مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع - صـ 664

جلسة 3 مايو سنة 1945

برياسة سعادة محمد زكي علي باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد كامل مرسي بك ونجيب مرقس بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك المستشارين.

(249)
القضية رقم 99 سنة 14 القضائية

تعهد. دائنو العاقد. حقهم في أن يقيموا باسمه الدعاوى الناشئة عن مشارطاته. سكوت المدين عن حقه هو أو تواطؤه مع الغير على إهداره. مباشرة الدائن المطالبة بحق مدينه. لا تتأثر بسلوك المدين. (المادة 141 مدني)
إن القانون المدني في المادة 141 منه قد أجاز لدائني العاقد، بما لهم من الحق على عموم أموال مدينهم، أن يقيموا باسمه الدعاوى التي تنشأ عن مشارطاته أو عن أي نوع من أنواع التعهدات ما عدا الدعاوى الخاصة بشخصه، وإذن فلا يصح أن يضار الدائن بسكوت المدين عن الدفاع عن حقه هو أو بتواطئه مع الغير على إهداره. فإذا ما باشر الدائن المطالبة بحق مدينه أو الدفاع عنه وجب على المحكمة أن تعتبره مدافعاً عن حق له لا يتأثر بسلوك المدين حياله، ووجب عليها أن تفصل في أمره استقلالاً. ومن مؤدى ذلك أنه إذا أضاف المدعي إلى دفاعه تمسكه بحق مدين له قبل المدعى عليه واحتجاجه بأن المدين أهمل الدفاع عن حقه بقصد الكيد له وجب على المحكمة أن تفحص ذلك وترد عليه وإلا كان حكمها معيباً متعيناً نقضه. ولا يصلح رداً على ذلك قول المحكمة إنه ليس للدائن إرغام مدينه على التمسك بحقوقه.


الوقائع

تتحصل وقائع هذا الطعن في أن المطعون ضدهما الأول والثانية أقاما أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية الدعوى رقم 247 سنة 1943 كلي على بنك أثينا والطاعن والمطعون ضده الأخير وقالا في صحيفتها إنهما اشتريا من بنك أثينا مطحناً ولما أرادا تسلمه زعم الطاعن أنه مستأجر له. وطلبا الحكم ببطلان عقد الإيجار الذي يتمسك به وبتسليمهما المطحن ومنع تعرض الطاعن لهما فيه.
وفي 20 من يونيه سنة 1943 حكمت المحكمة بفسخ عقد الإيجار وبتسليم المطحن ومنع التعرض. وذلك بناءً على أن عقد إيجار الطاعن صوري وأن المستأجر الحقيقي هو المطعون ضده الأخير وأن عقد إيجار الطاعن على فرض صحته كان معلقاً على شرط فاسخ تحقق.
استأنف الطاعن هذا الحكم، وفي 15 من فبراير سنة 1944 حكمت محكمة استئناف مصر بتأييد الحكم الابتدائي لأسبابه ولأن عقد الاستغلال المبرم بين الطاعن والمطعون ضده الأخير بعد عقد إيجار الطاعن يفيد أن المطعون ضده الأخير هو المستأجر للمطحن فإذا ما انتهت إجارته أو تخلى عنها فليس للطاعن بمقتضى عقد الاستغلال إرغامه على الاستمرار في إجارته. وغاية ما في الأمر له أن يرجع عليه بتعويض إن كان لذلك وجه.
أعلن هذا الحكم إلى الطاعن في 8 من يونيه سنة 1944 فقرر الطعن فيه بطريق النقض في 9 من يوليو سنة 1944 بتقرير أعلن إلى المطعون ضدهم إلخ.


المحكمة

وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ في تطبيق القانون إذ قرر أن ليس للدائن أن يتمسك بحقوق مدينه رغماً منه بقوله إنه ليس للطاعن أن يتمسك باستمرار إجارة مدينه حسن عبد الله رغماً منه، وإن كل ما له هو الرجوع عليه بالتضمينات. في حين أنه من المجمع عليه فقهاً وقضاءً أن للدائن أن يمنع مدينه من أن يفقر نفسه وأن له - كلما رأى من مدينه تقصيراً أو تدليساً يؤدي إلى الإضرار بحقوقه إضراراً يترتب عليه التأثير في حقوق الدائن - أن ينهض إلى استعمال حقوق مدينه سواء أرغب المدين في ذلك أم لم يرغب. ويضيف الطاعن إلى ما تقدم أنه أبدى في مذكرته الاستئنافية الأسانيد القانونية التي يستند إليها في دفعه، ولم تعن من محكمة الاستئناف بالرد عليها.
وحيث إنه يبين من مطالعة الحكمين الابتدائي والاستئنافي وباقي أوراق الدعوى أن المطعون ضده الأخير كان مستأجراً للمطحن من ورثة إبراهيم عاشور ثم حرر عقد إيجار عن هذا المطحن بين ورثة إبراهيم عاشور والطاعن في أول يونيه سنة 1938 وأثبت تاريخه في 30 منه وشرط فيه المؤجرون على الطاعن أنه "إذا تواجد أي خلاف بين حسن عبد الله (المطعون ضده الأخير) والمستأجر عبد الله أفندي عبد الباري (الطاعن) وتباعد حسن عبد الله عن الشركة بالوابور فيلغى هذا العقد ولنا الحق في فسخه من تاريخ ابتعاد حسن عبد الله من الوابور". وفي 2 من يونيه سنة 1938 تعاقد الطاعن والمطعون ضده الأخير بعقد أثبت تاريخه في 5 من الشهر المذكور جاء فيه أن المطعون ضده الأخير مستأجر للمطحن من ورثة إبراهيم عاشور، وأنه أعطى الطاعن امتياز طحن غلاله به وأنه محرم عليه (أي على المطعون ضده الأخير) أن يدخل إلى المطحن أو مخازنه أو ملحقاته أي غلال خلاف غلال الطاعن أو يستعمل المطحن في طحن شيء لنفسه أو لغيره. وقد وقع الورثة العقد المذكور. بعد ذلك نزعت ملكية المطحن من ورثة إبراهيم عاشور ورسا مزاده على بنك أثينا الذي باعه للمطعون ضدهما الأول قريب المطعون ضده الأخير والثانية بنته؛ وأمام محكمة أول درجة استند الطاعن في دفعه الدعوى إلى عقد الإيجار المؤرخ في أول يونيه سنة 1938. والمحكمة قالت إنها ترى من ظروف الدعوى وملابساتها ومن شروط عقد إيجار الطاعن أن هذا العقد لم يحرر بينه وبين الملاك أقارب المطعون ضده الأخير إلا لغرض حمايته من دائنيه وتمكنه من الاستمرار في إدارة المطحن، ولذلك تعتبر المحكمة أن هذا العقد صوري. وعلى فرض التسليم جدلاً بأنه صحيح فإنه كان معلقاً على شرط فاسخ وهو بقاء المطعون ضده الأخير مع الطاعن في إدارة المطحن واستغلاله. وتبين من أقوال الطرفين أن المطعون ضده الأخير قد اختلف مع الطاعن وابتعد عن المطحن، وحكمت بفسخ العقد والتسليم ومنع التعرض. ولما استأنف الطاعن هذا الحكم استند إلى عقد الاستغلال المؤرخ في 2 من يونيه سنة 1938 وقال في صحيفة استئنافه إنه لا يصح اعتبار إجارة حسن عبد الله مفسوخة إضراراً به وإنه بموجب العقد الذي أعطاه وحده حق استغلال المطحن له أن يستعمل حقوق مدينه المذكور في التمسك بعقد إيجاره وأن يحتفظ بحق استغلال المطحن، ولا سبيل إلى ذلك مع تعنت حسن عبد الله وابتعاده عن المطحن بقصد الكيد له إلا بإدارة المطحن التي لا تتوافر له إلا باستمرار حيازته هو. ومحكمة الاستئناف رأت من عقد الاستغلال ومن كونه لاحقاً لعقد الإيجار ما يؤيد ما ذهبت إليه محكمة أول درجة من أن المستأجر الحقيقي للمطحن هو المطعون ضده الأخير. ثم قالت إنه متى كان الأمر كذلك فإذا ما انتهت إجارة المستأجر الحقيقي أو تخلى عنها فليس للمستأنف (الطاعن) بمقتضى عقد الاستغلال المقدم منه إرغام ذلك المستأجر على الاستمرار في إجارته للمطحن، وغاية ما في الأمر له أن يرجع عليه بتعويض إن كان له وجه لأن عقد الاستغلال إن هو إلا التزام شخصي بين المستأنف وبين حسن أفندي عبد الله الذي لا شأن فيه لمالك المطحن أو لمن انتقلت إليهما ملكيته" ثم قضت بتأييد الحكم الابتدائي.
وحيث إنه يبين مما تقدم أن محكمة الاستئناف لم ترد ما دفع به الطاعن لأول مرة في استئنافه من أن إجارة مدينه حسن عبد الله يجب أن تبقى سارية وأن له الحق بمقتضى عقد الاستغلال في أن يستعمل طبقاً للمادة 141 من القانون المدني حق مدينه المذكور الذي امتنع عن الدفاع عنه غشاً وتدليساً بقصد الإضرار بالطاعن، حالة كون هذا الدفع هو دفع جوهري لو صح لكان له أثره في مصير الدعوى. ولا يمكن أن يعتبر رداً عليه قول المحكمة "إذا ما انتهت إجارة المستأجر الحقيقي (حسن عبد الله) أو تخلى عنها فليس للمستأنف (الطاعن) بمقتضى عقد الاستغلال المقدم منه إرغام ذلك المستأجر على الاستمرار في إجارته". لأن القانون في المادة 141 المذكورة أجاز لمدايني العاقد بما لهم من الحق على عموم أموال مدينهم أن يقيموا باسمه الدعاوى التي تنشأ عن مشارطاته أو عن أي نوع من أنواع التعهدات ما عدا الدعاوى الخاصة بشخصه، فلا يصح أن يضار الدائن بسكوت المدين عن الدفاع عن حقه أو بتواطئه مع الغير على إهداره. فإذا ما باشر الدائن المطالبة بحق مدينه أو الدفاع عنه وجب على المحكمة اعتباره مدافعاً عن حق له لا يتأثر بسلوك المدين حياله ووجب عليها أن تفصل في أمره استقلالاً.
وحيث إنه لما تقدم يتعين نقض الحكم المطعون فيه موضوعاً.