مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع - صـ 103

جلسة أول إبريل سنة 1943

برياسة حضرة عبد الفتاح السيد بك رئيس المحكمة وبحضور حضرات: حسن زكي محمد بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك ونجيب مرقس بك المستشارين.

(42)
القضية رقم 53 سنة 12 القضائية

دعوى إبطال التصرف. تواطؤ المدين مع من تصرف إليه. حق صاحب الدين الثابت في اقتضاء دينه من مدينه غير التاجر في أي وقت، وفي الاتفاق معه على طريقة الوفاء نقداً أو بمقابل. لا تأثير في ذلك لمجرد علم الدائن بما لغيره من دين. تمسك المتصرف إليه بأن البيع كان تسوية لمعاملات سابقة بينه وبين البائع. استناده في ذلك إلى مستندات. إهمال المحكمة بحث هذه المستندات قولاً منها بتواطؤ المشتري مع البائع لعلم المشتري بدين غيره. قصور في التسبيب وإخلال بحق الدفاع.
(المادة 143 مدني)
إن طلب إبطال التصرف الحاصل من المدين عملاً بالمادة 143 من القانون المدني يقتضي أن يثبت الدائن تواطؤ مدينه مع من تصرف إليه، وأن يكون التصرف ذاته قد أدى إلى إعسار المدين بحيث لم يعد لديه ما يوفى بحق الدائن المدعي. هذا هو حكم القانون على إطلاقه. إلا أنه يجب أن يلاحظ في تطبيقه أن لمن يكون له دين ثابت الحق في أن يقتضي دينه من غريمه غير التاجر في أي وقت شاء، وأن يتفق معه على طريقة الوفاء، سواء أكان ذلك عيناً أم بمقابل (Dation en payement). ولا يؤثر في ذلك علم هذا الدائن بما لغيره من دين، بل إذا كان هناك مطعن فلا سبيل لتوجيهه إلا إلى الحق الذي اتخذ أساساً للاتفاق أو إلى المحاباة التي قد تقع فيه. فإذا كان المشتري قد تمسك بأن البيع الصادر إليه إنما كان تسوية لمعاملات سابقة بينه وبين البائع مستنداً في ذلك إلى عقود مسجلة وإلى مستندات أخرى قدمها لتأييد دعواه، فلم تتناول المحكمة هذه الأوراق بالبحث والتمحيص لكي تقول كلمتها فيها، بل استخلصت من مجرد علم المشتري بدين غيره على مدينه دليلاً على تواطئه مع البائع، وحكمت في الدعوى على هذا الأساس، فإن حكمها يكون مشوباً بالقصور في أسبابه.


الوقائع

تتحصل وقائع هذا الطعن في أن الطاعن رفع أمام محكمة مصر الابتدائية الدعوى رقم 1023 سنة 1933 كلي ضد حسنين شحاته مورث المطعون ضدهم وحافظ زين الدين وقلم كتاب محكمة مصر، وقال في صحيفتها إنه يمتلك منزلاً و18 س و8 ط و15 ف آلت إليه بطريق الشراء من حافظ زين الدين بموجب عقد مصدق عليه في 22 من مارس سنة 1932 ومسجل في 30 من ذلك الشهر، وإنه واضع اليد على هذه العقارات من تاريخ الشراء كما كان واضعاً اليد عليها من قبل، بعضها بطريق الرهن الحيازي والبعض بطريق البيع الوفائي بمقتضى عقد يرجع تاريخه إلى 15 من مايو سنة 1924، وإنه لدين مطلوب لمورث المطعون ضدهم قبل حافظ زين الدين (البائع) شرع هذا المورث في نزع ملكية العقارات على اعتبار أنها مملوكة للمدين. وطلب الطاعن في نهاية الصحيفة الحكم له بملكيته لهذه العقارات ومحو ما توقع عليها من التسجيلات بناءً على طلب مورث المطعون ضدهم مع الحكم على من ترى المحكمة إلزامه بالمصاريف.
وفي 22 من إبريل سنة 1934 قضت محكمة مصر للطاعن بطلباته وألزمت المورث بالمصاريف.
استأنف المورث الحكم أمام محكمة استئناف مصر بالاستئناف رقم 1084 سنة 51 قضائية.
وفي 21 من إبريل سنة 1935 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المستأنف عليه (الطاعن) مع إلزامه بالمصاريف وثمانية جنيهات مقابل أتعاب المحاماة.
فرفع الطاعن عن ذلك الحكم طعناً إلى محكمة النقض والإبرام قيد برقم 94 سنة 5 قضائية. وفي 21 من مايو سنة 1936 قضت المحكمة بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة الدعوى لمحكمة الاستئناف للحكم فيها من جديد.
نظر الاستئناف من جديد. وفي 27 من يونيو سنة 1937 قضت محكمة الاستئناف بعدم قبول الاستئناف شكلاً وألزمت مورث المطعون ضدهم بالمصاريف. فطعن هذا الأخير في الحكم بطريق النقض وقيد طعنه برقم 77 سنة 7 قضائية. وفي 17 من مارس سنة 1938 قضت محكمة النقض والإبرام بنقض الحكم المطعون فيه وبإعادة الدعوى لمحكمة الاستئناف للحكم في الموضوع دون الشكل وألزمت حسن علي العوادلي (الطاعن الحالي) بالمصاريف.
نظر الاستئناف للمرة الثالثة. وفي 19 من مايو سنة 1942 قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الطاعن مع إلزامه بالمصاريف وخمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة.
أعلن الحكم للطاعن في 4 من يوليو سنة 1942 فقرر وكيله الطعن فيه بطريق النقض في 2 من أغسطس سنة 1942 وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدهم إلخ إلخ.


المحكمة

ومن حيث إن الوجه الأول يتحصل في أن بالحكم المطعون فيه قصوراً في التسبيب بيانه أن الطاعن تقدم لمحكمة الاستئناف بعدة مستندات يؤيد بها دعواه وينفي فكرة التواطؤ بينه وبين المدين حافظ زين الدين حسين إضراراً بالغير، ويثبت أن سبب تحرير عقد البيع الصادر إليه من المدين إنما كان لوفاء الدين المطلوب من هذا المدين من زمن سابق للدين المطلوب لمورث المطعون ضدهم، ولكن محكمة الموضوع لم تتول هذه المستندات بالبحث، كما لم ترد على ما تضمنه الحكم الابتدائي من أسباب تنفي حصول التواطؤ بين الطاعن والمدين.
وحيث إنه يتبين من مراجعة وقائع الدعوى حسبما جاء بالحكم الابتدائي والحكم الاستئنافي المطعون فيه والمذكرات المقدمة إلى القضاء الموضوعي أن الطاعن أسس دعواه على أن الأعيان موضوع النزاع آلت إليه بطريق الشراء من حافظ زين الدين حسين بمقتضى عقد مصدق عليه في 22 من مارس سنة 1932 ومسجل بمحكمة مصر المختلطة في 30 منه برقم 1352 وأن هذا البيع قد تم تسوية للديون المطلوبة من البائع المذكور فقد كان مورث الطاعن علي علي العوادلي واضعاً يده على الأطيان على سبيل الرهن الحيازي منذ سنة 1922 ثم البيع الوفائي المحرر في 15 من مايو سنة 1924 والمسجل في 21 من مارس سنة 1930 برقم 1406.
وحيث إن طلب إبطال التصرف الحاصل من المدين عملاً بالمادة 143 من القانون المدني يقتضي أن يثبت الدائن تواطؤ مدينه مع من تصرف إليه، وأن يكون هذا التصرف بالذات قد أدى إلى إعسار المدين بحيث لم يعد في طاقته الوفاء بحق الدائن الذي يطلب إبطال التصرف. هذا هو حكم القانون؛ إلا أنه يجب أن يلاحظ في تطبيقه أن لمن كان له دين ثابت الحق التام في اقتضاء دينه من غريمه غير التاجر في أي وقت شاء، وفي الاتفاق مع هذا الغريم على طريقة الوفاء سواء كان ذلك نقداً أو عيناً من الأعيان (Dation en payement)، وأنه لا تأثير في ذلك لمجرد علم هذا الدائن بدين غيره، بل إذا كان هناك مطعن فلا سبيل لتوجيهه إلا إلى الحق الذي اتخذ أساساً للاتفاق أو المحاباة التي قد تقع فيه.
وحيث إنه قد تقدم القول بأن ما يتمسك به الطاعن لدى القضاء الموضوعي هو أن البيع الصادر إليه كان تسوية لمعاملات سابقة. وقد استند في ذلك إلى عقود مسجلة ومستندات أخرى قدمها تأييداً لدعواه إلا أن محكمة الموضوع لم تتناول هذه المستندات بالبحث والتمحيص حتى تقول كلمتها فيها بل استخلصت من مجرد علم الدائن بدين غيره دليلاً على التواطؤ مع أن هذا العلم لا تتوافر به وحده شرائط دعوى إبطال التصرف. وكان الأمر يقتضي أن تتحقق المحكمة مما يتمسك به الطاعن من حقوق لو ثبتت لكان لها أثرها في مصير الدعوى.
وحيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد جاء مشوباً بقصور في أسبابه وإخلال بحقوق الدفاع وهو ما يعيبه ويوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن.