أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 29 - صـ 1328

جلسة 25 من مايو سنة 1978

برئاسة السيد المستشار نائب رئيس المحكمة عز الدين الحسيني وعضوية السادة المستشارين: د. مصطفى كيرة، محمدي الخولي، سعد العيسوي ود سعيد عبد الماجد.

(259)
الطعن رقم 654 لسنة 45 القضائية

(1) التزام "قابلية الالتزام للانقسام".
الأصل أن الالتزام يكون قابلاً للانقسام إذا ورد على عمل قابل للانقسام. جواز اتفاق المتعاقدين على عدم الانقسام. لمحكمة الموضوع سلطة استخلاص نية المتعاقدين في هذا الخصوص.
(2) عقد "الشرط الفاسخ".
الشرط الفاسخ لا يقتضي الفسخ حتماً بمجرد حصول الإخلال بالالتزام. الاستثناء. أن تكون صيغة صريحة داله على وجوب الفسخ حتماً عند تحققه.
(3) الالتزام "الإيداع".
لا يمنع من صحة الإيداع أن يكون معلقاً على شرط يحق للمدين فرضه.
(4) عقد "عقد الصلح". التزام.
إبرام عقد صلح بشأن تصرف معين. لا يؤثر في قيام التصرف الأصلي معدلاً بعقد الصلح. بقاؤه منتجاً لآثاره في حالة بطلان أو فسخ الصلح.
(5) دعوى "انقطاع سير الخصومة".
انقطاع سير الخصومة. الغاية منه. قبول ورثة الخصم المتوفى أمام المحكمة يحقق الغاية من اختصامهم بصفتهم هذه. لا محل للنعي ببطلان الحكم لعدم قضائه بانقطاع سير الخصومة.
(6) دعوى "انقطاع سير الخصومة. بطلان.
بطلان الإجراءات التي تتم بعد قيام سبب انقطاع سير الخصومة. بطلان نسبى.
1 - الأصل أن الالتزام يكون قابلاً للانقسام إذا ورد على محل يقبل بطبيعته أن ينقسم، إلا أنه يصح تقرير عدم انقسام الالتزام بإرادة المتعاقدين، ولمحكمة الموضوع سلطانها المطلق في استخلاص ما إذا كانت نية المتعاقدين قد اتجهت إلى قابلية أو عدم قابلية الالتزام للانقسام متى كان استخلاصها سائغاً ولا مخالفة فيه للثابت بالأوراق دون معقب عليها من محكمة النقض.
2 - الشرط الفاسخ لا يقتضي الفسخ حتماً بمجرد حصول الإخلال بالالتزام إلا إذا كانت صيغته صريحة دالة على وجوب الفسخ حتماً عند تحققه.
3 - لا يمنع من صحة الإيداع أن يكون معلقاً على شرط يحل للمدين فرضه.
4 - الصلح لا يترتب عليه قانوناً انحلال التصرف الذي صدر الصلح في شأنه ليحل هذا الصلح محله، وإنما يظل التصرف الأصلي قائماً ومنتجاً لآثاره المعدلة بعقد الصلح، بحيث إذا أبطل هذا العقد أو فسخ ظل التصرف الأصلي منتجاً لآثاره دون أن ينال منها الصلح الذي أبطل أو فسخ.
5 - الأصل الذي يقوم عليه انقطاع سير الخصومة هو حماية ورثة المتوفى حتى لا تتخذ الإجراءات بغير علمهم ويصدر الحكم ضدهم في غفلة منهم دون أن يتمكنوا من استعمال حقهم في الدفاع. ولم يقصد بالانقطاع أن يكون جزاء على الطرف الآخر لاستمراره في حوالات إجراءات الخصومة على الرغم من علمه بقيام السبب الموجب لانقطاعها. ولما كان الطاعنون ورثة المرحومة... قد أقروا بصحيفة الطعن بأنهم مثلوا بعد وفاتها أمام محكمة الاستئناف بصفتهم ورثة... مورث المتوفاة، فإن الغاية من اختصامهم بصفتهم ورثة لها تكون قد تحققت مما لا يجوز معه القضاء بالبطلان.
6 - بطلان الإجراءات التي تتم بعد قيام سبب انقطاع سير الخصومة في الدعوى هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - بطلان نسبي قرره القانون لمصلحة من شرع الانقطاع لحمايتهم وهم خلفاء المتوفى أو من يقومون مقام من فقد أهليته أو تغيرت صفته وذلك حتى لا تتخذ هذه الإجراءات دون علمهم ويصدر الحكم في الدعوى في غفلة منهم، فلا يجوز للخصم الآخر التمسك بالبطلان.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أنه بتاريخ 12 من يناير سنة 1924 باع كل من...... وشقيقه....... أطياناً زراعية إلى فريقين من عائلة.... بواقع 6 فدان و4 قراريط لكل فريق بموجب عقدين عرفين الأول صادر إلى......، والثاني صادر للسيدة...... عن نفسها وبصفتها وصيته على أولادها...... قصر المرحوم...... وكانت شروط البيع متماثلة في العقدين حيث حدد الثمن لكل مساحة بمبلغ 493 جنيهاً و333 مليم ودفع كل فريق من هذا الثمن مبلغ 40 جنيهاً عند التوقيع على العقد ثم مبلغ 110 ج في 31/ 1/ 1942 وتعهدوا بدفع باقي الثمن وفوائده بواقع 7% سنوياً من 1/ 2/ 1942 حتى يوم 31/ 3/ 1942 الذي حدد موعداً للتوقيع على العقد النهائي. وإذا لم يتم التوقيع على العقد النهائي في الأجل المحدد أقام الفريق الأول من المشترين الدعوى رقم 132 لسنة 43 مدني كلي الإسكندرية، كما رفع الفريق الثاني الدعوى رقم 133 لسنة 43 مدني كلي الإسكندرية وفيهما طلب أفراد كل فريق صحة ونفاذ عقدهم استناداً إلى إخلاء البائعين بالتزاماتهما بتقديم مستندات الملكية اللازمة للتوقيع على العقد النهائي. ثم قام المشترون بعد ذلك وفي 11/ 11/ 1943 بإيداع خزانة المحكمة مبلغ 687 ج و890 مبلغ قالوا إنه قيمة باقي الثمن والفوائد على أن يكون من حقهم حبس هذا المبلغ لحين إنهاء حق الامتياز المقرر على الأطيان لصالح دائرة...... وفي ذات التاريخ بالجلسة المحددة لنظر الدعويين رد البائعان عليهما بإقامة دعويين فرعيتين بطلب فسخ عقدي البيع بمقولة أن المشترين لم يسددوا من الثمن المحدد في العقدين سوى 300 جنيه وأن الإيداع الذي تم بواسطتهم إيداع ناقص لا ينال من طلب الفسخ، وبتاريخ 23/ 12/ 1943 حكمت المحكمة - بعد التقرير بضم الدعويين - برفض الدعويين الأصيلتين، وفي الدعويين الفرعيتين بفسخ عقدي البيع. فاستأنف فريقا المشترين هذا الحكم بالاستئنافين رقمي 302، 303 لسنة 61 ق إسكندرية وأودعوا خزانة محكمة الإسكندرية الابتدائية مبلغ 99 ج استكمالاً للإيداع السابق طالبين إلغاء الحكم المستأنف والقضاء بصحة ونفاذ عقديهما ورفض الدعويين الفرعيتين. وفي 15/ 1/ 1945 قضت محكمة الاستئناف برفض الاستئنافين وبتأييد الحكم المستأنف. فطعن المشترون في هذا الحكم بطريق النقض وقيد طعنهم برقم 58 لسنة 15 ق وتحددت لنظره جلسة 25 إبريل سنة 1946، وقبيل الجلسة المحددة لنظر الطعن وفي 12/ 4/ 1946 أبرم المشترون صلحاً مع البائعين تضمن تنازلهم عن الطعن بالنقض مقابل التزام البائعين بقصر البيع على تسعة أفدنة من المساحة محل العقدين بسعر 126 ج للفدان وبثمن إجمالي قدره 1134 ج يكون الباقي منه بعد خصم قيمة الوديعة ومقدم الثمن 16 ج و110 مليماً تعهد المشترون بسداده عند التوقيع على عقد الصلح كما تعهدوا بالتقرير في قلم الكتاب بالتصريح لدائرة.... صاحبة الامتياز عن الأطيان بصرف قيمة الوديعة دون قيد ولا شرط على أن يقوم البائعان بإحضار عقد شطب رسمي من الدائرة صاحبة الامتياز - وبتاريخ 2/ 5/ 1946 حكمت محكمة النقض بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة الدعوى إلى محكمة إسكندرية للحكم فيها مجدداً وإذ أعيدت الدعوى إلى محكمة الاستئناف قيدت أمامها برقم 177 لسنة 2 ق وفي أثناء نظرها أقام البائعان الدعوى رقم 867 لسنة 47 مدني كلي إسكندرية ضد المشترين ورثة..... وقلم كتاب محكمة الإسكندرية الابتدائية طالبين إقرار المشترين بقبول صرف الوديعة دون قيد ولا شرط ودفع باقي الثمن مع الفوائد وقضى في هذه الدعوى بتاريخ 26/ 4/ 1951 بصرف الوديعة وقدرها 786 ج و850 مليماً وإلزام المشترين بدفع مبلغ 16 ج و110 مليماً والفوائد عن هذين المبلغين بواقع 5% سنوياً ابتداء من 19/ 8/ 1946 تاريخ المطالبة الرسمية حتى 14/ 10/ 1949 وبواقع 4% سنوياً من 15/ 10/ 1949 حتى السداد على أن تدفع هذه المبالغ إلى ورثة... ورفض ما عدا ذلك من طلبات. وإذ استأنف المشترون هذا الحكم قيد استئنافهم برقم 302 لسنة 7 ق وتم نظره من الاستئناف الأصلي حيث قضت محكمة الاستئناف بتاريخ 24/ 3/ 1954 برفضه وفي الاستئناف الأصلي رقم 177 لسنة 3 ق بانتهاء الخصومة إعمالاً لعقد الصلح المؤرخ 12/ 4/ 1946 والذي وصفته بأنه عقد صحيح ملزم لطرفيه. طعن المشترون على هذين الحكمين بطريق النقض وقيد الطعن برقم 365 لسنة 24 ق بالنسبة للحكم الصادر في الاستئناف رقم 302 لسنة 7 ق. وبتاريخ 25/ 1/ 1959 قضت محكمة النقض بنقض الحكمين وإحالة الدعوى إلى محكمة استئناف إسكندرية لنظرها مجدداً مؤسسة قضاءها على أن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن السيدة..... لم تكن وصياً على أولادها القصر عندما وقعت على عقد الصلح، مخالف لما هو ثابت من قرار مجلس حسبي شبراخيت الصادر في 19/ 3/ 1932 بإقامتها وصياً عليهم والذي توجد صورة رسمية منه ضمن مستندات الطاعنين، ومخالف كذلك لما هو ثابت بعقد الصلح موضوع النزاع وعقد البيع المؤرخ 12/ 1/ 1942 واللذين تحدد في كل منهما بأن والدة القصر تتعاقد عن نفسها وبصفتها وصياً على أولادها. ولا يغير من أثر هذه المخالفة ما ذهب إليه الحكم من أنه قد اتضح أن الوصية دفعت بعض الثمن تبرعاً للقصر وأن تعاقدها عنهم بالنسبة للباقي منه كان فضالة ذلك أن صفة الوصاية على القصر كانت ثابتة لها لاصقة بها عند التعاقد بل كان تعاقدها عنهم بهذه الصفة هو دعامة دفاعها الموضوعي والذي قام على أن عقد الصلح باطل لا يعتد به لأنها أبرمته بصفتها وصياً على القصر وتنازلت بمقتضاه عن حقوق لهم دون إجازة من المحكمة الحسبية لهذا التنازل. وترتيباً على هذا القضاء تجدد النزاع أمام محكمة استئناف إسكندرية مرة أخرى حيث قيد الاستئناف رقم 177 لسنة 2 ق برقم 61 لسنة 16 ق والاستئناف رقم 302 لسنة 7 ق برقم 66 لسنة 16 ق. ولما كان المشترون قد طعنوا بالاستئناف على أمر تقدير المصروفات الذي صدر بمبلغ 41 جنيهاً و760 مليماً في الدعويين الفرعيتين اللتين قضى فيهما لصالح البائعين بالفسخ وقيداً استئنافهم برقم 177 لسنة 2 ق وهو ذات الرقم الخاص باستئناف حكم الفسخ فقد قررت المحكمة اعتبار هذا الاستئناف منظوراً مع الاستئناف رقم 61 لسنة 16 ق ومضت في نظر الاستئنافات الثلاثة، وحكمت بتاريخ 22/ 3/ 1975 (أولاً) في موضوع الاستئناف رقم 61 لسنة 16 ق بإلغاء الحكم المستأنف وبصحة ونفاذ عقدي البيع المؤرخين 12/ 1/ 1942 ورفض الدعويين الفرعيتين المرفوعتين بطلب فسخ عقدي البيع المشار إليهما (ثانياً) في موضوع الاستئناف رقم 66 لسنة 16 ق بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى (ثالثاً) وفي الاستئناف رقم 177 لسنة 2 ق بإلغاء أمر التقدير المستأنف. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة برأيها دفعت فيها بعدم قبول الطعن شكلاً بالنسبة للطاعنة..... لرفعه من غير ذي صفة لأن المحامي رافع الطعن لا يحمل توكيلاً عنها. كما رأت النيابة نقض الحكم بالنسبة لباقي الطاعنين.
وحيث إن الدفع المبدى من النيابة في محله ذلك أنه لما كان المحامي الذي رفع هذا الطعن لم يقدم توكيلاً صادراً إليه من الطاعنة..... فإن الطعن بالنسبة إليها يكون غير مقبول لرفعه من غير ذي صفة.
وحيث إن الطعن أقيم على خمسة أسباب حاصل السببين الأول والثاني منها الخطأ في القانون ومخالفة الثابت بالأوراق والقصور، ذلك أن الحكم المطعون فيه ذهب إلى أن موضوع عقد الصلح المؤرخ 12/ 4/ 1946 غير قابل للتجزئة بحسب طبيعته ووفقاً لقصد عاقديه، ورتب على ذلك قضاءه بأن بطلان هذا العقد بالنسبة للقصر من المشترين يستتبع بطلانه في شأن جميع المشترين، وإذ خلت نصوص العقد مما يفيد عدم قابليته للتجزئة، كما أن موضوعه أطيان زراعية تقبل بطبيعتها التجزئة، فإن الالتزام يكون قابلاً للتجزئة، ومن ثم فلا يمتد أثر البطلان لغير القصر من المتصالحين.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أنه وإن كان الأصل أن الالتزام يكون قابلاً للانقسام إذا ورد على محل يقبل بطبيعته أن ينقسم، إلا أنه يصح تقرير عدم انقسام الالتزام بإرادة المتعاقدين ولمحكمة الموضوع سلطانها المطلق في استخلاص ما إذا كانت نية المتعاقدين قد اتجهت إلى قابلية أو عدم قابلية الالتزام للانقسام متى كان استخلاصها سائغاً ولا مخالفة فيه للثابت بالأوراق دون معقب عليها من محكمة النقض. وإذ يبين من الحكم المطعون فيه إنه أقام قضاءه بعدم انقسام الالتزام في عقد الصلح المؤرخ 12/ 4/ 1946 على قوله: "أن البين من الاطلاع على عقد الصلح المؤرخ 12 من إبريل سنة 1946... إنه قد نص فيه على التزام البائعين بأن يبيعا إلى المشترين تسعة أفدنة من الأطيان المتنازع عليها البالغ مساحتها 12 فدان و8 قراريط والمسلمة إلى المشترين لقاء مبلغ 126 جنيهاً للفدان الواحد وأن الأطيان المتفق عليها بموجب ذلك الصلح تقاس على قطعة واحدة بما يتبعها من المراوي والمصارف والطرق، وعلى تعهد البائعين بإحضار محضر شطب رسمي من دائرة.... صاحبة الامتياز على الأطيان المذكورة عن هذا الامتياز، والتوقيع على عقد البيع النهائي عند طلب المشترين كما نص فيه على قبول المشترين ذلك البيع وتنازلهم عن الطعن بالنقض رقم 58 لسنة 15 ق، وإقرارهم بأن المبالغ المودعة منهم خزانة محكمة الإسكندرية الابتدائية على ذمة النزاع الماثل مجموعها 787 جنيهاً و810 مليماً فيصبح مجموع ما دفعه المشترون 1137 جنيهاً و890 مليماً ويكون الباقي 16 جنيهاً و110 مليماً تعهد المشترون بدفعه إلى البائعين كما تعهدوا بالتقرير في قلم كتاب محكمة إسكندرية بقبولهم صرف المبالغ سالفة الذكر المودعة خزانتها إلى دائرة....... صاحبة الامتياز على الأطيان المشار إليها... ولما كانت نصوص عقد الصلح المنوه عنها تنبئ أن هذا العقد لا يقبل التجزئة بحسب طبيعته، ووفقاً لقصد عاقديه." ولما كانت هذه الأسباب التي أقام الحكم عليها قضاءه في هذا الخصوص لها أصلها الثابت بعقد الصلح وتؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها وكان لا يعيب الحكم ما قرره تزيداً من أن الالتزام بطبيعته لا يقبل التجزئة طالما أنه استخلص بأسباب سائغة أن نية المتعاقدين قد انصرفت إلى أن الالتزام لا يجوز تنفيذه منقسماً لما كان ذلك فإن النعي على الحكم بهذين السببين يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السببين الثالث والرابع مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه من أربعة وجوه (الأول) أن الحكم المطعون فيه فسر الشرط المنصوص عليه في البند الثالث من عقدي البيع بأنه شرط فاسخ ضمني مع أنه شرط صريح فاسخ و(الثاني) أن الحكم أخطأ إذا اعتبر إيداع المطعون عليهم بعض المبالغ خزانة المحكمة على ذمة البائعين وفاء صحيحاً بالمبالغ المودعة، في حين أن الإيداع كان معلقاً على شرط، ومن ثم لا يكون مبرئاً لذمة المطعون عليهم من تلك المبالغ. (والثالث) أن إيداع المبالغ المذكورة باطل إذ لم يسبقه عرضها على البائعين عرضاً حقيقياً. (والرابع) أن البائعين والمشترين اتفقوا في عقد الصلح المؤرخ 12/ 4/ 1946 على احتساب المبالغ المودعة خزانة المحكمة جزءاً من ثمن الأطيان محلي عقد الصلح وإذ احتسب الحكم هذه المبالغ من الثمن المتفق عليه في عقدي البيع فإنه يكون قد غير سبب الوفاء كما أجرى المقاصة بين دين البائعين ودين المطعون عليهم دون طلب من الأخيرين.
وحيث إن النعي بالوجه الأول مردود ذلك أن الشرط الفاسخ لا يقتضى الفسخ حتماً بمجرد حصول الإخلال بالالتزام إلا إذا كانت صيغته صريحة دالة على وجوب الفسخ حتماً عند تحققه. ولما كان الواقع في الدعوى أن عبارة الشرط في عقدي البيع هي "إنه عند تأخر المشترين في سداد أي قيمة من باقي الثمن في ميعاد استحقاقها لا يحق لهم استرداد المدفوع وما سيدفع بعد ذلك ليكون تعويضاً للبائعين ولهما الحق في التصرف في الأطيان لمن يشاءا..." فإنها لا تعدو أن تكون ترديداً للشرط الفاسخ الضمني المقرر بحكم القانون في العقود الملزمة للجانبين، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر في تفسير هذا الشرط فإنه لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون. والنعي بالوجه الثاني مردود بأنه لا يمنع من صحة الإيداع أن يكون معلقاً على شرط يحل للمدين فرضه، ولما كان المطعون عليهم إذ أودعوا المبالغ خزانة المحكمة علقوا صرفها على صدور حكم لصالحهم بصحة ونفاذ عقدي البيع وتطهيراً الأطيان المبيعة من كافة الحقوق العينية المحملة بها، وكان الحكم الطعون فيه قد قضى بصحة هذا الإيداع استناداً إلى أن المتفق عليه في عقدي البيع أن باقي الثمن لا يدفع إلا عند التوقيع على العقدين النهائيين وبعد تطهير العين المبيعة من كافة ما عليها من حقوق، فإنه لا يكون قد خالف القانون، والنعي في الوجه الثالث غير مقبول إذ لم يقدم الطاعنون ما يدل على تمسكهم أمام محكمة الموضوع ببطلان الإيداع لحصوله دون عرض المبالغ على البائعين عرضاً حقيقياً، والنعي في الوجه الرابع مردود ذلك أن الصلح لا يترتب عليه قانوناً انحلال التصرف الذي صدر الصلح في شأنه ليحل هذا الصلح محله، وإنما يظل التصرف الأصلي قائماً ومنتجاً لآثاره المعدلة بعقد الصلح، بحيث إذا أبطل هذا العقد أو فسخ ظل التصرف الأصلي منتجاً لآثاره دون أن ينال منها الصلح الذي أبطل أو فسخ. إذ كان ذلك وكان المطعون عليهم قد أودعوا المبالغ خزانة المحكمة وفاء لجزء من الثمن المتفق عليه في عقدي البيع وقبل إبرام الصلح فإن هذا الصلح بعد أن قضت محكمة الموضوع بإبطاله لا يؤثر على الوفاء الذي تم تنفيذاً لعقدي البيع ويبقى منتجاً لآثاره، وإذ جرى الحكم المطعون فيه على خصم هذه المبالغ من الثمن الوارد بعقدي البيع فإنه لا يكون قد غير سبب الوفاء أو أجرى المقاصة بين البائعين وبين المطعون عليهم.
وحيث إن حاصل السبب الخامس للطعن هو بطلان الحكم المطعون فيه من ثلاثة وجوه (الأول) أن محكمة الاستئناف قضت في 8/ 10/ 1969 بانقطاع سير الخصومة لوفاة المستأنف عليه.... وفي فترة الانقطاع توفيت المستأنف عليها....... بتاريخ 30/ 12/ 1969. ولما عجل المطعون عليهم الاستئناف أعلنوا المستأنف عليهم ومن بينهم المتوفاة سالفة الذكر دون ورثتها، وإذ استمر هذا الوضع حتى صدر الحكم المطعون فيه منصرفاً إلى من توفيت، فإن الإجراءات التي تمت بعد قيام سبب الانقطاع - بما في ذلك الحكم المطعون فيه - تكون باطلة ومن حق ورثة المتوفاة التمسك بهذا البطلان (والثاني) أن محكمة الاستئناف قضت في 33/ 4/ 1967 بانقطاع سير الخصومة لوفاة..... -المستأنف عليه الأول - فعجلها المطعون عليهم لجلسة 18/ 10/ 1969 دون إعلان زوجته السيدة..... ثم توفيت الأخيرة ولم يدخل ورثتها في الاستئناف إلى أن صدر الحكم المطعون فيه بجلسة 22/ 3/ 1975 مما ينبني عليه بطلان الحكم بالنسبة لورثتها والذين وإن كانوا قد مثلوا في الدعوى بصفتهم ورثة.... إلا أنهم لم يختصموا فيها بصفتهم ورثة المرحومة...... (والثالث) أن الحكم المطعون فيه صدر في 22/ 3/ 1975 وباسم المستأنفة الأولى..... رغم وفاتها في 10/ 2/ 1974.
وحيث إن النعي في وجهه الأول عار عن الدليل إذ لم يقدم الطاعنون ما يدل على وفاة المستأنف عليها...... والنعي في وجهه الثاني مردود ذلك أن الأصل الذي يقوم عليه انقطاع سير الخصومة هو حماية ورثة المتوفى حتى لا تتخذ الإجراءات بغير علمهم ويصدر الحكم ضدهم في غفلة منهم دون أن يتمكنوا من استعمال حقهم في الدفاع، ولم يقصد بالانقطاع أن يكون جزاء على الطرف الآخر لاستمرار في موالاة إجراءات الخصومة على الرغم من علمه بقيام السبب الموجب لانقطاعها. ولما كان الطاعنون ورثة المرحومة....... قد أقروا بصحيفة الطعن بأنهم مثلوا بعد وفاتها أمام محكمة الاستئناف بصفتهم ورثة...... مورث المتوفاة، فإن الغاية من اختصامهم بصفتهم ورثة لها تكون قد تحققت مما لا يجوز معه القضاء بالبطلان والنعي في الوجه الثالث مردود ذلك أن بطلان الإجراءات التي تتم بعد قيام سبب انقطاع سير الخصومة في الدعوى هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - بطلان نسبي قرره القانون لمصلحة من شرع الانقطاع لحمايتهم وهم خلفاء المتوفى أو من يقومون مقام من فقد أهليته أو تغيرت صفته وذلك حتى لا تتخذ هذه الإجراءات دون علمهم ويصدر الحكم في الدعوى في غفلة منهم فلا يجوز للخصم الآخر التمسك بالبطلان. لما كان ذلك فإنه على فرض وقوع بطلان في الحكم المطعون فيه لصدوره خلال فترة انقطاع سير الخصومة دون اختصام ورثة....... فإن هؤلاء الورثة هم أصحاب الحق في التمسك بهذا البطلان ولا يجوز للطاعنين التحدي به.
وحيث إنه ترتيباً على ما تقدم يضحى الطعن برمته على غير أساس.