مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثالث (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1939 لغاية 29 أكتوبر سنة 1942) - صـ 285

جلسة 12 ديسمبر سنة 1940

برياسة حضرة محمد فهمي حسين بك وكيل المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

(81)
القضية رقم 31 سنة 10 القضائية

إبطال تصرف المدين. سبيله: الدعوى البوليصية - الدعوى بالصورية. اختلاف الدعويين من حيث توجيه الطعن ومن حيث الغرض. الطعن بالصورية. الحكم بإبطال التصرف لثبوت صوريته. تعرّض الحكم للبحث في الدعوى البوليصية. لا يستوجب نقضه. طلب مدعي الصورية إبطال التصرف مع طلب ملكيته للأرض المتنازع عليها. جوازه. القضاء له بالملك وبإبطال التصرف. سلامته. تأسيس الحكم على الصورية. البحث في أسبقية دين الطاعن بالصورية على التصرف. لا محل له. (المادة 143 مدني)
إنه بمقتضى المادة 143 من القانون المدني يجوز للدائن أن يطعن على تصرف مدينه لإبطاله إما بالدعوى البوليصية وإما بدعوى الصورية. والدعويان وإن كانتا تتفقان من ناحية أن أساس إبطال التصرف فيهما هو الإضرار بالغير إلا أنهما تختلفان من حيث توجيه الطعن ومن حيث الغرض. ففي الدعوى البوليصية يكون الطعن على التصرف من ناحية تأثيره في ثروة المدين المتصرف لا من ناحية جدّيته، ويكون الغرض من الطعن إعادة ملك المدين إليه لإمكان التنفيذ عليه واستيفاء الدائن حقه منه. أما في دعوى الصورية فالطعن يكون بعدم جدّية التصرف لمحو العقد الظاهر وإزالة كل أثر له وتقرير أن العين لم تخرج من يد المدين بحيث إذا كان قد تلقاها عنه آخر أو نفذ عليها دائن له كان ذلك صحيحاً. وإذن فلمن يطعن على التصرف أن يتخير من هاتين الدعويين الدعوى التي يتحقق بها غرضه. فإن كان قد اختار الدعوى بالصورية، ورأت المحكمة صحة دعواه وقضت له بطلباته، وكانت مع ذلك قد عرضت في أثناء البحث إلى الدعوى البوليصية وتكلمت عنها فذلك منها يكون تزيداً لا يستوجب نقض الحكم. ثم إن مدّعي الصورية له أن يضم إلى طلب ملكيته للأرض موضوع الدعوى طلب إبطال التصرف الذي حصل فيها، وفي هذه الحالة يكون الحكم بثبوت الملك للمدّعي، وبإبطال التصرف لثبوت صوريته سليماً. ثم إنه إذا كان الحكم مؤسساً على الصورية فإن البحث في أسبقية دين نازع الملكية (الطاعن بالصورية) على التصرف لا يكون له محل.


الوقائع

تتحصل وقائع الدعوى - على ما جاء بالحكم المطعون فيه وغيره من الأوراق المطروحة لدى محكمة الموضوع - في أن المرحوم خليل إبراهيم شيحا مورّث المطعون ضدّهم رفع ضدّ الطاعنة وآخرين أمام محكمة الزقازيق الابتدائية الأهلية الدعوى رقم 139 سنة 1936 وطلب في صحيفتها المعلنة في 17 من مارس سنة 1936 الحكم بصفة مستعجلة بتعيين حارس قضائي على 8 أفدنة وقيراطين و11 سهماً مبينة بصحيفة الدعوى لتسلمها وإدارتها وتحصيل ريعها وإيداعه خزانة المحكمة حتى يفصل نهائياً في الدعوى الموضوعية، وطلب الحكم في الموضوع: (أوّلاً) بإبطال عقد البيع المسجل في 18 من فبراير سنة 1932 والصادر للطاعنة من محمد محمد أبو علي بمقدار 6 أفدنة و6 قراريط و20 سهماً وشطب التسجيلات الموقعة على الـ 8 أفدنة وقيراطين و11 سهماً. (ثانياً) تثبيت ملكيته إلى 8 أفدنة وقيراطين و11 سهماً المبينة الحدود والمعالم بالعريضة الابتدائية ومنع منازعة الطاعنة والبائعين إليها (محمد محمد أبو علي وحسن محمد أبو علي) له فيها وتسليمها إليه مع إلزامهم بالمصاريف وأتعاب المحاماة وشمول الحكم بالنفاذ بغير كفالة. وبتاريخ 12 من سبتمبر سنة 1936 عدّل مورّث المطعون ضدّهم طلباته إلى ما يأتي: (أوّلاً) الحكم بإبطال وفسخ عقد البيع المسجل في 18 من فبراير سنة 1932 برقم 1028 وشطب التسجيلات الموقعة على 8 أفدنة وقيراطين و11 سهماً. (ثانياً) تثبيت ملكيته إلى 8 أفدنة وقيراطين و11 سهماً المبينة بالعريضة وإعلان تعديل الطلبات ومنع منازعتهم له فيها وتسليمها إليهم. (ثالثاً) نقل تكليف 8 أفدنة وقيراطين و11 سهماً من اسم الطاعنة ومحمد محمد أبو علي وحسن محمد أبو علي لاسمه. (رابعاً) إلزامهم بالمصاريف والأتعاب والنفاذ.
وبتاريخ 28 من فبراير سنة 1938 قضت محكمة أوّل درجة غيابياً بالنسبة لحسن محمد أبو علي وحضورياً لمن عداه: (أوّلاً) بإبطال التصرف في عقد البيع الرقيم 28 من يناير سنة 1932 والمسجل في 18 من فبراير سنة 1932 برقم 1028 وشطب التسجيلات الموقعة على الـ 8 أفدنة وقيراطين و11 سهماً المبينة الحدود والمعالم بعريضة الدعوى المعلنة في 12 من سبتمبر سنة 1936. (ثانياً) تثبيت ملكية المدعي إلى هذا القدر ومنع منازعة الطاعنة والبائعين لها فيه. وفي 2 و6 من يونيه سنة 1938 استأنفت الطاعنة هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر الأهلية بالاستئناف رقم 829 سنة 55 قضائية وطلبت أن يقضي لها بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى خليل إبراهيم شيحا مورّث المطعون ضدّهم مع إلزامه بالمصاريف وأتعاب المحاماة عن الدرجتين. وقدّم وكيل الطاعنة مذكرة طلب فيها أصلياً الحكم له بطلباته واحتياطياً تعيين خبير وإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت الطاعنة جدّية شرائها بمقتضى العقد المسجل في 18 من فبراير سنة 1932. وفي 13 من ديسمبر سنة 1939 قضت محكمة الاستئناف بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف.
وقد أعلن هذا الحكم إلى الطاعنة بتاريخ 7 من إبريل سنة 1940 فقرّر وكيلها بتاريخ 5 من مايو سنة 1940 بالطعن فيه بطريق النقض، وأعلن هذا التقرير إلى المطعون ضدّهم في 9 و14 من الشهر المذكور، وقدّم في 22 منه مذكرة شارحة لأسباب الطعن... إلخ.


المحكمة

وحيث إن الطعن يتحصل فيما يأتي:
(أولاً) خالف الحكم المادة 143 من القانون المدني. وتقول الطاعنة بياناً لذلك إن الدعوى البوليصية يرفعها الدائن ليستد دينه من العين، فمن يطلب تثبيت ملكيته لعقار لا يجوز له أن يطلب بطلان تصرف مدينه بالدعوى البوليصية، وكل ما للمحكوم له ببطلان التصرف هو التنفيذ على العقار، وما يتبقى منه أو من ثمنه يكون حقاً للمتصرف.
(ثانياً) خالف الحكم القانون إذ أبطل عقد الطاعنة لسندات يدعيها خليل شيحا ثابتة التاريخ قبل التصرف، وإذ اعتبر الطاعنة متواطئة من غير دليل يصلح لإثبات العلم وقت العقد أو لإثبات أسبقية دينه على التصرف.
(ثالثاً) خالف الحكم القانون إذ قضى لخليل شيحا بأطيان مفرزة لا تنطبق على الأطيان الشائعة الواردة بحكم المزاد بحجة أنها هي المملوكة لمدينه، كما خالفه برفضه طلب تعيين خبير لتطبيق المستندات مع أنه طريق الإثبات القانوني. وكذا بأخذه بالحكم الصادر في دعوى الحراسة مع أنه حكم مؤقت في دعوى مستعجلة لا حجية له في الدعوى الموضوعية.
وحيث إنه عن الوجهين الأوّل والثاني فإن الخلاف بين طرفي الخصومة كان قائماً حول ملكية الأرض موضوع النزاع وما يعترض هذه الملكية من ادعاء الطاعنة بملكية جانب من هذه الأرض بناء على عقد الشراء الذي تتمسك به الصادر لها من المطعون ضدّه السادس. ولذا فقد طلب خليل شيحا (مورّث المطعون ضدّهم من الأوّل إلى الخامس) في دعواه الحكم بالملكية وبإبطال عقد البيع الذي تتمسك به الطاعنة وكان سبباً في عدم تمكينه من الاستقرار في الأرض التي رسا مزادها عليه حتى انتهى به الأمر إلى رفع الدعوى الحالية بغية حسم النزاع نهائياً بإبطال العقد المذكور.
وحيث إن المادة 143 من القانون المدني تتسع للطعن على تصرف مدين إبطاله لكل من الدعويين البوليصية والصورية. وإبطال التصرف في كلتيهما وإن كان له أساس واحد هو الإضرار بالغير إلا أن لكل منهما غرضاً خاصاً. ففي الدعوى البوليصية لا يكون الطعن في التصرف من ناحية جدّيته ووجوده فعلاً بل من ناحية تأثيره في ثروة المدين المتصرف وإضراره بحقوق دائنيه. والغرض من هذه الدعوى إعادة الملك للمدين للتنفيذ عليه واستيفاء الدائن حقه منه. أما في الدعوى بالصورية فالطعن هو بعدم جدّية التصرف، ونتيجتها إعدام العقد الظاهر وإزالة أثره بين المتعاقدين واعتبار أنه لم يخرج من مال المدين البائع. فإذا كان تلقاه عنه أحد أو نفذ عليه دائن، كان ما وقع صحيحاً لا مطعن عليه. ولمن يطعن في التصرف اختيار الدعوى التي يراها محققة لغرضه من الطعن. فإذا ظهر أنه اختار الدعوى بالصورية وبحث الحكم فيها (كما هو الواقع في هذه الدعوى) كان لا أهمية لما تطرق إليه الخصوم أو عرض له الحكم من البحث في الدعوى البوليصية.
وحيث إنه يبين مما جاء بعريضة الدعوى وما تحدّث عنه الحكم الابتدائي الذي أخذ بأسبابه الحكم المستأنف أن طعن خليل شيحا في عقد الطاعنة إنما كان بالصورية. فقد أشار الحكم الابتدائي إلى ما يتمسك به خليل شيحا من صورية العقد وتحريره بطريق التواطؤ بين الطاعنة وشقيقها المدين هروباً من الدين. ثم قال "وحيث إن الصورية في هذا النزاع معناها أن العقد الظاهر (موضوع القضية) غير صحيح في اعتبار المتعاقدين إذ أن الاتفاق فيه لا حقيقة له. وحيث إنه من المقرّر أن صورية العقد ليست بذاتها سبباً من أسباب البطلان مهما كان الباعث عليها، ولكن العقد الصوري يبطل بسبب آخر. وذلك السبب قد بينه المدّعي في دفاعه بقوله إن البيع أضر بحقوقه بصفته دائناً، فالحكم هو إذن للمادة 143 المذكورة". ثم أورد الحكم بعدما تقدّم ردّ الطاعنة على الدفع بالصورية وأخذ في تفنيده. والحكم وإن كان قد تطرّق في سبيل ذلك إلى البحث في توافر العناصر التي تقتضيها الدعويان معاً إلا أنه مع ذلك أثبت أن عقد الطاعنة لم يكن جدياً، وأنه حرّر بالتواطؤ بينها وبين أخيها هروباً من دين خليل شيحا. ودلل على هذا بصلة القرابة وبموقف الطاعنة في أدوار النزاع وبغير ذلك من الإجراءات والظروف التي لابست هذا النزاع، وهي في مجموعها تنتج ما ذهبت إليه المحكمة من صورية العقد ومن أن من شأن إبطاله على هذا الأساس أن يكون نزع الملكية قد تناول أرضاً مملوكة للمدين الموجهة إليه دعوى نزع الملكية ويكون خليل شيحا الراسي عليه المزاد قد تملكها بحكم صحيح.
وحيث إنه ما دام الطعن على عقد شراء الطاعنة لأرض النزاع كان بالصورية للوصول إلى اعتبار العقد كأن لم يكن، فقد كان من الطبيعي أن يضم خليل شيحا إلى طلب ملكيته لأرض النزاع إبطال التصرف الذي يتناولها، ويكون الحكم في قضائه بالطلبين معاً - بعد أن ثبت له الملك ورأى توافر عناصر الصورية - قد جاء على أساس سليم. ومتى كان الحكم مؤسساً على الصورية فلا محل مع ذلك للبحث في أسبقية دين نازع الملكية على التصرف لأن الصورية لا تقتضيها، ولا في جواز أو عدم جواز الجمع بين الدعوى البوليصية ودعوى تثبيت الملك في النزاع الحالي.
وحيث إنه عن الوجه الثالث فإن محكمة الموضوع قد عرضت لما ادعته الطاعنة من أن الأرض الراسي مزادها على خليل شيحا هي غير أرض النزاع، ومحصت هذا الدفاع تمحيصاً وافياً، وخلصت من بحثها إلى أن أرض العقد تدخل ضمن أرض حكم مرسى المزاد، وأنها لذلك لا ترى ضرورة لندب خبير لتطبيق المستندات. وكلام الحكم في هذا كله تقدير موضوعي لا رقابة لمحكمة النقض عليه. كما أن محكمة الموضوع غير ملزمة بإجابة طلب تعيين خبير في الدعوى إذا هي كوّنت لها رأياً فيها على أساس ما تقدّم لها من مستندات. أما ما تعترض به الطاعنة من أن محكمة الموضوع اعتبرت الحكم الصادر في دعوى الحراسة حجة عوّلت عليها في حكمها فحقيقته أن محكمة الموضوع أشارت إلى ما تضمنته أسباب هذا الحكم كدليل بين كثير من الأدلة التي استعرضتها لإثبات الصورية التي اقتنعت بها وكان لمدّعيها أن يثبتها بجميع طرق الإثبات.