مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع - صـ 422

جلسة 15 يونيه سنة 1944

برياسة سعادة أمين أنيس باشا رئيس المحكمة وحضور حضرات: نجيب مرقس بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك وأحمد علي علوبة بك المستشارين.

(152)
القضية رقم 122 سنة 13 القضائية

أ - مقاصة. دفع المدين بأن الدائن حصل على دينه خصماً من أمواله التي حصلها بصفته وكيلاً عنه. قول المحكمة إن مؤدى هذا الدفع الوفاء بطريق المقاصة وإن المقاصة غير جائزة لما تبينته من وجود نزاع في حساب الوكالة. حفظها للمدين الحق في محاسبة الوكيل عما دخل في ذمته من ماله مدة وكالته عنه. لا خطأ في ذلك.
(المادة 194 مدني)
ب - تقادم. فوائد. الدفع بسقوطها بالتقادم الخمسي. دفع غير متعلق بالنظام العام. لا يجوز إبداؤه لأول مرة أمام محكمة النقض. القول باندراج هذا الدفع في عموم الطلب الخاص برفض الدعوى. لا يصح. يجب التمسك به في عبارة واضحة.
1 - إذا كان الظاهر مما أورده الحكم المطعون فيه أن دفاع المدعى عليه في شأن الديون المطالب بها كان مداره أن الدائن حصل على دينه الثابت بالسندات خصماً من الأموال التي حصلها بصفته وكيلاً عنه، فرأت المحكمة أن هذا الدفاع مؤداه الادعاء بالوفاء بطريق المقاصة، وأن المقاصة غير جائزة لما تبينته من وجود نزاع في حساب الوكالة، وذلك بعد أن ناقشت أدلة المدعى عليه التي تقدم بها في الدعوى ورأت أنها لا تصلح للدلالة القاطعة على الوفاء، ثم حفظت للمدعى عليه الحق في محاسبة الوكيل عما دخل في ذمته من ماله مدة وكالته عنه، فإنها لا تكون قد أخطأت.
2 - إذا كان الثابت من أوراق الدعوى أن المدين لم يتمسك، لا أمام المحكمة الابتدائية ولا أمام محكمة الاستئناف، بسقوط الحق في المطالبة بالفوائد بالتقادم الخمسي، فلا يصح له أن يتمسك به أمام محكمة النقض. لأنه من المقرر قانوناً أن المحكمة الابتدائية أو الاستئنافية لا يجوز لأيتهما أن تحكم من تلقاء نفسها بسقوط الحق في الفوائد بمضي المدة، لاحتمال أن يكون المدين قابلاً أن يؤديها، ولأن هذا الأمر غير متعلق بالنظام العام. ولا يصح القول بأن الدفع بسقوط الحق في المطالبة بالفوائد بمضي المدة يندرج في عموم الطلب الخاص برفض الدعوى، فإن هذا الدفع يجب التمسك به بعبارة واضحة لا تحتمل الإبهام. وإنما الذي يصح أن يقال عنه إنه يدخل في عموم الطلب فهو الطلبات الأخرى التي تنطوي في الطلب الأصلي العام.


الوقائع

تتحصل وقائع هذه الدعوى في أن المطعون ضده الأول بصفته الشخصية رفع دعوى على الطاعنة لدى محكمة مصر الابتدائية قال بصحيفتها إن له في ذمة الطاعنة ديناً قيمته 850 ج ثابتاً بمقتضى ثلاثة سندات محولة له من أبيه المرحوم أمين بك على منصور الدائن الأصلي، وطلب الحكم بإلزامها بأن تدفع له المبلغ المذكور وفائدته بواقع 9% سنوياً من تاريخ الاستحقاق حتى الوفاء مع المصاريف وأتعاب المحاماة وشمول الحكم بالنفاذ المعجل بلا كفالة. وبتاريخ 11 إبريل سنة 1939 حكمت المحكمة غيابياً بإلزام الطاعنة بأن تدفع للمطعون ضده الأول مبلغ 550 ج والفوائد بواقع المائة تسعة سنوياً من 31 ديسمبر سنة 1928 حتى 20 مارس سنة 1938 وبواقع 8% سنوياً من 21 مارس سنة 1938 حتى الوفاء، ومبلغ 200 ج وفائدته بواقع 9% سنوياً من 10 يناير سنة 1929 حتى 20 مارس سنة 1938، و8% سنوياً من 11 مارس سنة 1938 حتى الوفاء، ومبلغ 100 ج وفائدته بواقع 9% سنوياً من 14 يناير سنة 1929 حتى 20 مارس سنة 1938 وبواقع 8% سنوياً من 21 مارس سنة 1938 حتى الوفاء مع المصاريف المناسبة، وشملت الحكم بالنفاذ المعجل وبغير كفالة.
عارضت الطاعنة في هذا الحكم، وأثناء نظر الدعوى أدخلت باقي ورثة المحيل أمين بك على منصور مع رافع الدعوى، وبتاريخ 21 مايو سنة 1940 حكمت المحكمة بقبول المعارضة شكلاً وأولاً في موضوع السند المؤرخ 13 يناير سنة 1929 بمبلغ 100 ج بإلغاء الحكم الغيابي المعارض فيه، وبقبول الدفع الخاص بأن هذا السند غير قابل للتحويل وبعدم قبول الدعوى به شكلاً وإلزام المعارض ضده بالمصاريف المناسبة له و200 قرش مقابل أتعاب المحاماة. ثانياً - وقبل الفصل في موضوع السندين الباقيين بندب خبير لمراجعة الحسابات المقدمة في الدعوى رقم 1573 سنة 1930 كلي مصر (وهي دعوى حساب رفعتها الطاعنة على المحيل) ودفاتر حسابات الدائرة ومعرفة ما إذا كان للمحيل مبالغ عند الطاعنة وبيان المبالغ التي وصلته ومقدار ما صرف منها وما بقي لكل منهما قبل الآخر.
فاستأنف المطعون ضدهم هذا الحكم لدى محكمة استئناف مصر طالبين قبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع. أولاً - بإلغاء الحكم التمهيدي المستأنف. ثانياً - بقبول المعارضة شكلاً في الحكم الغيابي وفي موضوعه بتأييده فيما يتعلق بالسندين الأولين وقيمتهما 750 ج والفوائد بالنسبة للمستأنف الأول عن نفسه. ثالثاً - رفض جميع طلبات المستأنف ضدها بالنسبة للمستأنفين جميعاً بصفتهم ورثة أمين على منصور مع إلزامها بالمصاريف وأتعاب المحاماة عن الدرجتين، وحفظ كافة الحقوق، ثم طلب المطعون ضده الأول في مذكرته الحكم له بقيمة السند الثالث. وبتاريخ 12 يونيه سنة 1943 حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع أولاً برفض توجيه اليمين الحاسمة إلى المستأنف ضدها على أنها قبلت تحويل السند المؤرخ 13 يناير سنة 1929 بمبلغ 100 ج، وبتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من عدم قبول الدعوى بالنسبة له وإلزام المستأنف الأول (المطعون ضده الأول) بالمصاريف الخاصة به عن ثاني درجة. ثانياً - بإلغاء الحكم المستأنف فيما يختص بالسندين الآخرين وإلزام المستأنف ضدها بأن تدفع للمستأنف الأول 750 ج والفوائد بواقع المائة 9 سنوياً من تاريخ 31 ديسمبر سنة 1928 عن مبلغ 550 ج ومن تاريخ 15 يناير سنة 1929 عن مبلغ 200 ج لغاية 20 مارس سنة 1938 وباعتبار 8% سنوياً عن جميع المبلغ من 21 مارس سنة 1938 لغاية الوفاء والمصاريف الخاصة بهذين السندين عن الدرجتين و500 قرش مقابل أتعاب محاماة عنهما.
أعلن هذا الحكم إلى الطاعنة في 2 سبتمبر سنة 1943 فطعنت فيه بطريق النقض إلخ إلخ.


المحكمة

وحيث إن محصل الوجه الأول من وجهي الطعن أن الطاعنة تمسكت لدى قاضي الموضوع بوفاء السندين اللذين قضى الحكم المطعون فيه بقيمتهما للمطعون ضده الأول واستندت في ذلك إلى ما يأتي: أولاً - قدمت حساب الدائرة الخاص بمطلوب أمين بك على منصور منها ومن سمو الأميرة عزيزة حسن ولم يرد فيه ذكر للسندات المحولة للمطعون ضده الأول مما يقطع بوفاء قيمتها. ثانياً - عزل أمين بك على منصور من وكالته عن الطاعنة واتهم في أمانته فلم يقدم السندات حتى يثبت أنه دائن، ولو كانت الطاعنة ما تزال مدينة بقيمتها لما تأخر عن تقديمها ولما سكت عليها مدة طويلة. ثالثاً - رفعت الطاعنة وأختها الأميرة عزيزة حسن دعوى حساب رقمي 1573 و1574 سنة 1931 كلي مصر ضد أمين بك على منصور فلم يقدم السندات المذكورة مع أنه كان يوجد، عدا دفاتر حسابات الدائرة، دفتر خاص بمطلوب أمين بك على منصور لم يذكر فيه ضمن مطلوبه قيمة السندات. رابعاً - ورد بدفتر الحساب الخاص بمطلوب أمين بك على منصور مقيداً بتاريخ أول يونيه سنة 1929 مبلغ 27 جنيهاً و636 مليماً قيمة الفوائد المستحقة له عن مبلغ 4677 جنيهاً و38 مليماً مع أن الوارد بالدفتر المذكور أن المبلغ المستحق له في حساب مصاريف الدائرة هو أقل من ذلك بمائتي جنيه أي 4477 جنيهاً و28 مليماً مما يدل على أن قيمة السند المحرر في 31 ديسمبر سنة 1928 وقيمة السند المحرر في 13 يناير سنة 1929 سددتا ولم يبق له في ذمة الطاعنة سوى السند الثالث وقيمته 200 جنيه الذي أضيف إلى مصاريف الدائرة، وقد دفعت له قيمته فيما بعد. خامساً - أثبتت الطاعنة أن مبلغ الـ 200 جنيه دفع بدليل أنه ورد بدفتر الحساب أنه دفع 200 جنيه مستحقة على الطاعنة لشركة مصر الهندسية وخصمه من مبلغ 3000 جنيه قبضه لحسابها، ثم صحح هذا القيد وذكر أنه مستحق على الأميرة عزيزة حسن وقيده عليها دون أن يخصمه للطاعنة. ولكن الحكم المطعون فيه لم يدرك دفاع الطاعنة على حقيقته فقال تارة إنها تمسكت بدفع الدين، وأخرى بالمقاصة مع أنها لم تتمسك بالمقاصة قط، فجاءت أسبابه متخاذلة توجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه عرض لدفاع الطاعنة وذكر في صدده ما يأتي: "وحيث إنه من جهة أخرى فإن هذه المحكمة ترى..... أن محكمة أول درجة لم تصب في قضائها بندب خبير لإجراء الأعمال المبينة بالحكم المستأنف. وذلك لأن أساس دعوى المستأنف الأول هو سندان إذنيان صادران من المستأنف عليها ولم تنازع في صدورهما منها ولا في صحتهما وإلزامها بمقتضاهما بالمبلغين المنصوص عليهما فيهما، وإنما يتحصل دفاعها في حصول الوفاء بهما لأنه بعد تاريخهما قد وكلت الدائن في إدارة أملاكها واستمر التوكيل مدة سنة تقريباً قبض في أثنائها مبالغ لحسابها، وتستنتج سموها من ذلك، ومن بعض بيانات واردة بالدفاتر، ومن سكوته عن المطالبة بالدين من تاريخ الاستحقاق إلى تاريخ التحويل وعدم التمسك بهما في قضية حساب كانت مرفوعة عليه منها، أنه لا بد وأن يكون قد استولى على هذين المبلغين. ومؤدى هذا الدفاع أن ذمة الدائن قد انشغلت بدين لها قبله مقابل هذين الدينين، فهو في جوهره دفع بالمقاصة رد عليه ورثة الدائن بعدم مشغولية ذمة مورثهم بشيء نتيجة الوكالة، مستندين إلى أن سموها رفعت عليه دعوى حساب بعد عزله من التوكيل تعين فيها خبير لفحص الحسابات وقدم تقريراً تبين منه عدم مديونية مورثهم لها. وكذا فإنها كفت عن السير في إجراءات تلك الدعوى فشطبت. فضلاً عن أن سموها لم تتمسك في دعوى الحساب بخصم قيمة هذين السندين. وحيث إنه من المبادئ المقررة أنه لا تجوز المقاصة بين دينين أحدهما ثابت، والثاني متنازع فيه. وبما أن دين المستأنف الأول ثابت ومعترف به من المستأنف عليها بخلاف ما تدعيه من الدين قبل دائنها المحيل فإنه متنازع فيه وغير محقق المقدار ويستدعي تحقيقه إجراءات مطولة لتصفية حساب وكالته عنها، وقد لا تسفر هذه التصفية عن وجود دين لها في ذمته. خصوصاً وقد تبين لهذه المحكمة من الاطلاع على القضية رقم 1573 سنة 1930 المضمومة أنها كانت مرفوعة من سمو الأميرة عزيزة حسن شقيقة المستأنف عليها ضد المحيل عن مدة وكالته عنها، وهي نفس مدة وكالته عن المستأنف عليها، وكانت تدعي فيها انشغال ذمته بما يزيد عن أربعة آلاف جنيه ولكن الخبير المعين فيها لم يظهر في ذمته سوى ثمانين جنيهاً، وأنه بعد أن تعين فيها خبير لم تدفع المدعية الأمانة المقررة له ثم شطبت الدعوى. وخصوصاً أن المستأنف عليها لا تدعي أن الدفاتر المقدمة فيها ما يثبت استيلاء المحيل على دينه بل تريد أن تصل إلى ذلك بطريق الاستنتاج والمقارنة، وهو أمر يحتاج لبحث وتحقيق طويل، فيكون هذا الدفاع من جانب المستأنف عليها غير مقبول، ويكون الحكم المستأنف في غير محله فيما قضى به من ندب خبير لمراجعة الحسابات المقدمة في القضية رقم 1573 سنة 1930 كلي مصر المرفوعة من سمو الأميرة ودفاتر حسابات الدائرة ومعرفة ما إذا كان للمحيل مبالغ عند الأميرة، وبيان المبالغ التي وصلت ليده، ومقدار ما صرف منها، ومقدار الباقي لكل منهما قبل الآخر. ولذا يتعين إلغاؤه". ثم ذكرت ما يأتي: "وحيث إن دعوى المستأنف ثابتة من السندين المتقدم ذكرهما، ولا تنازع المستأنف عليها في صحتهما ولا في صحة الحوالة التي نقلت ملكيتهما إلى المستأنف الأول، فيتعين الحكم له بطلباته الخاصة بهما. على أن هذا لا يمنع المستأنف عليها من مطالبة ورثة الدائن الأصلي بما يظهر لها في ذمة مورثهم في الدعوى المقول بأنها رفعتها عليه بحساب وكالته".
وحيث إنه ظاهر مما تقدم إيراده أن الحكم المطعون فيه لم يخطئ في تحصيل فهم الواقع ولا في إدراك دفاع الطاعنة، بل فهمه على حقيقته إذ أن هذا الدفاع كان مؤداه أن المحيل حصل على دينه الثابت بالسندات خصماً من أموالها التي حصّلها بصفته وكيلاً عنها. وهذا يفيد الادعاء بالوفاء بطريق المقاصة، كما قال الحكم المطعون فيه بحق، ثم رأى عدم جواز المقاصة لوجود نزاع في حساب الوكالة، وذلك بعد أن ناقش أدلة الطاعنة التي أوردتها في وجه الطعن، ورأى في حدود سلطة المحكمة في التقدير أنها لا تصلح دليلاً قاطعاً الآن على الوفاء، وحفظ لها الحق في محاسبة ورثة الوكيل عما دخل في ذمة مورثهم مدة وكالته. وقد جاءت أسباب الحكم في بيان كل ذلك سليمة من كل شائبة لا تخاذل فيها.
وحيث إن مؤدى الوجه الثاني أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بالفوائد لمدة إحدى عشرة سنة ميلادية سابقة على تاريخ رفع الدعوى يكون قد خالف القانون. لأن المادة 211 من القانون المدني نصت على سقوط الحق في المطالبة بالفوائد بمضي خمس سنوات هلالية.
وحيث إن الثابت من أوراق الدعوى أن الطاعنة لم تتمسك أمام المحكمة الابتدائية ولا أمام محكمة الاستئناف بسقوط الحق في المطالبة بالفوائد بالتقادم الخمسي، ومن ثم فلا يصح لها أن تتمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض لأنه من المقرر قانوناً أن المحكمة الابتدائية أو الاستئنافية ما كان يجوز لها أن تحكم بسقوط الحق في المطالبة بها بالتقادم من تلقاء نفسها لجواز أن يكون المدين راضياً عن أدائها، وهي من هذه الناحية غير متعلقة بالنظام العام. فإذا ما سكت قاضي الموضوع عن الحكم بسقوط الحق بالفوائد لعدم إبدائه من المدين كان حكمه سليماً، ومتى كان ذلك كذلك فلا يجوز أن ينعى عليه أمام محكمة النقض بأنه أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إنه لا محل للقول بأن سقوط الحق في المطالبة بالفوائد مندرج في عموم الطلب الخاص برفض الدعوى، لأن الدفع بسقوط الحق في المطالبة بالتقادم يجب التمسك به بعبارة واضحة لا تحتمل الإبهام. ولذلك فلا يمكن اعتباره مندرجاً ضمناً في طلب رفض الدعوى، وإنما الذي يصح أن يقال بأنه يدخل في عموم الطلب هو رفض طلبات أخرى تنطوي في الطلب الأصلي العام.