مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع - صـ 484

جلسة 21 ديسمبر سنة 1944

برياسة حضرة محمد زكي علي بك وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد كامل مرسي بك ونجيب مرقس بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك المستشارين.

(173)
القضية رقم 97 سنة 13 القضائية

شفعة:
أ - أرضان أصلهما على المشاع. إنشاء سكة بينهما على حساب القسيمين ومملوكة لهما مناصفة. حد الأرض المشفوع بها من جهة الغرب هو نصف هذه السكة. حد الأرض المشفوع فيها من جهة الشرق هو نصف هذه السكة أيضاً. قيام الجوار بين الأرضين.
ب - ملكية كل من صاحبي الأرض لنصف السكة التي بينهما. حق كل منهما في الانتفاع بالمرور فيها. كل منهما يستعمل حق ملكيته في نصف السكة وحق الارتفاق على النصف الآخر. لا مانع من أن يكون الطريق المقرر عليه حق الارتفاق هو ذاته الذي يتوافر به الجوار.
جـ - وجود حق ارتفاق للغير على أرض هذه السكة. لا يمنع الجوار بين العقارين. اشتراك الغير في الانتفاع بحق الارتفاق الذي للأرض المشفوعة أو المشفوع بها. لا يحرم الشفيع من التمسك بحق الارتفاق للمطالبة بالشفعة.
د - حق ارتفاق للأرض المشفوع بها بالري من ساقية في الأرض المشفوع فيها. من أسباب الشفعة.
هـ - جار يملك على الشيوع. يجوز له طلب الشفعة ولو لم يشترك معه في الطلب باقي شركائه في الملك. احتمال زوال ملك الجار بالقسمة لا يؤثر في حق الشفعة. المناط في ذلك. كون الشفيع مالكاً وقت بيع العقار المشفوع وبقاؤه مالكاً لحين الأخذ بالشفعة.
1 - إذا كانت الأرض المشفوع بها والأرض المشفوع فيها هما في الأصل أرضاً واحدة مملوكة لشريكين على المشاع ثم قسمت قسمين بينهما سكة زراعية عملت على حساب القسيمين ومملوكة لهما مناصفة، وكان الحد الشرقي للأرض المشفوع فيها هو نصف هذه السكة والحد الغربي للأرض المشفوع بها هو نصف السكة المذكورة، فإن الجوار بين الأرضين يكون قائماً.
2 - متى كان كل من صاحبي الأرضين يملك نصف السكة الزراعية التي اتفقا على عملها على حسابهما، وكان لكل منهما حق الانتفاع بالمرور فيها كلها، فإن كلاً منهما في انتفاعه بالمرور فيها إنما يستعمل حق ملكيته في النصف المجاور لأرضه وحق الارتفاق على النصف الآخر. ولا يوجد قانوناً ما يمنع من أن يكون الطريق المقرر عليه حق الارتفاق هو نفسه الذي يتوافر به الجوار.
3 - إن وجود حق ارتفاق للغير على أرض الطريق الذي بين الأرضين لا يمنع الجوار بينهما، لأن حق الارتفاق على أرض لا يخرج هذه الأرض عن ملكية أصحابها بل هي تظل جزءاً من العقار المملوك لهم. كما أن اشتراك الغير في الانتفاع بحق الارتفاق الذي للأرض المشفوعة أو المشفوع بها لا يحرم الشفيع من التمسك بهذا الحق للمطالبة بالشفعة، لأن القانون لم يشترط أن يكون حق الارتفاق الذي على الأرض المشفوعة مقرراً لمصلحة أرض الجار دون غيرها أو أن يكون حق الارتفاق الذي على أرض الجار مقرراً لمصلحة الأرض المشفوعة وحدها.
4 - إذا كان الثابت أن الأرض المشفوع بها تروى بمرور المياه من فتحة في ترعة إلى ساقية تابعة للأرض المشفوع فيها ومنها إلى ساقية تابعة للأرض المشفوع بها، وأن أرض الساقية الأولى المجاورة للترعة داخلة ضمن الأرض المبيعة، فإن الأرض المشفوع بها يكون لها، والحالة هذه، حق ارتفاق على الأرض المشفوع فيها ذاتها لا على الساقية وحدها ما دامت الساقية متصلة بالأرض والمياه التي تروى منها الأرض المشفوع بها لا تصل إليها إلا بمرورها بالأرض التي بها الساقية ثم ببئرها.
5 - يجوز للجار الذي يملك على الشيوع أن يطلب الشفعة ولو لم يشترك معه باقي شركائه في الملك. وذلك لأنه إنما يملك نصيبه في كل ذرة من العقار المشترك. ولا يؤثر في ذلك احتمال أن تسفر القسمة فيما بعد عن حرمانه من الجزء المجاور للعقار المشفوع، لأن القانون إنما يشترط أن يكون الشفيع مالكاً لما يشفع به وقت بيع العقار المشفوع وأن يبقى مالكاً له لحين الأخذ بالشفعة، وبقاء الجوار ليس شرطاً لبقاء الاستحقاق، فإذا حصلت القسمة قبل القضاء للشفيع بالشفعة ولم يختص بالجزء المجاور للعقار المشفوع سقط حقه فيها، أما إذا قضى له بها قبل حصول القسمة فلا يهم زوال ملكه الذي يشفع به بعد ذلك عن طريق القسمة أو عن أي طريق آخر.


الوقائع

تتحصل وقائع هذا الطعن في أن الطاعنة أقامت الدعوى أمام محكمة المنصورة الابتدائية على المطعون ضدهم وقالت في صحيفتها إنها علمت أن المطعون ضده الأول اشترى من باقي المطعون ضدهم 20 س و19 ط و18 ف بزمام النسيمية بمركز المنصورة بثمن قدره 320 م و1600 ج باعتبار ثمن الفدان الواحد 85 ج بعقد بيع ابتدائي، ولما كانت أطيانها تجاور الأطيان المبيعة من حد واحد هو طريق يفصل بين الملكين، ولها فوق ذلك حق ارتفاق بالمرور في هذا الطريق وحق ارتفاق بالري لأن الملكين يرويان من فتحة واحدة، فقد أنذرت المطعون ضدهم برغبتها في أخذ الأطيان المبيعة بطريق الشفعة. ثم رفعت هذه الدعوى طالبة الحكم باستحقاقها الأطيان المبيعة بالشفعة مقابل الثمن الحقيقي وقدره 320 م و1600 ج أو مقابل ما دفع إذا لم يثبت أنه الثمن الحقيقي مع إلزام المدعى عليهم بالمصاريف. وقد دفع المطعون ضده الأول الدعوى: أولاً - بأن الطاعنة تملك الأطيان المشفوع بها على الشيوع مع أختها فلا يحق لها أن تشفع بمفردها. وثانياً - بأنه لا يوجد بين الأرض المشفوعة والأرض المشفوع بها جوار بالمعنى الذي يتطلبه القانون. وثالثاً - بأنه ليس للأرض المشفوع بها حق ارتفاق بالمرور ولا بالري.
وفي 7 من يونيه سنة 1941 قضت المحكمة برفض دعوى الطاعنة وإلزامها بالمصاريف إلخ.
فاستأنفت الطاعنة هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر.
وفي 25 من نوفمبر سنة 1942 قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنفة بالمصاريف إلخ. ولم يعلن هذا الحكم.
وفي 17 من يوليو سنة 1943 قرر وكيل الطاعنة الطعن في حكم محكمة الاستئناف بطريق النقض إلخ إلخ.


المحكمة

ومن حيث إن الطاعنة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ في تطبيق القانون، وشابه القصور في تسبيبه، وخالف الثابت في الأوراق، وذلك لأنه:
أولاً - أخطأ في التكييف القانوني للحقوق المقررة على الطريق المتوسط للعقارين المشفوع به والمشفوع فيه، إذ هو لم يبحث في ملكية هذا الطريق، ولو أنه فعل لبان للمحكمة أنه ملك لصاحبي العقارين مناصفة بينهما لكل منهما نصفه مضافاً إليه حق ارتفاق بالمرور على النصف الآخر. ثم إن المحكمة إذ ذكرت في أسباب الحكم أن نصوص عقد القسمة التي بمقتضاها فرزت أرض الشفيعة عن الأرض المشفوع فيها تدل على أن المتقاسمين قد اتفقا على إنشاء الطريق الفاصل بين الأرضين لمنع الجوار قد ناقضت الثابت في الأوراق وخاصة عقد القسمة، ذلك لأن هذا العقد ينص صراحة على أن نصيب السيدة جليلة رزق الله مطر (التي خلفتها السيدة هيلانة مرقس مورثة البائعين) حده الشرقي نصف السكة الزراعية التي جعلت فاصلاً بين الطرفين، ونصيب السيدتين وردة غبريال ومريم غبريال (الطاعنة) حده الغربي نصف السكة الزراعية المذكورة، فالحد الفاصل بين النصيبين هو إذن خط يقسم السكة الزراعية في منتصفها، وقد دلت عليه علامات مصلحة المساحة. ومن ثم فشرط التلاصق في الجوار موفور. وثمة مستند آخر يؤيد ذلك وهو عقد الاتفاق المحرر في سنة 1936 بين وكيل السيدة هيلانة مرقس والشيخ محمد سالم المقاول في شأن إنشاء الطريق بين الأرضين، وقد جاء فيه أن عرض الطريق ثلاثة أمتار يؤخذ نصفه من ملك السيدة هيلانة ونصفه الآخر من ملك السيدتين وردة ومريم غبريال. وفضلاً عما تقدم فقد جهلت المحكمة ملكية الطريق إذ أخرجته من ملك الطرفين ولم تنسب ملكيته إلى أحد وتأرجحت في بيان طبيعة الملكية القائمة قائلة إنها أقرب إلى العامة منها إلى الخاصة. وهذا لا شك قصور في تسبيب الحكم لا يتسنى معه استخلاص النتائج التي خلصت إليها المحكمة.
ثانياً - أخطأ الحكم فيما ذهب إليه من أنه يشترط لقبول الشفعة زوال جميع حقوق الارتفاق المقررة للغير على الطريق الفاصل، وذلك بفرض وجود مرتفقين آخرين خلاف الشفيعة والمشفوعة منهم على هذا الطريق. ثم إنه خالف قواعد الإثبات بمجاراته المطعون ضده الأول فيما ادعاه من اشتراك ملاك آخرين في الانتفاع بحق ارتفاق المرور على الطريق دون أن يقدم دليلاً على ذلك، مع أن القواعد القانونية الصحيحة تقضي بتكليف صاحب الدعوى إثبات دعواه. وفضلاً عن ذلك فقد جاء الحكم قاصراً لعدم بيانه المصدر الذي استخلص منه ذلك الاشتراك.
ثالثاً - أخطأ إذ جزأ العقار المشفوع فيه عند الكلام في ارتفاق الري من الساقية، فقد قال إن حق الارتفاق واقع على ساقية القسم الغربي لا على الأرض، مع أن حق الارتفاق هذا لا يتصور وجوده إلا على جزء من العقار المشفوع فيه لا على كل العقار. وهذا الذي قاله الحكم مخالف لنص المادة 11 من قانون الشفعة.
رابعاً - أغفل - نتيجة للأخطاء السابقة - الرد على ما أثاره المطعون ضدهم من أن الشريك على الشيوع لا يجوز له أخذ الأرض المجاورة لملكه الشائع بالشفعة، ولو أن المحكمة أصابت وجه الحق في المسائل السابقة وتعرضت لهذا البحث لخلصت منه إلى جواز الشفعة في هذه الحالة.
عن الوجه الأول:
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه يقول فيما يختص بالطريق المتوسط بين العقارين المشفوع به والمشفوع فيه "إن المحكمة تقر الحكم المستأنف فيما ذهب إليه من أن هذا الطريق الذي نص عقد القسمة على إنشائه بعرض ثلاثة أمتار". وقال عن القسم الغربي: "إنه يحد من الشرق بالطريق الفاصل بين القسمين". كما قال عن القسم الشرقي: "إنه يحد من الغرب بذلك الطريق..." ثم قال: "ترى المحكمة أنه لا يمكن في الوقت نفسه أن يعتبر هذا الطريق مكوناً لحق ارتفاق المرور لكل من العقارين على الآخر وأن يكون مع ذلك مكوناً للجوار غير مانع من التلاصق الذي يشترط فيه لتوفره سبباً من أسباب الشفعة. إذ فضلاً عن أن البداهة تأبى أن يكون الشيء الواحد مكوناً لسببين من أسباب الشفعة التي نص القانون صراحة على ضرورة توافرها، وهما الجوار وحق الارتفاق، فإن الذي تراه هذه المحكمة من مراجعة نصوص عقد القسمة أن الغرض الواضح لدى المتقاسمين كان تحاشى الاشتراك بقدر الإمكان. فوضع هذا الطريق فاصلاً بين القسمين لمنع الجوار المتلاصق... وعلى ذلك يكون حق المرور غير مقصور على العقارين ويكون الطريق الفاصل بين هذين العقارين مانعاً من الجوار الذي يشترطه قانون الشفعة. ولا أهمية لما تثيره المستأنفة (الطاعنة) من أن ملكية الطريق باقية لملاك العقارين ما دام قد تخصص فعلاً للمرور بمقتضى عقد القسمة ولانتفاع الملاك العديدين الذين آلت إليهم بعض أجزاء العقار المقسوم".
ومن حيث إنه يبين من عقد القسمة المنوه عنه أن الأرضين المشفوع بها والمشفوع فيها كانتا في الأصل على المشاع، وأنه بمقتضى هذا العقد اختصت السيدة جليلة رزق مطر بالجهة الغربية من الأطيان ومساحتها 22 س و9 ط و26 ف وأرضية الساقية المجاورة لترعة الجيارة المتداخلة بالجهة الشرقية من الأطيان ومساحتها 16 س، فتكون جملة ما اختصت به 14 س و10 ط و26 ف. واختصت السيدتان وردة ومريم غبريال بالجهة الشرقية من الأطيان ومساحتها 6 س و11 ط و26 ف يستنزل منها 16 س مقدار أرضية الساقية المتداخلة بها والتي اختص بها الطرف الآخر فيكون صافي ما اختصتا به 14 س و10 ط و26 ف. وجاء بعقد القسمة المذكور أن الحد الشرقي لنصيب السيدة جليلة رزق مطر نصف السكة الزراعية التي جعلت فاصلاً بين أطيان الطرفين وأن الحد الغربي لنصيب السيدتين وردة ومريم غبريال نصف السكة الزراعية المذكورة. كما جاء بالعقد المذكور "أن السكة الزراعية التي اتفق الطرفان على عملها حداً فاصلاً بوسط الأطيان يكون عرضها ثلاثة أمتار وتعمل على حساب الطرفين مناصفة بخط معتدل من مصرف بحر طناح لغاية بناء العزبة، ومن تاريخه يبدأ في عملها، وإذا تأخر أحد الطرفين عن القيام بهذا العمل يكون للطرف الآخر الحق في عمل السكة المذكورة ومطالبة الطرف الذي يتأخر بنصف المصاريف حسب فواتير المقاول".
ومن حيث إنه يتضح مما تقدم أن المحكمة قد أخطأت فيما أوردته - على خلاف الثابت في الأوراق - من أن غرض المتقاسمين من إنشاء الطريق هو منع الجوار بين القسمين. كما أنها لم تكن مدققة فيما قالته من أن القسم الغربي يحد من الشرق بالطريق وأن القسم الشرقي يحد من الغرب بذلك الطريق، إذ أن عقد القسمة قد جاء فيه صراحة كما تقدم أن حد كل من القسمين هو نصف تلك السكة الزراعية. ومتى تقرر ذلك يكون شرط الجوار متوافراً.
ومن حيث إنه عن الشرط الآخر الذي يتطلبه القانون لجواز الشفعة وهو وجود حق ارتفاق لإحدى الأرضين على الأخرى فإنه متوافر أيضاً على هذا الطريق المشترك، لأنه متى كان كل من صاحبي الأرضين يملك نصف السكة الزراعية التي اتفقا على عملها بعرض ثلاثة أمتار، وكان لكل منهما حق الانتفاع بالمرور فيها كلها فيكون في انتفاعه بها بالمرور إنما يستعمل حق ملكيته في النصف المجاور لأرضه وحق الارتفاق على النصف الآخر. ولا يوجد قانوناً ما يمنع من أن يكون الطريق المقرر عليه حق الارتفاق هو نفسه الذي يتوافر به الجوار.
عن الوجه الثاني:
ومن حيث إن محكمة الاستئناف أقرت المحكمة الابتدائية فيما ذهبت إليه من أنه "إذا كان حق الارتفاق مشتركاً بين الشفيع والمشفوع منه وآخرين فإن الشفعة لا تحول دون بقاء حق الارتفاق لتعلق حق الغير به. ومن ثم لا يتحقق الغرض من الشفعة وهو دفع الضرر عن الشفيع، ولا يكون هناك ما يبرر القضاء بها". وقالت إنه "لا يقلل من أهمية ذلك ما أشارت إليه المستأنفة (الطاعنة) في مذكرتها من أن هذا الاشتراك مقصور على ملاك الأعيان التي كانت في الأصل شائعة وحصلت قسمتها فانتقلت ملكية أجزاء منها إلى ملاك آخرين، فإن هذا لا يغير من الواقع شيئاً وهو أن الطريق ينتفع به عدة ملاك، وأن الشفعة لا تزيل الضرر الحاصل من هذا الانتفاع". وبعد أن أقرت المحكمة الابتدائية فيما ذهبت إليه أيضاً من أنه لا يمكن في الوقت نفسه أن يعتبر الطريق مكوناً لحق ارتفاق المرور لكل من العقارين على الآخر وأن يكون مع ذلك مكوناً للجوار - وقد سبق بيان وجه الخطأ في ذلك - أضافت: "ولا أهمية لما تثيره المستأنفة (الطاعنة) من أن ملكية الطريق باقية لملاك العقارين ما دام قد تخصص فعلاً للمرور بمقتضى عقد القسمة ولانتفاع الملاك العديدين الذين آلت إليهم بعض أجزاء العقار المقسوم".
ومن حيث إن هذا الذي ذكره الحكم غير صواب، فإن وجود حق ارتفاق للغير على أرض الطريق لا يمنع الجوار، لأن حق الارتفاق لا يخرج الأرض عن ملكية أصحابها، بل هي تظل جزءاً من العقار، فإذا زالت الحاجة إلى الطريق لسبب من الأسباب زال معها حق الارتفاق، وإذا لم تزل الحاجة وبقى حق الارتفاق فإن الشفيع يحل محل المالك ويتلقى عنه الأرض محملة به. كما أن اشتراك الغير في الانتفاع بحق الارتفاق الذي للأرض المشفوعة أو المشفوع بها لا يحرم الشفيع من التمسك بحق الارتفاق للمطالبة بالشفعة، لأن القانون لم يشترط أن يكون حق الارتفاق الذي على الأرض المشفوعة مقرراً لمصلحة أرض الجار دون غيرها، أو أن يكون حق الارتفاق الذي على أرض الجار مقرراً لمصلحة الأرض المشفوعة وحدها.
عن الوجه الثالث:
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قال بصدد هذا الوجه: "إنه فيما يتعلق بحق ارتفاق الري فإنه بالرجوع إلى إنذار الشفعة يتبين أن المستأنفة ذكرت عنه أن ري الأطيان المبيعة وأطيان الطالبة واحد بواسطة فتحة على ترعة الجيارة، كما تبين من الاطلاع على عقد القسمة أن الطرفين المتقاسمين قد تركا فتحة الري شاملة لكلا النصيبين ولكنهما خصا كل قسم بساقية، ولما كانت الساقيتان واقعتين في القسم الشرقي فإنهما أضافا ملكية الساقية القبلية إلى القسم الغربي، وهذا أوضح دليل على رغبتهما الأكيدة في تحاشي الشيوع حتى لا يكون للقسم الغربي حق ارتفاق على القسم الشرقي بل إن مياهه تمر من ساقيته، وهذا واضح تمام الوضوح في الرسم المقدم بمذكرة المستأنفة. وكل ما هنالك أن مياه الساقية البحرية المخصصة للقسم الشرقي تمر من الساقية القبلية التابعة للقسم الغربي. فإن صح أن هناك حق ارتفاق فإنه يكون واقعاً على ساقية القسم الغربي لا على الأطيان نفسها. وبما أن قانون الشفعة لم ينص إلا على حق ارتفاق للعين المشفوع فيها على العين المشفوع بها أو العكس فلا يكون حق الارتفاق على إحدى منافع العين من أسباب الشفعة".
ومن حيث إنه ظاهر من هذا الذي أورده الحكم أن الأرض المشفوع بها تروى من الفتحة الواقعة على ترعة الجيارة بمرور المياه إلى الساقية القبلية التابعة للأرض المشفوع فيها ومنها إلى الساقية البحرية التابعة للأرض المشفوع بها، وقد ثبت مما تقدم في الوجه الأول نقلاً عن عقد القسمة أن أرض الساقية القبلية، وهي المجاورة لترعة الجيارة ومساحتها 16 س، داخلة ضمن الأرض المبيعة، ومتى كان الأمر كذلك فإن الأرض المشفوع بها يكون لها، والحالة هذه، حق ارتفاق على الأرض المشفوع فيها ذاتها، لا على الساقية وحدها كما يقول الحكم المطعون فيه. ومع كل فاتصال حق الارتفاق بالساقية لا يغير من الأمر شيئاً ما دامت الساقية متصلة بالأرض والمياه التي تروى منها الأرض المشفوع بها لا تصل إليها إلا بمرورها بالأرض التي بها الساقية ثم ببئرها.
عن الوجه الرابع:
ومن حيث إن هذا الوجه وارد على دفع أثاره المطعون ضدهم ورد عليه الحكم الابتدائي، ولكن المحكمة الاستئنافية لم تر محلاً للتعرض له لما رأته من عدم جواز الأخذ بالشفعة لعدم توافر شرطي الجوار وحق الارتفاق المجيزين للشفعة. أما وقد ظهر خطأ المحكمة الاستئنافية فيما ارتأته فإنه يكون من المتعين بحثه.
ومن حيث إن الحكم الابتدائي قال في ذلك إن الرأي الذي تأخذ به المحكمة هو "أن المالك على الشيوع لا يستطيع أن يشفع بمفرده، أي بغير اشتراكه" "مع شريكه، لاحتمال أن تسفر القسمة المقبلة بينهما إلى حرمان الأرض" "التي يختص بها من أي حق من حقوق الشفعة كالجوار والاشتراك في حق" "الارتفاق، والشفعة حق ضعيف".
ومن حيث إن الرأي الذي أخذ به الحكم غير سديد. فإنه يجوز للجار الذي يملك على الشيوع أن يطلب الشفعة ولو لم يشترك معه باقي شركائه في الملك. وذلك لأنه إنما يملك نصيبه في كل ذرة من العقار المشترك، ولا يؤثر في ذلك احتمال أن تسفر القسمة فيما بعد عن حرمانه من الجزء المجاور للعقار المشفوع، لأن القانون إنما يشترط أن يكون الشفيع مالكاً لما يشفع به وقت بيع العقار المشفوع وأن يبقى مالكاً له لحين الأخذ بالشفعة. وبقاء الجوار ليس بشرط لبقاء الاستحقاق. وعلى ذلك إذا حصلت القسمة قبل القضاء للشفيع بالشفعة ولم يختص بالجزء المجاور للعقار المشفوع سقط حقه فيها. أما إذا قضى له بها قبل حصول القسمة فلا يهم زوال ملكه الذي يشفع به بعد ذلك عن طريق القسمة أو أي طريق آخر.