أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 31 - صـ 212

جلسة 19 من يناير سنة 1980

برئاسة السيد المستشار/ عدلي مصطفى بغدادي نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: دكتور إبراهيم علي صالح، وعبد العزيز عبد العاطي إسماعيل، وحسن عثمان عمار، ورابح لطفي جمعه.

(44)
الطعن رقم 490 لسنة 44 القضائية

(1، 2) إيجار. "إيجار الأماكن". "المشاركة السكنية".
(1) المقيمون مع المستأجر الأصلي في العين المؤجرة إقامة مستقرة منذ بدء الإجارة حقهم في الانتفاع بالامتداد القانوني للعقد لا يعني ذلك اعتبارهم مستأجرين أصليين للعين.
(2) المشاركة السكنية للمستأجر الأصلي ق 121 لسنة 1947. وجوب أن تكون معاصرة لعقد الإيجار وإلا منذ بدايتها. اتخاذ المساكن لنفسه مسكناً مستقلاً. أثره. اعتباره أجنبياً عن المسكن الأول. عدم جواز التنازل له عنه إلا بإذن كتابي.
1 - المقرر في قضاء هذه المحكمة [(1)] أن لعقد إيجار المسكن طابعاً عائلياً لا يتعاقد المستأجر بمقتضاه ليقيم في المسكن بمفرده، وإنما ليضم إليه فيه أفراد أسرته ليساكنوه فيه، وأن التشريعات الاستثنائية المنظمة للعلاقات الإيجارية قد استهدفت حماية شاغلي المساكن من عسف المؤجرين فأضفت حمايتها على المستأجرين والمقيمين معهم فيها إقامة مستقرة وجعل عقود إيجارهم ممتدة بحكم القانون لمدة غير محدودة ما بقيت تلك التشريعات التي أملتها اعتبارات النظام العام، بحيث لا يحق إخراج أولئك الساكنين للمستأجرين من المساكن التي يقيمون فيها إلا لسبب من الأسباب في حدود القانون على سبيل الحصر - إنه وإن كان ذلك. إلا أنه ليس فيه ما يغير من نسبية الآثار المترتبة على عقود الإيجار بحيث لا يلتزم بها غير عاقديها الذين يأتمرون بأحكامها، إذ ليس في مجرد إقامة آخر مع المستأجر في المسكن ما ينشىء بذاته علاقة إيجارية بينهم وبين المؤجرين، ولو كانت مساكنتهم للمستأجر معاصرة لاستئجاره المسكن لمنافاة ذلك لأحكام القواعد القانونية المقررة في شأن تسبب آثار العقود مما لا يسوغ معه القول باعتبار أولئك المساكنين مستأجرين للمسكن تعلقاً بأحكام النيابة الضمنية في غير موضعها.
2 - يشترط للاعتداء بالمساكنة في مفهوم القانون 121 لسنة 1947 بتنظيم العلاقات بين المؤجرين والمستأجرين - خلافاً للتأجير من الباطن والتنازل عن الإيجار - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(2)] معاصرة المساكنة لعقد إيجار المسكن، وعدم انقطاعها منذ ابتدائها وذلك تأكيداً للطابع العائلي للعقد، كما اتجهت إليه رغبة المستأجر عند التعاقد من جهة وإعراباً من أفراد عائلته عن استمساكه بما أتاحه لهم المستأجر من حق الإقامة معه في ذلك المسكن من جهة أخرى مما مؤداه أنه إذ قطع الساكن صلته بالمسكن باتخاذه لنفسه مسكناً آخر مستقلاً عن مسكن ذلك المستأجر فإنه يعتبر مسقطاً لحقه السابق بإرادته ومنهياً بالتالي لصفته التي كانت تجيز له الإقامة في ذلك المسكن، بحيث إذا ما تراءى له العودة إليه بعد ذلك كان شأنه شأن الأجنبي عنه الذي لا يملك المستأجر إسكانه معه فيه سواء التنازل الجزئي عن الإجارة أو التأجير من الباطن إلا بإذن كتابي من المالك.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعنين أقاموا الدعوى رقم 4350 سنة 1970 مدني كلي القاهرة ضد المطعون عليهما للحكم بإخلاء الشقة المبينة بصحيفتها، وقالوا بياناً لذلك أن المطعون عليه الأول كان يستأجر تلك الشقة من الملاك السابقين للعقار، بيد أنه تركها إلى مسكن آخر وتنازل عنها لشقيقه المطعون عليه الثاني الذي لم تكن له سابقة إقامة فيها، وذلك بغير إذن كتابي من الملاك، وإذ آلت ملكية العقار إلى الطاعنين في سنة 1966، وكانت إقامة المطعون عليه الثاني في الشقة على غير سند من القانون فقد أقاموا هذه الدعوى. قضت المحكمة برفضها فاستأنف الطاعنون الحكم بالاستئناف رقم 336 سنة 88 ق القاهرة وبتاريخ 18/ 3/ 1979 قضت المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطاعن.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفي بيان ذلك يقولان أنه يشترط لاعتبار الشخص مساكناً للمستأجر الأصلي للعين المؤجرة ومن حقه بهذه المثابة الاستقرار فيها - أن تكون تلك المساكنة مراعاة عند التعاقد وأن لا ينقطع المساكن عن الإقامة في العين فإن قطعها كان ذلك منه إنهاء للمساكنة، ويعتبر من هذا القبيل استقلاله بمسكن آخر على وجه الاستقرار، وإذ كان المطعون عليه الثاني قد أقر بإقامته في عين أخرى، وكان الحكم المطعون فيه - رغم تسليمه بذلك - قد ذهب إلى القول بأن مجرد استئجار المطعون عليه الثاني لشقة أخرى، وإقامته بها فترة، لا ينفى عنه عنصر المساكنة مع شقيقه المطعون عليه الأول في شقة النزاع، ورتب الحكم على ذلك تأييد الحكم المستأنف الصادر برفض الدعوى، فإنه يكون قد خالف صحيح القانون وأخطأ في تطبيقه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أنه وإن كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لعقد إيجار المسكن طابعاً عائلياً لا يتعاقد المستأجر بمقتضاه ليقيم في المسكن بمفرده وإنما ليضم إليه فيه أفراد أسرته ليساكنوه فيه، وأن التشريعات الاستثنائية المنظمة للعلاقات الإيجارية قد استهدفت حماية شاغلي المساكن من عسف المؤجرين، فأضفت حمايتها على المستأجرين والمقيمين معهم فيها إقامة مستقرة، وجعل عقود إيجارها ممتدة بحكم القانون لمدة غير محدودة ما بقيت تلك التشريعات التي أملتها اعتبارات النظام العام، بحيث لا يحق إخراج أولئك المساكنين للمستأجرين من المساكن التي يقيمون فيها إلا لسبب من الأسباب التي حددها القانون على سبيل الحصر أنه وإن كان ذلك، إلا أنه ليس فيه ما يغير من نسبية الآثار المترتبة على عقود الإيجار بحيث لا يلتزم بها غير عاقديها الذين يأتمرون بأحكامها، إذ ليس في مجرد إقامة آخرين مع المستأجر في المسكن ما ينشئ بذاته علاقة إيجارية بينهم وبين المؤجر ولو كانت مساكنتهم للمستأجر معاصرة لاستئجاره المسكن لمنافاة ذلك لأحكام القواعد القانونية المقررة في شأن نسبية آثار العقود. مما لا يسوغ معه القول باعتبار أولئك الساكنين مستأجرين للمسكن، متعلقاً بأحكام النيابة الضمنية في غير موضعها، لما كان ما تقدم، وكان يشترط للاعتداد بالمساكنة في مفهوم أحكام القانون رقم 121 لسنة 1943 بتنظيم العلاقات بين المؤجرين والمستأجرين - خلافاً للتأجير من الباطن والتنازل عن الإيجار وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - معاصرة المساكنة لعقد إيجار المسكن، وعدم انقطاعها منذ ابتدائها وذلك تأكيداً للطابع العائلي للعقد كما اتجهت إليه رغبة المستأجر عند التعاقد، من جهة، وإعراباً من أفراد عائلته عن استمساكهم بما أتاحه لهم المستأجر من حق الإقامة معه في ذلك المسكن من جهة أخرى، مما مؤداه أنه إذا قطع المساكن صلته بالمسكن باتخاذه لنفسه مسكناً آخر مستقلاً عن مسكن ذلك المستأجر، فإنه يعتبر مسقطاً لحقه السابق بإرادته ومنهياً بالتالي لصفته التي كانت تجيز له الإقامة في ذلك المسكن، بحيث إذا ما تراءى له العودة إليه بعد ذلك، كان شأنه شأن الأجنبي عنه الذي لا يملك المستأجر إسكانه معه فيه، سواء على سبيل التنازل الجزئي عن الإجارة أو التأجير من الباطن إلا بإذن كتابي من المالك، لما كان ما سلف، وكان الحكم المطعون فيه بعد ما استخلص أن المطعون عليه الثاني كان مساكناً لشقيقه المطعون عليه الأول في شقة النزاع - مرتباً على ذلك اعتباره مستأجراً أصلياً له شأنه في ذلك شأن شقيقه المحرر باسمه عقد الإيجار - استطرد إلى اعتبار أن استئجاره مسكناً آخر وإقامته فيه ما بين سنة 1958 وسنة 1962 لا يعدو أن يكون إقامة مؤقتة لا تنفي عنه صفة المساكنة لشقيقه في تلك الشقة، فإن الحكم يكون قد خالف صحيح القانون في اعتباره المطعون عليه الثاني مستأجراً أصلياً لتلك الشقة، وأن صفته كمساكن لمستأجرها تظل ملازمة له ولو تخلى عن تلك المساكنة باتخاذه لنفسه مسكناً آخر على استقلال وإقامته فيه بضع سنين، مما أدى به إلى الخطأ في تطبيق القانون بقضائه، بتأييد الحكم المستأنف فيما انتهى إليه من رفض دعوى الطاعنين الأمر الذي يستوجب نقض الحكم لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.
وحيث إن موضوع الدعوى صالح للفصل فيه، ولما كان الثابت من الأوراق - على النحو الذي تقدم تفصيله - أن المطعون عليه الأول قد نزل عن عين النزاع إلى المطعون عليه الثاني دون إذن كتابي من الملاك، مخالفاً بذلك حكم المادة 2 من القانون رقم 121 لسنة 1947، فإن في ذلك ما يجيز للطاعنين طلب إخلاء المكان المؤجر لهذا السبب، ولما كان الحكم المستأنف قد خالف هذا النظر، فإن في ذلك ما يستوجب إلغاءه والحكم بإخلاء العين مثار النزاع.


[(1)] نقض 29/ 3/ 1978 مجموعة المكتب الفني السنة 29 ص 900.
[(2)] نقض 13/ 12/ 1978 مجموعة المكتب الفني - السنة 29 ص 1930.