مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع - صـ 115

جلسة 15 إبريل سنة 1943

برياسة حضرة عبد الفتاح السيد بك رئيس المحكمة وبحضور حضرات: حسن زكي محمد بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك ونجيب مرقس بك المستشارين.

(46)
القضية رقم 38 سنة 12 القضائية

أ - موظف. مجالس التأديب. هيمنة المحاكم على القرارات التأديبية. مداها. مقصورة على مراقبة استيفاء الشكل والأوضاع.
ب - قوة الشيء المحكوم فيه. العبرة في اتحاد الدعويين. بالسبب المباشر المولد لكل منهما وبماهية الموضوع. دعوى تعويض. اختلاف علة سبب التعويض. اختلاف قيمة التعويض. لا تأثير لهما.
1 - إن الغرض من وضع القوانين الخاصة بمجالس التأديب هو تنظيم علاقة الحكومة بموظفيها لكي يكون العمل سليماً منتجاً مع إحاطة الموظفين بضمانات تكفل لهم العدالة وتبعث في نفوسهم الثقة. وقد نصت المادة السادسة من الأمر العالي الصادر في 24 من مايو سنة 1885 الخاص بمجالس الإدارة والتأديب على أن توقيع الجزاءات التأديبية لا يدخل في دائرة اختصاص المجالس العادية أي المحاكم العادية. إلا أنه إذا كان ممتنعاً على المحاكم أن تعرض لموضوع المحاكمة التأديبية وتبدي رأياً في الحكم التأديبي، فإن لها بحكم أنها صاحبة الاختصاص العام أن تراقب عدم إخلال مجالس التأديب بالضمانات التي كفلت للموظفين العدل وجريان المحاكمة على مقتضى الأشكال والأوضاع المقررة لها في القانون ما دام لا يوجد نص يمنعها من ذلك [(1)]. فلها إذن أن تنظر في صحة تشكيل مجلس التأديب أو المجلس المخصوص وأن تبحث في سلامة إجراءاته وفي أنه لم يخرج في حكمه عن حدود اختصاصه.
2 - إن المدار في وحدة الدعويين، في صدد قوة الشيء المحكوم فيه، هو على ماهية الموضوع في كل دعوى والسبب المباشر الذي تولدت عنه كل منهما. فإذا كان موضوع الدعوى الأولى بين الخصوم هو المطالبة بتعويض، وسببها حفر مسقى، وموضوع الدعوى الثانية المطالبة بتعويض أيضاً، وسببها هي الأخرى حفر المسقى نفسها، فلا يؤثر في وحدتهما اختلاف علة السبب المطلوب التعويض من أجله ولا قيمة التعويض المطالب به.


الوقائع

تتحصل وقائع هذه الدعوى في أن الطاعن رفع الدعوى رقم 446 لسنة 1935 ضد الحكومة وآخرين لدى محكمة مصر الابتدائية. وقد حدد طلباته فيها في مذكرته الختامية التي قدمها للمحكمة الابتدائية على الوجه الآتي: - أولاً - الحكم له على وزارتي الأشغال والداخلية بأن تدفعا له بطريق التضامن مبلغ ألف جنيه تعويضاً عما لحقه من الضرر في أمواله بسبب إجراءاتهما، واحتياطياً تعيين خبير لتقدير ذلك الضرر. ثانياً - الحكم على وزارتي العدل والمالية وعبد العزيز فهمي باشا ومحمد لبيب عطية باشا بأن يدفعوا له بطريق التضامن مبلغ عشرين ألف جنيه تعويضاً عما لحقه من الضرر المادي والأدبي بسبب حرمانه من وظيفته. ثالثاً - الحكم على الحكومة باستحقاقه للعلاوة التي استحقها في شهر مايو سنة 1934 مع عدم التعويل على قرار وزارة الحقانية بحرمانه منها وباستحقاقه لمعاش قدره 500 م و52 ج شهرياً وإلزامها بصرفه له في المواعيد المقررة مع المصاريف وأتعاب المحاماة.
ودفع الطاعن بعدم قبول حضور محامي الحكومة عمن عداها.
وبتاريخ 16 من مارس سنة 1936 حكمت المحكمة: أولاً - برفض الدفع بعدم قبول تمثيل محامي الحكومة لجميع المدعى عليهم وبقبول حضوره عنهم. ثانياً - بقبول الدفع الفرعي وبعدم اختصاص هذه المحكمة بنظر دعوى التعويض المؤسسة على حرمان المدعي من وظيفته، وبعدم جواز نظر دعوى التعويض المؤسسة على ما لحق المدعي من الضرر بسبب حفر المسقى في أرضه لسبق الفصل فيها في الدعوى رقم 2804 سنة 1930 الموسكي. ثالثاً - بشطب العبارات الموضوعة بين قوسين في عريضة الدعوى. رابعاً - رفض باقي الطلبات وإلزام المدعي بجميع المصاريف ومبلغ ألف قرش مقابل أتعاب المحاماة للمدعى عليهم.
استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف مصر طالباً الحكم بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف بكامل أجزائه والقضاء له بطلباته الأصلية.
وبجلسة 28 من ديسمبر سنة 1940 تنازل المستأنف عن مخاصمة عبد العزيز فهمي باشا ومحمد لبيب عطية باشا.
وبجلسة المرافعة الأخيرة قصر طلباته على ما يأتي: أصلياً إلزام وزارتي الأشغال والداخلية بأن تدفعا له بطريق التضامن مبلغ ألف جنيه على سبيل التعويض لما لحقه من الضرر في أمواله الخاصة، واحتياطياً تعيين خبير لتقدير الضرر. ثانياً - الحكم على وزارتي العدل والمالية بأن تدفعا له بطريق التضامن مبلغ عشرين ألف جنيه على سبيل التعويض المادي والأدبي لما لحقه من الضرر بسبب فصله من وظيفته مع الفوائد لغاية الوفاء والمصاريف والأتعاب.
وبتاريخ 22 من يونيو سنة 1941 حكمت محكمة الاستئناف بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنف بمصاريف ثاني درجة وبمبلغ 200 قرش مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.
أعلن هذا الحكم إلى الطاعن في 5 من مايو سنة 1942 فطعن فيه بطريق النقض في 4 من يونيو سنة 1942 بتقرير أعلن للمطعون ضدهم إلخ إلخ.


المحكمة

ومن حيث إن الطاعن يبني هذا الطعن على وجهين:
الأول - هو أن الحكم المطعون فيه باطل بطلاناً جوهرياً لعدم فصل المحكمة في الطلبات المقدمة إليها واقتصارها على الفصل في أمر واحد، وهو الخاص بفصل الطاعن من وظيفته بقرار تأديبي. ويقول الطاعن في بيان ذلك إن دعواه لم تكن مقصورة على فصله بقرار من مجلس التأديب والمجلس المخصوص بل شملت تصرفات أخرى إدارية لم يعرض لها الحكم المطعون فيه وهي: (1) إخلال وزارة العدل بالاتفاق الكتابي بعدم نقله لأسيوط لمرضه. (2) تنزيله من وظيفة باشكاتب محكمة استئناف إلى باشكاتب محكمة ابتدائية. (3) تنزيله من الدرجة الرابعة الممتازة إلى الدرجة الرابعة العادية. (4) خصم خمسة عشر يوماً من ماهيته بدون سبب. (5) معاقبته بإنذار بدون حق بسبب قضية خاصة. (6) منعه من السفر إلى مصر للجلوس بلجنة شئون موظفي محكمتي مصر وأسيوط التي هو عضو فيها. (7) الإيعاز إلى مستخدم بمحكمة استئناف مصر بأن يسند إليه تهماً تخل بالشرف والاعتبار. (8) إحالته إلى مجلس تأديب محكمة استئناف أسيوط الغير المختص والمعيب في تشكيله.
الثاني - أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله فيما قضى به في شأن التعويض الذي طلبه بسبب فصله من وظيفته، وكذلك في التعويض الخاص بسبب حفر مسقى في أرضه.
وقال عن الشطر الأول من هذا الوجه إن قرارات مجالس التأديب إن هي إلا قرارات إدارية لا تحوز قوة الشيء المحكوم به. ولذلك فللمحكمة أن تبحث الشروط التي يجب توافرها فيها حتى تكون سليمة. أما هذه الشروط فهي: أولاً - أن يصدر القرار التأديبي من جهة مختصة بإصداره. ثانياً - أن تراعي في إصداره الأشكال والأوضاع المقررة. ثالثاً - أن لا يخالف في موضوعه نصاً من نصوص القوانين واللوائح المعمول بها. رابعاً - أن يكون كل من الغاية منه والباعث عليه مشروعاً. ويقول الطاعن إنه تمسك بعدم توافر هذه الشروط الأربعة. فقد دفع بعدم اختصاص مجلس تأديب محكمة استئناف أسيوط لأنه عضو في هذا المجلس بوصفه باشكاتباً لهذه المحكمة، وهذا يخرجه حتماً من محاكمته أمام هذا المجلس، وكان يجب محاكمته لدى مجلس تأديب موظفي وزارة العدل. وعاب على تشكيله أن أحد أعضائه الذي جلس ممثلاً للباشكاتب لم يكن باشكاتباً للمحكمة المذكورة، فضلاً عن أنه كان في وظيفة درجتها أقل من درجته. وعاب على الإجراءات أنه تحدد لنظر الدعوى التأديبية يوم 9 من يونيه سنة 1934 فاعتذر بمرضه وأرسل شهادة طبية مؤرخة 6 من يونيو سنة 1934 من مفتش صحة العباسية قرر فيها أن حالة الطاعن الصحية لا تمكنه في هذا الوقت الشديد الحرارة من السفر من مصر إلى أسيوط، ولكن مجلس التأديب قرر رفض الدفع بعدم الاختصاص، وأصدر قراره في الوقت نفسه في الموضوع أيضاً دون أن يمكن الطاعن من إبداء دفاعه فيه، مع أنه لم يرتكب شيئاً من الأفعال التي تستوجب المؤاخذة التأديبية. ويخلص الطاعن من كل هذا إلى أن القرار صدر باطلاً وأن الجزاءات التي توقعت عليه لا سند لها من القانون.
وقال الطاعن عن الشطر الثاني من هذا الوجه، وهو الخاص بالتعويض الذي طلبه عن حفر مسقى في أرضه، إن الحكم بعدم جواز نظر الدعوى بالنسبة له لسبق الفصل فيه من محكمة الموسكي في الدعوى رقم 2804 سنة 1930 جاء مخالفاً للقانون لاختلاف الموضوع والسبب في الدعويين إذ أن موضوع الدعوى التي رفعها الطاعن أمام محكمة الموسكي ضد وزارتي الأشغال والداخلية كان المطالبة بخمسين جنيهاً تعويضاً بسبب صدور قرار من وزارة الأشغال مخالف للقوانين واللوائح، فلما أن حفرت الحكومة بعد ذلك ترعة كبيرة في مكان المسقى الصغيرة التي ادعى عليه بهدمها طلب تعويضاً عن الضرر الذي لحقه من جراء ذلك. وكذلك الحال في السبب فإن سبب دعوى الموسكي هو صدور القرار بحفر الترعة، والسبب في الدعوى الحالية هو إنشاء ترعة في أرضه تحت ستار تنفيذ القرار المذكور بإعادة المسقى إلى أصلها.
وحيث إن كلاً من الحكم الابتدائي والحكم الاستئنافي المطعون فيه أورد طلبات الطاعن الختامية وجاء بهما أن التعويض كان مقصوراً على الضرر الذي أصابه بسبب حرمانه من وظيفته وفصله منها. فقد ورد في الحكم الابتدائي ما يأتي: "من حيث إن المدعي (الطاعن) استقر في مذكرته الختامية على الطلبات الآتي بيانها وهي: أولاً - الحكم على الأشغال والداخلية بأن تدفعا له بطريق التضامن مبلغ ألف جنيه على سبيل التعويض عما لحقه من الضرر في أمواله بسبب إجراءاتهما بحفر مسقى في أطيانه واحتياطياً تعيين خبير لتقدير ذلك الضرر. ثانياً - الحكم على وزارتي الحقانية والمالية والمدعى عليهما السادس والسابع بأن يدفعوا له بطريق التضامن مبلغ عشرين ألف جنيه على سبيل التعويض عما لحقه من الضرر المادي والأدبي بسبب حرمانه من وظيفته". وجاء الحكم المطعون فيه مؤيداً لذلك إذ كرر الطاعن أمام محكمة الاستئناف أن طلبه للتعويض مبني على هذا الأساس، فقد ورد فيه أن الطاعن طلب في الجلسة الأخيرة الحكم على وزارتي العدل والمالية بأن تدفعا له بطريق التضامن مبلغ عشرين ألف جنيه على سبيل التعويض المادي والأدبي لما لحقه من الضرر بسبب فصله من وظيفته. وفي هذا ما يدل على أن وجه النزاع كان مقصوراً على هذا السبب وحده، وأما ما أبداه من التظلم من الإجراءات الإدارية التي اتخذت قبله فكان على سبيل البيان للظروف التي سبقت المحاكمة التأديبية وأدت إلى الحكم عليه من مجلس التأديب ابتدائياً ثم استئنافياً، وهي على كل حال مندمجة في تلك المحاكمة ومرتبطة بها كل الارتباط، ولم يتخذها الطاعن وحدها أساساً للمطالبة بالتعويض، وإذن يكون ما ينعاه الطاعن في هذا الوجه على غير أساس.
وحيث إنه فيما يتعلق بالشق الأول من وجه الطعن الثاني، وهو الخاص بالعيوب في تشكيل مجلس تأديب محكمة استئناف أسيوط وفي إجراءاته، وفيما قضى به موضوعاً، فإنه يتعين البحث في مدى حق المحاكم في الهيمنة على القرارات التأديبية وهل هو مقصور على الشكل والأوضاع أم يتناول موضوع المحاكمة التأديبية.
وحيث إن الحكومة حين وضعت القوانين الخاصة بمجالس التأديب قصدت إلى تنظيم علاقتها بموظفيها حتى يكون عملهم سليماً منتجاً مع إحاطتهم بضمانات تكفل لهم العدالة وتبعث في نفوسهم الثقة. وقد نصت المادة السادسة من الأمر العالي الصادر في 24 من مايو سنة 1885 الخاص بمجالس الإدارة والتأديب على أن توقيع الجزاءات التأديبية لا يدخل في دائرة اختصاص المجالس العادية، والمقصود بالمجالس العادية هي المحاكم العادية كما هو واضح من النص الفرنسي لهذه المادة. وبناءً على هذا النص يمتنع على المحاكم أن تعرض إلى موضوع المحاكمة التأديبية وإبداء رأيها في صواب الحكم التأديبي أو عدم إصابة الحق. ولكن لها، بحكم أنها صاحبة الاختصاص العام إلا ما استثنى، أن تراقب عدم إخلال مجالس التأديب بالضمانات التي كفلت للموظفين معاملتهم بالعدل وأن المحاكمة جرت على مقتضى الشكل والأوضاع المقررة قانوناً. وعلى هذا الأساس لها أن تنظر في صحة تشكيل مجلس التأديب أو المجلس المخصوص، وأن تبحث في سلامة إجراءاته، وفي أنه لم يخرج في حكمه عن حدود اختصاصه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد أصاب إذن في امتناعه عن النظر فيما أثاره الطاعن خاصاً بموضوع التهم التي حوكم من أجلها تأديبياً عملاً بالمادة السادسة من الأمر العالي الصادر في 24 من مايو سنة 1885 التي تقدم ذكرها.
وحيث إنه فيما يتعلق بما أبداه الطاعن من أن مجلس التأديب لم يكن مشكلاً تشكيلاً صحيحاً، وأنه لم يكن مختصاً بالفصل في أمره، فقد أسس الطاعن قوله في ذلك على أنه بحكم القانون عضو في مجلس التأديب بوصفه باشكاتباً لمحكمة استئناف أسيوط، وما كان لوزارة العدل أن تندب الموظف الذي ندبته للجلوس بدله، لأنه غير جائز لهذا الموظف فضلاً عن أن ذلك الموظف في درجة دون درجته.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد أورد أن الطاعن لم يكن باشكاتباً لمحكمة استئناف أسيوط حين محاكمته، وأن الثابت أن وزارة العدل كانت قد نقلته إلى محكمة أخرى، وأن باشكاتب المحكمة الشاغل للوظيفة فعلاً هو الذي جلس عضواً بمجلس التأديب. ولهذا يكون ما أثاره الطاعن في هذا الصدد ساقطاً من أساسه.
وحيث إنه فيما يتعلق بما ذكره الطاعن من إخلال مجلس التأديب بحق الدفاع وقضائه في الدفع المقدم منه بعدم الاختصاص وفي الموضوع بحكم واحد دون أن يمنحه أجلاً لإبداء دفاعه في الموضوع، فإنه يبين من الرجوع إلى الحكم المطعون فيه أن إخلالاً بحق الدفاع لم يقع، بل إن الطاعن هو الذي كان يحاول تعطيل محاكمته بغير مسوغ. فقد قال الحكم المطعون فيه بهذا الخصوص: "إلا أنه ظاهر من محاضر جلسات المحاكمة التأديبية أن المجلس قد أجل المحاكمة أكثر من مرة بناءً على طلب المتهم ليتسنى له الحضور أو تقديم ما يرى من الدفاع فلم يفعل، وقد قرر المجلس بعد ذلك نظر القضية بجلسة 9 يونيو سنة 1934 ورفض طلب التأجيل وعدم التعويل على الشهادة المرضية المقدمة منه بسبب انتهاء إجازاته المرضية المرخص له بها، وأن المرض الذي ورد ذكره في الشهادة لا يمنع حضوره أمام المجلس". ثم عقب الحكم المطعون فيه على ذلك فذكر: "وفضلاً عن ذلك فإن قرار مجلس التأديب استؤنف من جانب المستأنف كما استؤنف من جانب الوزارة وفصل المجلس المخصوص في الأمر ولم يشك المستأنف من إجراءاته".
وحيث إنه فيما يتعلق بالشق الثاني من وجه الطعن الثاني الخاص بالحكم بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها بالنسبة لطلب التعويض عن حفر المسقى فإنه بالرجوع إلى صحيفة الدعوى السابقة التي رفعت أمام محكمة الموسكي ضد وزارتي الداخلية والأشغال يتبين أن الطاعن طلب فيها الحكم له بخمسين جنيهاً تعويضاً عما لحقه من الضرر العظيم مادياً وأدبياً لأن الإدارة شرعت بالقوة في إنشاء مسقى عمومية كبيرة في ملكه بطول 500 متر وبعرض 7 أمتار مكان مسقى صغيرة موجودة في ملكه لمصلحته الخاصة وذلك بناءً على قرار من مصلحة الري مخالف للقوانين واللوائح. وتبين من صحيفة الدعوى التي صدر فيها الحكم المطعون فيه أن الطاعن طلب الحكم على وزارتي الداخلية والأشغال بألف جنيه تعويضاً عن الضرر المادي والأدبي الذي لحقه بسبب حفر مسقى في أرضه مكان مسقى خصوصية لا يزيد عرضها على ثلاثة أمتار فجعلت بطول 450 متراً وبعرض 6 أمتار و20 سنتيمتراً.
وحيث إنه ظاهر مما تقدم إيراده أن موضوع الدعويين هو المطالبة بتعويض، وأن السبب المباشر لهما هو حفر مسقى كبيرة في أرضه بغير حق مكان مسقى خصوصية صغيرة. ولا يغير شيئاً من اتحاد الموضوع أن قيمة التعويض في الدعوى الأخيرة زاد عَلَى ما طلب في الأخرى إذ العبرة بماهية الموضوع، وإلا كان للخصم أن يغير في موضوع الدعوى كيفما شاء بتعديل في قيمة الدعوى فلا يقف التقاضي عند حد. وليس بصحيح ما يقوله الطاعن خاصاً بالسبب من أنه في الدعوى الأولى كان عن الضرر الذي لحقه بسبب صدور قرار مخالف للقوانين واللوائح، فقد قال في إعلان هذه الدعوى، كما سبق إيراده، أن الإدارة شرعت بالقوة في حفر مسقى كبيرة وذكر طولها وعرضها بناءً على قرار من مصلحة الري مخالف للقوانين. فتعدد العلل لا يؤثر في السبب المباشر المولد للدعوى وهو حفر المسقى. ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب في قضائه بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها بالرفض من محكمة الموسكي.


[(1)] أنشئ مجلس الدولة بالقانون رقم 112 لسنة 1946، ومن هيئاته محكمة القضاء الإداري. ومما اختصت به هذه المحكمة الفصل في الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون الدائمون بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية إذا وقعت مخالفة للقوانين واللوائح (مادة 4 فقرة رابعة). كما اختصت هذه المحكمة بالفصل في طلبات التعويض عن هذه القرارات سواء رفعت إليها بصفة أصلية أو تبعاً لطلب الإلغاء (مادة 5). والفقرة الثانية من المادة المذكورة تنص على أنه يترتب على تقديم طلب الإلغاء أو التعويض لمحكمة القضاء الإداري نزول الطالب عن رفع دعوى تعويض أمام أية جهة قضائية أخرى تبنى على القرار الإداري الذي كان مثار الطلب. وفي رأينا أن هذا النص مؤداه أن اختصاص المحاكم المدنية بالنظر في طلبات التعويض عن مثل هذه القرارات لا يزال قائماً. فيكون الطالب بالخيار: إما أن يرفع طلبه إلى محكمة القضاء الإداري تبعاً لطلب الإلغاء أو بصفة أصلية، وأما أن يرفعه إلى المحاكم المدنية. ومهما ورد على هذا الرأي من اعتراضات فإن قضاء محكمة القضاء الإداري وقضاء المحاكم المدنية في خصوصية هذه المسألة سينتهيان حتماً إلى رأي مستقر.