أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 29 - صـ 735

جلسة 14 من مارس سنة 1978

برياسة السيد المستشار صلاح الدين حبيب نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد صدقي العصار، وزكي الصاوي صالح؛ وجلال الدين رافع، ومحمد طه سنجر.

(144)
الطعن رقم 394 لسنة 44 القضائية

(1) إثبات "القرائن القانونية". وصية. نقض.
قرينة المادة 917 مدني. شرط قيامها. عدم جواز التمسك بهذه القرينة لأول مرة أمام محكمة النقض.
(2) مرض الموت. محكمة الموضوع.
المرض الذي يطول أمده عن سنة. لا يعتبر مرض موت إلا إذا اشتدت وطأته وفي فترة الشدة الطارئة. تقدير ذلك. من سلطة محكمة الموضوع.
1 - تنص المادة 917 من القانون المدني على قرينة قانونية قوامها اجتماع شرطين: أولهما: احتفاظ المتصرف بحيازة العين المتصرف فيها، ثانيهما: احتفاظه بحق الانتفاع على أن يكون الاحتفاظ بالأمرين مدة الحياة، ومؤدي هذه القرينة - على ما هو ظاهر من نص المادة - اعتبار التصرف مضافاً إلى ما بعد الموت فتسري عليه أحكام الوصية ما لم يقم دليل يخالف ذلك. ولما كان تحقيق القرينة المذكورة بشرطيها وجواز التدليل على عكسها من أمور الواقع الذي تستقل به محكمة الموضوع، وكان الطاعنون لم يتمسكوا بالقرينة المستمدة من المادة 917 من القانون المدني ولم يطرحوا الواقع الذي تقوم عليه أمام محكمة الموضوع، فإنه لا يجوز لهم التحدي بهذه القرينة لأول مرة أمام محكمة النقض.
2 - المرض الذي يطول أمده عن سنة لا يعتبر مرض موت إلا إذا اشتدت وطأته وهو لا يعتبر كذلك إلا في فترة الشدة الطارئة إذ أن فيها ما يقطع عن المريض الرجاء ويشعره بدنو أجله. وما يعتبر بهذا الوصف شدة للمرض من أمور الواقع التي يستقل بها قاضي الموضوع.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في إن الطاعنين أقاموا الدعوى رقم...... مدني المنيا الابتدائية وطلبوا الحكم ببطلان العقد المسجل في 22/ 9/ 1970 تحت رقم 3362 لسنة 1970 الذي باع بموجبه والدهم المرحوم...... إلى زوجة المطعون عليها المنزل المبين بالصحيفة وذلك استناداً إلى صورية هذا البيع وصدوره من مورثهم في مرض الموت. وبتاريخ 12/ 2/ 1972 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعنون أن عقد البيع المشار إليه صوري وأنه أبرم بقصد حرمانهم من الميراث وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين قضت في 28/ 10/ 1972 برفض الدفع بالصورية وبإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعنون أن البيع صدر من مورثهم وهو في مرض الموت. وفي 12/ 5/ 1973. وبعد سماع شهود الطرفين عادت المحكمة وحكمت برفض الدعوى. استأنف الطاعنون هذا الحكم بالاستئناف رقم..... استئناف بني سويف "مأمورية المنيا" وبتاريخ 19/ 2/ 1974 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. عرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى الطاعنون بالوجه الأول من السبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون. وفي بيان ذلك يقولون أنه لما كان الثابت أن مورثهم رغم تصرفه بالبيع لزوجته المطعون عليها، ظل مقيماً في المنزل المبيع منتفعاً به حتى وفاته، فقد توفرت بذلك القرينة المنصوص عليها في المادة 917 من القانون المدني. ويكون التصرف في حقيقته تصرفاً مضافاً إلى ما بعد الموت وخاضعاً لأحكام الوصية، وإذ التفت الحكم المطعون فيه عن تلك الحقيقة فإنه يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول ذلك أن المادة 917 من القانون المدني تنص على قرينة قانونية قوامها اجتماع شرطين: أولهما احتفاظ المتصرف بحيازة العين المتصرف فيها وثانيهما: احتفاظه بحق الانتفاع على أن يكون الاحتفاظ بالأمرين مدى الحياة، ومؤدى هذه القرينة - على ما هو ظاهر من نص المادة. اعتبار التصرف مضافاً إلى ما بعد الموت فتسري عليه أحكام الوصية ما لم يقم دليل يخالف ذلك ولما كان تحقيق القرينة المذكورة بشرطها وجواز التدليل على تمسكها من أمور الواقع الذي تستقل به محكمة الموضوع وكان الطاعنون لم يتمسكوا بالقرينة المستمدة من المادة 917 من القانون المدني ولم يطرحوا الواقع الذي تقوم عليه أمام محكمة الموضوع، فإنه لا يجوز لهم التحدي بهذه القرينة لأول مرة أمام محكمة النقض.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالوجه الثاني من السبب الأول وبالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقولون إن الحكم المطعون فيه اتخذ من الإقرار المقدم من المطعون عليها والصادر من وكيل مكتب بريد سمالوط والمتضمن ما يفيد أن المورث كان يقبض معاشه ويوقع على كشوف المعاشات بنفسه بمكتب البريد حتى شهر يونيه سنة 1971 - قرينة على أن المورث كان يباشر أعماله العادية خارج منزله وقت حصول التصرف وبالتالي على أنه لم يكن مريضاً مرض موت، على الرغم من أن هذه القرينة في ذاتها قاصرة عن إعطاء الدلالة اليقينية على ما استخلصته المحكمة - إذ كان يتعين عليها أن تتأكد بنفسها من صحة ما تضمنه هذا الإقرار بأن تأمر بضم كشوف المعاشات للاطلاع على توقيعات المورث عليهم وهو أمر يعيب حكمها بالفساد في الاستدلال هذا فضلاً عن أن الحكم أخطأ في تفهم صحيح القانون عن مرض الموت ذلك أن قيام المتصرف ببعض الأعمال في فترات متقطعة من مدة مرضه لا يمنع من اعتبار المرض مرض موت متى كان شديداً يغلب فيه الهلاك وينتهي بالموت ولكن الحكم المطعون فيه لم يعن ببيان طبيعة المرض الذي أصاب المورث وأثره على نفسيته وبداية اشتداده وعلاقة ذلك بالتصرف محل النزاع وهو ما يعيب الحكم بالقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن المرض الذي يطول أمده عن سنة لا يعتبر مرض موت إلا إذا اشتدت وطأته وهو لا يعتبر كذلك إلا في فترة الشدة الطارئة إذ أن فيها ما يقطع عن المريض الرجاء ويشعره بدنو أجله. وما يعتبر بهذا الوصف شدة للمرض هو من أمور الواقع التي يستقل بها قاضي الموضوع. ولما كان الحكم المطعون فيه قد رفض دفاع الطاعنين في خصوص صدور التصرف في مرض موت المورث استناداً إلى أن محكمة أول درجة استعرضت في حكمها الذي أصدرته.. بجلسة 1/ 5/ 1973 برفض الدعوى أقوال شاهدي الإثبات.. في شأن مرض الموت، كما استعرضت ما قرره.. شاهدا النفي في هذا الشأن وخلصت إلى أن شاهدي الإثبات يقرران أن المرض استطال أكثر من سنة (منذ عامي 1965/ 1966) وأنها لا تطمئن إلى ما زعماه من اشتداد وطأة المرض عليه في الآونة الأخيرة بحيث أصبح طريح الفراش وممتنعاً عن الكلام خصوصاً وأن الزوجة قد قدمت من بين مستنداتها إقراراً محرراً بمعرفة وكيل بريد سمالوط يفيد أن المورث كان يقوم بقبض معاشه بنفسه وبتوقيعه على كشوف المعاشات بمكتب البريد حتى معاش شهر يوليو سنة 1971 وخلصت في النهاية إلى أن العقد الذي حرره المورث في 17/ 9/ 1970 لم يحرر في مرض الموت.. كل ذلك في أسباب سائغة تعتمدها هذه المحكمة وتؤيدها مما مفاده أن المحكمة نفت صدور التصرف محل النزاع في مرض موت المورث تأسيساً على ما شهد به بعض الشهود من استطالة المرض أكثر من سنة فضلاً عن القرينة التي استخلصتها من الإقرار الذي حرره وكيل مكتب البريد والذي استدلت منه على عدم صحة أقوال شاهدي الإثبات في خصوص اشتداد مرض المورث. وإذا كان هذا الذي انتهى إليه الحكم يتفق وصحيح أحكام القانون ويقوم على أسباب سائغة لها أصلها الثابت في الأوراق ومؤدياً إلى النتيجة التي خلصت إليها المحكمة فهذا حسبها، ولا حاجة لها بعد أن أوردت الحقيقة التي اقتنعت بها للتحدث عن المرض الذي كان المورث مصاباً به أو أن تجرى تحقيقاً في شأن الإقرار الذي حرره وكيل مكتب البريد، من ثم فإن النعي على الحكم بالفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون والقصور يكون لا محل له.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.