مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثالث (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1939 لغاية 29 أكتوبر سنة 1942) - صـ 300

جلسة 23 يناير سنة 1941

برياسة حضرة محمد فهمي حسين بك وكيل المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك وعلي حيدر حجازي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

(94)
القضية رقم 22 سنة 10 القضائية

( أ ) محكمة الموضوع. سلطتها في التكييف. طلب تثبيت ملكية على أساس الغصب. القضاء للمدّعي على أساس تكملة المبيع من أرض المدّعى عليه المجاورة. تكييف خاطئ. مثال. وقف.
(المواد 103 مرافعات و236 و260 و261 و266 و267 مدني)
(ب) ارتفاق. الادّعاء بحق الارتفاق بالريّ من ترعة. العناصر الواجب بيانها بالحكم: وضع اليد - مبدؤه - مظهره. خلوّ الحكم من ذلك. قصور.
(المادة 30 مدني)
1 - إذا طلب الناظر تثبيت ملكية الوقف لمقدار من الأرض على أساس أن الحكومة اغتصبته من ملك الوقف وقضت له المحكمة بطلبه على أساس أن الأطيان الموقوفة مبيعة من الحكومة وتتصل بأرضها دون فاصل ثابت ومن الممكن استيفاء المبيع كاملاً مما تملكه الحكومة فهذا منها تكييف لا يتفق مع الأساس الذي بنى عليه المدّعي دعواه وهو الاغتصاب الذي كان يقتضي من المحكمة أن تتحقق من أن الواقف تسلم المبيع كاملاً كما هو وارد في عقد البيع ثم اغتصبته منه الحكومة. أما القضاء باستيفاء العجز لمجرّد إمكان التوفية به بسبب الجوار بناء على أسباب لا اتصال لها بحقيقة النزاع، وليست صالحة لأن يقام عليها الحكم في دعوى الاغتصاب، بل هي لا تتفق معها من جهة أن دعوى الاغتصاب قوامها فعل مادي، والمطالبة بتكملة العجز قوامها التعاقد ذاته، فخطأ يقتضي نقض الحكم لابتنائه على أساس غير صحيح.
2 - الحكم بثبوت حق الارتفاق يجب أن يبين فيه جميع العناصر الواقعية اللازمة لثبوته من وضع اليد ومظهره ومبدئه. وذلك لكي تتمكن محكمة النقض من مراقبة صحة تطبيق القانون. فإذا اقتصر الحكم الصادر بثبوت حق الارتفاق بالريّ من ترعة على القول بأنه تبين من تقرير الخبير أن "لأرض الوقف سواقي ومراوي تأخذ المياه من هذه الترعة، وأن حالتها تدل على أنها عملت من زمن قديم جداً، فحق الريّ إذن من هذه الترعة قد ثبت قانوناً لأرض الوقف منذ كانت هذه الترعة مروى قبل أن توسعها الحكومة" فهذا الحكم يكون مشوباً بالقصور متعيناً نقضه.


الوقائع

تتلخص وقائع هذا الطعن - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه ومن مذكرات الخصوم ومستنداتهم المقدّمة لهذه المحكمة والتي تقدّمت من قبل لمحكمة الاستئناف - في أن المرحوم عبد القادر الفريق باشا اشترى من الحكومة أرضاً مساحتها 610 فداناً و7 قراريط واقعة ببرية بلقاس بثمن قدره 455 جنيهاً و277 مليماً. وذلك بموجب حجة شرعية صادرة من محكمة طنطا الشرعية في 6 من ربيع الأوّل سنة 1279. ثم صدر له بهذه الأرض تقسيط رزنامجي في 14 من ربيع الأوّل سنة 1279 ذكر به أن هذه الأرض تحد من معظم جهاتها بأراضي الحكومة البور. ثم بتاريخ 12 من رجب سنة 1281 وقف المشتري هذه الأرض بموجب كتاب وقف صادر من محكمة طنطا الشرعية. وفي 2 من مايو سنة 1925 رفع ناظرات الوقف دعوى ضدّ الوزارتين الطاعنتين أمام محكمة مصر الابتدائية قلن في صحيفتها إن الحكومة اغتصبت من أطيان الوقف خمسة وخمسين فداناً كائنة بزمام بلقاس مركز شربين، وإن الحكومة تعرّضت لهنّ أيضاً في الانتفاع من ترعة الشتوي التي تمرّ بأطيان الوقف من جهتيها الشرقية والبحرية ومنعتهنّ من الانتفاع بمياهها بدون وجه حق، ثم طلبن الحكم: (أوّلاً) بتثبيت ملكية الوقف إلى 55 فداناً المبينة الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى. (ثانياً) بأحقية المدّعيات بالانتفاع والريّ من الترعة المعروفة بترعة الشتوي ومنع تعرّض الحكومة للوقف فيها. (ثالثاً) بإلزام الوزارتين بالمصاريف وأتعاب المحاماة مع شمول الحكم بالنفاذ بدون كفالة. وقيدت هذه الدعوى بجدول المحكمة برقم 1389 سنة 1925 كلي مصر. نظرت المحكمة هذه الدعوى فاستند المدّعيات في تأييد دعواهن إلى حجة الوقف وقلن إن الحدين البحري والشرقي لأرض الوقف لم يكونا ثابتين وقت الشراء بل كانت أرض الوقف غير منفصلة عن أرض الحكومة وكانت جميعها بوراً. ولما ابتدأ الواقف في الإصلاح أنشأ مسقى بالجهة البحرية وهي التي أنشئ في مكانها ترعة الشتوي أعدّت لري أرض الوقف. يدل على ذلك وجود الفتحات التي أثبتها خبير إثبات الحالة المعين في القضية رقم 501 لسنة 1922 الموسكي. أما الحكومة فأنكرت وقوع أي اغتصاب منها لأرض الوقف وقالت إن حدود الوقف لم تتغير، واستدلت على ذلك بوقوع أرض الوقف في أحواض غير الأحواض الواقعة بها أرض الحكومة، وقالت عن ترعة الشتوي إنها ترعة خصوصية أنشأتها مصلحة الأملاك لري أطيانها، واستندت في ذلك إلى خرائط المساحة قديمها وحديثها. تلقاء ذلك حكمت المحكمة بتاريخ 27 من أكتوبر سنة 1929 بندب خبير هندسي كلفته بالانتقال إلى العين موضوع النزاع وتطبيق مستندات الخصوم، وخصوصاً حجة الوقف، عليها لمعرفة إن كانت هي الأرض الواردة بهذه الحجة أم لا، وهل المسقى التي تفصل أرض الحكومة عن أرض الوقف هي مسقى خصوصية لري أرض الوقف أم لا مع الترخيص للخبير بسماع أقوال الخصوم وسماع شهودهم بدون حلف يمين. باشر الخبير مأموريته وقدّم تقريره أثبت به أن حجة الوقف لا تصلح للتطبيق ولا لبيان حقيقة النزاع لتغيير معالم الطبيعة بالنظر لمضي زمن طويل من وقت إنشاء الوقف، إذ الوارد بالحجة أنه يحدّ من جهاته الأربع بأطيان الحكومة بالبرية، وأنه في سبيل تحقيق وضع اليد قد رجع إلى خرط المساحة التي وضعت في سنة 1901 وفي سنة 1918 وإلى باقي مستندات الحكومة فتبين أن أرض الوقف ثابتة على حالتها المبينة بصحيفة الدعوى من قبل عمل فك الزمام في سنة 1901 وأن ترعة الشتوي المارّة بالحدين البحري والشرقي لأرض الوقف كانت في الأصل مروى خارجة عن حدود أرض الوقف وداخلة في أرض الحكومة. ثم قال وإنه بعد وضع خريطة سنة 1901 وسعت الحكومة هذه الترعة وخصصتها لري أرضها، وإنه بمقاس أرض الوقف طبقاً لما هو وارد بخرط المساحة وجد مسطحها (555) فداناً بعجز قدره خمسة وخمسون فداناً عما هو وارد بحجة الوقف، وقال إن هذا الفرق إنما هو عجز طبيعي مرجعه عدم الدقة في أعمال المساحة القديمة. وفي 27 من مايو سنة 1937 حكمت محكمة مصر حضورياً برفض دعوى الوقف وألزمته بالمصاريف و200 قرش مقابل أتعاب المحاماة مستندة إلى ما جاء بتقرير الخبير. استأنف الوقف هذا الحكم لدى محكمة استئناف مصر بصحيفة أعلنها للطاعنتين في 9 من ديسمبر سنة 1937 طلب للأسباب الواردة بها الحكم بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف والحكم لجهة الوقف بسابق طلباته.
وبعد أن نظرت محكمة الاستئناف الدعوى حكمت فيها حضورياً في 28 من مايو سنة 1939 بقبول الاستئناف شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المستأنف وتثبيت ملكية وقف المرحوم عبد القادر باشا الفريق إلى الـ 55 فداناً المبينة الحدود والمعالم بصحيفة افتتاح الدعوى وبأحقية الوقف المذكور في الري من الترعة المعروفة بترعة الشتوي المبينة بالصحيفة المذكورة ومنع تعرّض الحكومة له في ذلك، وألزمت المستأنف عليهما بالمصاريف عن الدرجتين و2000 قرش أتعاب محاماة للمستأنفين.
أعلن هذا الحكم للطاعنتين في 3 من مارس سنة 1940 فقرّرتا بالطعن فيه بطريق النقض بتقرير مؤرّخ في أوّل إبريل سنة 1940 أعلن للمطعون ضدّهما في 10 و13 من ذلك الشهر... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الوجه الثاني من أوجه الطعن يتحصل في أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه. ذلك لأنه استند في قضائه للوقف بملكية الخمسة والخمسين فداناً إلى الحجة الشرعية الرقيمة 6 من ربيع الأوّل سنة 1279 والتي بمقتضاها وقف المشتري الأطيان المبيعة له من الحكومة في 12 من رجب سنة 1281 مع أن الحدود الواردة بحجة البيع خالية من بيان الأطوال والأبعاد والمعالم، ومثل هذه الحجة تصلح مستنداً لملكية الوقف للخمسة والخمسين فداناً موضوع هذه الدعوى لأن العقار من الأموال القيمية لا المثلية.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد بنى قضاءه للمطعون ضدّهما بصفتهما ناظري وقف عبد القادر باشا الفريق على ما يأتي:
"ومن حيث إنه ثابت من تقرير الخبير أن أطيان الوقف بحالتها الراهنة أصبح لها حدّان ثابتان في الطبيعة وهما الحدّان الغربي والقبلي، وهما غير متنازع عليهما وهما مصرف نمرة 2 العمومي وترعة أم عراضي العمومية. وأما باقي الحدود وهما الحدّان البحري والشرقي فإنهما أطيان الحكومة فلا معنى إذن لما يقوله الخبير بأن حجة الإيقاف لا تصلح للتطبيق بدعوى أن الوارد بهذه الحجة هو أن حدود أرض الوقف هي أطيان الميرى بالبرية".
"ومن حيث إنه ما دامت هذه الأطيان أصلها مبيعة من الحكومة وتتصل حدودها بأرضها بالبرية ومن غير فاصل ثابت بينهما فلا يجوز مطلقاً القول بأن مقدار ما بيع من الحكومة كان به عجز طبيعي، لأنه من السهل ومن الطبيعي تحديد الأرض المبيعة كاملة على الأرض ما دام أن المبيع محدود بأرض الحكومة البائعة لها، وما دام أنه لا فاصل بين ما بيع وما بقى للحكومة. إنما العجز يصح وجوده وتصوّره في المبيع إذا كانت هناك حدود فاصلة ثابتة تحدّد مداه تحديداً قاطعاً لا شك فيه. فإذا اختلطت حدود الأطيان المبيعة بأطيان البائع بسبب عدم وجود حدود ثابتة بينها وكان من الممكن استيفاء المبيع كاملاً مما يملكه البائع وحسب عقد البيع فلا تقبل منه الدعوى لوجود عجز طبيعي في المبيع منه".
ومن حيث إن مؤدّى الحكم المطعون فيه هو أن على الحكومة أن تكمل للوقف ما اشتراه الواقف منها بمقتضى الحجة الرقيمة 6 من ربيع الأوّل سنة 1279 بناء على ما ثبت لها من أن ما في حيازة الوقف من الأطيان به عجز مقداره خمسة وخمسون فداناً عن القدر الوارد بحجتي البيع والإيقاف، وأن أراضي الحكومة تتصل حدودها بأطيان الوقف. وظاهر أن هذا التكييف للدعوى يخالف الأساس الذي بنى عليه المطعون ضدّهما طلب الملكية للقدر المذكور فقد تمسكا باغتصاب الحكومة لهذه المساحة، ولقد كان من المتعين على محكمة الاستئناف والحالة هذه أن تتحقق من أن الواقف تسلم المساحة الواردة بحجة البيع كاملة ثم طرأ عليها فعل الاغتصاب ممن لا حق له في حيازة القدر المغتصب وتملكه. أما والحكم المطعون فيه لم يعرض لهذا بل نحا منحى آخر وقضى بوجوب استيفاء العجز من أرض الحكومة لمجرّد كون التوفية ميسورة بسبب الجوار في أكثر من جهة بين أراضي الطرفين فقد أتى بأسباب غير منصبة على حقيقة النزاع القائم بين الطرفين وخالية من الصلاحية لأن يبنى عليها حكم صادر في دعوى اغتصاب، بل هي تتعارض معها من حيث كون الاغتصاب نتيجة فعل مادي. أما المطالبة بالعجز تكملة للمساحة المبيعة فمستمدّة من التعاقد ذاته، وهي ما لم يجعلها المطعون ضدّهما سبباً لدعواهما، بل إن لها مجالاً آخر لم تكن الدعوى الحالية محل بحثه. ولذا يكون الحكم المطعون فيه ليس له أساس صحيح فيتعين لذلك نقضه. ولا ترى المحكمة مع ذلك حاجة لبحث الوجه الأوّل.
ومن حيث إن الوجه الثالث من أوجه الطعن يتحصل في أن الحكم المطعون فيه جاء مشوباً بالبطلان لقصور أسبابه فيما قضى به من تملك الوقف لحق الري بالتقادم. ذلك أن الحكم المطعون فيه أثبت أن ترعة الشتوي هي ترعة خاصة لمنفعة أراضي الحكومة، وأن الوقف اكتسب عليها حق الارتفاق بالري بالتقادم، فكان الواجب أن يذكر توافر شروط التملك بالتقادم من بيان مدّة وضع اليد وصفة هذه اليد أكانت بنية التملك أم لا، وهل كانت خالية من النزاع ومستمرة أم لم تكن كذلك، لكي تستطيع محكمة النقض أن تحقق رقابتها على صحة تطبيق القانون.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قال في صدد تقرير حق الوقف للري من ترعة الشتوي ما يأتي:
"وحيث إن المحكمة ترى مما جاء في تقرير خبير إثبات الحالة المعين من محكمة الموسكي ومن تقرير الخبير الذي ندب في هذه القضية أن لأرض الوقف سواقي ومراوي تأخذ المياه من ترعة الشتوي هذه لري أرض الوقف، وأن حالتها تدل على أنها عملت من زمن قديم جداً فحق الري إذن من هذه الترعة قد ثبت قانوناً لأرض الوقف مذ كانت هذه الترعة مروى قبل أن توسعها الحكومة. أما ما تدعيه الحكومة من أن بعض المستحقين أو غيرهم كانوا يروون أرض الوقف بمقتضى اتفاق بينهم وبين الحكومة فهذا لا يؤثر على حق الوقف ولا يستلزم سقوط حقه فيه، لأن اعتراف المستحق أو الناظر أو غيره بحق يناقض حق الوقف لا يلزمه ولا يضيع حقه".
ومن حيث إنه يبين من هذا الذي ذكره الحكم المطعون فيه أنه لم يعن بتحقيق مدّة وضع اليد ومبدئه ومظهره لتتمكن محكمة النقض من مراقبة تطبيق القانون والوقوف على ما إذا كانت العناصر القانونية لتملك المطعون ضدّهما بصفتهما حق الري المتنازع عليه متوافرة أم لا. ولهذا يكون الحكم المطعون فيه قد جاء في قضائه الخاص بتملك الوقف لحق الري من الترعة محل النزاع مشوباً بقصور. ولذا يتعين نقضه في هذا الشطر أيضاً.