أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 29 - صـ 1428

جلسة 7 من يونيه 1978

برئاسة السيد المستشار محمد أسعد محمود نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: الدكتور إبراهيم صالح؛ محمد الباجوري؛ صلاح نصار ومحمد رمضان.

(275)
الطعن رقم 839 لسنة 43 القضائية

(1) إيجار "إيجار الأماكن". قانون.
صدور القانون المدني في تاريخ لاحق للقانون 121 لسنة 1947 بشأن إيجار الأماكن. غير ناسخ له. علة ذلك.
(2) إيجار "إيجار الأماكن". إثبات "القرائن".
ربط العوائد. مجرد قرينة على الأجرة القانونية. خضوعها لتقدير محكمة الموضوع.
(3) إيجار "إيجار الأماكن". محكمة الموضوع.
توافر التماثل أو انعدامه بين شقة النزاع وشقة المثل. واقع. استقلال محكمة الموضوع بتقديره.
1 - يعتبر التقنين المدني الشريعة العامة فتسود أحكامه سائر معاملات الناس على سبيل الدوام والاستقرار، بحيث تعتبر النصوص المنظمة لعقد الإيجار هي الواجبة التطبيق أصلاً ما لم تطرأ ظروف معينة يرى المشرع معها ضرورة تعطيل بعض أحكامه أو إحلال تشريعات خاصة بديلاً عنها ويعتبر القانون رقم 121 لسنة 1947 بشأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين تشريعاً خاصاً في طبيعته ونطاقه إذ خرج به المشرع عن الأحكام العامة لعقد الإيجار ووضع لها أحكاماً خاصة، فرض بمقتضاها التزامات معينة على كل من المؤجر والمستأجر قصد بها الحد من حرية المؤجر في تحديد الأجرة وفي طلب الإخلاء، وقصر تطبيقه على الأماكن المشار إليها فيه، وكان القانون الخاص لا يلغيه إلا قانون خاص مثله ولا ينسخ بقانون عام ما لم يكن التشريع الجديد الذي أورد الحكم العام قد أشار بعبارة صريحة إلى الحالة التي كان يحكمها القانون الخاص، وجاءت عباراته قاطعة في سريان حكمه في جميع الأحوال ومن ثم، فإن القانون 121 لسنة 1947 يظل نافذاً وقائماً حتى بعد صدور القانون رقم 131 لسنة 1948 بشأن القانون المدني ولا يسوغ القول بأن القانون المدني قد نظم أحكام عقد الإيجار من جديد فيعتبر وفقاً للمادة الثانية ملغياً بكل ما سبقه من قوانين متعلقة بعقد الإيجار وبالعلاقة التي بين المؤجرين والمستأجرين، لأن الأعمال التحضيرية لهذا القانون صريحة في الإبقاء على نصوص قانون إيجار الأماكن بدليل حذف اللجنة التشريعية لمجلس الشيوخ الفقرة الثانية من المادة الثانية سالفة البيان والتي كانت تقضي بإلغاء كل نص يخالف أحكام القانون المدني، وبررت اللجنة هذا الحذف بأن المقصود هو الإبقاء على التشريعات الخاصة التي صدرت استثناء من القانون المدني منشئة أوضاعاً دائمة أو موقوتة حتى لا ينصرف النص في عمومه إلى إلغاء هذه الأوضاع الأمر الذي لا يدخل في قصد المشرع "مما مفاده أن المادة الثانية سالفة الذكر إنما قصد بها مجرد إحلال القانون المدني الحالي محل نصوص القانون المدني القديم الصادر في سنة 1883 دون أن يستطيل إلى إبطال القوانين الخاصة ومن بينها القانون رقم 121 لسنة 1947 إذ لكل من القانونين مجاله.
2 - الأصل في تقديرات البلدية للعوائد التي تحصل عن عقار لا يصح أن تكون أساساً لتحديد الأجرة القانونية مما مفاده أن ربط العوائد - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يصلح كمجرد قرينة قضائية متروك تقديرها لمحكمة الموضوع دون التزام عليها بالأخذ بها، ولا على الحكم إذا هو طرح ما تضمنته الصورة الشمسية للكشف الصادر من البلدية المشار إليه بسبب النعي مهما قبل أن الأجرة المثبتة به شقة النزاع مطابقة للأجرة المتفق عليها في عقد الإيجار.
3 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أن توافر التماثل أو فقدانه بين عين النزاع وبين شقة المثل مسألة واقع يستقل بتقديرها قاضي الموضوع طالما كان استخلاصه سائغاً ومؤدياً إلى النتيجة التي انتهى إليها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 3420 سنة 1971 مدني أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية ضد الطاعنين طالباً الحكم بتخفيض الأجرة الشهرية للشقة المؤجرة له الموضحة بصحيفة الدعوى إلى مبلغ 120 قرشاً. وقال بياناً لدعواه أنه بموجب عقد مؤرخ 1/ 6/ 1960 أجر له الطاعنان شقة بالعقار المملوك لهما رقم......... بالقاهرة بأجرة شهرية قدرها مبلغ 365 قرشاً، وإذ تبين له أن العقار أنشئ بعد أول يناير سنة 1944 وأنه بإخضاعه لقوانين إيجار الأماكن المتعاقبة رقم 199 لسنة 1952، 169 لسنة 1961، 7 لسنة 1965 تكون الأجرة الواجبة الأداء مبلغ 120 قرشاً شهرياً؛ فقد أقام الدعوى. وبتاريخ 21/ 2/ 1971 حكمت المحكمة بندب مكتب الخبراء لبيان تاريخ إنشاء عين النزاع وبيان أجرتها القانونية وفقاً لقوانين إيجارات الأماكن أو أجرة المثل - وبعد أن قدم الخبير تقريره وتعديل المطعون عليه طلباته على مقتضاه عادت وحكمت في 30/ 12/ 1971 (أولاً) بتخفيض أجرة شقة النزاع إلى مبلغ 2 جنيه و750 مليم اعتباراً من تاريخ التعاقد ثم إلى مبلغ 1 جنيه 890 مليم اعتباراً من 1/ 1/ 1962 وإلى مبلغ 1 جنيه و510 مليم اعتباراً من 1/ 3/ 1965 (ثانياً) باستجواب المطعون عليه في دليله على وفائه بأجرة الأشهر التالية لشهر أغسطس 1965. وفي 30/ 4/ 1972 - وبعد تنفيذ حكم الاستجواب - حكمت بإلزام الطاعنين بأن يدفعا للمطعون عليه مبلغ 192 جنيهاً و906 مليماً. استأنف الطاعنان الحكمين الأخيرين بالاستئنافين رقمي 594، 2374 لسنة 89 ق القاهرة وبعد ضم الاستئنافين قضت محكمة الاستئناف في 9/ 6/ 1973 بتأييد الحكمين المستأنفين. طعن الطاعنان على هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأته جديراً بالنظر وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى الطاعنان بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقولان أن الحكم أعمل نص المادة الرابعة من القانون رقم 121 لسنة 1947 من وجوب تحديد الأجرة القانونية بأجرة شهر إبريل 1941 أو أجرة المثل لذلك الشهر، في حين أن هذا القانون ألغى بصدور القانون المدني رقم 131 لسنة 1948 الذي نظم عقد الإيجار بوجه عام ونص في المادة 562 على وجوب احترام ما تنصرف إليه إرادة العاقدين في حدود تحديد الأجرة استقراراً للمراكز القانونية وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أنه لما كان التقنين المدني يعتبر الشريعة العامة، فتسود أحكامه سائر معاملات الناس على سبيل الدوام والاستقرار، بحيث تعتبر النصوص المنظمة لعقد الإيجار هي الواجبة التطبيق أصلاً، ما لم تطرأ ظروف معينة يرى المشرع معها ضرورة تعطيل بعض أحكامه أو إحلال تشريعات خاصة بديلاً عنها، وكان القانون رقم 121 لسنة 1947 بشأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين تشريعاً خاصاً في طبيعته ونطاقه، وإذ خرج به المشرع عن الأحكام العامة لعقد الإيجار ووضع لها أحكاماً خاصة، فرض بمقتضاها التزامات معينة على كل من المؤجر والمستأجر، قصد بها الحد من حرية المؤجر في تحديد الأجرة وفي طلب الإخلاء، وقصر تطبيقه على الأماكن المشار إليها فيه، وكان القانون الخاص لا يلغيه إلا قانون خاص مثله ولا يفسخ بقانون عام، ما لم يكن التشريع الجديد الذي أورد الحكم العام قد أشار بعبارة صريحة إلى الحالة التي كان يحكمها القانون الخاص، وجاءت عباراته قاطعة في سريان حكمه في جميع الأحوال فإن القانون رقم 121 لسنة 1947 يظل نافذاً وقائماً حتى بعد صدور القانون رقم 131 لسنة 1948 بشأن القانون المدني ولا يسوغ القول بأن القانون المدني قد نظم أحكام عقد الإيجار من جديد فيعتبر وفقاً للمادة الثانية ملغياً بكل ما سبقه من قوانين متعلقة بعقد الإيجار وبالعلاقة بين المؤجرين والمستأجرين، لأن الأعمال التحضيرية لهذا القانون صرحية في الإبقاء على نصوص قانون إيجار الأماكن بدليل حذف اللجنة التشريعية لمجلس الشيوخ الفقرة الثانية من المادة الثانية سالفة البيان والتي كانت تقضي بإلغاء كل نص يخالف أحكام القانون المدني وبررت اللجنة هذا الحذف بأن المقصود هو الإبقاء على التشريعات الخاصة التي صدرت استثناء من القانون المدني منشئة أوضاعاً دائمة أو موقوتة حتى لا ينصرف النص في عمومه إلى إلغاء هذه الأوضاع الأمر الذي لا يدخل في قصد المشرع، مما مفاده أن المادة الثانية سالفة الذكر إنما قصد بها مجرد إحلال القانون المدني الحالي محل نصوص القانون المدني القديم الصادر في سنة 1883 دون أن يستطيل إلى إبطال القوانين الخاصة ومن بينها القانون رقم 121 لسنة 1947، إذ لكل من القانونين مجاله، ويكون النعي على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالسببين الثاني والثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك يقول الطاعنان أن الحكم اعتد بتقرير الخبير في تحديد الأجرة القانونية وفي صلاحية شقة المثل للمقارنة في حين أنهما قدما لمحكمة الموضوع كشفاً رسمياً بعوائد الأملاك عن شقة النزاع ثابت منه أن أجرتها تطابق الأجرة المثبتة بعقد الإيجار، وإذ لم يجحد المطعون عليه مضمون هذا المستند الرسمي، فإنه يكون قد اكتسب حجية بما لا يجوز معه مخالفته. هذا إلى أن الطاعنين تمسكا بطلب إعادة المأمورية للخبير لتحقيق اعترافاتهما على صلاحية الشقة المتخذة أساساً للمقارنة، غير أن محكمة الاستئناف التفتت عن هذا الطلب، وهو ما يعيب الحكم بمخالفة القانون والإخلال بحق الدفاع.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أنه لما كان الأصل في تقديرات البلدية للعوائد التي تحصل عن عقار لا يصح أن تكون أساساً لتحديد الأجرة القانونية مما مفاده أن ربط العوائد - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يصلح كمجرد قرينة قضائية متروك تقديرها لمحكمة الموضوع دون إلزام عليها بالأخذ بها، فإنه لا على الحكم إذا هو اطرح ما تضمنته الصورة الشمسية للكشف الصادر من البلدية المشار إليه بسبب النعي مهما قيل أن الأجرة المثبتة به شقة النزاع مطابقة للأجرة المتفق عليها في عقد الإيجار، خاصة وقد وصفها الحكم بأنها غير قروءة، لما كان ذلك وكان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن توافر التماثل أو فقدانه بين عين النزاع وبين شقة المثل مسألة واقع يستقل بتقديرها قاضي الموضوع طالما كان استخلاصه سائغاً ومؤدياً إلى النتيجة التي انتهى إليها، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه اعتد بتقرير الخبير في حدود صلاحية شقة المثل للمقارنة على سند من الأسباب السائغة التي أوردها، ورد على الاعتراضات التي ساقها الطاعنان على التقرير بما لم يكن محل نعي منهما، وكان ندب خبير آخر في الدعوى متروكاً لمطلق تقدير محكمة الموضوع باعتبارها الخبير الأعلى، فإن ما خلص إليه الحكم كاف لحمل قضائه. ولا محل للنعي عليه فيما تزيد به من أن الطاعنين لم يقدما شقة أخرى للاسترشاد بها، لأنه غير منتج، ويكون النعي عليه بمخالفة القانون والإخلال بحق الدفاع على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن برمته.