مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع - صـ 356

جلسة 4 مايو سنة 1944

برياسة سعادة أمين أنيس باشا رئيس المحكمة، وبحضور حضرات: نجيب مرقس بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك ومحمود فؤاد بك المستشارين.

(131)
القضية رقم 108 سنة 13 القضائية

دعوى استرداد الحيازة. عناصرها. حيازة واقعية هادئة. سلبها بالقوة والإكراه. دعوى رفعت على أنها دعوى منع تعرض. استظهار المحكمة من وقائعها قيام تلك العناصر. الحكم فيها على اعتبار أنها دعوى استرداد حيازة. لا خطأ.
يكفي في دعوى استرداد الحيازة أن تكون للمدعي حيازة واقعية هادئة ظاهرة، وأن يقع سلب تلك الحيازة بالقوة والإكراه، فإذا استظهرت المحكمة قيام هذه العناصر في الدعوى المرفوعة على أنها دعوى منع تعرض فاعتبرتها دعوى استرداد حيازة وحكمت فيها على هذا الاعتبار فإنها لا تكون قد أخطأت [(1)].


الوقائع

تتحصل وقائع هذا الطعن في أن محمد أحمد عثمان المطعون ضده الأول رفع دعوى على الطاعن والمطعون ضدهم الآخرين لدى محكمة دمياط الجزئية قيدت برقم 2099 سنة 1942 قال في صحيفتها المعلنة في 13 يونيه سنة 1942 للطاعن وفي 15 من الشهر المذكور إلى باقي المدعى عليهم إنه يمتلك 8 س و12 ط و2 ف تروى من مسقى آخذة من ساقية مشتركة بينه وبين إخوته وآخرين، ونظراً لوجود مصرف فاصل بين أطيانه وأطيان آخرين يعترض وصول المسقى إلى أرضه فقد أنشأ المالكون الأصليون صاروداً من الخشب فوق المصرف لتوصيل مياه الري إلى أرضه من غير أن تختلط بماء المصرف، وفي أول يونيه سنة 1942 أتلف المدعى عليهم الصارود الخشبي وكسروه بالعنف والقوة ليمنعوه من الانتفاع من الساقية، ولذلك طلب الحكم بصفة مستعجلة بمنع تعرض المدعى عليهم له في الصارود الخشبي المتقدم ذكره وإعادته لأصله في ظرف أربع وعشرين ساعة بمصاريف على حسابهم وإلا يقوم هو بإعادته بمصاريف يرجع بها عليهم، ويكف منازعتهم له في إدارة الساقية مع إلزامهم بالمصاريف وأتعاب المحاماة والنفاذ بنسخة الحكم الأصلية. وبتاريخ 17 يونيه سنة 1942 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المدعي وضع يده على الصارود والساقية المتنازع عليهما وللمدعى عليهما النفي.
وبعد أن تم التحقيق حكمت المحكمة في الدعوى حضورياً بتاريخ 18 من أغسطس سنة 1942 برفضها. استأنف المطعون ضده الأول هذا الحكم لدى محكمة المنصورة الابتدائية طالباً الحكم بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف والحكم له بطلباته المقدمة لمحكمة أول درجة.
وبتاريخ 20 مايو سنة 1943 حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف ومنع تعرض المستأنف ضدهم للمستأنف في الصارود الخشبي الواقع في المصرف غربي أطيان المستأنف بحوض الدبقاوى 115 قطعة نمرة 2 والمار تحت المسقى الآخذة من الساقية شركة المستأنف والمستأنف عليهم وورثة العباسي وآخرين الكائنة بغيط نعناعة من الجهة الغربية البحرية وإعادة الصارود لأصله في ظرف شهر من تاريخ الحكم بمصاريف على حساب المستأنف ضدهم وإلا يقوم المستأنف بإعادته بمصاريف يرجع بها عليهم ومنع تعرضهم له في الساقية المذكورة إلخ.
أعلن هذا الحكم إلى الطاعن في 4 يوليو سنة 1943 فطعن فيه بطريق النقض إلخ إلخ.


المحكمة

وحيث إن وجه الطعن يتحصل في أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله. ذلك لأنه أخرج الدعوى عن الوضع الذي وضعها فيه المطعون ضده الأول إذ أنه رفعها باعتبار أنها دعوى منع تعرض ولكن الحكم اعتبرها دعوى استرداد حيازة وفصل فيها على هذا الأساس دون أن يبين سنده القانوني في ذلك ولا الشرائط القانونية التي يجب توافرها في هذه الدعوى، مع أن التحقيق الذي أجرته محكمة أول درجة أثبت أن المدعى لم يكن حائزاً مطلقاً وأن وضع يده كان على سبيل التسامح. ثم أخذت الطاعن يستعرض شهادة الشهود توصلاً إلى القول بأن ما استخلصته المحكمة منها لا يتفق مع مدلولها، كما نعى عليها أنها لم تحقق دفاعه الذي تقدم به إليها من أن الساقية موضوع النزاع هي غير الساقية التي يملك فيها المطعون ضده الأول جزءاً.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أثبت في صدد ما يثيره الطاعن خاصاً بوصف الدعوى وشرائطها ما يأتي: "وحيث إن محكمة أول درجة قد أصدرت حكماً تمهيدياً ليثبت المستأنف وضع يده على الصارود والساقية وينفي المستأنف ضدهم ذلك، وقد بان من شهادة الأستاذ يوسف عبد السيد المحامي الحارس على أطيان مجاورة لأرض النزع أن المستأنف واضع يده على الصارود من خمس سنوات وينتفع كذلك بمياه الساقية من ذلك الحين أيضاً وقد ثبت زيادة على ذلك أن الأرض التي تنتفع من الصارود المذكور ومياه الساقية لا يمكن ريها من جهة أخرى وذلك يقطع أيضاً باستمرار الانتفاع بمياه الساقية والصارود في طول تلك المدة، وقد شهد أحمد مصطفى الجمال بأن لا طريق للري لتلك الأطيان إلا من الساقية والمسقى، ولم ينف المستأنف ضدهم هذا القول، مما يدل على أن الأطيان ملك المستأنف ظلت طول تلك المدة كما سبق القول تنتفع بالساقية والصارود المذكور، وبذلك يتبين بطريقة لا تدع مجالاً للشك أن المستأنف حائز للساقية والصارود المذكورين إلى أن منع من الانتفاع بفعل المستأنف ضدهم. وحيث إنه لا يشترط لدعوى استرداد الحيازة ما يشترط لباقي دعاوى وضع اليد من الشروط، وإنه بحسب الرأي المعول عليه أخيراً والذي سارت عليه المحاكم المصرية على العموم وهو رأي محكمة النقض والإبرام الفرنسية أنه يكفي فقط وضع اليد العادي Detention Materielle". وقد أصاب الحكم في قضائه هذا. إذ يكفي في دعوى استرداد الحيازة أن تكون للمدعي حيازة واقعية هادئة ظاهرة، وأن يقع سلب تلك الحيازة بالقوة أو الإكراه، وهو ما استظهره الحكم كما هو واضح من أسبابه التي تقدم إيرادها.
وحيث إنه فيما يختص بما ينعاه الطاعن على المحكمة من أنها أخرجت الدعوى عن وضعها واعتبرتها دعوى استرداد حيازة في حين أنها رفعت على أساس أنها دعوى منع تعرض فهو غير سديد، لأن المحكمة إذ فعلت ذلك لم تخطئ في تطبيق القانون لأنها استبانت عناصر دعوى استرداد الحيازة من الوقائع التي كانت مطروحة لديها.
وحيث إن ما يثيره الطاعن خاصاً بما استخلصته المحكمة من شهادة الشهود وبعدم الرد على دفاعه لا محل للاعتداد به، لأن هذه الأسباب غير مقبولة طبقاً للمادة العاشرة من قانون محكمة النقض والإبرام التي نصت على عدم قبول الطعن في قضايا وضع اليد إلا إذا كان مبنياً على مخالفة للقانون أو خطأ في تطبيقه أو في تأويله.


[(1)] من المسلم أن العبرة في تكييف الدعوى هي بحقيقة المقصود من الطلبات المقدمة فيها، لا بالألفاظ التي صيغت هذه الطلبات بها، وأنه لذلك يجوز أن تعتبر الدعوى من دعاوى استرداد الحيازة ولو كان المطلوب لفظاً هو منع التعرض، والعكس صحيح.
وقد جرى القضاء بأنه يجوز للمدعي أن يجمع في دعواه طلب استرداد الحيازة ومنع التعرض بانياً كلاً منهما على ما يسوغه، وبأنه يجوز للمدعي أن يغير وصف دعواه وأساسها أثناء الخصومة فيعدل عن طلب منع التعرض إلى طلب استرداد الحيازة (بازينيه - دعاوى وضع اليد رقم 264).
وعلى ذلك فإنه إذا جاز للمحكمة أن تقضي للمدعي باسترداد حيازته بالرغم من أنه طلب منع التعرض، فإنما يصح ذلك على أساس تأويل الألفاظ بالمعنى المقصود منها، أو على أساس أن المدعي قد جمع بين الطلبين، أو أنه عدل عن طلب منع التعرض إلى طلب استرداد الحيازة.
والثابت في الحكم الذي نحن بصدده أن المدعي قال في صحيفة دعواه إنه يمتلك أطياناً تروى من مسقى آخذة من ساقية مشتركة بينه وبين إخوته وآخرين، وإنه نظراً إلى وجود مصرف فاصل بين أطيانه وأطيان آخرين يعترض وصول المسقى إلى أرضه فقد أنشأ المالكون الأصليون صاروداً من الخشب فوق المصرف لتوصيل مياه الري إلى أرضه، وإن هذا الصارود قد أتلفه المدعى عليهم وكسروه بالعنف والقوة ليمنعوه من الانتفاع من الساقية، ولذلك فهو يطلب الحكم عليهم بمنع تعرضهم له في الصارود الخشبي وإعادته إلى أصله وكف منازعتهم له في إدارة الساقية وقد حكمت محكمة الدرجة الأولى بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المدعي وضع يده على الصارود والساقية المتنازع عليهما، ثم قضت في موضوع الدعوى برفضها. والمحكمة الاستئنافية قضت بإلغاء الحكم المستأنف ومنع تعرض المستأنف عليهم للمستأنف في الصارود وإعادته إلى أصله ومنع تعرضهم له في الساقية.
وقد أبرمت محكمة النقض هذا الحكم. وعندنا أن المسألة محل نظر. فإنه متى كان سبب الدعوى هو التعدي على الصارود ومنع الانتفاع بمياه الساقية، وكلاهما خارج عن حدود أطيان المدعي، فلا يكون له على الصارود ولا على الساقية إلا وضع اليد القانوني إذا توافرت شرائطه. أما الحيازة الفعلية المادية فلا يمكن أن تكون له فيما ادعى التعدي عليه. ومن المشكوك فيه كثيراً قبول دعوى استرداد الحيازة بالنسبة إلى ما لا يكون في حيازة المدعي الفعلية، كالمنشآت القائمة خارج عقاره ولو كان يستعملها في الانتفاع بحق من حقوق الارتفاق (بازينيه رقم 94 ولاكور دعاوى وضع اليد واسترداد الحيازة ص 192 وما يليها، وبلانيول وريبير وبيكار جزء 3 ص 207 و208).
وقد سبق لمحكمة النقض أن أخذت بهذا النظر في حكمها الصادر في 22 أكتوبر سنة 1936 (الجزء الأول من هذه المجموعة رقم 380 ص 1167) الذي قررت فيه أن "دعوى استرداد الحيازة تستلزم بطبيعتها وقوع أعمال عنف وقوة مادية تكون قد سلبت حيازة مادية كذلك، وهي بهذه المثابة لا يمكن أن يكون موضوعها إعادة مسقى أو مصرف هدمها المدعى عليه ويدعي المدعي أن له حق ارتفاق عليهما إذا كان هذا المسقى أو المصرف اللذان هما محل حق الارتفاق مقطوعاً بأنهما في يد المدعى عليه". وكذلك أخذت به في حكمها الصادر في 3 من فبراير سنة 1938 (الجزء الثاني من هذه المجموعة رقم 88 ص 246 وما يليها) الذي قرر أن دعوى استرداد الحيازة لا تقبل "إذا كان العمل المادي المدعى به قد قام به المدعى عليه في ملكه الواقع في حيازته".
من كل هذا يظهر أن اعتبار المدعي حائزاً للساقية والصارود بناءً على مجرد أنه كان ينتفع بمياه الساقية من طريق الصارود، وتكييف الدعوى على هذا الأساس بأنها دعوى استرداد حيازة، والحكم بقبولها على هذا الاعتبار، وإبرام هذا الحكم - ذلك محل نظر كبير.