مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثالث (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1939 لغاية 29 أكتوبر سنة 1942) - صـ 415

جلسة 5 مارس سنة 1942

برياسة حضرة عبد الفتاح السيد بك وبحضور حضرات: علي حيدر حجازي بك وحسن زكي محمد بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك المستشارين.

(145)
القضية رقم 41 سنة 11 القضائية

اختصاص:
( أ ) تبعية العين لجهة الوقف. النزاع في ذلك يتعلق بملكيتها. الفصل فيه. من اختصاص المحاكم المدنية.
(ب) ولاية المحاكم الشرعية في مسائل الأوقاف. ولاية عامة. المسائل الخارجة عنها. المنازعات المدنية البحت.
(جـ) حكم نهائي من محكمة غير مختصة أصلاً بإصداره. متى تكون له حجية الشيء المقضى به؟ تراضي الخصوم على التقاضي أمام تلك المحكمة. ألا تكون المحكمة ممنوعة من الفصل في نوع النزاع. حكم محكمة شرعية في تبعية عين لجهة وقف. اكتسابه حجية الشيء المقضى به.
(المواد 26 و27 و28 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والمادة 16 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية)
1 - إن النزاع في تبعية العين لجهة الوقف إنما هو نزاع متعلق بملكيتها ولا علاقة له بأصل الوقف ولا بسائر مسائله التي من اختصاص المحاكم الشرعية. وإذن فالفصل فيه من اختصاص المحاكم المدنية.
2 - المحاكم الشرعية هي في الواقع المحاكم العادية بالنسبة للمنازعات المتعلقة بالوقف كما هو المستفاد من نصوص المواد 26 و27 و28 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والمادة 16 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية. فهي إذن صاحبة الولاية العامة في مشاكل الأوقاف، ولا يخرج عن ولايتها هذه غير المنازعات المدنية البحت التي هي من اختصاص المحاكم المدنية.
3 - إن كون الحكم النهائي قد صدر من محكمة غير مختصة أصلاً بإصداره لا يمنع من أن تكون له حجية الشيء المقضى به إذا كان الخصوم قد تراضوا على التقاضي أمام تلك المحكمة أو قبلوا اختصاصها، وكانت هي غير ممنوعة من الفصل في نوع النزاع بنص في القانون أو بحكم القواعد الأساسية التي بمقتضاها وزع الشارع ولاية القضاء على الهيئات القضائية المختلفة. وإذن فإذا نظرت المحكمة الشرعية - برضاء الخصوم - في نزاع خاص بتبعية عين لجهة وقف وفصلت فيه نهائياً فإن حكمها يكتسب حجية الشيء المقضى به. لأن الفصل في هذا النزاع لا يتجافى مع طبيعة ولاية المحاكم الشرعية بل هو لا يعدو أن يكون توسيعاً - بناء على قبول الخصوم - في اختصاصها بنظر مسائل الأوقاف حسب المقرّر في لائحة ترتيبها.


الوقائع

تتلخص وقائع هذا الطعن - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه والأوراق الأخرى التي كانت تحت نظر قضاة الموضوع - في أن المطعون ضدّه رفع بصفته ناظراً على وقف الحاج سليمان الغزى دعوى أمام محكمة مصر الابتدائية الشرعية ضدّ الست عديلة علي صادق الناظرة على وقف المرحوم الحاج محمد نور الدين بك المشمول الآن بنظر الطاعنين. وقد طلب المطعون ضدّه في تلك الدعوى رفع يد الناظرة على وقف نور الدين عن المنزل رقم 12 بشارع الرملي بالقاهرة وتسليمه إليه ليحوزه لجهة وقفه. وفي 18 من إبريل سنة 1933 قضت محكمة مصر الشرعية برفض دعوى المطعون ضدّه، فاستأنف حكمها لدى المحكمة العليا التي قضت في 26 من يونيه سنة 1933 برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. بعد ذلك أقام المطعون ضدّه على الطاعنين الدعوى رقم 313 سنة 1939 أمام محكمة مصر الابتدائية وطلب فيها الحكم بتثبيت ملكية وقف الحاج سليمان الغزى المشمول بنظره للمنزل رقم 12 بشارع الرملي بالقاهرة الذي كان من قبل موضوع النزاع لدى المحكمة الشرعية وتسليمه إليه مع إلزام الطاعنين بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. دفع الطاعنان بعدم جواز نظر دعوى المطعون ضدّه لسبق الفصل فيها نهائياً من المحكمة الشرعية فقضت محكمة مصر الابتدائية في 18 من مارس سنة 1940 برفض الدفع وجواز نظر الدعوى وحدّدت لنظر الموضوع جلسة 13 من مايو سنه 1940. استأنف الطاعنان ذلك الحكم لدى محكمة استئناف مصر طالبين إلغاءه والقضاء بعدم جواز نظر الدعوى. وفي أثناء نظر ذلك الاستئناف قضت المحكمة الابتدائية تمهيدياً في 10 من يونيه سنة 1940 بندب خبير لتطبيق مستندات الطرفين على العين المتنازع بشأنها لمعرفة في ملكية أي الوقفين تدخل. وبعد صدور هذا الحكم التمهيدي عدّل الطاعنان طلباتهما الأصلية في الاستئناف بأن زادا عليها طلب إلغاء الحكم التمهيدي أيضاً. وفي جلسة 11 من مايو سنة 1941 قضت محكمة استئناف مصر بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكمين المستأنفين وألزمت الطاعنين بالمصاريف وبمبلغ 300 قرش مقابل أتعاب المحاماة، أعلن الحكم الاستئنافي إلى الطاعنين في 12 من يونيه سنة 1941، فطعنا فيه بطريق النقض في 12 من يوليه سنة 1941... إلخ.


المحكمة

وحيث إن الطاعنين يبنيان طعنهما على سببين: (الأوّل) خطأ في تطبيق القانون وتأويله. وبيانه أن المطعون ضدّه هو الذي أثار النزاع الأوّل أمام المحكمة الشرعية فكان هذا تسليماً منه باختصاصها وولايتها، ووافقه الطاعنان على ذلك، وسارت الدعوى في جميع أدوارها باتفاق الطرفين على اختصاص المحكمة الشرعية بنظرها طبقاً للمادة 26 من لائحة ترتيبها الصادرة في سنة 1931 إلى أن فصل فيها نهائياً. ويضيف الطاعنان إلى ذلك أن النزاع في تبعية عين لجهة وقف إن هو إلا نزاع متعلق بأصل الوقف، وخاصة إذا لوحظ أن العين المتنازع بشأنها وقفت بحجة استبدال، والبحث في شأنها يتناول حجة الاستبدال نفسها، فهو إذن بحث في أصل الوقف. (الثاني) بطلان الحكم لنقص في التسبيب، وبيانه أن الحكم المطعون فيه لم يبين الأسباب الكافية التي تبرر رفضه الأخذ بوجهة نظر الطاعنين بشأن ولاية المحاكم الشرعية في الفصل في النزاع.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن ذكر أن موضوع النزاع الذي طرح أمام المحكمة الشرعية فقضت فيه بالحكمين الصادرين في 18 من إبريل سنة 1933 و26 من يونيه سنة 1933 لا يختلف في شيء عن موضوع الدعوى الصادر فيها الحكمان المستأنفان وقال إنه نزاع في الملكية - بعد أن ذكر الحكم ذلك قرّر أن ولاية المحاكم الشرعية مقصورة على الفصل في المنازعات المتعلقة بأصل الوقف، وأن المحاكم الأهلية هي وحدها صاحبة الولاية في الحكم في أمر تبعية عقار لجهة وقف أو في تملك شخص لعين موقوفة. وخلص من ذلك إلى القول بتأييد الحكمين المستأنفين القاضي أحدهما برفض الدفع الفرعي بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها من المحكمة الشرعية.
وحيث إن النزاع بشأن تبعية عين لجهة وقف هو في الواقع نزاع مدني متعلق بالملكية ولا علاقة له بأصل الوقف ولا بما اختصت المحاكم الشرعية بنظره في الحدود المنصوص عليها قانوناً فيكون الفصل فيه من اختصاص المحاكم المدنية.
وحيث إن مقطع النزاع في هذا الطعن مع ذلك هو هل يكتسب الحكم النهائي الصادر من المحكمة الشرعية في دعوى تبعية عين لجهة وقف حجية الشيء المقضى به.
وحيث إن المحاكم الشرعية هي في الواقع محاكم القانون العام بالنسبة للمنازعات المتعلقة بالأوقاف، كما يستفاد ذلك من نصوص المواد 26 و27 و28 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والمادة 16 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية، فهي إذن صاحبة الولاية العامة في مشاكل الأوقاف. ولا يخرج من ولايتها هذه غير المنازعات المدنية البحتة التي تكون من اختصاص المحاكم المدنية.
وحيث إن صدور حكم نهائي من محكمة غير مختصة في الأصل بإصداره لا يمنع من اكتسابه حجية الشيء المقضى به متى تراضى الخصوم على التقاضي أمامها أو قبلوا اختصاصها وكانت تلك المحكمة غير ممنوعة في الأصل من الفصل في النزاع بنص في القانون أو بحكم القواعد الأساسية التي بنى عليها الشارع توزيع ولاية القضاء على الهيئات القضائية المختلفة.
وحيث إنه إذا نظرت محكمة شرعية برضاء الخصوم في نزاع مدني متعلق بوقف وفصلت فيه نهائياً فإن حكمها يكتسب حجية الشيء المقضى به، ولا يجوز تجديد النزاع بعد ذلك، لأن الفصل في هذا النزاع لا يصح اعتباره متجافياً عن طبيعة ولاية المحاكم الشرعية، وليس فيه سوى توسع في نطاق اختصاصها في مسائل الأوقاف بناء على رضاء الخصوم وقبولهم حملاً على نصوص لائحة ترتيب تلك المحاكم.
وحيث إنه بناء على ما تقدّم يكون الحكم النهائي الصادر من المحكمة الشرعية برفض دعوى المطعون ضدّه حكماً مكتسباً حجية الشيء المقضى به ومانعاً من تجديد النزاع أمام المحكمة المدنية، ويكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون على الواقعة الثابتة فيه ويتعين نقضه.
وحيث إن الدعوى صالحة للفصل في موضوعها.
وحيث إنه للأسباب السالف ذكرها يتعين قبول الدفع المقدّم من الطاعنين بعدم جواز سماع الدعوى لسبق الفصل فيها نهائياً من المحكمة الشرعية وإلغاء الحكمين الصادرين من المحكمة الابتدائية اللذين قضى الحكم المطعون فيه بتأييدهما.