مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع - صـ 226

جلسة 25 نوفمبر سنة 1943

برياسة حضرة صاحب السعادة أمين أنيس باشا رئيس المحكمة وحضور حضرات أصحاب العزة: نجيب مرقس بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك ومحمود فؤاد بك المستشارين.

(82)
القضية رقم 52 سنة 13 القضائية

أ - نقض وإبرام. دعوى ظاهر من صحيفتها ومن إعلان استئناف الحكم الصادر فيها أنها دعوى وضع يد. الفصل فيها على اعتبار أنها دعوى وضع يد. ذكر الحكم الاستئنافي عنها أنها دعوى مستعجلة. ذلك حشو لا يغير من حقيقة الأمر فيها. الطعن في هذا الحكم بطريق النقض. جوازه. (المادة 10 من قانون محكمة النقض)
ب - دعوى منع تعرض. استعراض الحكم مستندات ملكية المدعي للاستدلال منها على ملكيته للأطيان المتنازع عليها. هذا منه جمع بين دعويي اليد والملك. غير جائز.
(المادة 29 مرافعات)
1 - إذا كان الظاهر من صحيفة الدعوى ومن إعلان استئناف الحكم الصادر فيها أنها دعوى وضع يد وليست من الدعاوى المستعجلة التي ليس للفصل فيها تأثير في أصل الحق، فإنه لا يغير من حقيقة الأمر فيها أن يكون الحكم الذي فصل فيها على اعتبار أنها دعوى يد قد ذكر عنها أنها مستعجلة، لأن هذا منه ليس إلا حشواً لا تأثير له في الواقع. ومثل هذا الحكم يصح الطعن فيه بطريق النقض طبقاً للمادة العاشرة من قانون محكمة النقض.
2 - إذا كان الحكم الصادر في دعوى منع التعرض لم يرد فيه بيان عن وضع يد المدعي لمعرفة هل هو مستوف للشروط القانونية أو غير مستوف، وهل المدعي رفع الدعوى قبل مضي سنة على واقعة التعرض، كما هو الواجب قانوناً أو لا، ولكن كان كل ما جاء به هو أن عرض لوضع يد المدعى عليه فأورد أنه لم يكن مقترناً بنية التملك، ثم استعرض مستندات ملكية المدعي، لا للاستئناس بها في تبين وضع يده وشرائطه، بل للاستدلال منها على ملكيته للأطيان المتنازع بشأنها، فإنه يكون قد استند في دعوى التعرض إلى أدلة الملك فجمع بين دعوى اليد ودعوى الملك، وهذا غير جائز قانوناً بحكم المادة 29 مرافعات [(1)].


الوقائع

تتحصل وقائع هذه الدعوى في أن المطعون ضده الأول رفع دعوى عن نفسه وبصفته ولياً على ولده عزت ضد الطاعنين لدى محكمة السنطة الجزئية قيدت برقم 2076 سنة 1939 قال في صحيفتها المعلنة في 19 من يوليو سنة 1939 إنه يمتلك 2 ف و20 (ذكر موقعها وحدودها) وإن المدعى عليهما تعرضا له بغير حق ووضعا يدهما على هذه الأطيان، وطلب الحكم بصفة مستعجلة: أولاً - بمنع تعرضهما له في هذه الأطيان وتسليمها له وكف المنازعة. ثانياً - بتعيين حارس قضائي عليها لاستلامها واستغلالها وإيداع صافي ريعها بخزانة المحكمة حتى يفصل في الدعوى. ثالثاً - بإلزامهما بالمصاريف وأتعاب المحاماة وشمول الحكم بالنفاذ. وبجلسة 5 من ديسمبر سنة 1939 طلبت وزارة الأوقاف قبولها خصماً ثالثاً في الدعوى استناداً إلى أن تعرض المدعى عليهما تناول 14 ط للوزارة المذكورة. وبجلسة 7 من يوليو سنة 1940 قررت المحكمة قبول وزارة الأوقاف خصماً ثالثاً في الدعوى. وبتاريخ 10 من نوفمبر سنة 1940 حكمت المحكمة بتعيين وزارة الأوقاف حارساً قضائياً على الأطيان المتنازع عليها وقدرها 3 ف و1 ط.
وبعد أن ندبت المحكمة خبيراً حكمت بتاريخ 26 من يوليو سنة 1942 بصفة مستعجلة بمنع تعرض المدعى عليهما للمدعي في الأطيان البالغ قدرها 2 ف و20 ط المبينة الحدود والمعالم بصحيفة افتتاح الدعوى وتسليمها إليه، وبمنع تعرض المدعى عليهما لوزارة الأوقاف في 14 ط المبينة الحدود والمعالم بمذكرتها وكف منازعتهما لها في القدر المذكور وتسليمه لها، وألزمت المدعى عليهما بالمصاريف وأمرت بالنفاذ.
استأنف الطاعنان هذا الحكم لدى محكمة طنطا الابتدائية منعقدة بهيئة استئنافية وقالا في صحيفة الاستئناف إنهما هما الواضعان اليد على هذه الأطيان من مدة تزيد على ثلاثين سنة بصفتهما مالكين دون المطعون ضدهما اللذين لم يضعا اليد عليها قط. وبتاريخ 14 من فبراير سنة 1943 قضت تلك المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً ورفضه موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف وإلزام المستأنفين بالمصاريف إلخ.
أعلن هذا الحكم إلى الطاعن الأول في 20 من مارس سنة 1943 وإلى الطاعن الثاني في 30 من ذلك الشهر فطعنا فيه بطريق النقض إلخ.


المحكمة

من حيث إن النيابة العامة تقول بعدم جواز الطعن لأن الحكم المطعون فيه صدر في دعوى مستعجلة لا في دعوى وضع يد كما يقول الطاعنان، ولذلك فإن الطعن فيه بطريق النقض غير جائز لأنه صادر من محكمة ابتدائية في غير الحالات التي أجازت المادة العاشرة من قانون إنشاء محكمة النقض والإبرام، الطعن فيها بطريق النقض.
وحيث إنه بالرجوع إلى صحيفة الدعوى وإلى إعلان الاستئناف المتقدم ذكرهما في وقائع هذا الحكم يبين بجلاء أن الدعوى المطروحة هي دعوى وضع يد وقد فصل في موضوعها على هذا الاعتبار كما هو واضح من الحكم المطعون فيه، ولم يكن موضوع الدعوى أمراً من الأمور المستعجلة التي يخشى عليها من فوات الوقت والذي لا يكون للفصل فيه تأثير على أصل الدعوى.
وحيث إن ما جاء في الحكم المطعون فيه من وصف الدعوى بأنها مستعجلة لا يمكن أن يغير في شيء من حقيقة موضوع الدعوى التي هي دعوى وضع يد فصل فيها القاضي الجزئي في دائرة اختصاصه، وما ذلك الوصف إلا حشو لا تأثير له على الحكم الصادر في الدعوى.
وحيث إنه لذلك ولأن الطعن رفع صحيحاً في الميعاد القانوني فهو مقبول شكلاً.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه أنه جاء مخالفاً للقواعد القانونية الخاصة بدعاوى وضع اليد. وفي بيان ذلك يقولان إن المحكمة استمدت قضاءها في دعوى وضع اليد من تقديرها لمستندات الملك دون أن تعرض لوضع يد المطعون ضدهما وشروطه القانونية التي يجب توافرها ولا للزمن الذي وقع فيه التعرض لهما، وهو ما كان يجب أن تحصر البحث فيه. أما وأنها قد أغفلت ذلك فيكون الحكم المطعون فيه قد جاء معيباً ويتعين نقضه.
وحيث إن حكم محكمة أول درجة الذي أخذ بأسبابه الحكم الاستئنافي المطعون فيه أسس قضاءه بمنع تعرض الطاعنين على ما يأتي: "حيث إن الخبير الذي ندبته المحكمة بحكمها التمهيدي الصادر في 22/ 12/ 1940 هذا الحكم الذي أتى تفصيلاً على أدوار النزاع في هذه القضية قدم تقريره، وقد ظهر له من المعاينة وتطبيق المستندات على الطبيعة والتحقيق الذي أجراه أن أرض النزاع وقدرها 3 ف و10 ط تدخل ضمن حكم مرسى المزاد أساس ملكية المدعي، وأن الـ 14 ط الراسي مزادها على وزارة الأوقاف بالحكم رقم 1328 سنة 1936 تدخل ضمن الـ 3 ف و10 ط محل النزاع وأن هذه الأطيان كانت في وضع يد درويش رمضان من وقت رسو المزاد عليه ومن بعده ورثته الذين تلقى الملك عنهم المدعي عطية أفندي منصور ووزارة الأوقاف التي دخلت خصماً ثالثاً في الدعوى، وأن المدعى عليهما لم يسبق لهما وضع يد على الأطيان موضوع النزاع بصفتهما مالكين وإنما بعقود إيجار من ورثة درويش رمضان وعطية منصور. وحيث إن النتيجة التي وصل إليها الخبير جاءت مطابقة لما ظهر للمحكمة في القضية رقم 2186 سنة 1934 مدني السنطة والقضية رقم 355 سنة 1934 مدني استئناف طنطا وكذلك القضية رقم 1310 سنة 1935 مدني السنطة، وهي القضايا المضمومة، لأن النزاع فيها كان دائراً على نفس هذه الأطيان، وقد فصل فيها بأن تعرض المدعى عليهما على غير أساس بعد أن ثبت من التحقيق الذي قامت به المحكمة أنهما لم يضعا اليد وضعاً قانونياً. وحيث إنه لما تقدم من الأسباب ترى المحكمة أن تعرض المدعى عليهما للمدعي ووزارة الأوقاف هو تعرض بدون وجه حق".
وحيث إنه لم يرد في هذا الذي استند إليه الحكم بيان ما عن وضع يد المطعون ضدهما (وهما المدعيان أصلاً) وهل هو مستوف للشروط القانونية وهل رفعا الدعوى قبل مضي سنة على واقعة التعرض كما يجب قانوناً بل عرض لوضع يد الطاعنين (وهما المدعى عليهما) فأورد أنه لم يكن مقترناً بنية الملك، وقد استعرضت المحكمة مستندات ملكية المطعون ضدهما، لا للاستئناس بها في تبين وضع اليد وشرائطه وإنما للاستدلال على ملكيتهما للأطيان المتنازع عليها، وما كان يصح للمحكمة أن تستند في دعوى منع التعرض إلى أدلة الملك لأن في هذا جمعاً بين دعوى اليد والملك وهو ممنوع قانوناً بحكم المادة 29 من قانون المرافعات.
وحيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون ويتعين نقضه من غير حاجة إلى بحث أوجه الطعن الأخرى.


[(1)] لا نزاع في أن قاضي الموضوع يكون مخطئاً في تطبيق القانون إذا هو خلط بين اليد وبين الملكية وقضى في دعوى وضع اليد بناءً على ثبوت الملك أو استند فيها إلى أدلته وحدها. أما مجرد قصور الحكم في بيان وضع يد المدعي واستيفاء شروطه القانونية وكون المدعي رفع دعواه قبل مضي سنة على واقعة التعرض فإنه قصور في التسبيب لا يجوز الطعن به في أحكام المحاكم الابتدائية، بمقتضى المادة العاشرة من قانون محكمة النقض، على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة. ولعل حكم النقض قد عرض لذلك لا لينعى على الحكم هذا القصور لذاته، بل ليبرز أنه تعرض للنظر في أمر الملكية فأخطأ في تطبيق القانون.
أما أن محكمة الموضوع قد استعرضت مستندات الملكية للاستدلال بها على ملكية المدعي وأنها بذلك قد جمعت بين دعوى اليد ودعوى الملك، فهذا محل نظر. لأن هذه المحكمة بعد أن قررت أن العين المتنازع عليها تدخل ضمن حكم مرسى المزاد الذي هو أساس ملكية المدعي قد قالت إن هذه الأطيان كانت في وضع يد فلان من وقت رسو المزاد عليه ثم من بعده ورثته الذين تلقى المدعي عنهم الملك، ثم قالت: إن المدعى عليهما لم يسبق لهما وضع يده على الأطيان موضوع النزاع بصفتهما مالكين بل بناءً على عقود إيجار من ورثة فلان ومن المدعي. وإذن فالحكم المطعون فيه قد أسند للمدعى عليه وضع اليد، ولم يذكر أسباب الملك إلا في معرض التحدث عن وضع اليد على ما آل لصاحب اليد بسند الملك، كما لعله لم يعن بنفي وضع يد المدعى عليهما إلا للرد على ما زعماه في صحيفة الاستئناف من أنهما هما أصحاب اليد من مدة تزيد على ثلاثين سنة بصفتهما مالكين.