أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 31 - صـ 312

جلسة 28 من يناير سنة 1980

برئاسة السيد المستشار مصطفى الفقي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: الدكتور سعيد عبد الماجد، وعاصم المراغي، وسيد عبد الباقي، والدكتور أحمد حسني.

(63)
الطعن رقم 109 لسنة 43 القضائية

(1، 2) حكم. "حجية الحكم". قوة الأمر المقضي. اختصاص. "اختصاص ولائي". جمارك. نقل بحري.
(1) صدور حكم حائز لقوة الأمر المقضي من جهة قضائية غير مختصة ولائياً. لا حجية له أمام الجهة القضائية المختصة. احتفاظه بحجيته أمام محكمة الجهة التي أصدرته.
(2) الحكم نهائياً بتأييد قرار تغريم الشركة الناقلة لوجود عجز غير مبرر في الرسالة. دعوى مصلحة الجمارك من بعد بالرسوم الجمركية المستحقة عن هذا العجز. وجوب التقيد بحجية الحكم السابق بشأن وجود العجز.
(3) التزام. "الوفاء به". دفع غير المستحق. جمارك. نقل بحري.
وفاء المرسل إليه بكامل الرسوم الجمركية المستحقة على الرسالة بما فيها من نقص غير مبرر. لا تبرأ به ذمة الناقل من الالتزام بسداد رسوم هذا العجز. الاستثناء. اتجاه إرادة المرسل إليه عند السداد إلى الوفاء بها عن الناقل. علة ذلك. للموفي طلب استرداد ما دفعه بغير حق.
1 - إنه وإن كان الاختصاص الولائي يتعلق بالنظام العام وصدور حكم حائز لقوة الأمر المقضي من جهة قضائية غير مختصة ولائياً لا يحوز الحجية أمام محاكم الجهة القضائية الأخرى المختصة، إلا أن ذلك الحكم يظل محتفظاً بحجيته أمام جميع محاكم الجهة القضائية التي أصدرته إحدى محاكمها فلا تجوز المجادلة فيه أمامها بل يجب عليها أن تتقيد به لأن قوة الأمر المقضي تسمو على النظام العام.
2 - من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أنه إذا صدر حكم حائز قوة الأمر المقضي بثبوت أو نفي حق في دعوى سابقة بالبناء على مسألة أولية فإن الحكم يحوز الحجية في تلك المسألة بين الخصوم أنفسهم ويمنعهم من التنازع بطريق الدعوى أو الدفع في شأن أي حق آخر يتوقف ثبوته أو انتفاؤه على ثبوت أو نفي تلك المسألة الأساسية السابق الفصل فيها بين هؤلاء الخصوم أنفسهم، فإن الحكم المطعون فيه إذ انتهى في قضائه إلى رفض دعوى الطاعنة بمطالبة الشركة المطعون ضدها بالرسوم الجمركية المستحقة عن ذات العجز في الرسالة موضوع النزاع يكون قد أهدر الحجية التي أضفاها الحكم النهائي - الذي قضى برفض معارضة الشركة وتأييد قرار الغرامة لوجود عجز غير مبرر في الرسالة - السابق صدوره في الدعوى رقم 584 لسنة 1967 تجاري كلي الإسكندرية على المسألة الأساسية الواحدة في الدعويين وهي وجود أو نفي العجز في الرسالة موضوع التداعي.
3 - التزام المرسل إليه بأداء الضريبة الجمركية - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - قاصر على ما يستحق منها على البضائع التي يتم الإفراج عنها بعد مرورها بالدائرة الجمركية إلى داخل البلاد، فإذا أوفى المرسل إليه بكامل الضريبة الجمركية المستحقة على الرسالة المشحونة بما فيها من نقص غير مبرر فإنه يكون قد أوفى بدين غير مستحق عليه بالنسبة للضريبة الخاصة بهذا النقص غير المبرر ومن ثم يجوز له استرداده ولا تبرأ به ذمة الناقل من الالتزام بأداء تلك الضريبة إلا إذا اتجهت إرادة المرسل إليه عند السداد إلى الوفاء بها عن الناقل، ذلك أن الوفاء بالدين عن الغير - وعلى ما يبين من نصوص المواد 323 وما بعدها من القانون المدني - لا يبرئ ذمة المدين منه إلا إذا اتجهت إرادة الموفي إلى الوفاء بدين هذا الغير، أما إذا ظن أنه يدفع ديناً على نفسه فلا يعتبر وفاء لدين غيره بل وفاء لدين غير مستحق فيجوز للموفي المطالبة باسترداده إعمالاً لقاعدة دفع غير المستحق. وإذ خلت الأوراق مما يدل على أن المرسل إليه قد اتجهت إرادته منذ السداد إلى الوفاء عن الشركة المطعون ضدها - الناقلة - بالرسوم الجمركية المستحقة عن العجز في الرسالة، فإن الحكم المطعون فيه إذ اعتبر هذا الوفاء مبرءاً لذمة المطعون ضدها يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن مصلحة الجمارك الطاعنة أقامت على شركة إسكندرية للتوكيلات الملاحية - توكيل طيبة للملاحة - (المطعون ضدها) بصفتها - وكيلة عن ملاك السفينة "ماركوس" الدعوى رقم 820 لسنة 1969 تجاري كلي الإسكندرية بطلب إلزامها بأن تدفع لها مبلغ 3086 ج و740 م، وفوائده القانونية وقالت بياناً لدعواها إن السفينة المذكورة وصلت ميناء الإسكندرية بتاريخ 1/ 12/ 1966 وتبين عند تفريغ شحنتها من الأخشاب وجود عجز لم يفرغ قدره 11394 قطعة خشب، وإذ عجز الربان عن تبرير هذا العجز فقد أقامت المصلحة الطاعنة دعواها لإلزام المطعون ضدها بصفتها بالرسوم الجمركية المستحقة عن هذا العجز وفقاً للمادتين 37 و117 من قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963. وبتاريخ 28/ 2/ 1970 قضت محكمة الإسكندرية الابتدائية بندب خبير في الدعوى لبيان ما إذا كانت الرسوم الجمركية قد دفعت عن كامل الرسالة موضوع النزاع وتاريخ دفعها ومقدارها، وإلا فيحدد مقدار الرسوم المستحقة عن العجز، وبعد أن قدم الخبير تقريره قضت المحكمة بجلسة 30/ 3/ 1971 برفض الدعوى. استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 163 سنة 28 ق تجاري الإسكندرية، وبتاريخ 7/ 12/ 1972 قضت محكمة استئناف الإسكندرية برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفي بيان ذلك تقول أن الحكم قد أهدر حجية الحكم السابق صدوره في الدعوى رقم 584 لسنة 1967 تجاري كلي الإسكندرية - التي كان ملفها مضموماً ومطروحاً على محكمة الموضوع - والذي قضى نهائياً برفض معارضة الشركة المطعون ضدها في قرار مدير عام مصلحة الجمارك بفرض غرامة عليها لوجود عجز في الرسالة موضوع النزاع، وأقام قضاءه على أن الطاعنة لم تثبت وجود العجز وأن قيام المرسل إليه بسداد مبلغ مساو للرسوم الجمركية المستحقة على كامل الرسالة قرينة على عدم وجود نقص فيها فضلاً عن أن تحصيل الطاعنة لتلك الرسوم الجمركية من المرسل إليه يترتب عليه انقضاء دينها أياً كان شخص الموفى، في حين أنه وقد قطع الحكم النهائي الصادر بتأييد قرار فرض الغرامة - بوجود عجز في الرسالة - فإنه لا يجوز العودة إلى مناقشة أمر وجود هذا العجز أو نفيه كما أنه يشترط لصحة الوفاء عن الغير أن يصرح الموفي بأنه يوفي بالدين عن الغير المدين ولكن إذا قام بوفاء دين يعتقد أنه مستحق عليه هو شخصياً وليس مستحقاً على غيره فإنه يحق له المطالبة باسترداد ما أوفاه نتيجة وقوعه في الغلط.
وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك أنه وإن كان الاختصاص الولائي يتعلق بالنظام العام وصدور حكم حائز لقوة الأمر المقضي من جهة قضائية غير مختصة ولائياً لا يحوز الحجية أمام محاكم الجهة القضائية الأخرى المختصة، إلا أن ذلك الحكم يظل محتفظاً بحجيته أمام جميع محاكم الجهة القضائية التي أصدرته إحدى محاكمها فلا تجوز المجادلة فيه أمامها بل يجب عليها أن تتقيد به لأن قوة الأمر المقضي تسمو على النظام العام، ولما كان الثابت من مذكرة الطاعنة المقدمة إلى محكمة أول درجة بجلسة 19/ / 1970 ومذكرتها المقدمة لمحكمة الاستئناف بجلسة 7/ 12/ 1972 أنها تمسكت بحجية الحكم الصادر في الدعوى رقم 584 لسنة 1967 تجاري كلي الإسكندرية - المضموم ملفها أمام محكمة الموضوع والذي قضى برفض معارضة الشركة المطعون ضدها وتأييد قرار الغرامة التي أوقعها مدير عام مصلحة الجمارك لوجود عجز غير مبرر في الرسالة موضوع النزاع وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه إذا صدر حكم حائز لقوة الأمر المقضي بثبوت أو نفي حق في دعوى سابقة بالبناء على مسألة أولية فإن الحكم يحوز الحجية في تلك المسألة بين الخصوم أنفسهم ويمنعهم من التنازع بطريق الدعوى أو الدفع في شأن أي حق آخر يتوقف ثبوته أو انتفاؤه على ثبوت أو نفي تلك المسألة الأساسية السابق الفصل فيها بين هؤلاء الخصوم أنفسهم، فإن الحكم المطعون فيه إذ انتهى في قضائه إلى رفض دعوى الطاعنة بمطالبته الشركة المطعون ضدها بالرسوم الجمركية المستحقة عن ذات العجز في الرسالة موضوع النزاع يكون قد أهدر الحجية التي أضفاها الحكم النهائي السابق صدوره في الدعوى رقم 584 لسنة 1967 تجاري كلي الإسكندرية على المسألة الأساسية الواحدة في الدعويين وهي وجود أو نفي العجز في الرسالة موضوع التداعي. لما كان ذلك وكانت الدعامة الثانية التي أقيم عليها الحكم المطعون فيه باعتبار وفاء المرسل إليه بالرسوم الجمركية على كامل الرسالة يترتب عليه انقضاء دين الطاعنة أياً كان شخص الموفي، تنطوي بدورها على خطأ في تطبيق القانون ذلك أن التزام المرسل إليه بأداء الضريبة الجمركية - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - قاصر على ما يستحق منها على البضائع التي يتم الإفراج عنها بعد مرورها بالدائرة الجمركية على داخل البلاد، فإذا أوفى المرسل إليه بكامل الضريبة الجمركية المستحقة على الرسالة المشحونة بما فيها من نقص غير مبرر فإنه يكون قد أوفى بدين غير مستحق عليه بالنسبة للضريبة الخاصة بهذا النقص غير المبرر ومن ثم يجوز له استرداده ولا تبرأ به ذمة الناقل من الالتزام بأداء تلك الضريبة إلا إذا اتجهت إرادة المرسل إليه عند السداد إلى الوفاء بها عن الناقل، ذلك أن الوفاء بالدين عن الغير - وعلى ما يبين من نصوص المواد 323 وما بعدها من القانون المدني - لا يبرئ ذمة المدين منه إلا إذا اتجهت إرادة الموفي إلى الوفاء بدين هذا الغير، أما إذا ظن أنه يدفع ديناً على نفسه فلا يعتبر وفاء لدين غيره مستحق فيجوز للموفي المطالبة باسترداده إعمالاً لقاعدة دفع المستحق. وإذا خلت الأوراق مما يدل على أن المرسل إليه قد اتجهت إرادته عند السداد إلى الوفاء عن الشركة المطعون ضدها - الناقلة - بالرسوم الجمركية المستحقة عن العجز في الرسالة، فإن الحكم المطعون فيه إذ اعتبر هذا الوفاء مبرءاً لذمة المطعون ضدها يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه ويتعين لكل ما تقدم نقض الحكم والإحالة دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.