إذ ذاك محله ويستحق ما كان يستحقه أصله لو كان حياً" الواردة في المذكرة، إذ المقصود بها إلغاء فكرة الترتيب الجملي وجعله أفرادياً لأنه بعد صدور القانون رقم 48 لسنة 1946 لم يعد يجوز أن يحجب أصل فرع غيره من الموقوف عليهم في انتظار انقراض طبقة ذلك الأصل - وما ذهب إليه الحكم من أن كتاب الوقف تضمن نصاً يخالف أحكام المادة 32، لا يمنع من تطبيقها على الأوقاف السابقة ومنها الوقف محل النزاع، لأنها وضعت لمخالفة أحكام ما سبق من الأوقاف بقصد تصحيحها بعد ما تبين أنها غير عادلة، والمبدأ الذي أخذ به التشريع هو أن الفرع الذي مات أصله قبل الاستحقاق في الوقف المرتب الطبقات ترتيباً محتملاً للجملي وللأفرادي يستحق مع طبقة أصله سواء مات قبل الاستحقاق أو بعده، وبتطبيقه على واقعة الدعوى يظهر خطأ الرأي الذي ذهب إليه الحكم.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أنه بالرجوع إلى قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946 يبين أنه نص في المادة 32 منه على أنه "إذا كان الوقف على الذرية مرتب الطبقات لا يحجب أصل فرع غيره ومن مات صرف ما يستحقه أو كان يستحقه إلى فرعه.." كما نص في المادة 58 على أنه "لا تطبق أحكام المواد 32 و33 و34 و35 إذا كان في كتاب الوقف نص يخالفها..." وهذا التلازم بين النصين يدل على أن الشارع أراد أن يجعل الترتيب بين طبقات الموقوف عليهم من الذرية ترتيباً أفرادياً ما لم ينص الواقف على أنه قد رتب بينها ترتيباً جملياً, وإذ كان الثابت في الدعوى - ومن بيانات الحكمين المودعين ملف الطعن - أن الواقف نص في كتاب وقفه على أنه "لا تستحق بطن أنزل مع وجود واحد من البطن العليا بل تحجب الطبقة الأولى منهم الطبقة السفلى ومن مات منهم بغير نسل تكون حصته للطبقة العليا" وهو ظاهر الدلالة على أنه أراد أن يجعل الترتيب بين طبقات الموقوف عليهم ترتيباً جملياً لا يحتمل، تعين القول بأنه لا تطبق في شأنه أحكام المادة 32 من قانون الوقف - وإذ كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وجرى في قضائه على أن "المادة 32 من قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946 التي استند إليها المستأنفون تنص على أنه إذا كان الوقف على الذرية مرتب الطبقات لا يحجب أصل فرع غيره ومن مات صرف ما استحقه أو كان يستحقه إلى فرعه" وهذه المادة لا تعطي المستأنفين حقاً في الاستحقاق حتى ولو سلمت المحكمة لهم بما فهموه منها لأن المادة 58 من القانون المذكور تنص على أنه لا تطبق أحكام المواد 32 و33 و34 و35 إذا كان في كتاب الوقف نص يخالفها في الأوقاف الصادرة قبل العمل بهذا القانون والوقف المتنازع عليه في هذه الدعوى صدر في سنة 1286 هجرية أي قبل صدور قانون الوقف بما يربو على تسع وخمسين سنة وفي حجة الوقف ما يخالف بدلالة النص حكم المادة المذكورة فقد ورد في صفحة 8 من الحجة قول الواقف بعد أن ذكر أن الوقف مرتب الطبقات وأن الاستحقاق بالمساواة بين الذكر والأنثى "غير أنه لا تستحق بطن أنزل مع وجود أحد من البطن العليا بل تحجب الطبقة الأولى منه الطبقة السفلى" وليس أصرح من دلالة النص في هذه العبارة على مخالفتها لحكم المادة 32 ومن ثم فلا يصح الاستناد إلى هذه المادة في طلب المستأنفين استحقاق أصولهم الذين ماتوا قبل دخولهم في الوقف" - فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه.
وحيث إن حاصل السبب الثاني أن الحكم المطعون فيه جرى في قضائه على أن المادة 3 من القانون رقم 180 لسنة 1952 لا تعطي الطاعنين حقاً في الاستحقاق مستنداً في ذلك إلى أن "المستحق" يطلق حقيقة على المستحق بالفعل ومجازاً على المستحق بالقوة الذي يستحق في المستقبل عندما يأتي دوره في الاستحقاق عملاً بقاعدة أن الأصل استعمال اللفظ في الحقيقة ولا يستعمل في المجاز إلا بقرينة، وهو تفسير خاطئ ولا مجال له في مقام تطبيق القانون رقم 180 لسنة 1952 الذي نص في المادة الثالثة منه على أن "يصبح ما ينتهي فيه الوقف ملكاً للواقف إذا كان حياً وكان له حق الرجوع فيه فإن لم يكن آلت الملكية للمستحقين الحاليين كل بقدر حصته في الاستحقاق وإن كان الوقف مرتب الطبقات آلت الملكية للمستحقين الحاليين ولذرية من مات من ذوي الاستحقاق من طبقتهم كل بقدر حصته أو حصة أصله في الاستحقاق"، وهذه العبارة الأخيرة من النص صريحة في أن الفرع الذي كان محجوباً مؤقتاً بنص من الواقف يمتلك في الوقف مع طبقة أصله سواء مات أصله قبل الاستحقاق أو بعده، وجاء في المذكرة الإيضاحية للقانون أن هذه المادة تحكم جميع الأوقاف ولم تفرق بينها وأعطت كل ذرية كانت محجوبة بأصلها حقاً في الوقف مهما كان سبب الحجب وسواء كان الأصل توفى بعد الاستحقاق بالفعل أو مات قبل أن يستحق ولا محل مع ذلك لما ذهب إليه الحكم من تفسير لمعنى "المستحق" في نطاق القاعدة الأصولية التي لا تبيح استعمال اللفظ في المجاز إلا أن توجد قرينة صارفة تمنع من استعماله في الحقيقة، إذ الأمر بعيد كل البعد عن مجال استعمال هذه القاعدة، وقد أفصح المشرع في المذكرة الإيضاحية للقانون عن نيته في تحديد معنى الاستحقاق وسوى بين المستحق فعلاً ومن كان يستحق لو ظل حياً مع طبقته واعتبر كلاهما مستحقاً.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أن النص في المادة الثالثة من القانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات على أن "يصبح ما ينتهي فيه الوقف على الوجه المبين في المادة السابقة ملكاً للواقف إن كان حياً وكان له حق الرجوع فيه فإن لم يكن آلت الملكية للمستحقين الحاليين كل بقدر حصته في الاستحقاق وإن كان الوقف مرتب الطبقات آلت الملكية للمستحقين الحاليين ولذرية من مات من ذوي الاستحقاق من طبقتهم كل بقدر حصته أو حصة أصله في الاستحقاق" يدل على أن الشارع أراد أن يجعل ملكية ما انتهى الوقف فيه للواقف إن كان حياً وكان له حق الرجوع يستوي في ذلك أن يكون قد احتفظ لنفسه بغلة الوقف أو جعل الاستحقاق لغيره حال حياته، فإن لم يكن الواقف حياً أو لم يكن له حق الرجوع آلت الملكية للمستحقين الحاليين كل بقدر حصته وفي الوقف المرتب الطبقات تؤول الملكية إلى المستحقين الحاليين فيه وإلى ذرية من مات من ذوي الاستحقاق من طبقتهم كل بقدر حصته أو حصة أصله، وهم ذرية من دخل في الوقف وتناول استحقاقاً فيه وكان من أهل الطبقة التي انحل عليها ثم توفى بعد الدخول وانتقل استحقاقه بحكم الترتيب الجملي - إلى الباقين من أهل طبقته لا ذرية من توفى قبل دخوله في الوقف واستحقاقه لشيء فيه ولم يكن بذلك من أفراد الطبقة التي انحل عليها الوقف ولا من ذوي الاستحقاق، أو صاحب حصة ونصيب فيه، وهي أوصاف وقيود قصد إليها الشارع وعناها بقوله "وآلت الملكية للمستحقين الحاليين ولذرية من مات من ذوي الاستحقاق من طبقته كل بقدر حصته أو حصة أصله" ولا تصدق في حق من توفى أصله قبل الدخول في الوقف، وإذ كان الثابت في الدعوى أن المرحوم أحمد عمر عزت جركس توفى قبل دخوله في الوقف واستحقاقه لشيء منه لوفاته قبل المرحوم عمر فخري جركس آخر أفراد الطبقة العليا موتاً فلا يصدق على أولاده الطاعنين أنهم من ذرية "من مات من ذوي الاستحقاق" ولا تؤول إليهم ملكية ما انتهى الوقف فيه - إذ كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وجرى في قضائه على أن "المادة الثالثة من القانون رقم 180 لسنة 1952 لا تعطي المستأنفين حقاً في طلبهم كما انتهت إليه بحق محكمة أول درجة وتزيد هذه المحكمة أن المستحق يطلق حقيقة على المستحق بالفعل ويطلق مجازاً على المستحق بالقوة وهو الذي يستحق في المستقبل عندما يأتي دوره في الاستحقاق وقد ذكر علماء الأصول أن الأصل هو استعمال اللفظ في حقيقته ولا يصار إلى استعماله في المجاز إلا بقرينة صارفة عن استعماله في الحقيقة ولم توجد هذه القرينة الصارفة بل وجد ما يؤكد استعمال اللفظ في حقيقته - وهو شرط الواقف السابق ذكره وعدم تطبيق المادة 32 إعمالاً لنص المادة 58 ومن ثم فإن ما نصت عليه المادة الثالثة من قانون حل الوقف من أنه يحل الوقف على المستحقين الحاليين ولذرية من مات من ذوي الاستحقاق من طبقتهم كل بقدر حصته، لا يراد بهذا النص إلى ذرية المستحقين بالفعل وهم الذين توفوا بعد دخولهم في الاستحقاق وهذا هو الفهم الصحيح وإلا فكل موقوف عليه ولم يأت دوره في الاستحقاق يعتبر مستحقاً ثم إنه يوجد فرق بين المستحق والموقوف عليه فالموقوف عليه أعم من أن يكون مستحقاً في الحال أو في المآل والمستحق لا يراد به في هذه المادة إلا من دخل في الاستحقاق" - فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن الحكم المطعون فيه أورد ضمن أسبابه "أن كلاً من طرفي الخصومة قدم فتوى لصالحه واستشهد بها فيما يدعيه وكل منهما تناقض الأخرى ولذلك تلتفت المحكمة عنهما" وهو خطأ في الإسناد ومخالفة للثابت في الأوراق وقصور في التسبيب، إذ أن الفتويين من طرف واحد لا من الطرفين وقد قدمهما الطاعنون للاستشهاد بما يتمسكون به من أن من مات أصله قبل الاستحقاق يتملك في الوقف مع طبقة أصله شأنه في ذلك شأن من مات أصله بعد الاستحقاق وهما وإن اختلفتا في الوقائع إلا أنهما تؤيدان هذا الرأي ولا خلاف ولا تناقض بينهما.
وحيث إن هذا النعي مردود بما سبق بيانه في صدد الرد على السببين الأولين من أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه برفض دعوى الطاعنين على أسباب صحيحة تكفي لحمله، وجرى قضاء هذه المحكمة على أنه متى كان الحكم قد أقيم على أسباب سائغة وكافية لحمله فإنه لا يعيبه ما يكون قد ورد فيه من أسباب نافلة لا تمس جوهر قضائه.
وحيث إن حاصل السبب الرابع أن الحكم الابتدائي خلا من بيان اسم عضو النيابة الذي أبدى الرأي في القضية وفي ذلك ما يبطله طبقاً للمادة 349 من قانون المرافعات، وإذ أيده الحكم المطعون فيه وأحال إليه في أسبابه، فإنه يكون باطلاً هو الآخر.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أنه وإن كان الحكم الابتدائي قد خلا من بيان اسم عضو النيابة الذي أبدى الرأي في القضية إلا أن الحكم المطعون فيه أورد ضمن بياناته رأي النيابة العامة واسم عضو النيابة الذي أبدى هذا الرأي وانتهى - على ما سبق بيانه - إلى تأييد الحكم الابتدائي بأسباب مستقلة تكفي لحمله ومن ثم فإن النعي عليه في هذا الخصوص - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يكون غير منتج إذ هو لا يحقق سوى مصلحة نظرية لا يعتد بها.