مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع - صـ 386

جلسة 25 مايو سنة 1944

برياسة سعادة أمين أنيس باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: نجيب مرقس بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك ومحمود فؤاد بك المستشارين.

(140)
القضية رقم 117 سنة 13 القضائية

رهن. المادة 208 مدني. لا يسري حكمها على الرهن. المادة 88 هي التي تسري عليه. الرهن حق تبعي لا يكتسب بوضع اليد. لا يسقط بمضي المدة استقلالاً عن الدين المضمون به.
(المواد 76 و88 و208 مدني أهلي و102 مختلط)
إنه لما كانت المادة 208 من القانون المدني لا تنطبق، كما هو صريح نصها [(1)]، إلا على الديون أو التعهدات [(2)] فإن حكمها لا يسري على الرهن الرسمي الذي هو حق عيني، بل الذي يسري عليه هو حكم المادة 88 التي أورد فيها القانون بيان أحوال زوال الحقوق العينية. ولما كان حق الرهن بحسب طبيعته لا يمكن اكتسابه بوضع اليد لأنه حق تبعي لا يتصور له وجود إلا ضماناً لدين، والديون لا تكتسب بوضع اليد، فالاستثناء المنصوص عليه في المادة 102 من القانون المدني المختلط ليس إلا تقريراً لما هو مقرر، فإغفاله في المادة 76 من القانون الأهلي لا يمكن أن يفيد أن هذا القانون جاء على خلاف القانون المختلط مجيزاً اكتساب الرهن بوضع اليد [(3)]. ولما كان عدم الاستعمال ليس من أسباب زوال الحقوق العينية الواردة على سبيل الحصر في المادة 88 فإن حق الرهن المحفوظ وفقاً للقانون لا يمكن أن يسقط بمضي المدة استقلالاً عن الدين المضمون به.


الوقائع

رفع الطاعنون على المطعون ضده أمام محكمة طنطا الابتدائية دعوى قيدت بجدولها برقم 404 سنة 1941 وطلبوا في صحيفتها المعلنة في 19 من أغسطس سنة 1941 الحكم بصفة مستعجلة بإلغاء تنبيه نزع الملكية المعلن منه إليهم في 4 أغسطس سنة 1941 عن 9 ف و12 ط اشتراها مورثاهم من محمد على مساعد حتاتة بموجب عقد بيع سجل في 29 من نوفمبر سنة 1925 مع إلغاء وشطب ما ترتب على هذه الأطيان من الحقوق والتسجيلات والإجراءات، وإيقاف دعوى نزع الملكية حتى يفصل في هذه المعارضة.
وقالوا إن المطعون ضده أنذرهم وآخرين بأن يدفعوا له مبلغ 714 جنيهاً و296 مليماً وإلا فإنه يطلب إليهم تخلية الأطيان التي اشتروها لكي يبيعها ويستوفي دينه منها إذ هي مرهونة له ضمن 42 فداناً بعقد رهن رسمي سجل في 23 سبتمبر سنة 1924 وأعيد تسجيله في 11 أغسطس سنة 1934 وإنهم يرتكنون في طلبهم أولاً على سقوط حق المطعون ضده في رهنه وتسجيله بمضي خمس عشرة سنة على تاريخ ذلك الرهن، ومن ناحية أخرى اكتساب الطاعنين ملكية القدر المطلوب نزع ملكيته بوضع اليد مدة خمس عشرة سنة بموجب عقد البيع المسجل في 29 من نوفمبر سنة 1925. (ثانياً) عدم جواز احتجاج المطعون ضده بعقد رهنه بعد أن صادق على عقد شطب الرهن من بنك الأراضي عن هذه العين نفسها. (ثالثاً) إن الطاعنين قد حلوا محل بنك الأراضي وهو أسبق، وبذا أصبح لهم حق الأولوية فلا مصلحة للمطعون ضده في اتخاذ إجراءات نزع الملكية.
وبتاريخ 19 من مارس سنة 1943 قضت المحكمة الابتدائية برفض الدعوى واستأنف الطاعنون حكمها أمام محكمة استئناف مصر وأضافوا إلى أسباب دعواهم صورية عقد الرهن الصادر لمصلحة المطعون ضده فقضت محكمة الاستئناف حضورياً برفض الاستئناف موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف.
أعلن هذا الحكم إلى المطعون ضدهم في أول أغسطس سنة 1943 فقرر وكيلهم الطعن فيه بطريق النقض إلخ إلخ.


المحكمة

وحيث إن السبب الثالث يتحصل في أن الطاعنين تمسكوا بأن حق رهن المطعون ضده قد سقط بموجب المادة 208 من القانون المدني لأنه لم ينفذ في مدى الخمس عشرة سنة التالية لإنشائه في 23 ديسمبر سنة 1934 وسقط أيضاً بموجب تملك الطاعنين للعقار المرهون بوضع اليد المدة الطويلة المكسبة للملكية من تاريخ شراء مورثيهم له بتاريخ 29 نوفمبر سنة 1925 وذلك لانعدام الصلة بين سبب الملكية هذا وبين الدائن المرتهن. والحكم إذ قال بعدم سقوطه يكون مخالفاً للقانون. وذلك: (أولاً) لأن قاعدة السقوط بعدم الاستعمال المدة الطويلة تتمشى على كل فعل قانوني أياً كان نوعه، وعدم إيراد الشارع المصري لمادة مماثلة للمادة 1280 من القانون الفرنسي المنصوص فيها على سقوط حق الرهن بعدم الاستعمال مستقلاً عن الدين لم يكن لأنه أراد مخالفتها بل لأنه لا حاجة إليها لدخول حكمها في عموم نص المادة 208. (وثانياً) لأن المحكمة إذ ذهبت مذهب الدوائر المجتمعة لمحكمة الاستئناف المختلطة بأن الرهن لا يسقط بمضي المدة استقلالاً عن الدين المضمون به غفلت عن أن المادة 102 من القانون المختلط استثنت حق الرهن من بين الحقوق العينية التي يمكن اكتسابها بوضع اليد، في حين أن المادة 76 من القانون الأهلي المماثلة لها لم يرد فيها هذا الاستثناء، مما يفيد أن القانون الأهلي أراد أن واضع اليد المدة الطويلة يكتسب الملكية مطهرة من حق الرهن والتتبع.
وحيث إنه لما كانت المادة 208 من القانون المدني لا تنطبق بحسب صريح نصها إلا على التعهدات والديون فإن حكمها لا يسري بضرورة الحال على حق الرهن الذي هو حق عيني، وإنما تسري عليه المادة 188 التي خصصها القانون لبيان أحوال زوال الحقوق العينية. ولما كان حق الرهن بحسب طبيعته لا يمكن اكتسابه بوضع اليد لأنه حق تبعي لا يتصور له وجود إلا ضماناً لدين، والديون لا تكتسب بوضع اليد، فالاستثناء الوارد في المادة 102 من القانون المختلط ما هو إلا من قبيل تحصيل الحاصل. فإغفاله في المادة 76 من القانون الأهلي أمر طبيعي ولا يمكن مطلقاً أن يفيد أن القانون الأهلي، خلافاً للقانون المختلط، يجيز اكتساب حق الرهن بوضع اليد وهو غير معقول. ولما كان عدم الاستعمال ليس من أسباب زوال الحقوق العينية الواردة على سبيل الحصر في المادة 88 - لما كان ذلك كذلك فإن حق الرهن المحفوظ وفقاً للقانون لا يمكن أن يسقط بمضي المدة استقلالاً عن الدين الذي هو ضامن له.


[(1)] المادة 208 هي التي تقرر القاعدة العامة في انقضاء الالتزامات بمضي خمس عشرة سنة.
[(2)] المقصود هي الالتزامات، والنص الفرنسي يصرح بلفظ (Obligations).
[(3)] المادة 76 أهلي نصها: "تحصل ملكية العقارات والحقوق العينية لمن وضع يده عليها ظاهراً بنفسه.. إلخ".
والمادة 102 مختلط نصها: "تحصل ملكية العقارات والحقوق العينية ما عدا حق الرهن العقاري لمن وضع يده عليها.. إلخ".