مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثالث (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1939 لغاية 29 أكتوبر سنة 1942) - صـ 161

جلسة 18 إبريل سنة 1940

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

(51)
القضية رقم 93 سنة 9 القضائية

أملاك عامة. بحيرة مريوط والأراضي المتاخمة لها. ملك عام. أرض متنازع عليها. استخلاص المحكمة من أوراق الدعوى أن هذه الأرض جزء من البحيرة المذكورة. موضوعي.
(دكريتو 3 أغسطس سنة 1901 والمادة 9 مدني)
إن عبارة الدكريتو الصادر في 3 من أغسطس سنة 1901 ومذكرته التفسيرية تقطعان بأن الغرض منه هو أن تكون منطقة بحيرة مريوط هي وما تاخمها من الأراضي المبينة بالرسم الملحق به خزاناً تنصب فيه مياه الصرف والأمطار حتى لا تطغى هذه المياه على الأراضي المجاورة، فهي لذلك من الأموال العامة. وإذا استخلصت المحكمة أن أرض النزاع هي جزء من البحيرة المذكورة بناء على ما تبين لها من المعاينة التي أجرتها بنفسها، وعلى ما توافر لديها من الدلائل الأخرى التي استظهرتها من الأوراق المقدّمة في الدعوى، وكان ما استخلصته من ذلك متسقاً مع وقائع الدعوى وأوراقها فإنه لا سبيل إلى محكمة النقض للتعرّض لها في هذا الأمر الموضوعي الذي يرجع إلى تحصيل فهم الواقع في الدعوى.


الوقائع

تتلخص وقائع هذه الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه وسائر المستندات المقدّمة من طرفي الخصومة وكانت من قبل تحت نظر محكمة الاستئناف - في أنه في أوائل سنة 1905 تبين للحكومة أن دائرة سموّ الأمير عمر طوسون قد شغلت نحو عشرة أفدنة من القطعة رقم 592 مساحة قديمة المعروفة بجزائر الشعران التابعة لبحيرة مريوط بأن أقامت على جزء منها "استراحة" وبعض خيام، ومهدت مسالك لصيد الطيور في البحيرة. ولما علمت مصلحة الأملاك بهذا خابرت إدارة القضايا للاستعلام ودّياً من الدائرة عن سبب استعمال الأراضي المذكورة. ثم حضر لمكتب إدارة القضايا المسيو بواليه بك مدير دائرة الطاعن وأبدى بأن سموّه يشغل العشرة الأفدنة المشار إليها من خمس عشرة سنة إذ أعدّها للإقامة بها مدّة الصيد، وأنه يميل لشرائها ولا يتمسك بحق امتلاكها بالمدّة الطويلة إذا تساهلت الحكومة في بيعها إليه. ثم أشار أيضاً إلى أنه يوجد حول هذه الأطيان مساحة أخرى تبلغ 16000 فدان تقريباً تكون مغمورة بالمياه في أغلب الأحيان في فصل الشتاء يود أن تؤجرها الحكومة إليه لمدّة طويلة أي لمدّة عشرين سنة على الأقل ويكون له حق الأولوية في الشراء متى عزمت الحكومة على بيعها وإنما يكون تعيين الثمن لذي يتم البيع على أساسه منذ الآن. ثم طلب بواليه بك تبليغ تلك الرغبات لمصلحة الأملاك فبلغت فعلاً من إدارة القضايا لتلك المصلحة. ولما لم توافق مصلحة الأملاك مبدئياً على بيع العشرة الأفدنة وتأجير الستة عشر ألف فدان المدّة الطويلة التي طلبها سموّ الأمير تقابل بواليه بك مع المستر أنتوني مدير مصلحة الأملاك لإقناعه بقبول رغبات سموّ الأمير فلم يوفق، وحصلت مشادة بينهما أعقبها ورود كتاب لمدير تلك المصلحة في 17 من يونيه سنة 1905 من المستر جيمس تومسون جاء فيه ما يأتي:
"طلب إلى سموّ الأمير أن أخبر جنابكم بأن سموّه لم يعهد إلى بواليه بك بمقابلتكم في المرة الثانية لاعتقاده بأن ما حصل بينكما من المشادة في المرة الأولى يحول دون تكليفه بهذه المأمورية. وإني أؤكد لكم أن بواليه بك كان في كل ما ألقاه إليكم معبراً عن رأيه الخاص. وقد شرحت لسموّ الأمير حقيقة المسألة فأظهر أسفاً كثيراً لما حصل من وكيله، وطلب مني السعي في نهو المسألة على القواعد الآتية بعد. وصرح لي سموّه أن لي صفة النيابة عن العائلة حيث إني كنت قبلاً الوكيل عن المرحومة شقيقته عصمت هانم ولا أزال إلى اليوم وكيلاً عن صهره. وإني أتقبل بكل سرور القيام بهذه المأمورية لما هو معروف عن سموّ الأمير من تقديره لمثل هذه الأعمال مما يجعلني واثقاً من لقاء عطفه ومساعدته. هذا وقد استفسرت عما إذا لم يكن للمسألة وجه خفي، وعما إذا كان الغرض من الشراء إنما هو حقيقة مجرّد الصيد فتبين لي صحة ذلك. هذا وسموّ الأمير يرغب في شراء عشرة أفدنة حول كل منزل (عشة صيد) وأن يستأجر الباقي وقدره 16000 فدان إلا عشرين فداناً مع إعطائه حق شراء هذه الأرض لمدّة خمس عشرة أو عشرين سنة إذا رغب، وهو يعرض ثمناً لشراء الفدان الواحد سواء من الأرض التي يزمع في شرائها حالاً أو التي يرغب في أن يترك له الخيار في شرائها في المستقبل كما تقدّم من جنيه إلى اثنين، ويعرض إيجاراً للفدان الواحد عن الأراضي التي يرغب في استئجارها من قرش إلى قرشين سنوياً. تلك هي رغبة سموّ الأمير فأتشرف بعرضها عليكم مضيفاً أنه يفضل على كل حال أدنى الأسعار أو متوسطها. وإني في انتظار رأيكم لإبلاغه إلى سموّ الأمير".
فتمهيداً للنظر في رغبات سموّ الأمير كلفت مديرية البحيرة معاون مركز كفر الدوّار بمعاينة المساحة التي يطلب سموّه استئجارها وإثبات حالتها وتقدير ما تساويه من الإيجار. فانتقل المعاون وحرر محضراً بتاريخ 9 من يوليه سنة 1905 أثبت فيه أن مياه الملاحة تحيط بجميع الأرض من حدودها الأربعة وفصل فيه إيجار كل جزء من القطع اليابسة.
ولما تبينت مصلحة الأملاك أن المساحة المرغوب استئجارها هي جزء من ملاحة مريوط لم توافق على التأجير المدّة التي طلبها سموّ الأمير. وترتب على ذلك أن بعث المسيو بواليه مدير الدائرة كتاباً للمستشار المالي في 30 من إبريل سنة 1906 ذهب فيه إلى أن الأمير وضع يده على 15000 فدان تقريباً منذ أكثر من خمس عشرة سنة وهو يستعملها للصيد وقد زرع فيها شعيراً وعمل طرقاً ومصارف، وأنه مظهر استعداده لإجراء تسوية ودية بدلاً من الدخول في إشكال مع الحكومة التي كانت تمتلك الأراضي قديماً، وأنه يقترح إجراء التسوية على أساس أن يدفع سموّ الأمير خمسة جنيهات عن كل فدان من العشرة الأفدنة الكائنة بجوار المنازل المقامة بمعرفته ويدفع قرشاً أو قرشين إيجاراً للفدان الواحد من باقي المساحة لمدّة عشرين سنة، وأنه في أثناء هذه المدّة يكون له الحق في شراء جزء من المساحة أو جميعها باعتبار ثمن الفدان الواحد جنيهاً أو اثنين.
وقد أجاب المستشار المالي على هذا الخطاب بكتاب في مايو سنة 1906 قال فيه إن الحكومة لا تسلم مطلقاً بما يزعمه سموّ الأمير من امتلاك للمساحة التي يدعيها، وإنه لا يمكنها أن تفكر في أمر تأجيرها لمدّة غير محدودة أو في تخويله حق مشتراها، وإنما تقبل مبدئياً أن يكون التأجير لمدّة سنة مع ترك أمر التجديد أو الفسخ لرغبة المتعاقدين. أما فيما يختص بشراء العشرة الأفدنة التي أقام عليها العزبة فلا ترى الحكومة مانعاً من النظر في اقتراح يعرض بشأنها.
وفي 6 من أغسطس سنة 1917 وجهت الحكومة المصرية النائب عنها مدير البحيرة الخصومة الحالية ضدّ حضرة صاحب السموّ الأمير عمر طوسون أمام محكمة إسكندرية الابتدائية بالدعوى رقم 360 كلي سنة 1917 طالبة الحكم بتثبيت ملكيتها إلى 13411 فداناً المبينة بإعلان الدعوى وتسليمها خالية في مدّة أسبوع من تاريخ إعلانه بالحكم الذي سيصدر وإلا فللحكومة إجراء ذلك بمصاريف ترجع بها عليه مع إلزامه بالمصاريف. وعند المرافعة ذكر الحاضر عنها أن هذه المساحة من ضمن بحيرة مريوط المعتبرة منافع عامّة، وأن إشغال سموّ الأمير لأجزاء صغيرة منها لأغراض الصيد المبنى على التسامح والمجاملة لا يمكن أن يؤدّي إلى اكتساب الملكية لها. واستند في ذلك إلى خرائط قديمة وحديثة وإلى كشوف رسمية وقوائم مساحة أطيان المسيرى التي زرعت خفية من أراضي النزاع من سنة 1893 وما بعدها، وإلى كتب متبادلة بين دائرة سمو المدّعى عليه والحكومة، وإلى عقود إيجار وصور أحكام صدرت لمصلحة الحكومة ضدّ من اعتدوا على هذه الأرض، وإلى دكريتو 3 من أغسطس سنة 1901 وأوراق أخرى مودعة بالملف. ودفع الحاضر عن المدّعى عليه الدعوى بأن أرض النزاع ليست من المنافع العامّة، وأنه تملكها بوضع اليد المدّة الطويلة المكسبة للملكية. واستند إلى عقود بيع صادرة إليه من الغير عن قطع من الأرض داخلة في المقدار المتنازع بشأنه وصور مكاتبات متبادلة بين دائرة الأمير وبين وزارة المالية في سنة 1905 عن هذه المساحة وصور أحكام صدرت لمصلحة الدائرة ضدّ آخرين من أرض يشملها النزاع وإلى أوراق مرفقة بالملف. كما استند إلى أن ما أحدثه من منشآت متعدّدة ومشروعات منفذة يؤيد وجهة نظره.
وبعد أن سارت القضية في الجلسات أمام محكمة أوّل درجة أصدرت تلك المحكمة في 3 من مارس سنة 1925 حكماً تمهيدياً قضى بندب ثلاثة خبراء من المهندسين لإجراء المأمورية المبينة بأسباب هذا الحكم وهي "الانتقال إلى الأرض المرفوع بشأنها الدعوى، وبعد معاينتها وتطبيق المستندات على الطبيعة يبينون ما إذا كانت هذه الأرض داخلة ضمن بحيرة مريوط أم لا مع مراعاة الحالة الطبيعية في الخرط والدكريتو الصادر في سنة 1901 والرسم المرافق له وهل العقود المقدّمة من سموّ الأمير المدّعى عليه تشملها أو جزءاً منها وهل الـ 17 قيراطاً و16 سهماً التي سبق أخذها منه للمنفعة العامّة تدخل ضمن الأرض المذكورة، وعليهم وصف حالة الأرض موضوع النزاع وصفاً دقيقاً مع بيان المغمور منها بالمياه والتي انكشف عنها والبور والمنزرع وبيان مساحة كل جزء من هذا النوع وسماع شهود الطرفين بخصوص وضع اليد على هذه الأطيان أو على جزء منها وسببه ومدّته".
وقد باشر الخبراء تلك المأمورية وقدّموا تقريرهم ومحاضر أعمالهم لقلم الكتاب في يوم 25 من ديسمبر سنة 1928 وقد جاء في نتيجته ما ملخصه: أن الأرض موضوع النزاع بحسب وضعها طبيعياً إذا ما طرح مدلول دكريتو سنة 1901 جانباً تبين أنها لم تكن داخلة نطاق البحيرة. أما في حالة اعتبار الدكريتو والرسم الملحق به فإن أرض النزاع تعتبر حوضاً ملحقاً بالبحيرة. ويتضح من المستندات المقدّمة من سموّ المدّعى عليه والتي بمقتضاها آلت إليه ملكية 574 فداناً أن المساحة الواردة بها خارجة عن أرض النزاع إلا أنها داخلة ضمن المنطقة التي شملها الدكريتو المشار إليه، كما شمل 178 فداناً تصرفت فيها الحكومة سنة 1925 إلى صبحي غالي بك، وأن الـ 17 قيراطاً و16 سهماً المنزوع ملكيتها من اسم المدّعى عليه للمنفعة العامة لم تكن داخلة أرض النزاع، وأنها تدخل ضمن المنطقة التي شملها الدكريتو المذكور وضمن الأراضي الموضوع اليد عليها من المدّعى عليه. ودلت المعاينة على أن الأرض التي شملها دكريتو سنة 1901 بما فيها أرض النزاع لم تزل على حالتها الطبيعية لعدم وجود مشروع ري بها. ولذا بقيت قاحلة جرداء لا نبت فيها، فهي في مجموعها بور إلا القليل منها مغطى بالحشائش الطبيعية، والمنزرع منها على مياه الأمطار أجزاء يعلو منسوبها عن 1.90 متر الذي نص عليه الدكريتو، وكذلك التلول المرتفعة. وبمساحة كل جزء منها كانت النتيجة:

سهم قيراط فدان
.. .. 1900 مغمور بالمياه.
.. .. 10850 بور بما في ذلك الأجزاء التي تغمرها المياه وتنسحب عنها للصيد بفعل سموّ المدّعى عليه.
17 14 659 منزرع شعيراً على مياه الأمطار وتهيأ للزراعة.
17 14 13409  

ودلت شهادة شهود المدّعى عليه في مجموعها على أن سموّه وضع يده على أرض النزاع من تاريخ يرجع إلى سنة 1883.
وجاء أيضاً في خلاصة هذا التقرير ما يأتي: "يتضح أن رفع الحكومة لهذه الدعوى أساسه يرجع إلى اعتبار أرض النزاع من المنافع العامة بناء على دكريتو سنة 1901. فهي لذلك محرّم تملكها لأي كان على اعتبار أن الدكريتو تنفذ منذ صدوره. وبما أن سموّ المدّعى عليه يدلل على عدم تنفيذه بالأدلة المبينة بالوجه الرابع من النتيجة، يضاف إلى ذلك الجزء المنزوع ملكيته من أرض تلك المنطقة مع القدر المشروع في نزع ملكيته، فكل ذلك لاحق على صدور الدكريتو المذكور وعلى اعتبار قيام الدكريتو ونفاذه، فإن الأرض موضوع النزاع وبالتالي أرض المنطقة التي شملها الدكريتو المذكور تكون من المنافع العامة. ولا يصح لأي فرد تملكها، وعلى اعتبار أن الإجراءات المذكورة ونعني بها تصرف الحكومة بالبيع فهي معطلة للدكريتو لأنها جاءت لاحقة له مما يدل على وقف تنفيذه، وتكون لذلك أرض المنطقة من الأملاك الخاصة التي يصح للأفراد تملكها بوضع اليد".
وبعد تقديم هذا التقرير والمناقشة فيه حكمت المحكمة الابتدائية في 9 من مايو سنة 1933 حضورياً برفض الدعوى وألزمت المدّعية بالمصاريف.
استأنفت مديرية البحيرة هذا الحكم واستأنفت معه أيضاً الحكم التمهيدي الصادر في 3 من مارس سنة 1925 أمام محكمة استئناف مصر بصحيفة أعلنتها للطاعن في 30 من يوليه سنة 1933 وقيدتها تحت رقم 967 سنة 50 قضائية بانية هذا الاستئناف على الأسباب التي دوّنتها في تلك الصحيفة وفي المذكرات المقدّمة منها، وطلبت الحكم بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع إلغاء الحكمين التمهيدي والموضوعي بكافة أجزائهما والقضاء أصلياً بطلباتهما الموضحة في صحيفة افتتاح الدعوى الابتدائية مع إلزام الطاعن بالمصاريف وأتعاب المحاماة عن الدرجتين، واحتياطياً الحكم تمهيدياً بانتقال المحكمة أو أحد أعضائها مصحوباً بخبير إذا اقتضت الحال لمعاينة الأرض موضوع الدعوى والتحقق من حالتها في الطبيعة مع إبقاء الفصل في الموضوع وفي المصاريف إلى ما بعد المعاينة.
وبعد أن حضرت الدعوى أحيلت إلى المرافعة لجلسة 14 من يناير سنة 1935 وفيها سمعت المحكمة أقوال وطلبات الطرفين، ثم أجل النطق بالحكم أخيراً لجلسة 12 من فبراير سنة 1935 وبتلك الجلسة قرّرت المحكمة فتح باب المرافعة لمناقشة الخبراء الذين عينتهم محكمة أوّل درجة ومناقشة الطرفين أيضاً في مستنداتهما وحدّدت لذلك جلسة 25 من مارس سنة 1935 وفيها حضر خبيران فقط وتبين أن ثالثهما توفى، فناقشت المحكمة الخبيرين الحاضرين بما هو مبين بمحضر الجلسة، ثم أجلت الدعوى ليوم 23 من إبريل سنة 1935 للحكم. وفي تلك الجلسة قرّرت المحكمة الانتقال إلى محل النزاع مصحوبة بالخبير المهندس حسن فؤاد أفندي لمعاينة الأرض موضوع النزاع والمنشئات التي أحدثها بها الطاعن وتكليف ذلك الخبير بما تراه لازماً لتنوير الدعوى وجعلها صالحة للحكم، وحدّدت للانتقال يوم 23 من مايو سنة 1935. بعد هذا قدّم وكيل الطاعن للمحكمة طلباً باستبدال الخبير حسن فؤاد أفندي لأنه موظف بالمساحة، فأشر على هذا الطلب بنظره في جلسة 7 من مايو سنة 1935 وفي تلك الجلسة قرّرت المحكمة تعيين محمد زكي بك المهندس الخبير بدلاً من حسن فؤاد أفندي المذكور، وأجل موعد الانتقال إلى يوم 29 من مايو سنة 1935. وفي ذلك اليوم تم الانتقال وأثبت في محضر جاء فيه أن المحكمة شاهدت بعض أكشاك مبنية بالطوب والبعض الآخر بالخشب يجاورها خيوش لأعراب ومصلى من الخشب، وأنه يفصل بين منطقة النزاع ومنطقة البحيرة حسب الخرط جسر مرتفع من الأرض المجاورة له من الجهتين بنحو نصف متر بعرض حوالي ثلاثة أمتار يصل إلى تل القصر وهو تل مرتفع أنشئت عليه استراحة لسموّ الأمير حولها بعض أكشاك بالطوب والخشب وشوهد خليج الرفاص وآثار لزراعة شعير محصود لم يزل بعضه بالجرن تحت الدراس والبعض الآخر قائماً وبعض نخيل مغروس في الطريق وصهريج كبير تحفظ فيه مياه الأمطار مستعمل وعدّة طرق تتخلل أرض النزاع في اتجاهات مختلفة أكثرها صالح لمرور السيارات. وهذا كل ما وجد من معالم وضع اليد في المنطقة التي اجتازتها المحكمة. أما الأراضي الغير المنزوعة فنابت بها بعض حشائش كالطرفة والخريزة ولوحظ بها بعض مرتفعات ولا طريق بها سوى مياه الأمطار. كما لم يشاهد أن المياه تغمر شيئاً من أرض النزاع في المنطقة التي مرت بها. ولوحظ أن منطقة البحيرة المفصولة عنها بالجسر السالف ذكره والمتصلة بهذا الجسر ليست مغمورة بالمياه أيضاً إلى مسافة بعيدة، ولكن لوحظ أن منسوبها أوطى من منسوب أرض النزاع. ثم عهدت المحكمة إلى الخبير محمد زكي بك الذي كان معها بما يأتي:
(أوّلاً) البحث فيما إذا كانت منطقة النزاع متصلة بالبحيرة الآن بواسطة فتحات طبيعية أو صناعية أو منفصلة عنها تماماً بواسطة الجسر السابق ذكره، وما تاريخ إنشاء هذا الجسر.
(ثانياً) بيان معالم وضع اليد الموجودة الآن بالطبيعة بدقة ومساحة الأراضي المزروعة والبحث فيما إذا كانت تزرع باستمرار أو في أوقات متفرّقة ومبدأ زراعتها ومساحة الأراضي القائمة عليها أبنية وملحقاتها وتاريخ إنشائها وبيان الطرق والمصارف التي أنشأها سموّ الأمير ومسطحاتها وتاريخ إنشائها والغرض من إنشائها سواء كان للزراعة أو الصيد أو لغير ذلك وتقدير تكاليف هذه المنشئات جميعها بالتقريب، على أن يشمل هذا التقدير قيمة الرفاصات التي أعدّها سموّه للانتقال إلى منطقة النزاع.
(ثالثاً) بيان منسوب الأراضي المزروعة والأراضي القائمة عليها المباني ومنسوب الأملاك التي باعتها الحكومة للأفراد والتي يتمسك بها سموّ المستأنف عليه في منطقة دكريتو سنة 1901 أو خارج هذه المنطقة من جهة البحيرة أو التي يملكها الأفراد بوضع اليد أو بأحكام في هاتين المنطقتين. وما إذا كانت هذه المناسيب جميعها أعلى أو أوطى من المنسوب المحدّد بدكريتو سنة 1901.
(رابعاً) إيضاح الغرض الفني من إنشاء منطقة دكريتو سنة 1901 وهل أدّى إنشاؤه إلى هذا الغرض ولم يزل يؤدّيه إلى الآن. وإذا كان لم يؤدّ الغرض المقصود منه أو أدّاه إلى تاريخ معين ثم بطل فما هو السبب في عدم تحقق الغرض وما تاريخ ذلك الانقطاع.
(خامساً) البحث فيما إذا كانت الأراضي التي لا تغمرها المياه من منطقة النزاع تظل كما هي الآن في كل فصول السنة أو تغمرها المياه في بعض الفصول الأخرى.
(سادساً) عمل رسم تفصيلي يبين جميع ما تقدّم من المقاسات والمناسيب. وصرحت المحكمة لحضرة الخبير بالاطلاع على مستندات الطرفين وسماع ملاحظاتهما وشهودهما بدون حلف يمين والاطلاع على ما يطلب كل من الطرفين الاطلاع عليه لتنوير الدعوى إذا وجد أن الطلب في محله وإجراء ما يراه هو لازماً لوصوله لهذا الغرض.
وقد قام الخبير بأداء هذه المأمورية وقدم تقريره بتاريخ 24 من فبراير سنة 1938 بقلم الكتاب مرفقاً به محاضر الأعمال ورسم تفصيلي.
وقد جاء في نتيجة ذلك التقرير ما يأتي:
(أوّلاً) إن مياه بحيرة مريوط أوطى الآن من أرض منطقة النزاع بسبب تخفيض منسوب البحيرة بواسطة طلمبات المكس المركبة على البحر الأبيض المتوسط وإحاطة منطقة النزاع من جميع جهاتها بجسر ثبت وجود جزء منه على خريطة سنة 1889. ولذلك فمياه البحيرة لا تدخل أرض النزاع إلا من الفتحة الطبيعية المنخفضة وهي باب المحار والفتحة الصناعية وهي خليج الرفاص، ولا توجد فتحات طبيعية أو صناعية الآن تصل مياه البحيرة إلى منطقة النزاع خلاف هاتين الفتحتين.
(ثانياً) معالم وضع يد سموّ المستأنف ضدّه هي عبارة عن الطرق والمصارف الكثيرة التي تتخلل عموم منطقة النزاع والمباني والأكشاك الخشبية المنتشرة في عموم المنطقة، وبناء صهريجين للمياه وزراعة بعض الأراضي على الأمطار لعدم وجود مشروعات ري في هذه الجهة وزراعة جزء بسيط منها على الماكينات والسواقي من مياه المصرف العمومي، وإيجاد وسائل النقل المائية والبرية واستمرار العمل على الدوام، وهي أعمال كثيرة مبينة بالتفصيل في محاضر الأعمال وعلى الخريطة المرافقة.
وتبلغ مساحة الأراضي المزروعة من منطقة النزاع 1244 فداناً و11 قيراطاً و12 سهماً في نقطة متفرّقة ملوّنة باللون الأخضر على الخريطة المرافقة. من ذلك 1204 فدادين و11 قيراطاً و12 سهماً يزرع شعيراً في فصل الشتاء على مياه الأمطار لعدم وجود مشروعات ري في هذه المنطقة والباقي وقدره حوالي أربعين فداناً يزرع في كل فصول السنة لأنه يروى رياً صناعياً من مياه مصرف العموم بواسطة الماكينات والسواقي. ويبلغ طول الطرق والمصارف التي عملت بمنطقة النزاع حوالي 87 كيلو متراً وتشغل مساحة تقرب من 91.5 فداناً.
وتشغل المباني المقامة مساحة قدرها 1950 متراً مربعاً خلاف حرمها، أما تاريخ عمل هذه المنشآت فقد ثبت من الاطلاع على الخرائط ومن شهادة الشهود أنها عملت بالتدريج من قبل سنة 1889 حيث ظهر منها الجسر البحري وخليج الرفاص وثكنات تل القصر على الخريطة التي عملت في تلك السنة وصارت تزيد بالتدريج حتى ظهرت كلها سنة 1915. وهذه الأعمال بطبيعتها ونوعها لا تعمل في وقت واحد بل تعمل بالتدريج لأنها أعمال كثيرة تحتاج وقتاً طويلاً وأموالاً كثيرة.
وتكاليف هذه المنشآت جميعها بلغت 12150 جنيهاً بوجه التقريب حسب التفصيل الوارد في المقايستين المرافقتين لهذا التقرير. والغرض من عمل هذه المنشآت هو الصيد والتملك بوضع اليد. على أن نية التملك بوضع اليد هي السبب الحقيقي في عمل هذه المنشآت.
(ثالثاً) مبين بمحاضر الأعمال وبهذا التقرير وبالخريطة المرافقة مناسيب جميع الأراضي التي طلبت المحكمة عمل مناسيب عنها وكلها أوطى من المنسوب المقرّر في دكريتو سنة 1901 ما عدا منسوب أغلب الأراضي المزروعة لأنها في أجزاء مرتفعة. كذا توضح منسوب المباني الواقعة فوق التلال المرتفعة.
(رابعاً) كان الغرض الفني من دكريتو سنة 1901 هو إنشاء منطقة منسوبها من 2.30 متر إلى 1.90 متر تحت سطح البحر الأبيض المتوسط تكون خزاناً لمياه صرف مديرية البحيرة ومياه الأمطار الكثيرة الوقوع في تلك الجهة ولكن هذا الغرض لم يتحقق لأن الحكومة في سنة 1892 ركبت طلمبات بجهة المكس لرفع مياه الصرف من بحيرة مريوط إلى البحر الأبيض المتوسط وبسبب استمرار رفع المياه بواسطة الطلمبات المذكورة ظل منسوب مياه البحيرة ثابتاً لغاية سنة 1913 لم يعل المنسوب المقرّر بدكريتو سنة 1901.
وفي سنة 1914 ركبت الحكومة طلمبات أخرى حتى صارت مياه البحيرة بمنسوب متوسط قدره 3.20 متراً في وسط البحيرة أي أوطى من غالبية مناسيب أرض النزاع ومن المنسوب المقرّر بدكريتو سنة 1901 بنحو المتر.
(خامساً) أرض النزاع جافة لا تغمرها المياه ومستعدّة للزراعة إذا عملت بها مشروعات الري والصرف. وهناك بعض أراض منحطة تتراكم فيها مياه الأمطار الكثيرة الوقوع في تلك الجهة في فصل الشتاء وتصرف هذه المياه في مصارف الحكومة المارة في وسط هذه المنطقة.
(سادساً) قد عملت خريطة تفصيلية مرافقة لهذا التقرير بينت عليها المقاسات والمناسيب ومعالم وضع اليد والأراضي المزروعة وما تملكه الأفراد وغير ذلك مما طلبته المحكمة.
وبعد أن سمعت محكمة الاستئناف الطلبات الختامية لطرفي الخصومة في جلسة 4 من إبريل سنة 1939 أجل النطق بالحكم لجلسة 30 من مايو سنة 1939 مع التصريح بتقديم مذكرات. ثم لجلسة 13 من يونيه سنة 1939 وفيها صدر بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وتثبيت ملكية الحكومة إلى 13411 فداناً المبينة الحدود والمواقع بإعلان الدعوى، وألزمت المستأنف عليه (سموّ الأمير عمر طوسون) بتسليمها خالية في مدّة ستة شهور من تاريخ إعلانه بهذا الحكم وإلا فللحكومة إجراء ذلك بمصاريف ترجع بها عليه وألزمته أيضاً بالمصاريف عن الدرجتين مبلغ خمسين جنيهاً مقابل أتعاب محاماة لها عنهما.
أعلن هذا الحكم للطاعن في 30 من سبتمبر سنة 1939 فطعن فيه وكيله بطريق النقض في 29 من أكتوبر سنة 1939 بتقرير أعلن للمطعون ضدّها في أوّل نوفمبر سنة 1939 إلخ.


المحكمة

وبما أن مبنى الطعن أوجه ثلاثة: أرجع الطاعن أوّلها إلى وقوع خطأ من المحكمة في تأويل وتطبيق القانون، وأرجع الثاني إلى...... إلخ.
وفي بيان الوجه الأوّل يقول الطاعن إن خطأ الحكم في تأويل القانون وتطبيقه بدا في ثلاث نواح:
الناحية الأولى - أنه لم يوفق إلى فهم وتطبيق الأمر العالي الصادر في 3 من أغسطس سنة 1901 إذ رأى أن معناه جعل حدّ يحيط بالأرض المراد اعتبارها حوضاً لبحيرة مريوط، وأن ما كان داخلاً في نطاق ذلك الحدّ يعتبر أملاكاً عامة مع أن الغرض الذي صدر من أجله هذا الأمر العالي - على ما يفهم من نصوصه - إنما هو نزع ملكية أراض بالمنسوب المطلوب لتكون خزاناً تنصب فيه مياه الصرف والأمطار.
الناحية الثانية - أخطأ الحكم أيضاً في اعتبار أرض النزاع جزءاً من بحيرة مريوط أي من المنافع العامة التي تنطبق عليها الفقرة الأخيرة من المادة التاسعة من القانون المدني في حين أن الحكومة تسلم في صحيفة افتتاح الدعوى بأن تلك الأرض مملوكة لها شرعاً بمقتضى المادة 57 من ذلك القانون أي أنها من أملاكها الخاصة، وقد كانت إجراءاتها بشأنها كلها مؤيدة لهذا النظر.
الناحية الثالثة - لقد أثبت انتقال محكمة الاستئناف كما أثبت تقرير الخبير محمد زكي بك إلى أرض النزاع أنها لا تتصل ببحيرة مريوط، فمن الخطأ إذن أن يطبق الحكم بشأنها الفقرة الرابعة من المادة التاسعة من القانون المدني. لا سيما وأن بحيرة مريوط نفسها لا تدخل في عداد البرك والمستنقعات المستملحة لأنها ليست متصلة بالبحر مباشرة ولا هي في عداد البحيرات المملوكة للحكومة وما كانت قط بحيرة بحسب التعريف العلمي أو القانوني.
وبما أن ما عابه الطاعن على الحكم المطعون فيه في الوجه الأوّل من تقرير الطعن بفروعه الثلاثة من خطأ في تطبيق القانون وإرجاعه ذلك بصفة خاصة إلى انحراف المحكمة في فهم دكريتو 3 من أغسطس سنة 1901 - هذا العيب ينصرف إلى الفقرات الآتية من الحكم:
"وحيث إنه يبين من استعراض وقائع الدعوى وما تم بها من إجراءات وما قرّره الخبراء الذين ندبوا فيها ومن مراجعة مستندات الطرفين والخرائط المودعة وما قدّمه كل طرف من مذكرات لتأييد وجهة نظره أن أرض النزاع هي جزء من بحيرة مريوط المخصصة بهذه الصفة للمنفعة العامة وذلك باعتبارها من مجرى البحيرة الأصلي أو من الأجزاء التي ألحقت بهذا المجرى بمقتضى دكريتو سنة 1901".
"وحيث إن مجرى البحيرة هو من المنافع العامة بمقتضى الفقرة الرابعة من المادة التاسعة من القانون المدني ونصها: "رابعاً... والبرك والمستنقعات المستملحة المتصلة بالبحيرة مباشرة وبالبحيرات المملوكة للميري". وقد خصصت الحكومة هذه البحيرة بالفعل لمنفعة عمومية بأن جعلتها محطة لصرف مياه مديرية البحيرة ومياه الأمطار إذ فيها تصب جميع مياه الصرف، وعلى الأخص مياه مصرفي العموم والدشورى، فهي على هذا الاعتبار من المنافع العامة بحكم الفقرة الأخيرة من المادة التاسعة سالفة الذكر التي جاء فيها: "وعلى وجه العموم كافة الأموال الميرية المنقولة أو الثابتة المخصصة لمنفعة عمومية بالفعل أو بمقتضى قانون أو أمر".
"وحيث إنه نظراً لأن مياه هذه البحيرة كانت تفيض وتطغى على الأراضي الزراعية المجاورة لها رأت الحكومة تخفيفاً لمنسوب المياه فيها وتخفيفاً للضغط الواقع عليها من مياه الصرف والأمطار أن تكلف إحدى الشركات بإقامة طلمبات بجهة المكس في نهاية مصرف العموم لسحب المياه منها وصبها في البحر الأبيض المتوسط، وأخذت هذه الطلمبات في العمل من سنة 1891 إلا أنه على إثر التوسع في الزراعة في مديرية البحيرة وتكاثر مياه الصرف والأمطار كان يعلو منسوب مياه البحيرة في بعض السنوات في فصل الشتاء وفي أثناء الفيضان، وكان يترتب على ذلك رفع دعاوى على الحكومة من أصحاب الأراضي المجاورة لها بطلب تعويض عما تلف من زراعتهم، فرأت الحكومة دفعاً للطوارئ وإخلاء لكل مسئولية أن تنشئ حرماً للبحيرة فأصدرت تحقيقاً لهذا الغرض أمراً عالياً في 3 أغسطس سنة 1901 بنزع ملكية الأراضي الواطئة المتاخمة لمجرى البحيرة. وبصدور هذا الأمر تأيد تخصيص البحيرة الفعلي لمنفعة عامة بنص قانوني، إذ ورد صراحة في الأمر العالي المشار إليه أن الغرض منه إيجاد طريق عمومي لمياه الصرف والأمطار. فقد جاء في المادة الأولى منه ما نصه "تنزع للمنفعة العمومية ملكية جميع الأراضي المتاخمة لبحيرة مريوط التي تكون أوطأ من سطح البحر المتوسط بأكثر من 1.90 متراً بحسب مقياس الملاحة، وذلك ما خلا الأراضي المعروفة بأملاك القبارى. والغرض من نزع ملكية الأراضي المذكورة إنما هو جعل الأراضي الواطئة التي هي أحط من ذلك المنسوب خزاناً تنصب فيه مياه الصرف والأمطار". وقد تنفذ هذا الأمر طبقاً للإجراءات المتبعة وذلك بوضع حدائد على الأجزاء التي دخلت في الخزان الملحق بالبحيرة المذكورة بفصل هذه المساحة عن باقي الأراضي المملوكة للأهالي أو للحكومة. ومن ثم أصبحت مساحة البحيرة محصورة داخل النطاق الذي أنشئ من الأراضي المنخفضة المتاخمة لها الموضحة على الرسم المرفق بالأمر العالي المشار إليه وتعتبر جميعها بما فيها المساحة المتنازع عليها من الأملاك العامة (بحيرة مريوط). ويؤيد ذلك ما دلت عليه المعاينة التي عملت بمعرفة هيئة محكمة الاستئناف والتي أجريت بمعرفة الخبراء من أن نحو سدس المساحة المذكورة مغمورة بمياه البحيرة، وأن الباقي المنسحبة عنه المياه يماثل في طبيعته ومعدنه ومنسوبه لقاع البحيرة وبه حشائش وأصداف من نوع وصنف الحشائش والأصداف الموجودة بها".
"وحيث إنه مما يؤيد ذلك أيضاً ما جاء في عقود تمليك سموّ المستأنف عليه بعض أراض كائنة في منطقة النزاع من أن الحدّ القبلي بحيرة مريوط وكذلك ورد هذا الحدّ في بعض العقود الصادرة عمن تلقى سموّه عنهم حق الملكية".
هذا هو ما ذكرته محكمة الاستئناف وكان مثار ما أخذه عليها الطاعن في الوجه الأوّل من طعنه.
وبما أن ما اعتمدت عليه محكمة ثاني درجة في التدليل على أن أرض النزاع جزء من بحيرة مريوط تسري عليه أحكام الأملاك العامة يرجع إلى تحصيل فهمها للواقع في الدعوى ثم إلى توكيدها هذا الفهم بما استخلصته من دكريتو 3 من أغسطس سنة 1901 ومذكرته التفسيرية وقد كان تحصيلها لما فهمته في الدعوى متسقاً مع الوقائع التي استعرضتها ومع المستندات التي أشارت إليها ولا ثلمة فيه تبرر تدخل محكمة النقض من طريق إثبات الحكم مصدراً وهمياً لأية واقعة استخلصها أو مصدراً يتناقض أو لا يؤدّي عقلاً لما استخلص منه، وهو الطريق الوحيد الذي حصر فيه قضاء هذه المحكمة وسيلة التعرض لفهم محكمة الموضوع الواقع في الدعوى.
أما ما ذهب إليه الحكم بشأن منحى دكريتو 3 من أغسطس سنة 1901 ومذكرته التفسيرية فقد كان على ما سبق ذكره توكيداً لفهم الواقع، وقد حصلت المحكمة موضوعياً أيضاً بشأنه أنه قد نفذ فعلاً بوضع الحدائد تعييناً للمنطقة التي ألحقها بالبحيرة، ثم إنه في الحق قد كان منحى الحكم هو المنحى السليم والمعنى المتبادر من عبارة الدكريتو ومن البيان الوارد في مذكرته تعليلاً لاستصداره، فإن كل ذلك يقطع بأن غرض المشرع كان أن تكون منطقة البحيرة هي وما تاخمها من أراض عينت في الرسم المرافق للدكريتو - أن تكون جميعاً خزاناً تنصب فيه مياه الصرف ومياه الأمطار أي جعلها ملكاً عاماً. ومع هذا الجلاء في بيان غرض الشارع ليس هناك أي مسوّغ لما أثاره الدفاع عن الطاعن من تخريجات وتأويل ابتغاء حمل الغرض الذي قصد إليه الشارع محملاً آخر وهو جعل الأرض المنزوعة ملكيتها وحدها دون البحيرة خزاناً للمياه وعدم إلحاقها بحال بمجرى البحيرة، وما أثاره من عدم تنفيذ الدكريتو بالنسبة لها إذ المحكمة قد أثبتت واقعياً أنه نفذ.
كذلك لا يلتفت لما استمسك به الدفاع عن الطاعن بأن الحكومة كانت تستند في صحيفة افتتاح الدعوى إلى المادة 57 من القانون المدني، وأن مفاد هذا أنها تقول بأن أرض النزاع من أملاكها الخاصة - لا يلتفت لهذا القول فإن الحكومة قد ظلت من أوّل خطوات الدعوى مستمسكة بأن أرض النزاع كانت دائماً ولا سيما بعد صدور دكريتو سنة 1901 مستعملة لمنفعة عامة وهي تخزين مياه الصرف والمطر أسوة بمجرى البحيرة الذي التحقت به. وقد ورد فعلاً في نفس صحيفة الدعوى إشارة إلى هذا المعنى كما أن محكمة الاستئناف قد فصلت موضوعياً على ما سبق ذكره بترجيح استدلالات الحكومة على خصمها في صفة الملكية العامة لأرض النزاع.
أما ما ذكره الدفاع عن استملاح بحيرة مريوط أو عدم استملاحها واتصالها أو عدم اتصال بالبحر فقول منقوض بصريح نص الفقرة الرابعة من المادة التاسعة من القانون المدني التي لا تدع أي شك في أن تلك البحيرة من الأملاك العامة.