أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 31 - صـ 1136

جلسة 15 من إبريل سنة 1980

برئاسة السيد المستشار/ محمد صدقي العصار نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم فوده، حسن النسر، منير عبد المجيد ومحمد إبراهيم خليل.

(217)
الطعن رقم 1104 لسنة 47 القضائية

ارتفاق. ملكية.
حق الارتفاق بتخصيص المالك الأصلي. نشوؤه من وقت صيرورة العقارين محل الارتفاق المتبادل مملوكين لمالكين مختلفين مع تعاقبهما على هذا الوضع. وجوب أن يكون إلغاؤه باتفاق صريح بينهما. لا يكفي خلو عقد البيع من شموله هذا الحق، أو ضمان خلو البيع من الحقوق العينية.
تنص المادة 1017 من القانون المدني على أنه "يجوز في الارتفاقات الظاهرة أن ترتب أيضاً بتخصيص المالك الأصلي، ويكون هناك تخصيص من المالك الأصلي إذا تبين بأي طريق من طرق الإثبات أن مالك عقارين منفصلين قد أقام بينهما علامة ظاهرة، فأنشأ بذلك علاقة تبعية بينهما من شأنها أن تدل على وجود ارتفاق لو أن العقارين كانا مملوكين لملاك مختلفين. ففي هذه الحالة إذا انتقل العقاران إلى أيدي ملاك مختلفين دون تغيير في حالتهما، عد الارتفاق مرتباً بين العقارين لهما وعليهما ما لم يكن ثمة شرط صريح يخالف ذلك". مما مفاده أن حق الارتفاق - بتخصيص المالك الأصلي - لا ينشأ في وقت تملك المالك الأصلي العقارين وجعله أحدهما يخدم الآخر وإقامته بينهما علاقة ظاهرة من شأنها أن تنشئ علاقة تبعية بينهما، وإنما ينشأ هذا الحق من وقت أن يصبح العقاران مملوكين لمالكين مختلفين مع بقائهما على هذا الوضع، إذ في استيفاء المالكين لهذا الوضع ما يدل على أنهما أرادا أن يبرزا حق الارتفاق إلى الوجود. وقد كان كامناً ويعطله في الظهور أن العقارين مملوكان لمالك واحد، أما وقد أصبحا مملوكين لمالكين مختلفين فلم يعد هناك ما يمنع من ظهوره، وأن هذا الارتفاق يعتبر بعد انفصال ملكية العقارين مرتباً بينهما لهما وعليهما بموجب اتفاق ضمني بين المالكين المختلفين لا يلغيه إلا شرط صريح بأن يذكر المالكان صراحة أنهما لا يريدان الإبقاء على علاقة التبعية القائمة بين العقارين ومن ثم لا يعتبر شرطاً صريحاً خلو عقد البيع من النص على شموله حق الارتفاق، أو تضمن عقد بيع أحد العقارين أن البائع يضمن خلو العقار المبيع من كافة الحقوق العينية أصلية كانت أو تبعية وظاهرة أو خفية [(1)].


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه الأول أقام الدعوى رقم 8519 لسنة 1971 محكمة القاهرة الابتدائية ضد الطاعنين بطلب الحكم بتثبيت ملكيته إلى الممر الخاص بالعقار الذي يملكه والمبين بصحيفة الدعوى باعتباره خالياً من كافة حقوق الارتفاق وبصفة خاصة من حق ارتفاق المرور الذي يدعيه الطاعنان مع التصريح بإقامة سور فاصل بين ملكه وملك الطاعنين، وقال بياناً للدعوى أنه بموجب عقد هبه رسمي مشهر برقم 6729 في 24/ 8/ 1954 تملك قطعة الأرض رقم 8 ( أ ) تنظيم ورقم 8 ( أ ) بالعقد الكائنة بشارع الجنينة قسم الأزبكية كما تملكت شقيقتا المطعون عليهما الثانية والثالثة قطعة الأرض رقم 8 تنظيم ورقم 8 ( أ ) بالعقد وكان يفصل بين القطعتين المذكورتين سور من الطوب يحد أرضه من الناحيتين البحرية والشرقية وفي سنة 1957 أقام عمارة من تسعة طوابق وترك بينهما وبين السور الفاصل بين القطعتين - أي على طول الحد البحري والشرقي لقطعته - سوراً خاصاً بعرض سبعة أمتار، وفي 27/ 12/ 1963 باعت شقيقتاه نصيبهما شيوعاً إلى الطاعنة الأولى وآخر يدعى.... الذين اقتسما ما اشترياه في 7/ 9/ 1964 واختصت الطاعنة الأولى بالجزء الغربي من القطعة المقتسمة والذي ينتهي حدها القبلي بالسور المشار إليه، وقامت في أواخر سنة 1964 للهدم جزء من هذا السور الواقع في الحد الغربي لملكها عندما شرعت في بناء عمارة لها على الأرض التي اختصمت بها، كما تعرضت له وابنها الطاعن الثاني عندما شرع وكيله في إقامة سور بديل للسور الذي هدمته بزعم أن لها حق ارتفاق بالمرور وأن إقامة هذا السور يحول بينهما وبين استعمال الممر الذي خصص لخدمة العقارين من المالكة الأصلية له، واختصمت الطاعنة الأولى المطعون ضدهما الثانية والثالثة اللتين باعتا العقار إليها بما عساه أن يحكم به عليها. وبتاريخ 19/ 6/ 1974 - حكمت المحكمة في الدعوى الأصلية بتثبيت ملكية المطعون عليه الأول للممر الخاص خالياً من حقوق الارتفاق وفي دعوى الضمان برفضها. استأنف الطاعنان هذا الحكم وقيد استئنافهما برقم 4087 سنة 91 ق القاهرة، وبتاريخ 24/ 5/ 1977 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم وعرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرات أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع. وفي بيان ذلك يقولان: 1 - أن العبرة في وجود حق الارتفاق الناشئ بتخصيص المالك الأصلي بين عقارين بوجود العلامة الظاهرة الدالة عليه قبل انفصالهما بانتقال ملكيتهما لمالكين مختلفين دون حاجة للإشارة إليه في عقود البيع ما لم يكن ثمة شرط صريح يخالف ذلك فإذا أراد ذووا الشأن استبعاد الارتفاق فعليهم النص على ذلك صراحة، وإذ اعتد الحكم بعدم الإشارة إلى حق الارتفاق في عقد البيع النهائي لحق الارتفاق بالمرور على الممر الفاصل بين العقارين بعد القسمة رغم تمسكها بوجود العلامة الظاهرة على قيام حق الارتفاق قبل وبعد عقد الهبة الذي تم بموجبه نقل الملكية إلى البائعين لهما ورغم عدم وجود شرط صريح في عقد الهبة أو عقد البيع يخالف ذلك فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون. 2 - أن الحكم المطعون فيه قد اعتد بالتغيير الذي تم بعد أكثر من سبع سنوات على انتقال الملكية بعقد الهبة إلى ملاك مختلفين من المالكة الأصلية في حين أن مؤدى نص المادة 1017 من القانون المدني أن التغيير الذي يؤدي إلى انتفاء قيام حق الارتفاق الذي كان موجوداً بين العقارين بتخصيص المالك هو التغيير الذي يتم قبل انتقال ملكية العقارين من المالك الأصلي إلى ملاك مختلفين أما إذا حصل هذا التغيير فلا يكون له من أثر على بقاء حق الارتفاق مما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون. 3 - أنهما تمسكا أمام محكمة الموضوع بوجود ارتفاق ظاهر بتخصيص المالك الأصلي كان مترتباً لخدمة العقار الذي اختص به المطعون عليه الأول وأن هناك علامة ظاهرة عليه هي المبرر الفاصل بين العقارين اللذين كانا عقاراً واحداً وانتقل بطريق الهبة إلى مالكين مختلفين وساقا على ذلك عدة قرائن وأدلة، كما طلبا ندب خبير لتحقيق دفاعها غير أن الحكم المطعون فيه التفت على كل ذلك بما يعيبه بالقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع.
وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك أن المادة 1017 من القانون المدني تنص على أنه "يجوز في الارتفاقات الظاهرة أن ترتب أيضاً بتخصيص المالك الأصلي ويكون هناك تخصيص من المالك الأصلي إذ تبين بأي طريق من طرق الإثبات أن مالك عقارين منفصلين قد أقام بينهما علامة ظاهرة، فأنشأت بذلك علاقة تبعية بينهما من شأنها أن تدل على وجود ارتفاق لو أن العقارين كانا مملوكين لملاك مختلفين. ففي هذه الحالة إذا انتقل العقاران إلى أيدي ملاك مختلفين دون تغيير في حالتهما، عدا الارتفاق مرتباً بين العقارين لهما وعليهما ما لم يكن ثمة شرط صريح يخالف ذلك، مما مفاده أن حق الارتفاق بتخصيص المالك الأصلي - لا ينشأ في وقت تملك المالك الأصلي للعقارين وجعله أحدهما يخدم الآخر وإقامته بينهما سلامة ظاهرة من شأنها أن تنشئ علاقة تبعية بينهما، وإنما ينشا هذا الحق من وقت أن يصبح العقاران مملوكين لمالكين مختلفين مع بقائهما على هذا الوضع، إذ في استيفاء المالكين لهذا الوضع ما يدل على أنهما أرادا أن يبرزا حق الارتفاق إلى الوجود، وقد كانا خافياً ويعطله عن الظهور أن العقارين مملوكان لمالك واحد، أما وقد أصبحا مملوكين لمالكين مختلفين فلم يعد هناك ما يمنع من ظهوره، وأن هذا الارتفاق يعتبر بعد انفصال ملكية العقارين مرتباً بينهما لهما وعليهما بموجب اتفاق ضمني بين المالكين المختلفين لا يلغيه إلا شرط صريح بأن يذكر المالكان صراحة أنهما لا يريدان الإبقاء على علاقة التبعية القائمة بين العقارين ومن ثم لا يعتبر شرطاً صريحاً خلو عقد البيع من النص على شموله حق الارتفاق، أو تضمين عقد بيع أحد العقارين أن البائع يضمن خلو العقار المبيع من كافة الحقوق العينية أصلية كان أو تبعية وظاهرة أو خفية. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض دفاع الطاعنين وتأييد الحكم المستأنف على خلو عقد البيع النهائي الصادر إلى الطاعنة الأولى في 13/ 7/ 1966 من النص على شمول البيع لحق الارتفاق محل النزاع في حين أن ذلك ليس بلازم بصدد حق الارتفاق بتخصيص المالك الأصلي المؤسس على قيام الارتفاق الضمني عليه ولا يلغيه إلا اتفاق صريح على ما سلف البيان، وعلى تغيير حال العقارين اللاحق لانفصالهما بموجب عقدي الهبة في 5/ 8/ 1954 بهدم مبانيها القديمة وإقامة بناء بمعرفة المطعون عليه الأول منذ سنة 1957 وإلى أرض فضاء في تاريخ بيعها للطاعنة الأولى في 7/ 12/ 1963 حالة أن العبرة وعلى ما تقدم بالحالة التي كانت قائمة وقت انفصال ملكية العقارين إلى أشخاص مختلفين في 5/ 8/ 1954 وهو من الحكم خطأ في تطبيق القانون وقد حجبه هذا الخطأ عن تحقيق دفاع الطاعنين بندب خبير لإثبات عناصر هذا الارتفاق المدعى به مما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب بما يستوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لباقي أسباب الطعن.


[(1)] نقض 8/ 1/ 1975 مجموعة المكتب الفني السنة 26 ص 140.