مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع - صـ 390

جلسة 25 مايو سنة 1944

برياسة سعادة أمين أنيس باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: نجيب مرقس بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك ومحمود فؤاد بك المستشارين.

(142)
القضية رقم 12 سنة 14 القضائية

أ - عقد. مذكور فيه صراحة أنه عن بيع وفاء. استخلاص المحكمة من وقائع الدعوى وظروفها أنه أفرغ في تلك الصيغة ستراً لرهن. موضوعي.
ب - صورية. إثبات. إخفاء رهن وراء بيع وفاء. صورية مقصود بها التحايل على القانون. جائز إثباتها بين العاقدين بطرق الإثبات كافة. (المادة 339 مدني).
1 - إذا كان الحكم المطعون فيه، بعد أن ذكر أن العقد المتنازع على ماهيته مذكور فيه صراحة أنه عن بيع وفائي، قد عرض لتحري قصد المتعاقدين منه هل هو البيع الوفائي حقاً أو هو الرهن ولكن أفرغ في تلك الصيغة ستراً له، فاستعرض ظروف الدعوى وما ساقه كل من طرفيها تأييداً لوجهة نظره، ثم انتهى إلى أن هذا العقد إنما يستر رهناً، مستخلصاً ذلك من قرائن مؤدية إليه فلا سبيل من بعد إلى إثارة الجدل حول هذه المسألة لكونها مما يتعلق بتحصيل فهم الواقع.
2 - ولا يقدح في هذا الحكم أنه إذ فعل ذلك قد أجاز إثبات الصورية بين المتعاقدين بغير الكتابة، ما دام أن إخفاء الرهن وراء بيع وفاء هو غش وتحايل على القانون للتوصل إلى الاستيلاء على تملك الأطيان بغير اتخاذ الإجراءات التنفيذية وبثمن بخس. والصورية التي يكون هذا هو الغرض منها جائز إثباتها بين المتعاقدين بطرق الإثبات كافة بما فيها البينة والقرائن [(1)].


الوقائع

تتحصل وقائع هذه الدعوى في أن المطعون ضده رفع دعوى على علام سلامة علام مورث الطاعن لدى محكمة أسيوط الابتدائية قال في صحيفتها إن المدعى عليه ارتهن منه، بمقتضى عقد تاريخه 2 من سبتمبر سنة 1920 ومسجل في 18 من مارس سنة 1921، أرضاً مساحتها 4 ف و18 ط مقابل مبلغ 403 جنيهاً اقترضها منه ثم ارتهن منه أيضاً 6 ط بمقتضى عقد آخر تاريخه 20 سبتمبر 1921 ومسجل في 31 ديسمبر سنة 1923 ضماناً لمبلغ 1310 جنيهاً، وقال إن هذين العقدين وضعا في صيغة بيع وفائي ولكنهما في الحقيقة يستران رهناً، ولذلك طلب الحكم ببطلانهما لوجود العين المرهونة في حيازته بالإيجار، وباستهلاك الدين الوارد بهما وببراءة ذمته وشطب ما ترتب عليهما من التسجيلات وإلزام المدعى عليه بتسليم الأطيان الواردة بهما مع المصاريف وأتعاب المحاماة وحفظ حقه فيما زاد من الريع. وبتاريخ 25 مارس سنة 1931 حكمت المحكمة برفض دعوى المدعي وإلزامه بالمصاريف و200 قرش مقابل أتعاب المحاماة، وذكرت في أسباب حكمها أن العقدين المتنازع عليهما يستران رهناً وهما ليسا بباطلين لرجوع العين المرهونة إلى حيازة المدين، وأنه لا محل لإجراء الاستهلاك لأن المدعي لم يتمسك به وحفظت له الحق في الرجوع بدعوى أخرى على المرتهن بما قبضه من الريع زيادة على الفائدة القانونية.
استأنف المدعى عليه (مورث الطاعن) هذا الحكم لدى محكمة استئناف أسيوط طالباً قبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع تعديل أسباب الحكم المستأنف بما يؤدي إلى اعتبار العقدين عقدي بيع وفائي أصبح بيعاً باتاً أو تعديل الأسباب إلى ما يقتضيه رفض طلبات المدعى من غير المساس بتفسير العقدين مع إلزام المستأنف ضده بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
واستأنفه المطعون ضده أيضاً طالباً قبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع أصلياً بإلغاء الحكم المستأنف والحكم له بطلباته المقدمة لمحكمة أول درجة جميعها واحتياطياً بتعديله والحكم بتعيين خبير لإجراء عملية الاستهلاك بخصم دين الرهن وفوائده من ريع الأطيان المرهونة وإبقاء الفصل في المصاريف إلى حين إبداء الطلبات الختامية التي سيبديها طبقاً لنتيجة تقرير الخبير.
وقررت المحكمة ضم هذا الاستئناف إلى الاستئناف الأول للفصل فيهما معاً وقد دفع المطعون ضده بعدم جواز استئناف مورث الطاعن لأنه مرفوع عن الأسباب فقط دون المنطوق كما دفع هذا الأخير بعدم قبول الاستئناف المرفوع من المطعون ضده لأنه عن طلب سبق أن تنازل عنه وهو طلب إجراء الاستهلاك.
وبتاريخ 5 مايو سنة 1932 حكمت المحكمة برفض الدفعين وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف واعتبار العقدين المؤرخين 2 سبتمبر سنة 1920 و20 سبتمبر سنة 1921 عقدي رهن صحيحين لا عقدي بيع وفائي إلخ إلخ.
أعلن هذا الحكم إلى الطاعن في 2 ديسمبر سنة 1943 فطعن فيه بطريق النقض إلخ إلخ.


المحكمة

وحيث إن محصل أوجه الطعن الثلاثة أن المحكمة أخطأت في تطبيق القانون إذ عدلت في تكييف العقدين المتنازع عليهما عن المدلول الظاهر لصريح عبارتهما وفسرتهما تفسيراً لا يتفق ونصهما مع عدم وجود أي لبس أو غموض فيه يبرر ذلك. وأنه قد ورد في الحكم المطعون فيه أن عبارة العقدين صريحة في أنهما عقدا بيع وفائي مما كان يقتضي الأخذ بدلالتها، ولكنه على الرغم من ذلك اعتبرهما عقدي رهن بناءً على أنه يجب قانوناً تفسير المشارطات على حسب الغرض الذي يظهر أن المتعاقدين قصدا إليه مهما كان المعنى اللغوي للألفاظ المستعملة، وعلى أنه في حالة الاشتباه يكون التفسير بما فيه الفائدة للمتعهد، مع أن الاستناد إلى هاتين القاعدتين لم يكن له موجب في الدعوى لعدم قيام أية شبهة، فإن عبارات العقدين صريحة في أن ما قصد إليه المتعاقدان هو البيع الوفائي، وقد أخذ الحكم بعد ذلك في تبرير عدوله عن المعنى الظاهر للعقدين إلى اعتبارهما عقدي رهن مستنداً إلى قرائن أهمها أن الثمن المذكور بهما بخس مع أن هذا ليس من شأنه أن يؤثر على صحتهما بوصفهما بيعاً، وإنما إذا كان الثمن ضئيلاً بحيث يمكن القول معه أن لا ثمن فينتفي عند ذلك وصف العقد بأنه بيع لفقد ركن من أركانه. ويقول الطاعن إن الاستناد إلى القرائن في هذه الحالة قد أدى بالمحكمة إلى مخالفة القانون لأنها أجازت بذلك إثبات الصورية بين المتعاقدين بالقرائن خلافاً لما يقضي به القانون من وجوب الإثبات بالكتابة في هذه الحالة.
وحيث إنه ظاهر من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن أورد أنه مذكور صراحة في العقدين المتنازع عليهما أنهما يتضمنان بيع وفاء أراد أن يتبين قصد المتعاقدين، هل كان البيع الوفائي حقيقة أم صيغ العقدان في صورة البيع الوفائي ستراً للرهن، فاستعرض ظروف الدعوى والقرائن التي قدمها كل من طرفي الخصومة تأييداً لوجهة نظره، وانتهى إلى الحكم في الدعوى على أساس أنهما يستران رهناً، واعتبرهما عقدي رهن صحيحين، مستنداً في ذلك إلى القرائن الآتية: أولاً - بخس الثمن الوارد في العقد عن ثمن المثل وقد استخلص الحكم هذه القرينة بعد أن عرض لعدة عقود بيع وإيجار قدمها الطرفان بعضها في الأحواض التي تقع فيها أطيان المطعون ضده وفي أزمنة قريبة من تاريخ العقدين موضوع النزاع، وقد ظهر منها أن الثمن الحقيقي للفدان يتفاوت بين 200 ج و240 ج بينما كان ثمن الأطيان في أحد العقدين 84 ج للفدان وفي العقد الآخر 52 ج تقريباً، ومع أن المطعون ضده كان قد اشترى بعض الأطيان المرهونة من أخيه قبل تصرفه لمورث الطاعن بشهر بثمن 120 ج للفدان. ثانياً - أجر مورث الطاعن الأطيان الواردة بعقد 2 سبتمبر سنة 1920 إلى المطعون ضده في اليوم التالي بأجرة قدرها 12 ج للفدان الواحد وهي أجرة لا تتناسب مع ثمنه المذكور في ذلك العقد. ثالثاً - مشروع عقد رهن كتبه مورث الطاعن بخطه في سنة 1923 كان الغرض منه أن يحل محل العقدين موضوع النزاع بعد مضي مدة الاسترداد. رابعاً - أثبتت المحكمة أن مبلغ 100 م و13 ج المجعولة ثمناً في العقد المؤرخ 20 سبتمبر سنة 1931 هو باقي الإيجار المستحق على المطعون ضده عن الأطيان المرهونة بمقتضى العقد الآخر.
وحيث إن هذه القرائن تؤدي إلى النتيجة التي استخلصتها المحكمة ولا سبيل لإثارة الجدل بشأنها لأنها متعلقة بتحصيل فهم الواقع، وقد فسرت العقدين على أساسه بما هو أوفى بقصد المتعاقدين. ولا محل لما يقوله الطاعن من أن المحكمة إذ اعتبرت أنهما يستران رهناً على خلاف ظاهر عبارتهما ومدلولها تكون قد أخطأت في تكييفهما، ذلك لأنها غير مقيدة بتكييف العقدين بعد أن تبينت أن المقصود منهما خفاء غرض غير مشروع بجعل رهن حيازة متضمن لرباً فاحش في صورة بيع وفاء وقد كان عليها أن تصدر الحكم في الدعوى على مقتضى هذا التكييف الصحيح الذي تبينته وأوردت أسبابه.
وحيث إن ما ينعاه الطاعن من أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون إذ أجاز إثبات الصورية بين المتعاقدين بالقرائن لا محل له، لأن إخفاء الرهن في صورة بيع وفاء قد قصد به التحايل على القانون توصلاً إلى تحقيق أغراض غير مشروعة، وهي الاستيلاء على رباً فاحش، ثم تملك الأطيان بغير اتخاذ الإجراءات التنفيذية وبثمن بخس، وما تمكن مورث الطاعن من تكييف العقد بأنه بيع وفاء توصلاً إلى هذه الأغراض التي خفيت على المدين إلا لأنه أدخل عليه الغش حتى قبل التعاقد معه وفقاً لما أراد. وإثبات الغش والتحايل جائز قانوناً لكل من المتعاقدين بجميع الطرق القانونية بما فيها البينة والقرائن.


[(1)] تنص الفقرة الثانية من المادة 339 مدني (المعدلة بالقانون رقم 49 لسنة 1923) صراحة على أنه "يجوز بكافة الطرق إثبات عكس ما في العقد بدون التفات إلى نصوصه".
وقد سبق لمحكمة النقض في حكمها الصادر في 4 مارس سنة 1937 (الجزء الثاني من هذه المجموعة رقم 37 ص 101 وما يليها) أن أجازت - استناداً إلى هذه المادة - للبائع الذي صدر له بعد البيع من المشتري إقرار بقبوله رد العين إليه بالثمن المتفق عليه في أجل محدد أن يثبت بالبينة والقرائن أن هذا البيع لم يكن قصد المتعاقدين منه سوى إخفاء رهن حيازي. وذلك مع أنه كان مفرغاً عقده في قالب البيع البات الخالي من شرط الاسترداد.