مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع - صـ 137

جلسة 22 إبريل سنة 1943

برياسة حضرة صاحب العزة عبد الفتاح السيد بك رئيس المحكمة وبحضور حضرات أصحاب العزة حسن زكي محمد بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك ونجيب مرقس بك المستشارين.

(51)
القضية رقم 70 سنة 12 القضائية

ارتفاق:
أ - الحي الذي أوجدته شركة جزيرة نيل لاند بالزمالك. القيود والشروط التي قيدت بها الملكية في هذا الحي. اعتبارها حقوق ارتفاق متبادلة.
ب - التزام المتعاقد في عقد. وجود سببه في التزام يفرضه عقد آخر لصالحه ولصالح غيره من المتعاقدين مع الشركة في هذا الحي. جوازه.
جـ - التنازل عن حق الارتفاق. جواز أن يكون ضمنياً. لا يشترط لتحقق التنازل صورة معينة. جواز استخلاصه من ظروف الدعوى.
1 - إذا كانت المحكمة قد بنت تكييفها للقيود والشروط التي قيدت بها الملكية في الحي الذي أوجدته شركة جزيرة نيل لاند بالزمالك بأنها حقوق ارتفاق متبادلة، ورتبت ذلك على ما ثبت لها من أن تلك القيود كانت معلومة لجميع المشترين لأراضي هذا الحي ومشترطة عليهم جميعاً في عقود الشراء المشهرة بالتسجيل، وأنها تسري على الخلف سريانها على السلف في التعاقد، وأنه لولاها لما رضيت الشركة ولا من اشتروا منها بالبيع، وأن للشركة ولهؤلاء البائعين الحق في أن يلزموا المشتري وخلفاءه باحترامها بكل دقة وإلا كان الجزاء الهدم حالاً بدون تعويض، فإنها لا تكون مخطئة. إذ بموجب ما ذكرته تكون كل قطعة مبيعة من أراضي الشركة مرتفقاً بها لمنفعة مجموع القطع. وذلك تحقيقاً للغرض المقصود من تقرير هذه التكاليف المستمرة على جميع الأراضي المبيعة وهو إنشاء حي خاص تتوافر فيه لجميع سكانه أسباب الراحة والهدوء والتمتع بالشمس والهواء.
2 - ليس ثمة ما يمنع قانوناً أن يكون سبب التزام المتعاقد في عقد موجوداً في التزام يفرضه عقد آخر لصالحه ولصالح غيره من المتعاقدين مع الشركة وخلفائها في هذا الحي، ما دامت هذه الالتزامات معلومة لهم جميعاً وقت التعاقد والتزموا بها جميعاً في عقودهم، فإن كل مشتر منهم في الواقع لم يقبل أن يقيد أرضه بما قيدها بها من حقوق الارتفاق إلا لأن المشترين الآخرين قيدوا أراضيهم هم أيضاً بذلك. ومن ثم يكون السبب في التزام هذا المشتري بما تعهد به في عقده مع الشركة أو خلفائها هو التزام الآخرين بترتيب ارتفاقات لأرضه على أراضيهم في عقودهم مع الشركة أيضاً أو خلفائها بقصد إنشاء الحي الممتاز الذي ينشده كل واحد منهم.
3 - إن التنازل عن حقوق الارتفاق كما يكون صريحاً يجوز أن يكون ضمنياً، إذ القانون لم يشترط لتحققه صورة معينة. فإذا استخلصت المحكمة هذا التنازل من أن الجار الذي يطالب جاره باحترام شروط عقده وقيوده قد خالف هو الآخر شروط عقد شرائه وقيوده كما خالفها كثير من سكان هذا الحي مما يقوم معه العذر في الاعتقاد بسقوط تلك الحقوق، فإنها تكون قد استخلصت هذا التنازل استخلاصاً سائغاً من وقائع تؤدي إليه، ولا يكون على حكمها معقب في ذلك لتعلقه بأمر موضوعي.


الوقائع

تتلخص وقائع هذا الطعن في أن الطاعن رفع الدعوى رقم 134 سنة 1937 أمام محكمة مصر الابتدائية ضد المطعون ضده بتاريخ 28 من نوفمبر سنة 1936 وقال في عريضتها إن المرحوم بطرس باشا غالي كان يملك بحي الزمالك بشارع محمد مظهر باشا قطعتي أرض على النيل مشتراة من شركة نيل لاند بعقد رسمي محرر في 9 من نوفمبر سنة 1905 ومسجل في 29 من الشهر المذكور. وهاتان القطعتان معروفتان بالقطعة رقم 6 والقطعة رقم 10 من أرض الشركة المذكورة وقد اشترى الطاعن القطعة الأولى ومساحتها 3710 متراً واشترى المطعون ضده القطعة الثانية ومساحتها 3590 متراً وحرر عقدا الشراء وصدق عليهما في يوم واحد ونص في كلا العقدين على شروط خاصة بشكل المباني ومساحتها وبعدها عن الشارع العام والجار، ومن بين تلك الشروط أنه لا يجوز للمالك أو من يتلقى الملك عنه أن يبني على مسافة أقل من خمسة أمتار من أرض الجار كما يجب أن يكون بناؤه متفقاً مع شروط الصحة والنظافة، وأن جزاء مخالفة أحد هذه الشروط هدم المبنى محل المخالفة على مصاريف المخالف مع الحكم عليه بالتعويضات. وجاء في العريضة أن المطعون ضده خالف ما ورد في الشروط بأن أقام بناء منزله على بعد أربعة أمتار من أرض الطاعن المجاورة له كما أنه أحدث في الحائط القبلي المطل على الحديقة ومنزل الطاعن عدة فتحات يظهر أنها دورات مياه وحمامات وما شابه ذلك مما جعلها لا تتفق وما هو مشروط في العقد، ولذلك يطلب الطاعن الحكم: أولاً بإلزام المطعون ضده بإزالة الجزء الداخل من بناء منزله في مسافة خمسة أمتار من حائطه البحرية وذلك في ظرف شهر من تاريخ إعلانه بالحكم وبمصاريف من عنده بحيث إذا لم يقم بالإزالة في هذا الميعاد يصبح للطاعن الحق في مباشرة الإزالة في هذا الميعاد بنفسه بمصاريف يرجع بها على المطعون ضده. ثانياً - بتعديل مبناه من الوجهة القبلية بإزالة دورات المياه المطلة على منزل الطاعن من جهته البحرية وجعلها داخلة مبنى المطعون ضده كما جرى العمل في المباني الحديثة طبقاً لشروط الصحة والنظافة. ثالثاً - بإلزام المطعون ضده بالمصاريف والأتعاب والنفاذ بلا كفالة.
وفي 12 من إبريل سنة 1937 قضت المحكمة بحضور الطرفين شخصياً لمناقشتهما فيما رأته لازماً في الدعوى وقد تمت المناقشة. وفي 16 من يونيه سنة 1937 ندبت المحكمة خبيراً لأداء المأمورية التي أوضحتها بالحكم، وقد باشر الخبير عمله وقدم تقريره ثم حكمت أخيراً في 25 من فبراير سنة 1939 برفض الدعوى وألزمت رافعها بالمصاريف وألف قرش أتعاب محاماة.
استأنف الطاعن هذا الحكم في 3 من مايو سنة 1939 أمام محكمة استئناف مصر وطلب للأسباب الواردة بصحيفة الاستئناف قبوله شكلاً وفي الموضوع إلغاء الحكم المستأنف والحكم بالطلبات المقدمة منه لمحكمة أول درجة وإلزام المطعون ضده بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين، ومحكمة الاستئناف قضت حضورياً في 22 من يونيه سنة 1941 بقبول الاستئناف شكلاً وقبل الفصل في الموضوع بندب خبير لأداء الأعمال المدونة بأسباب الحكم، وبعد أن باشر الخبير عمله وقدم تقريره قضت في 12 من إبريل سنة 1942 برفض الاستئناف موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف وألزمت الطاعن بمصاريف ثاني درجة وبمبلغ ألفي قرش صاغ أتعاباً للمحاماة.
ولما أعلن هذا الحكم للطاعن في 8 من أغسطس سنة 1942 قرر وكيله الطعن فيه بطريق النقض في 5 من سبتمبر سنة 1942 وأعلن تقرير الطعن للمطعون ضده إلخ إلخ.


المحكمة

وحيث إن الطعن يتحصل في أن الحكم المطعون فيه بني على أسس فاسدة ومخالفة للقانون تجعله معدوم الأثر للأسباب الآتية:
أولاً - قرر الحكم أن القيود والشروط التي قيدت بها الملكية في الحي الذي أوجدته شركة جزيرة نيل لاند بالزمالك هي حقوق ارتفاق متبادلة، فأراد بذلك أن يعتبر أن إلزام الطاعن بها كان سبباً لالتزام المطعون ضده بنفس هذه القيود، وأن عدم تنفيذ الطاعن لما تعهد به يجعل المطعون ضده في حل من عدم تنفيذ ما التزم به من ناحيته أو بعبارة أخرى أراد الحكم أن يقول: إن هناك شرطاً فاسخاً ضمنياً، مع أن هذا الشرط لا يمكن أن يتصور إلا في عقد ملزم للجانبين ولا يتحقق إلا بعدم قيام أحد الطرفين بما في ذمته من التزام في ذلك العقد. وبما أن القيود التي قيدت بها ملكية كل من الطرفين هي حقوق ارتفاق لم يتبادلها المشتريان في عقد واحد التزم فيه كل واحد منهما بتلك القيود لمصلحة الآخر بل إن كلاً منهما اشترى مستقلاً عن الآخر ملكية مقيدة لا يستطيع أن يتعدى حدودها فإذا هو تعداها كان لكل ذي شأن أن يرده إلى تلك الحدود، لذلك لا يمكن بأية حال اعتبار أن ما التزم به الطاعن من قيود كان السبب في التزام المطعون ضده بها، وأن تقصير أحدهما يجعل الآخر في حل من عدم احترام تعهده.
ثانياً - إذا كان ما قصده الحكم هو أن الطاعن ارتكب مخالفات كما ارتكبت مخالفات من غيره من أصحاب الملك في هذا الحي وأن هذه المخالفات جعلت المطعون ضده معذوراً في اعتقاده أن الطاعن قد أهمل وتنازل عن تلك الحقوق فإن هذا يكون أيضاً أساساً فاسداً مخالفاً للقانون، لأن حق الارتفاق حق عيني لا يزول عن صاحبه إلا بإحدى الطرق التي قررها القانون وليس الإهمال منها إلا إذا طال وقته وترتب عليه سقوط الحق بالمدد المقررة قانوناً. هذا فضلاً عن أن مقام الدفاع بالعذر محله القضاء الجنائي لا القضاء المدني، فللمجرم عذر قد يقلل من عقابه أو يمحوه وليس للمتعاقد عذر في أن يتحلل مما يجب عليه أداؤه إلا بالطرق التي رسمها القانون.
ثالثاً - نسب الحكم المطعون فيه إلى الطاعن مخالفات لا أساس لها من جهة الواقع الثابت في الدعوى لأنه ليس صحيحاً أن الطاعن ارتفع بالمباني وبسور الحديقة أكثر من الشروط في عقد شرائه أو أنه لم يقدم دليلاً على أن حساب الارتفاع في مبانيه يرجع إلى تقديره على أساس أرضية الشارع يوم الشراء وأن مستوى الشارع قد تغير بعد الشراء تسهيلاً للمرور فيه، لأن الطاعن بنى دفاعه في هذا الصدد على إقرار صادر من المطعون ضده في مذكرة موقع عليها منه شخصياً، كما بناه على دليل موجود لدى مصلحة التنظيم، وكان في وسع المحكمة الانتقال إلى تلك المصلحة لتحقيقه، لذلك كان إغفال تحقيق هذا الدفاع مما يعيب الحكم المطعون فيه ويبطله.
ويضيف الطاعن إلى ما تقدم أنه كان من ضمن ما شكا منه وجود مدخنة في دار المطعون ضده تقذف رمادها ودخانها في داره هو، لكن الحكم المطعون فيه لم يعن ببحث هذه الشكوى للتحقق من الضرر الذي أثبته الخبير في تقريره، وهذا القصور مما يعيب الحكم أيضاً ويستوجب نقضه.
عن الوجهين الأول والثاني:
وحيث إنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يتضح أن محكمة الاستئناف عند إعطائها الوصف القانوني للقيود والشروط الواردة بعقدي شراء الطاعن والمطعون ضده قالت: "إن القيود المذكورة في عقد كل مشتر تعتبر حقوق ارتفاق للباقين إذ لا نزاع في علم المشترين بأنها واردة في عقودهم جميعاً وفي علمهم بفائدتها لهم جميعاً والغرض منها، ولا شك في أن من يشتري في مثل هذه المناطق والأحياء لا يقبل أن يقيد نفسه ويحد من حرية المالك المطلقة أصلاً ويضحى الانتفاع ببعض ملكه وغير ذلك إلا لأن جيرانه مقيدون مثله فيتمتعون جميعاً في مقابل ذلك بالهواء والشمس وبعد المسافات وحسن المنظر وجمال الحي ونظام مبانيه، وشروط هذه العقود وإن كانت في ظاهرها قيوداً للجميع إلا أنها في الحقيقة في مصلحة الجميع، كما تقدم، يقبلها المشترون راضين مختارين بل راغبين فيها ساعين إليها. ولذلك وجب اعتبارها في الوقت نفسه حقوقاً للجميع أيضاً. وخلاصة ذلك أن القيود التي تشترط على المشترين في منطقة معينة من حيث المساحة التي تبنى والمسافات التي تترك والارتفاع الذي لا يصح تجاوزه... إلخ تعتبر حقوق ارتفاق متبادلة بين جميع المشترين ما دامت معلومة لهم جميعاً ومشترطة عليهم جميعاً. وهذه القيود أو حقوق الارتفاق هذه الواردة في عقود مشهرة بالمعرفة التي لا نزاع فيها وبالتسجيل كما تسري على السلف، أي الأصيل في التعاقد، كذلك تسري على الخلف. وخصوصاً أنه قد ذكر في المادة 11 من العقد الذي باعت به الشركة للمرحوم بطرس باشا غالي الذي باع ورثته لكل من طرفي النزاع أن هذه الشروط تعتبر أساسية، ولولاها لما رضيت الشركة بالبيع، ولها الحق في حالة المخالفة في أن تلزم المشتري وخلفاءه باحترامها بكل دقة وإلا كان الجزاء الهدم حالاً بدون تعويض. ومن ضمن تلك الشروط أنه يجب أن تكون المباني بعيدة عن الجار خمسة أمتار وأن لا ترتفع أكثر من 15 متراً وأن لا يرتفع السور عن مترين (المواد 5 و6 و8). وجاءت هذه الشروط الثلاثة في كلا عقدي المستأنف والمستأنف عليه في المواد 6 و7 و8 ثم جاء في المادة 11 أن هذا البيع متوقف على مراعاة المواد السابقة، وللبائعين أن يجبروا المشتري على هدم المباني حالاً بلا تعويض إذا هو أخل بالشروط...".
وحيث إنه يتضح مما سبق ذكره أن محكمة الاستئناف بنت تكييفها ما اشترط في التعاقد بأنه حق ارتفاق بالمعنى القانوني على ما ثبت لها من أن الحقوق والقيود المشار إليها كانت معلومة لجميع المشترين لأراضي حي الزمالك ومشترطة عليهم جميعاً في عقود البيع المشهرة بالتسجيل، وأنها تسري على الخلف سريانها على السلف في التعاقد، وأنه لولاها لما رضيت الشركة والبائعون للطرفين بالبيع، وأن للشركة ولهؤلاء البائعين الحق، في حالة المخالفة، أن يلزموا المشتري وخلفاءه باحترامها بكل دقة وإلا كان الجزاء الهدم حالاً بدون تعويض إذا هو أخل بالشروط. والمحكمة إذ انتهت إلى هذه النتيجة لم تخطئ في شيء بل تكون قد أعطت القيود والحقوق المذكورة وصفها القانوني الصحيح. إذ بموجب ما أورده الحكم المطعون فيه بالصفة المتقدمة تصبح كل قطعة مبيعة من أراضي الشركة مرتفقاً بها لمنفعة مجموع القطع، وذلك تحقيقاً للغرض المقصود من تقرير هذه التكاليف المستمرة على جميع الأراضي المبيعة في تلك المنطقة وهو إنشاء حي خاص تتوافر فيه لجميع السكان أسباب الراحة والهدوء والتمتع بالهواء والشمس. أما ما أشار إليه الطاعن بوجه الطعن من أنه يجب لقيام الالتزامات المتبادلة أن يحصل الاتفاق بشأنها في عقد واحد ملزم للجانبين فغير سليم. إذ ليس هناك ما يمنع قانوناً أن يكون سبب التزام المتعاقد في عقد موجوداً في التزام يفرضه عقد آخر لصالحه ولصالح غيره من المتعاقدين مع الشركة وخلفائها في هذا الحي، ما دامت هذه الالتزامات معلومة لهم جميعاً وقت التعاقد والتزموا بها جميعاً في عقودهم. فكل مشتر منهم في الواقع لم يقبل أن يقيد أرضه بما قيدها بها من حقوق الارتفاق إلا لأن المشترين الآخرين قيدوا أراضيهم هم أيضاً بذلك. ومن ثم يكون السبب في التزام هذا المشتري بما تعهد به في عقده مع الشركة أو خلفائها هو التزام الآخرين بترتيب ارتفاقات لأرضه على أراضيهم في عقودهم مع الشركة أيضاً أو خلفائها بقصد تكوين الحي الممتاز الذي ينشده كل واحد منهم.
وحيث إن محكمة الاستئناف مع ذلك استظهرت من اعتبار الشروط والقيود الواردة بعقود البيع حقوق ارتفاق متبادلة بين جميع المشترين أنه يجب احترام حقوق كل متعاقد احترم شروط عقده أو قيوده أو بعبارة أخرى احترم حقوق غيره ما دامت له مصلحة في المطالبة باحترام تلك الحقوق ولم يسقط حقه، وخصوصاً إذا ما كان جاراً ملاصقاً لمن يطالب باحترام حقوقه، لأن ضرر المخالفة يكون في هذه الحالة مباشراً ومحققاً. وبعد أن استظهرت المحكمة ما تقدم أوضحت أن المطعون ضده وهو جار مباشر للطاعن قد خالف فعلاً شروط عقد شرائه وبنى من جاره المذكور على مسافة أربعة أمتار بدل خمسة. أما بالنسبة للطاعن فندبت خبيراً ليبين ما إذا كان هناك مخالفات وقعت منه أم لا. وبعد أن قدم الخبير تقريره رأت للأدلة المعقولة التي استندت إليها في الحكم المطعون فيه أن الطاعن خالف شروط ارتفاع مباني منزله وشرط ارتفاع السور فارتفع ببعض مباني المنزل نحو 80 سنتيمتراً أكثر من المشروط في عقد شرائه وبالسور أيضاً نحو 40 سنتيمتراً أو 20 سنتيمتراً على الأقل. ثم قالت المحكمة بعد إيراد ما تقدم إن مخالفة المستأنف (الطاعن) قبل أن يبني المستأنف عليه (المطعون ضده) وبعد المخالفات العديدة التي حصلت بالحي من أغلب سكانه كما جاء في الحكم الابتدائي، ومنهم من خالف الشروط جميعها فبنى على أرضه لا منزلاً للسكن بل عمارة للاستغلال على جميع مساحة الأرض وعلى حدود الشارع بدون أن يترك أي فراغ بينه وبين أرض جاره وعلى ارتفاع يزيد على 15 متراً وجعل في عمارته دكاكين ومخازن لأغراض تجارية ومضت على ذلك المدة القانونية أو رفعت دعاوى من البعض لاحترام الشروط رفضتها المحاكم المختلطة لاعتبارها تلك الشروط حقوق ارتفاق متبادلة - كل ذلك يجعل المستأنف عليه معذوراً إذا اعتقد أن الطاعن قد انضم إلى من سبقوه في إهمال تلك الحقوق المتبادلة والتنازل عنها، فبنى من أرض جاره على مسافة أربعة أمتار بدل خمسة، والعبرة بوقوع المخالفات لا بنوعها، خصوصاً وقد سبق ذلك وقوع مخالفات أشد كثيراً من أغلب سكان الحي.
وحيث إنه يبين مما تقدم أن محكمة الاستئناف لم تؤسس حكمها على إهمال صدر من الطاعن في استعمال حقه بل أسسته بصفة أصلية على أن الطاعن قد تنازل عن حقوق الارتفاق التي ترتبت لأرضه بمقتضى عقد شرائه على أرض جاره المطعون ضده، وأن الأخير كان معذوراً إذا ما اعتقد - للمخالفات التي ارتكبها الطاعن وباقي أهل الحي - قيام هذا التنازل وزوال تلك الحقوق. والحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى ذلك لا غبار عليه، لأن التنازل عن حقوق الارتفاق كما يكون صريحاً يجوز أن يكون ضمنياً؛ إذ القانون لم يشترط لتحققه صورة معينة. وبما أن المحكمة قد استخلصت هذا التنازل الضمني استخلاصاً سائغاً من وقائع الدعوى وظروفها المطروحة عليها، ومن الدلائل التي أوردتها في حكمها، فلا معقب عليها في ذلك لتعلقه بتقدير موضوعي داخل في سلطتها المطلقة.
عن الوجه الثالث:
وحيث إنه بالاطلاع على الحكم المطعون فيه يتضح أن المحكمة قد سردت فيه الوقائع والأدلة التي أقنعتها بأن الطاعن خالف شروط ارتفاع المباني وشرط ارتفاع السور. كما أنها من جهة أخرى عنيت بذكر الأسباب التي استنتجت منها عدم صحة ما ادعاه الطاعن من تخفيض التنظيم لأرضية الشارع نحو أربعين سنتيمتراً بعد أن بنى هو منزله، وهي وإن أوردت ضمن هذه الأدلة عدم تقديم الطاعن ما يدل على حصول التخفيض المدعى به بواسطة التنظيم إلا أن هذا الأمر لم يكن هو سند الحكم الوحيد في تقرير النتيجة التي وصلت إليها المحكمة بشأن مخالفة ارتفاع السور، بل إن الحكم قد اشتمل على أدلة أخرى متعددة تكفي لقيامه عليها. ولذا فإنه إذا صرف النظر عما قاله الحكم من عدم تقديم الطاعن ما يثبت التخفيض فإن الحكم يبقى سليماً بدونه. كما أن المحكمة من جهة أخرى بحثت الإقرار الذي نسبه الطاعن إلى المطعون ضده في إحدى المذكرات المقدمة لمحكمة أول درجة من أن الشارع خفض نحو سبعين سنتيمتراً فلم تعده اعترافاً يصح اتخاذه حجة عليه بل اعتبرته صادراً منه في مجال الجدل لا بقصد الالتزام به.
وحيث إنه يبين مما تقدم أن محكمة الموضوع قد استخلصت استخلاصاً سائغاً النتيجة التي انتهت إليها بشأن مخالفة الطاعن لشرط ارتفاع المباني والسور، وبصدد تفسير أقوال المطعون ضده بالصفة المتقدمة من ظروف ووقائع الدعوى ومرامي العبارة التي تناولها التفسير. ولهذا تكون المحكمة قد فصلت في مسائل موضوعية من خصائصها وحدها البت فيها بلا رقابة عليها في ذلك من محكمة النقض.
وحيث إنه بالنسبة لما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من أن المحكمة لم تتناول شكواه عن المدخنة التي أقامها المطعون ضده في داره، ولم تعن بالرد على دعوى الطاعن بالنسبة لما ناله منها من الضرر نتيجة ما تقذفه من رماد ودخان في منزله، الأمر الذي أوضحه الخبير في تقريره، فإنه قد تقدم القول عند الرد على الوجه الثاني أن محكمة الاستئناف قد أسست بصفة أصلية حكمها برفض الدعوى على ما ثبت لها من تنازل الطاعن عن حقوق الارتفاق التي ترتبت لأرضه على أرض جاره المطعون ضده. وإذ كان الكلام في صدد المدخنة إنما جاء مؤسساً على ما تمسك به الطاعن من وجود حق الارتفاق ومتفرعاً عنه فإن ما قضت به المحكمة من رفض الدعوى بناءً على اقتناعها بحصول التنازل عن هذا الحق فيه الرد الضمني بأن الطلبات الأخرى المترتبة على وجود هذا الحق لا محل لها دون حاجة للبحث في ذلك صراحة.