مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثالث (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1939 لغاية 29 أكتوبر سنة 1942) - صـ 239

جلسة 6 يونيه سنة 1940

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد فهمي حسين بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

(67)
القضية رقم 23 سنة 10 القضائية

تقادم. دين. كفيل متضامن. مطالبة المدين وحده واستصدار حكم عليه بالدين. لا تأثير لذلك في مدّة التقادم بالنسبة للكفيل المتضامن. (المواد 110 و208 و495 مدني)
إن مطالبة المدين واستصدار حكم عليه بالدين لا تغير مدّة التقادم بالنسبة للكفيل المتضامن إذا كان لم يطالب ولم يحكم عليه معه.


الوقائع

تتلخص وقائع هذه الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه والحكم الابتدائي وسائر الأوراق والمستندات المقدّمة لهذه المحكمة وكانت من قبل تحت نظر محكمة الاستئناف - في أنه بمقتضى عقد إيجار مؤرّخ في 21 من نوفمبر سنة 1927 استأجر كامل رشدي أفندي بضمانة وتضامن المرحوم السيد أحمد سرحان مورّث المطعون ضدّهم من مصلحة الأملاك الأميرية 18 فداناً و23 قيراطاً و9 أسهم من أطيان وقف دار الكتب بناحية دفرة مركز طنطا لمدّة ثلاث سنوات ابتداء من أوّل نوفمبر سنة 1927 لغاية آخر أكتوبر سنة 1930 بإيجار سنوي مقداره 284 جنيهاً و609 مليمات.
تأخر كامل رشدي أفندي المستأجر في سداد مبلغ 125 جنيهاً و939 مليماً من إيجار سنة 1928 فرفعت عليه مصلحة الأملاك الأميرية الدعوى رقم 1445 سنة 1929 أمام محكمة مركز طنطا الجزئية طالبة الحكم بإلزامه بأن يدفع لها ذلك المبلغ مع فوائده بواقع 5% سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية مع ما يستجد من الإيجار لغاية السداد والمصاريف والأتعاب وتثبيت الحجز والنفاذ. فقضت تلك المحكمة بتاريخ 23 من مايو سنة 1929 لمصلحة الأملاك بطلباتها.
وقد بلغت قيمة الإيجار المحكوم به لغاية آخر سنة 1930 بمقتضى ذلك الحكم مبلغ 690 جنيهاً و157 مليماً حصلت منه الطاعنة مبلغ 293 جنيهاً و340 مليماً وأصبح الباقي لها من الإيجار مبلغ 396 جنيهاً و817 مليماً.
وبتاريخ 24 من نوفمبر سنة 1934 رفعت الطاعنة الدعوى رقم 44 سنة 1934 كلي لدى محكمة طنطا الابتدائية الأهلية ضدّ مورّث المطعون ضدّهم بصفته ضامناً متضامناً لكامل رشدي أفندي المستأجر طالبة الحكم بإلزامه بأن يدفع لها مبلغ الـ 396 جنيهاً و817 مليماً قيمة الباقي من الإيجار المحكوم به ضدّ المستأجر لغاية سنة 1930 في القضية رقم 1445 سنة 1929، وكذا مبلغ 12 جنيهاً و396 مليماً قيمة الغرامة المستحقة على ذلك المستأجر لمخالفته شروط الإجارة لزراعته قطناً أكثر من الثلث مع فوائد هذين المبلغين بواقع 5% سنوياً ابتداء من المطالبة الرسمية لغاية السداد. فقضت تلك المحكمة بتاريخ 21 من يناير سنة 1935 غيابياً بإلزام السيد أحمد سرحان أفندي مورّث المطعون ضدّهم بأن يدفع لمصلحة الأملاك تلك المبالغ مع فوائدها 5% من تاريخ رفع الدعوى لحين السداد والمصاريف و200 قرش مقابل أتعاب المحاماة وشملت الحكم بالنفاذ بلا كفالة. وبتاريخ 15 من إبريل سنة 1935 قامت الطاعنة بإعلان هذا الحكم إلى السيد أحمد سرحان فاتضح أنه توفى. ثم أوقعت بتاريخ 18 من أغسطس سنة 1935 حجزاً تنفيذياً على ورثته وهم المطعون ضدّهم. وبتاريخ 19 من أغسطس سنة 1935 عارض هؤلاء الورثة في ذلك الحكم الغيابي الصادر ضدّ مورّثهم، ودفعوا بسقوطه لعدم تنفيذه في خلال الستة الشهور فتنازلت الطاعنة عن التمسك به، فقضت محكمة طنطا بتاريخ 30 من نوفمبر سنة 1935 بإثبات تنازل المعارض ضدّها (الطاعنة) عن الحكم الغيابي المعارض فيه وألزمتها بمصاريف المعارضة وبمائة قرش أتعاب محاماة للمعارضين. بعد ذلك رفعت الطاعنة على المطعون ضدّهم الدعوى الحالية أمام محكمة طنطا الابتدائية وقيدتها في الجدول برقم 62 سنة 1937 كلي، وطلبت في صحيفتها المعلنة بتاريخ 3 من ديسمبر سنة 1936 الحكم بإلزامهم بصفتهم ورثة الضامن المتضامن بأن يدفعوا لها من تركة مورّثهم مبلغ 396 جنيهاً و817 مليماً قيمة الباقي من الإيجار ومبلغ 12 جنيهاً و396 مليماً قيمة الشرط الجزائي والفوائد 5% من تاريخ رفع الدعوى للسداد والمصاريف والأتعاب. فدفع المطعون ضدّهم بسقوط حق الطاعنة في رفع هذه الدعوى لمضي أكثر من خمس سنوات هلالية تبدأ من أوّل أكتوبر سنة 1930 وهو تاريخ آخر قسط من الإيجار. وبتاريخ 20 من مارس سنة 1937 قضت تلك المحكمة حضورياً بقبول الدفع وسقوط حق الطاعنة في المطالبة بمتأخر الإيجار المرفوع به الدعوى لمضي المدّة مع رفض دعواها وإلزامها بالمصاريف و100 قرش مقابل أتعاب المحاماة.
استأنفت الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة استئناف مصر الأهلية بصحيفة أعلنتها في 15 من فبراير سنة 1938 وقيدت برقم 283 سنة 55 قضائية، وطلبت للأسباب الواردة بها الحكم بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدفع والحكم بما طلبته أمام محكمة أوّل درجة مع إلزام المطعون ضدّهم بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين.
وبعد أن نظرت تلك المحكمة الدعوى قضت حضورياً بتاريخ 20 من ديسمبر سنة 1939 بقبول الاستئناف شكلاً ورفضه موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف وإلزام الطاعنة بالمصاريف و300 قرش أتعاب محاماة للمطعون ضدّهم.
أعلن هذا الحكم إلى الطاعنة في 5 من مارس سنة 1940 فطعنت فيه بطريق النقض في 4 من إبريل سنة 1940 بتقرير أعلن إلى المطعون ضدّهم في 11 من ذلك الشهر إلخ.


المحكمة

وبما أن وجه الطعن المقدّم قد بني على أن محكمة الاستئناف خالفت القانون فيما قضت به من سقوط حق مصلحة الأملاك في مطالبة المطعون ضدّهم بما التزم به مورّثهم من ضمان كامل رشدي أفندي المستأجر لأطيانها ضماناً بالتضامن استناداً إلى مضي أكثر من خمس سنوات هلالية منذ حلول آخر قسط من أقساط الإيجار في أوّل أكتوبر سنة 1930 لغاية تاريخ رفع الدعوى على المورّث في 3 من ديسمبر سنة 1936. وتقول الطاعنة إن وجه المخالفة أن المدّة المسقطة للدين قبل المدين الأصلي وهو المستأجر قد أصبحت خمس عشرة سنة بصدور حكم في 23 مايو سنة 1939 ألزمه بالدين، وهذا الحكم يمتد أثره في التقادم المسقط إلى مورّث المطعون ضدّهم باعتباره ضامناً متضامناً مع المستأجر في التزاماته، شأنه في ذلك كشأن المدين المتضامن لارتباط كل منهما بوحدة الالتزام ولما هو ملحوظ من وجود نيابة تبادلية في علاقة المتضامنين، مدينين أو كفلاء، حتى أن أعذار أحدهم تسري على الباقين بما في ذلك تولد الحق في التعويض والمسئولية عن الهلاك، وأن المطالبة القضائية الموجهة إلى أحد المتضامنين تعتبر مطالبة للباقين وتتولد بالنسبة لهم جميع آثارها بما في ذلك قطع سريان مدّة التقادم واستحقاق الفوائد. وهذا الحكم إنما استمدّ من التضامن نفسه، فلا يتغير أثره بالنسبة للكفيل التضامن فهو والمدين المتضامن في هذا الشأن سواء. فذهاب الحكم المطعون فيه إلى رأي يخالف هذا النظر، وتقريره أن الحق في مطالبة الكفيل المتضامن قد سقط بمضي خمس سنين هو خطأ في القانون يوجب نقض الحكم.
وبما أن نظر محكمة الاستئناف في هذا البحث قد تركز فيما أوردته بجلاء في الفقرات الآتية:
"وحيث إن ما ذهبت إليه المستأنفة (الطاعنة) من أن تبعية عقد الكفالة يجعلها تتأثر بما يطرأ على العقد الأصلي من التغييرات وهو عقد الإيجار فمتى تحوّل دين الإيجار المكفول إلى دين عادي يتحوّل التزام الكفيل إلى التزام عادي أيضاً يسقط بمضي خمس عشرة سنة، قول لا تسوغه طبيعة الالتزام الناشئ عن الكفالة. فالكفيل ما هو إلا وكيل عن المكفول في سداد الدين فقط، ولا يصح أن يضار بإهمال الدائن أو بفعل المدين. بدليل ما أورده الشارع في نص المادة 207 مدني من أنه إذا ترك أحد المدينين المتضامنين أو المدين الأصلي حقه في التمسك بمضي المدّة الموجبة لتخلصه من الدين فلا يضر ذلك بباقي المدينين المتضامنين وبالكفيل الذين تخلصوا من التزاماتهم بمضي المدّة. فكما أن الكفيل لا يتأثر مركزه القانوني بفعل المدين كذلك لا تؤثر عليه تصرفات الدائن مع المدين وهو بعيد عنه، وأن الكفيل عندما قبل الكفالة التزم بتعهدات قبل الدائن فيما إذا طولب في أثناء مدّة معينة، وتسقط كفالته إذا انقضت هذه المدّة دون هذه المطالبة".
"وحيث إن ما استنتجته المستأنفة وما أوردته في مذكرتها من نص المادة 110 من القانون المدني عن مركز الضامن المتضامن بالنسبة للدائن هو كمركز المدين المتضامن، وأن الحكم الذي يصدر ضدّ المستأجر يسري على الضامن المتضامن معه وهو مورّث المستأنف عليهم ويقطع المدّة بالنسبة لهم ويحوّل الدين من دين إيجار إلى دين عادي لا يسقط إلا بمضي خمس عشرة سنة، وبذا يكون الحكم الصادر ضدّ المستأجر حائزاً لقوّة الشيء المحكوم به - هو بحث تناوله الشراح وأحكام المحاكم".
"وحيث إن الشراح والمحاكم الفرنسية اختلفوا كثيراً فيما إذا كان الحكم الصادر ضدّ المدين دون الضامن المتضامن يمكن الاحتجاج به والتمسك به ضدّ الضامن المتضامن الذي لم يدخل في الدعوى باعتباره حائزاً لقوة الشيء المحكوم به. والرأي السائد أن الضامن المتضامن لم يوكل المدين المحكوم ضدّه في الحضور عنه في الدعوى وتمثيله فعلى هذا الاعتبار ينتفع الضامن المتضامن بالحكم الذي يصدر لصالح المدين الأصلي المتضامن معه ولو لم يدخل في الدعوى، وأنه بالعكس إذا صدر حكم ضدّه فلا يعتبر حجة عليه إذا لم يشترك في التقاضي مع المدين (راجع دالوز جزء ثان صفحة 577 بند 185 و187). كما أن المادة 158 من القانون المدني نصت صراحة على أن المدينين المتضامنين لا يمثلون بعضاً إلا في وفاء الديون، ومن ثم فلا يمثلون بعضاً في الدعاوى التي ترفع على أحدهم أمام المحاكم. وعلى ذلك لا يكتسب الحكم الصادر ضدّ المستأنفة قوّة الشيء المحكوم به ضدّ الضامن المتضامن (المستأنف عليهم). وقد قضت بذلك محكمة الاستئناف المختلطة بحكمها الصادر في 28 من ديسمبر سنة 1914 (راجع والتون جزء ثان صحيفة 422)".
"وحيث إنه ما دام أن الحكم الصادر ضدّ المستأجر بتاريخ 23 من مايو سنة 1929 لا يكتسب قوّة الشيء المحكوم فيه قبل الضامن المتضامن (المستأنف عليهم) فلا يترتب عليه أن لا يسقط إلا بمضي خمس عشرة سنة بل يكون من حق الضامن المتضامن (المستأنف عليهم) التمسك بسقوط الحق في مطالبته بمضي خمس سنوات ابتداء من تاريخ مبدأ استحقاق الإيجار".
"وحيث إنه تبين من الاطلاع على ملف القضية أن آخر ميعاد استحقاق أقساط عقد الإيجار هو 2 من أكتوبر سنة 1930 ولم ترفع المستأنفة دعوى بمطالبة ورثة الضامن المستأنف عليهم إلا في 3 من ديسمبر سنة 1936 وبذا يكون حق المستأنفة في المطالبة سقط بمضي خمس سنوات هلالية".
هذا ما اعتمد عليه الحكم المطعون فيه تأييداً للرأي القائل بامتداد أثر الحكم بالدين على المدين إلى كفيله المتضامن فيما يتعلق بمدّة التقادم.
وبما أن هذه المحكمة ترى من تفرقة القانون في كثير من الأحوال بين مركز المدين المتضامن ومركز الكفيل المتضامن، ومن قصر حكم المادة 110 مدني على المدينين المتضامنين، ثم مما هو مستساغ في منطق القانون من أن الضامن المتضامن حين أقدم على ضمانته لم يدر بخلده أنه بهذه الكفالة قد وكل المدين المكفول في الحضور عنه وتمثيله في دعوى الدين إذ مصلحة الاثنين قد تختلف، والمادة 208 مدني لم تفترض الوكالة إلا بين المدينين المتضامنين - ترى المحكمة من هذا ومن أن الكفيل المتضامن في مثل الدعوى المعروضة قد كفل دين إيجار يسقط بمضي خمس سنين هلالية فلا يجوز أن تتحوّل ماهية هذا الدين في أخص صفاته التي تعني الكفيل وهي أجل سقوطه باختصام المدين واستصدار حكم عليه دون اختصامه هو وقد كان ذلك يسيراً على الدائن (هكذا).
أما ما استمسكت به الطاعنة عن مؤدّى المادة 2250 من القانون المدني الفرنسي التي تقرّر أن مطالبة المدين بالدين تقطع التقادم في شأن الكفيل فلا محل له إذ البحث المعروض لا يتصل بقطع التقادم وإنما هو متصل باستبدال مدّة التقادم الطويل بمدّة القصير.
وبما أنه متى تقرّر أن مطالبة المدين وحده واستصدار حكم عليه بالدين لا تغير مدّة التقادم في شأن الكفيل المتضامن كان الحكم الذي استصدرته الطاعنة في 23 من مايو سنة 1929 ضدّ المستأجر المدين لا أثر له في حق الكفيل مورّث المطعون ضدّهم، وظل أجل التقادم الخمسي المشروع لدين إيجار الأراضي هو الساري عليه.
ولما كان هذا الأجل مسلماً بأنه انقضى وقت مطالبة ورثة الكفيل فالطعن إذن لا أساس له ويجب رفضه.