مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع - صـ 97

جلسة أول إبريل سنة 1943

برياسة حضرة عبد الفتاح السيد بك رئيس المحكمة وبحضور حضرات: حسن زكي محمد بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك ونجيب مرقس بك المستشارين.

(41)
القضية رقم 52 سنة 12 القضائية

أ - نقض وإبرام. حكم بعدم قبول طلب تعجيل الدعوى بناءً على الحكم الصادر فيها ببطلان المرافعة صار نهائياً. حكم منه للخصومة. الطعن فيه بطريق النقض. جائز.
(المادة 9 من القانون رقم 68 لسنة 1931).
ب - دعوى. صفة. خصم قاصر. تمثيل والده له. بلوغ القاصر الرشد في أثناء الخصومة. عدم علم الخصم الآخر بتغير حالة القاصر. استمرار حضور والده عنه بقبوله ورضائه. قيام هذه النيابة. تقدير موضوعي. الحكم الصادر في الدعوى. سريانه على القاصر.
1 - القضاء بعدم قبول تعجيل الدعوى بناءً على أن الحكم الصادر فيها ببطلان المرافعة قد صار نهائياً هو حكم قطعي مُنْه للخصومة، فالطعن فيه بطريق النقض جائز طبقاً للمادة التاسعة من قانون محكمة النقض.
2 - إذا كان أحد خصوم الدعوى قاصراً يمثله والده فيها تمثيلاً صحيحاً، ثم لما بلغ رشده في أثناء التقاضي استمر والده يحضر عنه بقبوله ورضائه، فإن هذا التمثيل يجب أن ينتج كل آثاره القانونية، فيكون الحكم الصادر في الدعوى كما لو كان القاصر بعد بلوغه قد حضر بنفسه الخصومة. وخصوصاً إذا كان خصم القاصر لم يكن على بينة من التغير الطارئ على حالته، فإنه يكون معذوراً إذا هو لم يكن قد وجه الإعلانات المتعلقة بالخصومة إليه شخصياً. على أن الرأي في قيام هذه الإنابة أو عدم قيامها مما يتعلق بالوقائع، فلا سبيل للجدل فيه لدى محكمة النقض متى كانت النتيجة التي انتهت إليها محكمة الموضوع خالصة مما يؤدي إليها [(1)].


الوقائع

تتحصل وقائع هذه الدعوى في أن المطعون ضدها رفعت الدعوى رقم 130 سنة 1927 أمام محكمة كوم أمبو ضد علي محمود محمد علي وآخرين طلبت فيها الحكم بثبوت ملكيتها إلى 7 س و14 ط و7 ف شيوعاً في 20 س و6 ط و144 ف وإلى 18 ط و1518 ذراعاً شيوعاً في منزل مساحته 4050 ذراعاً وإلى 337.5 ذراعاً شائعاً في منزل مساحته 4500 ذراع مع كف المنازعة والتسليم وإلزام المدعى عليهم بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. وأثناء نظر الدعوى طلب التدخل فيها كل من علي محمود وأحمد محمد علي طه. وبجلسة 31 من ديسمبر سنة 1928 قررت المحكمة قبول هذا التدخل.
وبتاريخ 28 من مايو سنة 1929 قضت محكمة أول درجة بثبوت ملكية المطعون ضدها إلى 15 س و19 ط و4 ف شائعة في 2 س و2 ط و24 ف وإلى 18 ط و1518 ذراعاً شائعة في منزل مساحته 4050 ذراعاً، وإلى337.5 ذراعاً شائعاً في منزل مساحته 4500 ذراع وكف المنازعة والتسليم وإلزام علي محمود محمد علي والأخصام الآخرين بالمصاريف وإخراج باقي المدعى عليهم من الدعوى بلا مصاريف.
وبتاريخ 15 من سبتمبر سنة 1929 استأنف علي محمود محمد على هذا الحكم لدى محكمة قنا الابتدائية وطلب الحكم بقبول الاستئناف شكلاً وبقبول الدفع الفرعي بعدم اختصاص محكمة أول درجة بالفصل في هذه الدعوى، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى فاطمة حسنين مع إلزامها بمصاريف الدرجتين وأتعاب المحاماة. ولتعديل القانون فيما يختص بالنصاب قررت محكمة قنا الابتدائية إحالة هذا الاستئناف إلى محكمة استئناف أسيوط لاختصاصها، وحددت لذلك جلسة 7 من أكتوبر سنة 1930 وفي هذه الجلسة أوقفت الدعوى لوفاة المستأنف وكذلك لوفاة مدينه موسى.
وبتاريخ 9 من فبراير سنة 1931 عجلت فاطمة حسنين الاستئناف لجلسة 11 من مارس سنة 1931 وحل محل المستأنف علي محمود محمد علي ورثته ومن بينهم محمد عدلان عن نفسه وبصفته ولياً على أولاده القصر مصطفى وخديوية وشاذلية. وأثناء نظر الدعوى بالاستئناف قرر محمد عدلان المذكور بجلسة 16 من نوفمبر سنة 1932 أن نفيسة علي محمود إحدى ورثة المستأنف توفيت وأنه هو وأولاده القصر هم ورثتها، وأنه هو الممثل لهؤلاء القصر باعتباره ولي أمرهم، ووجه الخصومة إلى المستأنف ضدها (المطعون ضدها) بهذه الصفة.
وبجلسة 12 من مايو سنة 1936 أوقفت الدعوى مرة أخرى لوفاة يوسف موسى أحد المستأنف ضدهم.
ثم رفعت فاطمة حسنين (المطعون ضدها) الدعوى رقم 121 سنة 14 قضائية ببطلان المرافعة ضد جميع الخصوم ومنهم محمد عدلان عن نفسه وبصفته ولي أمر خديوية ومصطفى لدى محكمة استئناف أسيوط، وذلك في الاستئناف رقم 178 سنة 5 قضائية أسيوط، وبتاريخ 13 من مارس سنة 1941 قضت لها محكمة استئناف أسيوط بطلباتها وإلزام المدعى عليهم بالمصاريف.
وبتاريخ 22 و23 من إبريل سنة 1941 عجل مصطفى محمد عدلان الاستئناف رقم 178 سنة 5 قضائية أسيوط، وقد دفعت فاطمة حسنين بعدم قبول طلب التعجيل لأن الاستئناف سبق أن فصل فيه ببطلان المرافعة، وأما طالب التعجيل (الطاعن) فقد استند إلى أنه كان قد اختصم في دعوى بطلان المرافعة بصفته قاصراً وممثلاً في شخص والده وولي أمره محمد عدلان في حين أنه كان قد بلغ سن الرشد قبل رفع دعوى بطلان المرافعة.
وبتاريخ 26 من إبريل سنة 1942 حكمت المحكمة بقبول الدفع وبعدم قبول تعجيل الدعوى لسبق الحكم فيها ببطلان المرافعة في الدعوى رقم 121 سنة 14 قضائية وألزمت مصطفى محمد عدلان بالمصاريف وبمبلغ 200 قرش مقابل أتعاب المحاماة لفاطمة حسنين عبد الرحمن.
وبتاريخ 28 من يوليو سنة 1942 قرر مصطفى محمد عدلان بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدها إلخ إلخ.


المحكمة

من حيث إن المطعون ضدها دفعت بعدم قبول الطعن لأنه خاص بإجراء في الدعوى وهو قبول طلب التعجيل أو عدم قبوله، وهو مما لا يصح الطعن فيه بطريق النقض.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قضى بعدم قبول طلب التعجيل على اعتبار أن الحكم ببطلان المرافعة أصبح نهائياً وأن لا حق للطاعن في تعجيل الاستئناف فهو حكم قطعي انتهت به الخصومة. ومن ثم فالطعن فيه بطريق النقض مقبول طبقاً للمادة التاسعة من قانون محكمة النقض والإبرام.
وحيث إن أوجه الطعن تتحصل فيما يأتي: أولاً - خالف الحكم المطعون فيه نص المادة 232 من القانون المدني إذ اعتبر الطاعن ممثلاً تمثيلاً صحيحاً في شخص والده باعتباره ولياً شرعياً في حين أنه كان قد بلغ سن الرشد وقت إعلان دعوى بطلان المرافعة إلى أبيه فهو لم يحضر فيها بنفسه ولا بواسطة من يملك تمثيله قانوناً. وقد خالف الحكم المطعون فيه القانون من ناحية أخرى إذ اعتبر أنه كان يجب على الطاعن أن يتقدم في دعوى بطلان المرافعة بصفته بالغاً للدفاع عن حقه مع أنه غير مطلوب قانوناً من شخص لم ترفع عليه الدعوى أن يحضر فيها للدفاع عن نفسه لأن الحكم الذي يصدر بغير إعلانه لا يكون حجة عليه. ثانياً - ينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه قصوره في التسبيب. ويقول في بيان ذلك أن الحكم المطعون فيه اعتبر أن الطاعن تواطأ مع أبيه على إخفاء بلوغ أولهما سن الرشد دون أن تبين مصدر علم الطاعن بدعوى بطلان المرافعة وكيفية هذا التواطؤ والدليل عليه فيما يختص به، فضلاً عن أن واقعة بلوغ سن الرشد ليست من الوقائع التي يمكن إخفاؤها على الخصوم ما دام في مكنتهم الرجوع إلى دفاتر المواليد.
وحيث إن الحكم المطعون فيه اعتبر الحكم القاضي ببطلان المرافعة حجة على الطاعن وقال في هذا الصدد: "وحيث إنه ثابت من الأوراق أن مصطفى محمد عدلان المذكور كان ممثلاً في الدعوى الأصلية في شخص والده محمد عدلان بصفته وليه الشرعي وقد أوقفت الدعوى لوفاة أحد المستأنف عليهم وهو ممثل بتلك الصفة الصحيحة ثم أعلن في دعوى بطلان المرافعة بالصفة المذكورة ولكنه رغماً عن بلوغه سن الرشد في ذلك الوقت، كما يقول، لم يحرك ساكناً للتدخل في الخصومة بصفته الجديدة. كما أن والده محمد عدلان استمر في الخصومة باعتباره وليه الشرعي مع علمه بالتغيير الذي طرأ على صفة ابنه المذكور، وأخفى هذا الأمر على المستأنف عليها التي ما كانت تعلم به. فسلوك الوالد على هذا النحو يستدل منه على تواطئهما معاً على إخفاء الصفة الجديدة عن المستأنف عليها للإضرار بحقوقها، فلا يصح أن ينبني على مثل هذا التواطؤ أي أثر قانوني، وهما اللذان يجب أن يتحملا نتيجته، وليس لهما أن يحتجا على المستأنف عليها ببطلان الحكم الصادر ببطلان المرافعة بحجة أنه قد بني على إجراء باطل طالما أنهما هما اللذان قد تعمدا أن يخفيا عنها الصفة الجديدة المقول بها، وأنهما قبلا توجيه الخصومة إليهما بالصفة القديمة، ومن ثم يكون ذلك الحكم الذي قضى ببطلان المرافعة في الدعوى حجة على المستأنف مصطفى محمد عدلان وليس له - بناءً على ذلك - الحق في تعجيل الدعوى وطلب السير فيها ويتعين الحكم بعدم قبول هذا التعجيل".
وحيث إنه يخلص مما ذكر أن الحكم المطعون فيه اعتبر الحكم القاضي ببطلان المرافعة حجة على مصطفى عدلان بناءً على ما اقتنعت به المحكمة من أن والده كان يمثله تمثيلاً صحيحاً في الخصومة حتى إذا ما بلغ سن الرشد أثناء التقاضي استمر تمثيل والده له بقبوله ورضائه على الأقل بصرف النظر عن قصد الإضرار بالمطعون ضدها، ومن ثم يجب أن ينتج هذا التمثيل كل آثاره القانونية، ويعتبر الحكم كما لو كان القاصر بعد بلوغه سن الرشد حاضراً في الخصومة بنفسه، وما دامت المطعون ضدها لم تكن على بينة من تغير حالة الابن (الطاعن) فلا لوم عليها إذا هي لم توجه الإعلانات المتعلقة بالخصومة إلى الابن نفسه بناءً على استمرار هذا التمثيل. وإذ كان ما رأته المحكمة في صدد هذه الإنابة أمراً متعلقاً بتقدير الوقائع واستخلاص ما تؤدي إليه من نتائج فلا سبيل للجدل في ذلك لدى محكمة النقض.


[(1)] كان الحكم الذي أراد القاصر التنصل من أثره قد صدر ببطلان المرافعة في الاستئناف المرفوع من والده بصفته ولياً له، وكان دفاع القاصر في طلب التعجيل المقدم منه بعد ذلك الحكم أن طلب بطلان المرافعة قد أعلن إلى وليه في حين أنه كان قبل إعلان ذلك الطلب قد بلغ الرشد. ولم تر محكمة النقض - على ما يظهر من حكمها - أن تعتبر إعلان طلب المرافعة مبدءاً لخصومة جديدة رغم ظاهر نص المادة 302 (مرافعات) بل اعتبرت حضور الوالد بصفته ممثلاً لابنه في دفع هذا الطلب الحادث "مجرد استمرار" في الخصومة عنه بهذه الصفة في الخصومة الأصلية.
ولما كانت الخصومة تنقطع حتماً بزوال صفة الخصم ويترتب على انقطاعها بطلان الإجراءات والأحكام - التالية لحدوث سبب الانقطاع - في حق صاحب الصفة الجديد، فإن محكمة النقض لم تر بداً، لتصحيح حكم بطلان المرافعة في حق الابن، من إبرام الحكم المطعون فيه فيما ذهب إليه من قيام النيابة بين الوالد وابنه بعد بلوغه الرشد ومن اعتبار القول بقيام هذه النيابة (أي الوكالة في هذه الحالة) من التقديرات الموضوعية التي لا سلطان لمحكمة النقض فيها على محكمة الموضوع. ولم تحفل محكمة النقض بما نعى الطاعن على الحكم من قصور في تسبيب قضائه بقيام التواطؤ بين الوالد وابنه على إخفاء الصفة الجديدة، رغم خلو هذا الحكم - في الواقع - من أي دليل على علم الابن بقيام الدعوى عليه في مواجهة أبيه أو على قبوله لوكالته عنه.
وعلى أن محكمة النقض قد ذهبت إلى أبعد مما يكفي لإقامة حكمها - على فرض ثبوت الوكالة بين الأب وابنه - فتحدثت عن أن المطعون ضدها لم تكن على بينة من تغير حالة الابن وأنها لا لوم عليها إذن إذا هي لم توجه الإعلانات المتعلقة بالخصومة إلى الابن نفسه. ولعل الاعتذار يجهل الخصم تغير حالة خصمه مع انتفاء الخطأ من جانب الخصم الذي تغيرت حالته - لعله أن يكون محل نظر، وخصوصاً حين يكون تغير الحالة ببلوغ الرشد ونحوه من العوارض التي يجب إدخالها في حساب الحاسب وترقبها على مر الأيام.
وفي الحق أنه متى كان غرض الشارع من انقطاع المرافعة هو حماية ورثة المتوفى ومن في حكمهم، وليس هو معاقبة خصوم هؤلاء على إهمالهم أو تقصيرهم في مراقبة التغير في صفات خصومهم، فلا يكون ثمة محل للاعتبار بجهل أولئك أو بعذرهم. (يراجع الدكتور محمد حامد فهمي كتاب المرافعات رقم 495 ص 530 وهامشها).