أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 31 - صـ 1201

جلسة 24 إبريل سنة 1980

برئاسة السيد المستشار/ حافظ رفقي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد الخولي، درويش عبد المجيد، مصطفى صالح سليم ويوسف أبو زيد.

(231)
الطعن رقم 648 لسنة 49 القضائية

(1) حكم "صدور الحكم". بطلان.
النعي ببطلان الحكم لصدوره من قضاة غير الذين سمعوا المرافعة. دليل ثبوته. نسخة الحكم ذاته. عدم كفاية محضر الجلسة التي تلي بها منطوق الحكم. علة ذلك.
(2) إثبات "الإحالة للتحقيق". نظام عام.
قاعدة عدم جواز الإثبات بالبينة. غير متعلقة بالنظام العام. عدم تمسك الخصم بذلك قبل سماع شهادة الشهود. اعتباره تنازلاً عن حقه في الإثبات بالطريق القانوني.
(3) بيع "دعوى صحة التعاقد".
دعوى صحة التعاقد. ماهيتها. اتساعها لبحث ما يثار من منازعات تتعلق بانعقاد العقد ومدى صحته وجديته.
(4) بيع. عقد. وكالة "التعاقد بطريق التسخير".
الشخص الذي يغير اسمه. هو توكيل عمن أعاره. اعتبار وكالته مستترة. انصراف أثر تصرفه للموكل في علاقته بالغير. شرطه. م 106 مدني.
(5) بيع. وكالة.
الوكالة في بيع وشراء العقار. رضائية. لا يستوجب القانون شكلاً رسمياً لانعقادها سواء كانت الوكالة ظاهرة أو مستترة.
(6) حكم "تناقض الأحكام". بيع. صورية. وكالة.
التناقض الذي يفسد الأحكام. ماهيته. مثال بشأن الصورية في شخص المشتري.
(7) حيازة. وكالة.
حيازة النائب. انصراف أثرها للأصيل دون النائب.
(8) بيع. تسجيل. ملكية "الالتصاق". وكالة.
شراء الوكيل المستتر للعقار بعقد غير مسجل. انصراف الحقوق الشخصية الناشئة عنه إلى الأصيل. إقامته بناء على العقار. عدم انتقال ملكية الأرض أو البناء إليه إلا بالتسجيل. بقاء ملكية المنشآت للبائع بحكم الالتصاق.
1 - النص في المادة 167 من قانون المرافعات على أنه لا يجوز أن يشترك في المداولة غير القضاة الذين سمعوا المرافعة وإلا كان الحكم باطلاً، والنص في المادة 170 من هذا القانون على وجوب أن يحضر القضاة الذين اشتركوا في المداولة تلاوة الحكم فإذا حصل لأحدهم مانع وجب أن يوقع مسودة الحكم، ثم النص في المادة 178 من هذا القانون على وجوب أن يبين في الحكم أسماء القضاة الذين سمعوا المرافعة واشتركوا في الحكم وحضروا تلاوته، مفاده أن النعي ببطلان الحكم لصدوره من قضاة غير الذين سمعوا المرافعة يكون شاهده ودليل ثبوته هو نسخة الحكم ذاته ولا يكفي في إثباته محضر الجلسة التي تلي بها منطوق الحكم، ذلك أن العبرة بسلامة الحكم في هذا الصدد هو بالهيئة التي أصدرته لا الهيئة التي نطقت به، إذ ليس ثمة ما يمنع من مشاركة قاض في الهيئة التي نطقت بالحكم وحلوله محل القاضي الذي سمع المرافعة واشترك في إصدار الحكم ووقع مسودته ثم تغيب لمانع عند النطق به وهو بيان يثبت بنسخة الحكم الأصلية ولا يتطلب القانون إثباته بمحضر الجلسة.
2 - قاعدة عجم جواز الإثبات بالبينة في الأحوال التي يجب فيها الإثبات بالكتابة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(1)] - ليست من النظام العام، فعلى من يريد التمسك بالدفع بعدم جواز الإثبات بالبينة أن يتقدم بذلك إلى محكمة الموضوع قبل البدء في سماع شهادة الشهود، فإذا سكت عن ذلك عد سكوته تنازلاً منه عن حقه في الإثبات بالطريق الذي رسمه القانون.
3 - دعوى صحة ونفاذ عقد البيع - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هي دعوى موضوعية تمتد سلطة المحكمة فيها إلى بحث موضوع العقد ونفاذه في مواجهة خصوم المشتري ويستلزم أن يكون من شأن البيع موضوع التعاقد نقل الملكية حتى إذا ما سجل الحكم قام تسجيله له مقام تسجيل العقد في نقلها وهذا يقتضي أن يفصل القاضي في أمر صحة التعاقد وآثاره وبالتالي تتسع هذه الدعوى لبحث كل ما يثار من منازعات تتعلق بانعقاد العقد ومدى صحته وجديته.
4 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن من يعير اسمه ليس إلا وكيلاً عمن أعاره، وتعامله مع الغير لا يغير من علاقته بالموكل شيئاً، فهو كسائر الوكلاء لا يفترق عنهم إلا في أن وكالته مستترة فكأن الشأن شأنه في التظاهر مع أنه في الواقع شأن الموكل [(2)]، وينبني على ذلك أن الوكيل المستتر في الشراء لا يكتسب شيئاً من الحقوق المتولدة عن عقد البيع الذي عقده بل تنصرف هذه الحقوق إلى الأصيل، أما في علاقة الغير بهذا الأصيل فإن من المقرر على ما تقضي به المادة 106 من القانون المدني أن أثر العقد لا يضاف إلى الأصيل دائناً أو مديناً إلا في حالتين هما: إذا كان من المفروض حتماً أن من تعاقد معه النائب يعلم بوجود النيابة أو كان يستوي عنده أن يتعامل مع الأصيل أو النائب.
5 - قانون تنظيم الشهر العقاري فيما يتطلبه من تسجيل عقد بيع العقار لا يضفي على هذا العقد شكلاً رسمياً معيناً فهو لم يغير شيئاً من طبيعته من حيث كونه من عقود التراضي التي تتم وتنتج آثارها القانونية بمجرد توافق الطرفين وإنما قد عدل فقط آثاره بالنسبة للعاقدين وغيرهم فجعل نقل الملكية غير مترتب على مجرد العقد بل متراخياً إلى ما بعد حصول التسجيل، وإذ كان نص المادة 700 من القانون المدني يوجب أن يتوافر في الوكالة الشكل الواجب توافره في العمل القانوني الذي يكون محل الوكالة فإن الوكالة في بيع وشراء العقار تكون هي أيضاً رضائية ولا يستوجب القانون شكلاً رسمياً لانعقادها، وهذا الأمر يستوي سواء أكانت الوكالة ظاهرة سافرة أم وكالة مستترة.
6 - التناقض الذي يفسد الأحكام هو الذي تتماحى به الأسباب بحيث لا يبقى بعدها ما يمكن حمل الحكم عليه أو ما يكون واقعاً في الأسباب بحيث لا يتأتى معه فهم الأساس الذي أقيم عليه الحكم، وإذ كان البين من الحكم المطعون فيه أنه قضى في الدعوى على أساس من ثبوت استعارة المطعون ضده الأول لاسم زوجته الطاعنة في إبرام عقد البيع فكانت وكالتها عنه مستترة في الشراء، وهذا الذي قال به الحكم هو بعينه ما كان محلاً لادعاء المطعون ضده الأول، مما تعتبر معه الصورية التي عناها الحكم هي الصورية في شخص المشتري وهي الوكالة المستترة وهذه الصورية النسبية بطريق التسخير تفترق عن الصورية التي تنصرف إلى التعاقد ذاته إذ هي تفترض قيام العقد وجديته، ومن ثم فلا يكون ثمة تناقض اعترى أسباب الحكم.
7 - حيازة النائب إنما هي حيازة بالواسطة وفقاً لنص المادة 951/ 1 من القانون المدني فأثرها ينصرف إلى الأصيل دون النائب.
8 - إذ كان البين من الحكم المطعون فيه أنه قضى بتأييد الحكم الابتدائي القاضي بتثبيت ملكية المطعون ضده الأول للعقار محل النزاع محمولاً في أسبابه على مجرد القول بثبوت الوكالة المستترة للزوجة الطاعنة فيما أبرمته من عقد شراء الأرض وما اتخذته من إجراءات البناء عليها وأن في ذلك ما يكفي لاعتبار الأصيل في علاقته بالوكيل هو المالك بغير حاجة إلى إجراء إذ لا يحتاج لكي يحتج على وكيله المسخر بملكية ما اشتراه إلى تصرف جديد من الوكيل ينقل به الملكية، وكان هذا الذي أقام عليه الحكم قضاءه في هذا الخصوص لا ينطبق على واقع الدعوى إذ هو يصدق على حالة ما إذا تم تسجيل البيع الصادر للوكيل المغير اسمه فتكون الملكية قد خرجت من ذمة البائع وهي وإن انتقلت إلى الوكيل في الظاهر إلا أن انتقالها في الحقيقة يعتبر لحساب الأصيل فيصبح في علاقته بالوكيل هو المالك بغير حاجة إلى صدور تصرف جديد من هذا الأخير ينقل به الملكية إليه، وإذ كان الثابت من مدونات الحكم أن عقد البيع الذي تعلق بعقار لم يسجل بعد فلا تكون ملكية المبيع قد انتقلت إلى الزوجة الطاعنة التي أبرمته بطريق الوكالة المستترة بل هي لا تزال باقية على ذمة الشركة المطعون ضدها الثانية بائعة العقار ويكون ما انصرف إلى الأصيل المطعون ضده الأول هي الحقوق الشخصية وليدة عقد البيع الذي لم يسجل، وهذا العقد غير المسجل لا يترتب عليه أيضاً تملك المطعون ضده الأول لما أقامه على الأرض المبيعة من بيان ذلك أن حق القرار - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - حق عيني من قبيل الملكية فلا ينشأ ولا ينتقل وفقاً لنص المادة التاسعة من قانون الشهر العقاري إلا بالتسجيل، أما قبل تسجيل سند المشتري الباني فإن ملكية المنشآت تكون للبائع بحكم الالتصاق نظير تعويض المشترى عنها تطبيقاً للقاعدة المنصوص عليها في المادة 925 من القانون المدني، لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بثبوت ملكية المطعون ضده الأول رغم عدم توافر السبب القانوني المؤدي إلى التملك يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه [(3)].


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده الأول أقام على الطاعنة والمطعون ضدها الثانية (شركة القاهرة للإسكان والتعمير) الدعوى رقم 2882 لسنة 1973 مدني أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية وقال بياناً لها إن زوجته الطاعنة أبرمت باسمها مع الشركة المطعون ضدها الثانية عقد بيع ابتدائي مؤرخ 2/ 4/ 1953 بمقتضاه اشترت من هذه الشركة أرض فضاء مبينة الحدود والمعالم بصحيفة الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى لقاء ثمن مقداره ألف وستمائة جنيه، وهذا البيع وإن كان قد انعقد في الظاهر باسم زوجته الطاعنة إلا أنه كان في الحقيقة لحسابه واتخذ من اسم الزوجة ستاراً لإخفاء الحقيقة نظراً لظروف أحاطت به وبنشاطه التجاري دعته إلى سلوك هذا السبيل، ومن بعد تسلم الأرض المبيعة أقام عليها من ماله بناء منزل مكون من عدة طوابق وكانت الزوجة الطاعنة تنوب عنه في حيازته بدلالة أنه في عام 1963 أصدر إليها توكيلاً عاماً موثقاً أنابها فيه بقبض الأجرة من المستأجرين، وظل الحال هكذا حتى نشب نزاع بينهما فتنكرت الطاعنة لهذه الحقيقة وادعت ملكيتها للعقار مستندة إلى ظهور اسمها بعقد شراء الأرض وسائر الأوراق المتعلقة بالبناء الذي أقيم عليها، ولجأت إلى قضاء الأمور المستعجلة ابتغاء وضع العقار تحت الحراسة القضائية فصدر الحكم في الدعوى رقم 774 لسنة 1972 مستعجل القاهرة بتعيين حارس على العقار وتكليفه بإيداع صافي الريع خزانة المحكمة حتى ينتهي النزاع القائم بينهما على ملكيته، وإنه لما كان عقد بيع الأرض صورياً في شخص المشترية إذ كان التعاقد في حقيقته لحسابه مستتراً باسم الطاعنة وقد وفي الثمن من ماله وشيد البناء من ماله أيضاً فيكون هو مالك العقار ولا تعدو الزوجة الطاعنة إلا نائبة عنه، ولذا فقد أقام الدعوى بطلب الحكم باعتباره المالك لأرض ومباني العقار المبين بالصحيفة مختصماً الشركة المطعون ضدها الثانية لتبدي ما لديها من معلومات بشأن النزاع. وأثناء سير الدعوى أقامت الطاعنة الدعوى رقم 4247 لسنة 1973 مدني كلي شمال القاهرة على المطعون ضدهما طالبة الحكم في مواجهة المطعون ضده الأول بصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 2/ 4/ 1953 المتضمن بيع الشركة المطعون ضدها الثانية لها الأرض المبينة الحدود والمعالم بهذا العقد وصحيفة الدعوى لقاء ثمن مقداره ألف وستمائة جنيه، قائلة تبياناً لذلك إنها اشترت الأرض محل العقد ووفت الثمن وأقامت عليها بناء منزل من خمسة طوابق إلا أن المطعون ضده الأول نازعها مدعياً لنفسه حقوقاً على هذا العقار مما ألجأها لإقامة هذه الدعوى ليحكم فيها في مواجهته بطلباتها، وقررت المحكمة ضم الدعوى الثانية إلى الدعوى الأولى ليصدر فيهما حكم واحد، وبتاريخ 26 من مايو سنة 1974 قضت بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون ضده الأول بطرق الإثبات كافة أن عقد البيع المؤرخ 2/ 4/ 1953 عقد صوري في شخص المشتري وإن التعاقد في حقيقته لحسابه مستتراً باسم الزوجة الطاعنة وهو الذي وفى الثمن من ماله وأقام البناء على الأرض من ماله أيضاً وصرحت للطاعنة بالنفي بذات الطرق، وبعد إجراء التحقيق قضت بتاريخ 13 من فبراير سنة 1975 في الدعوى رقم 2882 لسنة 1973 بتثبيت ملكية المطعون ضده الأول إلى كامل أرض وبناء العقار الموضح بالصحيفة، وفي الدعوى رقم 4247 لسنة 1973 برفضها. استأنفت الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة طالبة إلغاءه والقضاء بطلباتها وبرفض دعوى المطعون ضده الأول، وقيد الاستئناف برقم 1316 لسنة 92 قضائية، وبتاريخ 28 من ديسمبر سنة 1977 قضت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وبإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون ضده الأول بشهادة الشهود أن عقد البيع الابتدائي المؤرخ 2/ 4/ 1953 إنما هو عقد صوري وأن زوجته الطاعنة كانت اسماً مستعاراً له في كل ذلك ولهذه الأخيرة النفي بذات الطريق. وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين قضت بتاريخ 29 من يناير سنة 1979 بتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة رأت أنه جدير بالنظر فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على خمسة أسباب تنعى الطاعنة بالسبب الثاني منها على الحكم المطعون فيه بطلانه لبطلان الحكم الابتدائي الذي قضى بتأييده، وتقول في بيان ذلك إن الثابت من محاضر جلسات محكمة أول درجة أن الدعوى نظرت بجلسة 12 من مايو سنة 1974 ثم حجزت للحكم لجلسة 26 من مايو سنة 1974 وبهذه الجلسة صدر حكم الإثبات، ويبين من هيئة المحكمة الثابتة بمحضري هاتين الجلستين أن عضو اليمين الذي كان حاضراً سماع المرافعة بجلسة 12 من مايو سنة 1974 هو خلاف عضو اليمين الذي حضر جلسة 26 من مايو سنة 1974 التي صدر بها الحكم مما يجعل هذا الحكم معيباً بالبطلان الذي يمتد أثره إلى الحكم المنهي للخصومة من محكمة أول درجة ويستطيل بدوره إلى الحكم المطعون فيه القاضي بتأييد حكم محكمة أول درجة، وهو بطلان يتعلق بالنظام العام مما يجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك أن النص في المادة 167 من قانون المرافعات على أنه لا يجوز أن يشترك في المداولة غير القضاة الذين سمعوا المرافعة وإلا كان الحكم باطلاً، والنص في المادة 170 من هذا القانون على وجوب أن يحضر القضاة الذين اشتركوا في المداولة تلاوة الحكم فإذا حصل لأحدهم مانع وجب أن يوقع مسودة الحكم، ثم النص في المادة 178 من هذا القانون على وجوب أن يبين في الحكم أسماء القضاة الذين سمعوا المرافعة واشتركوا في الحكم وحضروا تلاوته، مفاده أن النعي ببطلان الحكم بصدوره من قضاة غير الذين سمعوا المرافعة يكون شاهده ودليل ثبوته هو نسخة الحكم ذاته ولا يكفي في إثباته محضر الجلسة التي تلي بها منطوق الحكم، ذلك أن العبرة بسلامة الحكم في هذا الصدد هو بالهيئة التي أصدرته لا الهيئة التي نطقت به إذ ليس ثمة ما يمنع من مشاركة قاض في الهيئة التي نطقت بالحكم وحلوله محل القاضي الذي سمع المرافعة واشترك في إصدار الحكم ووقع مسودته ثم تغيب لمانع عند النطق به وهو بيان يثبت بنسخة الحكم الأصلية ولا يتطلب القانون إثباته بمحضر الجلسة، لما كان ذلك وكان محضر جلسة 26 من مايو سنة 1974 الذي قدمت الطاعنة صورته لا يحوي إثبات أسماء القضاة الذين حضروا تلاوة منطوق الحكم مما لا يعد وحده ودون تقديم صورة من نسخة الحكم الأصلية دليلاً كاشفاً عن أن عضو اليمين الذي ورد اسمه بهذا المحضر مخالفاً لاسم من سمع المرافعة قد اشترك في الفصل في الخصومة بإصدار الحكم المنعي عليه بالبطلان، ومن ثم يكون النعي بهذا السبب غير مقبول لافتقاره إلى الدليل.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الأول من أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون من وجوه أربعة، وتقول في بيان الوجه الثاني إن الطعن بالصورية على عقد البيع المؤرخ 2/ 4/ 1953 الذي تمسك به المطعون ضده الأول لا يجوز إثباته إلا بالكتابة ولكن محكمة أول درجة خالفت قواعد الإثبات فأحالت الدعوى إلى التحقيق لإثبات هذا الطعن بالبينة والقرائن، وحين استأنفت الحكم المنهي للخصومة من تلك المحكمة تمسكت في صحيفة استئنافها باعتراضها على إثبات الطعن بالصورية بغير الكتابة إلا أن محكمة الاستئناف التفتت عن اعتراضها وقضت بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ذلك الطعن بشهادة الشهود ثم اتخذت من نتيجة التحقيق أساساً لقضائها على نحو ما ورد بأسباب الحكم المطعون فيه بما يعيب هذا الحكم بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن قاعدة عدم جواز الإثبات بالبينة في الأحوال التي يجب فيها الإثبات بالكتابة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ليست من النظام العام فعلى ما يريد التمسك بالدفع بعدم جواز الإثبات البينة أن يتقدم بذلك إلى محكمة الموضوع قبل البدء في سماع شهادة الشهود فإذا سكت عن ذلك عد سكوته تنازلاً منه عن حقه في الإثبات بالطريق الذي رسمه القانون، وإذ كان الواقع أن محكمة الاستئناف حكمت بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون ضده الأول بشهادة الشهود أن عقد البيع المؤرخ 2/ 4/ 1953 صوري باتخاذه اسم زوجته الطاعنة اسماً مستعاراً له في الشراء، وكانت الطاعنة لم تبد اعتراضاً على هذا الحكم لدى تنفيذه بل تقدمت أثناء التحقيق بشاهدين سمعت المحكمة أقوالهما فإن في ذلك ما يعد تنازلاً منها عن الدفع بعدم جواز الإثبات بالبينة الذي تمسكت به في صحيفة الاستئناف فلا تثريب على الحكم المطعون فيه إن هو اعتبر هذا الدفع دفعاً غير قائم للنزول عنه واتخذ من التحقيق الذي أجرته المحكمة عماداً لقضائه.
وحيث إن النعي بالوجه الثالث يقوم على قول من الطاعنة بأن صورية عقد البيع المدعى بها إنما تنصرف آثارها فيما لو ثبتت صحتها إلى العلاقة القائمة بينها وبين المطعون ضده الأول وهي بهذه المثابة ما كانت تحول دون القضاء بمطلبها في دعوى صحة ونفاذ عقد البيع الذي أبرمته مع الشركة البائعة المطعون ضدها الثانية، وإذ كان الحكم قد خالف هذا النظر وقضى برفض دعواها فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أن دعوى صحة ونفاذ عقد البيع - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هي دعوى موضوعية تمتد سلطة المحكمة فيها إلى بحث موضوع العقد ونفاذه في مواجهة خصوم المشتري وتستلزم أن يكون من شأن البيع موضوع التعاقد نقل الملكية حتى إذا ما سجل الحكم قام تسجيله مقام تسجيل العقد في نقلها وهذا يقتضي أن يفصل القاضي في أمر صحة التعاقد وآثاره وبالتالي تتسع هذه الدعوى لبحث كل ما يثار من منازعات تتعلق بانعقاد العقد ومدى صحته وجديته، ولما كانت الطاعنة قد أقامت دعواها بطلب صحة ونفاذ عقد البيع العرفي المؤرخ 2/ 4/ 1953 مختصمة المطعون ضده الأول باعتباره منازعاً إياها في الحقوق الناشئة عن هذا العقد، فدفع دعواها بصورية عقد البيع صورية نسبية بطريق التسخير على سند من أن العقد في الحقيقة لحسابه إذ استعار اسم زوجته الطاعنة في الشراء فلا تكتسب شيئاً من حقوق ذلك العقد، وكان هذا الدفع من المنازعات التي تتصل بموضوع انعقاد البيع وآثاره مما يتسع الفصل في الدعوى لبحثه ويلزم حسمه قبل الحكم فيها وصولاً إلى الوقوف على حقيقة المشتري الذي انعقد البيع لحسابه وانصرفت إليه آثاره، لما كان ذلك وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن من يعير اسمه ليس إلا وكيلاً عمن أعاره، وتعامله مع الغير لا يغير من علاقته بالموكل شيئاً، فهو كسائر الوكلاء لا يفترق عنهم إلا في أن وكالته مستترة، فكأن الشأن شأنه في الظاهر مع أنه في الواقع شأن الموكل، وينبني على ذلك أن الوكيل المستتر في الشراء لا يكتسب شيئاً من الحقوق المتولدة من عقد البيع الذي عقده، بل تنصرف هذه الحقوق إلى الأصيل، أما في علاقة الغير بهذا الأصيل فإن من المقرر على ما تقضي به المادة 106 من القانون المدني أن أثر العقد لا يضاف إلى الأصيل دائناً أو مديناً إلا في حالتين هما: إذا كان من المفروض حتماً أن من تعاقد معه النائب يعلم بوجود النيابة أو كان يستوي عنده أن يتعامل مع الأصيل أو النائب، وكان الثابت من واقع الدعوى أن الشركة المطعون ضدها الثانية لم تتمسك بعقد البيع وفقاً لظاهر نصوصه من كون الطاعنة هي المشترية بل اتخذت من الخصومة موقفاً سلبياً وطلبت إخراجها من الدعوى بما يفيد أن تعاملها يستوي سواء أكان مع الزوجة الطاعنة أم مع زوجها المطعون ضده الأول، وكان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قضى برفض دعوى صحة ونفاذ عقد البيع محمولاً في أسبابه على أن العقد وقد ثبتت صوريته في شخص المشتري، فإن آثاره تنصرف إلى الأصيل المطعون ضده الأول فلا يسوغ أن تطلب الطاعنة الحكم لنفسها في مواجهته بصحة ونفاذ هذا العقد فإنه يكون قد أنزل القانون منزله الصحيح على واقع الدعوى ويكون النعي عليه بهذا الوجه على غير أساس.
وحيث إن النعي بالوجه الرابع يتحصل فيما تقوله الطاعنة من أن تكييف الحكم لعلاقتها بالمطعون ضده الأول في إبرام عقد البيع بأنها علاقة وكالة ينطوي على خطأ في القانون إذ يشترط في عقد الوكالة الشكل الواجب توافره في العمل القانوني محل الوكالة وإذ كان عقد بيع العقار لا ينشئ آثاره إلا بالتسجيل فإنه يجب في الوكالة التي يكون محلها إبرام هذا العقد أن تكون ثابتة بشكل رسمي، كذلك فإن تكييف الحكم المطعون فيه لعلاقتها بالمطعون ضده الأول بكونها علاقة وكالة أمر يختلف تماماً عن صورية عقد البيع التي قال بثبوتها بل ويتناقض معها وهو ما يعيب الحكم فضلاً عن الخطأ في تطبيق القانون بالتناقض في الأسباب.
وحيث إن هذا النعي في شقه الأول مردود، ذلك أن قانون تنظيم الشهر العقاري فيما يتطلبه من تسجيل عقد بيع العقار لا يضفي على هذا العقد شكلاً رسمياً معيناً فهو لم يغير شيئاً من طبيعته من حيث كونه من عقود التراضي التي تتم وتنتج آثارها القانونية بمجرد توافق الطرفين وإنما قد عدل فقط آثاره بالنسبة للعاقدين وغيرهم فجعل نقل الملكية غير مترتب على مجرد العقد بل متراخياً إلى ما بعد حصول التسجيل، وإذ كان نص المادة 700 من القانون المدني يوجب أن يتوافر في الوكالة الشكل الواجب توافره في العمل القانوني الذي يكون محل الوكالة في بيع وشراء العقار تكون هي أيضاً رضائية ولا يستوجب القانون شكلاً رسمياً لانعقادها، وهذا الأمر يستوي سواء أكانت الوكالة ظاهرة سافرة أم وكالة مستترة. والنعي في شقه الثاني غير صحيح ذلك أن التناقض الذي يفسد الأحكام هو الذي تتماحى به الأسباب بحيث لا يتأتى معه فهم الأساس الذي أقيم عليه الحكم، وإذ كان البين من الحكم المطعون فيه أنه قضى في الدعوى على أساس من ثبوت استعارة المطعون ضده الأول لاسم زوجته الطاعنة في إبرام عقد البيع فكانت وكالتها مستترة في الشراء، وهذا الذي قال به الحكم هو بعينه ما كان محلاً لادعاء المطعون ضده الأول، مما تعتبر معه الصورية التي عناها الحكم هي الصورية في شخص المشتري وهي الوكالة المستترة وهذه الصورية النسبية بطريق التسخير تفترق عن الصورية التي تنصرف إلى التعاقد ذاته إذ هي تفترض قيام العقد وجديته، ومن ثم فلا يكون ثمت تناقض اعترى أسباب الحكم.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالأسباب الثالث والرابع والخامس على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والإخلال بالحق في الدفاع والفساد في الاستدلال من وجهين، تقول بياناً لأولهما إنها طرحت على محكمة الموضوع الإيصالات الدالة على الوفاء بثمن الأرض المبيعة والكشوف المستخرجة من سجلات المحافظة عن البناء الذي أقيم على الأرض وقرارات لجنة تحديد أجرة المساكن وعقود إيجار هذه المساكن، وهي أوراق جميعها تحمل اسمها دون اسم الزوج المطعون ضده الأول، كما قدمت لمحكمة الاستئناف مذكرة بدفاعها عقب فراغ المحكمة من التحقيق ضمنتها تجريحاً لأقوال شهود خصمها وأظهرت التناقض بين هذه الأقوال وما أدلى به شاهدان آخران قدمهما لمحكمة أول درجة واعترضت على شهادة هؤلاء جميعاً لما يحملونه لها من عداوة وبغضاء وتناولت بالتفنيد مستندات الخصم التي دلل بها على ملاءته إلا أن الحكم المطعون فيه أخل بحقها في الدفاع بإعراضه عن دلالة تلك المستندات التي قدمتها ولم يعن بتمحيص دفاعها بشأن ما أثارته من اعتراض على شهود المطعون ضده الأول ومستنداته وقصرت أسبابه عن الرد على هذا الدفاع وجاء مشوباً بالفساد في الاستدلال بتعويله على أقوال هؤلاء الشهود، وتقول الطاعنة في الوجه الثاني إنها تمسكت في دفاعها أمام محكمة الاستئناف باكتساب ملكية العقار محل النزاع بالحيازة مدة تزيد على خمسة عشر عاماً إذ استمرت الحيازة لها منذ إبرامها عقد البيع في تاريخ 3/ 4/ 1953 إلا أن الحكم المطعون فيه أغفل تحقيق هذا الدفاع مما يعيبه بقصور يبطله.
وحيث إن هذا النعي في وجهه الأول مردود، ذلك بأنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن تقدير أقوال الشهود واستخلاص الواقع منها واستنباط القرائن القضائية من المسائل الموضوعية التي تستقل بها محكمة الموضوع دون رقابة من محكمة النقض ما لم تخرج بأقوال الشهود إلى غير ما يؤدى إليه مدلولها أو كان استنباط القرائن غير سائغ أو اعتراه الفساد، وهي في مجال تقديرها لأدلة الدعوى ليست ملزمة بتعقب الخصوم في شتى مناحي دفاعهم وكافة ما يعرضونه من مستندات بل يكفي أن يقام حكمها على أسباب تسوغه وفي ذلك بيان للحقيقة القضائية التي اقتنعت بها وتعليل ضمني لإسقاط كل حجة تخالفها، وإذ يبين من الحكم المطعون فيه أنه أورد بأسبابه مضمون الشهادة التي أدلى بها كل من شهود الطرفين في التحقيق التي أجرته محكمة الاستئناف واتخذ من هذا التحقيق سنداً لقضائه دون تحقيق محكمة أول درجة وأبان أنه لا يثق بشهادة شاهدي الطاعنة بينما يطمئن إلى شهادة الشهود الثلاثة الذين أشهدهم المطعون ضده الأول قائلاً "أن أولهم وثانيهم مستأجران بالمنزل مثار النزاع الذي تقيم به المستأنفة وثالثهم يتجر في الخردة التي يتجر فيها المستأنف عليه الأول وقد اجتمعت شاهدة الشاهدين الأولين على أن المستأنف عليه الأول هو الذي كان يقوم ببناء المنزل دفع تكاليف هذا البناء وشهد ثالثهم بأنه حضر واقعة دفع المستأنف عليه الأول مقدم ثمن الأرض المقام عليها المنزل من ماله الخاص وأنه هو الذي كان يمول العقار باسمه إذ كان يحاسب مقاول البناء ويدفع له الأجرة وقد تأيدت أقوال هؤلاء الشهود بالعديد من المستندات التي عمرت بها الدعوى والدالة على أن المستأنف عليه الأول تاجر كبير من تجار الخردة كان يتجر في آلاف الجنيهات وحسب المحكمة أن تشير إلى فاتورة صادرة من شركة الحديد والصلب بتاريخ 23/ 10/ 1978 تفيد شراء المستأنف عليه منها ألفي طن من الحديد بسعر الطن 95 جنيهاً وأنه تم سداد التأمين وقدره خمسة عشر ألف جنيه كما تأيد ذلك... بأن صافي الضرائب المستحقة عليه في السنوات من 1955 حتى 1959 وعن سنتي 1964، 1967 مبلغ 809 ج و680 م.... وأن صافي أرباحه عن كل من السنوات 1969 حتى 1973 مبلغ 3444 جنيهاً وهو ما تطمئن معه المحكمة إلى أن المستأنف عليه كان يملك ثمن شراء الأرض المقام عليها المنزل أما المستأنفة فلم يقم دليل على أنها كانت تملك ثمن شراء الأرض والمباني المقامة عليها عدا شهادة شاهديها اللذين لم تطمئن المحكمة إلى شهادتها...." وجاء بأسباب الحكم في موضع آخر قوله "بأن المستأنفة لا يكون لها أن تتخيل للاستئثار بالمنزل اعتماداً على أن عقد شراء الأرض وإيصالات سداد باقي الثمن وصدور الرخصة والرسم والمكلفة باسمها فذلك إنما تم لحساب الأصيل المستأنف عليه الأول" كما أورد الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قرائن أخرى استمدها من المستندات المطروحة على بساط البحث وهي توكيل أصدره المطعون ضده الأول إلى الطاعنة برقم 424 سنة 1963 توثيق شبرا وكلها فيه باستلام الأجرة من مستأجري منزل النزاع وإنذارات عرض من أحد المستأجرين بعرض الأجرة المتأخرة وأثبت بها قبض الطاعنة الأجرة نيابة عن زوجها بموجب التوكيل آنف الذكر، ودلل الحكم من هذه المستندات على أن حيازة الطاعنة للعقار كانت نيابة عن زوجها المطعون ضدها الأول، لما كان ذلك وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه قد أسس قضاءه بشأن صورية عقد بيع الأرض محل النزاع وسائر الإجراءات المتصلة بالبناء الذي أقيم عليها صورية مردها الوكالة المستترة بإعارة الطاعنة اسمها لزوجها على اعتبارات سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق إذ اعتد فيها على ما استخلصه من شهادة الشهود الذين سمعتهم المحكمة بما لا يخرج عن مؤدى أقوالهم ومن قرائن استنبطها مؤدية إلى النتيجة التي انتهى إليها فإن ما تثيره الطاعنة من نعي في هذا الصدد لا يعدو أن يكون مجادلة منها في تقدير محكمة الموضوع لشهادة الشهود والقرائن التي استنبطها بغية الوصول إلى نتيجة غير التي أخذ بها الحكم المطعون فيه مما لا يقبل أما هذه المحكمة. والنعي في وجهه الثاني مردود ذلك أن حيازة النائب إنما هي حيازة بالوساطة وفقاً لنص المادة 951/ 1 من القانون المدني فأثرها ينصرف إلى الأصيل دون النائب، وإذ كان البين من الحكم المطعون فيه أنه واجه دفاع الطاعنة المؤسس على اكتسابها ملكية العقار بالتقادم الطويل فرد عليه بقوله "إنه لما كنت المحكمة قد انتهت إلى أن حيازة المستأنفة للمنزل مثار النزاع كانت عن طريق الوكالة عن المستأنف عليه الأول لذا فإن ادعاءها ملكية ذلك المنزل بوضع اليد المكسب للملكية بالمدة الطويلة يكون على غير أساس" لما كان ذلك وكان هذا الذي أورده الحكم صحيحاً في القانون وكاف لحمل قضائه في إطراح دفاع الطاعنة في هذا الصدد، فإن النعي عليه بهذا الوجه يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالوجه الأول من السبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان هذا الوجه تقول إنه من القواعد المقررة في القانون أن من واجب المحكمة تكييف الدعوى تكييفاً صحيحاً يتفق مع المقصود من طلباتها دون اعتداد بالألفاظ التي صيغت بها وأنه وإن كان المطعون ضده الأول قد طلب الحكم باعتباره مالكاً للعقار محل النزاع إلا أن ما استهدف من دعواه سوى اعتبار عقد البيع المؤرخ 2/ 4/ 1953 عقداً صورياً فإذا كان هذا هو المقصود من هذه الدعوى وكان الحكم الابتدائي الصادر فيها والمؤيد بالحكم المطعون فيه قد قضى بتثبيت ملكية المطعون ضده الأول إلى العقار دون أن تتضمن مدونات أي من الحكمين توافر سبب من أسباب التمليك سواء كان عقد بيع مسجل أو كان اكتساباً للملكية بوضع اليد المؤدى إلى التمليك فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وقضى بما يغاير طلبات الخصوم مما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في شقه المتصل بتكييف الدعوى مردود بأنه وإن كان على محكمة الموضوع إعطاء الدعوى وصفها الحق وتكييفها التكييف القانوني الصحيح دون تقيد بتكييف الخصوم إلا أنها لا تملك تغيير سبب الدعوى ويجب عليها الالتزام بطلبات الخصوم وعدم الخروج عليها، وإذ كان الثابت من الوقائع أن المطعون ضده الأول لم يقتصر في دعواه على الطعن بصورية عقد البيع بل أفصح في صراحة ووضوح عن أن الصورية التي يعنيها هي الصورية النسبية بطريق التسخير فكان هو المشتري الحقيقي في عقد البيع مستتراً باسم زوجته الطاعنة وأقام البناء على الأرض المبيعة من ماله وما كانت الزوجة إلا نائبة عنه في إجراءات البناء وحيازته، ورتب على ذلك قوله بأنه يكون هو مالك العقار أرضاً وبناء، واختتم المدعي بطلب الحكم باعتباره مالك هذا العقار فلا يكون صحيحاً ما تثيره الطاعنة من أن تكييف الدعوى قاصر على طعن بصورية عقد البيع بل هي دعوى ملكية طلب فيها رافعها بلفظ صريح الحكم له بملكية العقار موضوع التداعي ودفعتها الطاعنة نفسها باكتسابها هي هذه الملكية بوضع اليد المدة الطويلة على نحو ما سلف بيانه.
وحيث إن النعي في شقه الثاني المتعلق بخطأ الحكم المطعون فيه إذ قضى بثبوت الملكية دون أن يقيم قضاءه على تملك المطعون ضده الأول للعقار بناء على سبب من أسباب الملكية المقررة في القانون، فهو نعي سديد ذلك أنه لما كان البين من الحكم المطعون فيه أنه قضى بتأييد الحكم الابتدائي القاضي بتثبيت ملكية المطعون ضده الأول للعقار محل النزاع محمولاً في أسبابه على مجرد القول بثبوت الوكالة المستترة للزوجة الطاعنة فيما أبرمته من عقد شراء الأرض ما اتخذته من إجراءات البناء عليها وأن في ذلك ما يكفى لاعتبار الأصيل في علاقته بالوكيل هو المالك بغير حاجة إلى أي إجراء إذ لا يحتاج لكي يحتج على وكيله المسخر لملكية ما اشتراه إلى تصرف جديد من الوكيل ينقل به الملكية، وكان هذا الذي أقام عليه الحكم قضاءه في هذا الخصوص لا ينطبق على وقائع الدعوى إذ هو يصدق على حالة ما إذا تم تسجيل البيع الصادر للوكيل المعير اسمه فتكون الملكية قد خرجت من ذمة البائع وهي وإن انتقلت إلى الوكيل في الظاهر إلا أن انتقالها في الحقيقة يعتبر لحساب الأصيل فيصبح في علاقته بالوكيل هو المالك بغير حاجة إلى صدور تصرف جديد من هذا الأخير ينقل به الملكية إليه، وإذ كان الثابت من مدونات الحكم أن عقد البيع الذي تعلق بعقار لم يسجل بعد فلا تكون ملكية المبيع قد انتقلت إلى الزوجة الطاعنة التي أبرمته بطريق الوكالة المستترة بل هي لا تزال باقية على ذمة الشركة المطعون ضدها الثانية بائعة العقار ويكون التصرف إلى الأصيل المطعون ضده الأول هي الحقوق الشخصية وليدة عقد البيع الذي لم يسجل، وهذا العقد غير المسجل لا يترتب عليه أيضاً تملك المطعون ضده الأول لما أقامه على الأرض المبيعة من مبان ذلك أن حق القرار - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - حق عيني من قبيل الملكية فلا ينشأ ولا ينتقل وفقاً لنص المادة التاسعة من قانون الشهر العقاري إلا بالتسجيل، أما قبل تسجيل سند المشتري الباني فإن ملكية المنشآت تكون للبائع بحكم الالتصاق نظير تعويض المشتري عنها تطبيقاً للقاعدة المنصوص عليها في المادة 925 من القانون المدني، لما كان ذلك فإن الحكم المطعون إذ قضى بثبوت ملكية المطعون ضده الأول رغم عدم توافر السبب القانوني المؤدي إلى التملك يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه بما يوجب نقضه.
وحيث إن الموضوع صالح للحكم فيه - فيما رأت هذه المحكمة نقضه من الحكم المطعون فيه - ولما سبق بيانه تكون دعوى المطعون ضده الأول بطلب الحكم بملكيته للعقار محل التداعي غير مقبولة ذلك أنه طالما لم يتم تسجيل عقد البيع العرفي الذي انصرفت إليه الحقوق الشخصية المتولدة عنه فإن هذا العقد بذاته لا يصلح سبباً للقضاء بأحقيته في ملكية الأرض المبيعة بهذا العقد أو ما أقامة عليها من بناء، ومن ثم يتعين إلغاء الحكم الابتدائي الصادر في الدعوى رقم 2882 لسنة 1973 مدني كلي شمال القاهرة والقضاء بعدم قبول الدعوى.


[(1)] نقض 19/ 2/ 1976 مجموعة المكتب الفني - السنة 27 ص 471.
[(2)] نقض 26/ 11/ 1964 مجموعة المكتب الفني السنة 15 ص 1073.
[(3)] نقض 19/ 6/ 1969 مجموعة المكتب الفني السنة 20 ص 1002.