مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع - صـ 669

جلسة 10 مايو سنة 1945

برياسة سعادة محمد زكي علي باشا وكيل المحكمة وحضور حضرات: محمد كامل مرسي بك ونجيب مرقس بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك المستشارين.

(251)
القضية رقم 68 سنة 14 القضائية

تسجيل. نزع ملكية. دعوى استحقاق عقار منزوعة ملكيته. عدم تسجيل عقد التمليك. يمنع من طلب الاستحقاق.
إن دعوى استحقاق العقار المنزوعة ملكيته هي دعوى أساسها الملكية، فليس لمن لم يسجل عقد شراء العقار أن يطلب الحكم باستحقاقه إياه. ولا يصح له أن يحتج على نازع الملكية بعقد شرائه الذي لم يسجل، بمقولة إنه ما دام البيع حجة على البائع فهو حجة على دائنه الشخصي المعتبر خلفاً عاماً له [(1)].


الوقائع

تتلخص وقائع هذا الطعن في أن المطعون ضده الثاني كان مستأجراً من وزارة الأوقاف دكاناً وتأخر في الوفاء بالأجرة المطلوبة منه، فرفعت عليه الوزارة الدعوى رقم 733 سنة 1939 أمام محكمة الموسكي طالبة إلزامه بدفع الأجرة المتأخرة في ذمته وما يستجد منها ابتداءً من أول نوفمبر سنة 1938، وقد قضى لها بطلباتها في 24 من ديسمبر سنة 1938، ثم رفعت عليه دعوى أخرى مستعجلة أمام قاضي الأمور المستعجلة بمحكمة مصر الابتدائية طالبة الحكم بإخلاء العين المؤجرة بسبب التأخير في دفع الأجرة، وقضى لها بذلك في 13 من فبراير سنة 1939، واتخذت الوزارة إجراءات تنفيذية بالحجز على منقولات المطعون ضده الثاني استيفاء لمطلوبها منه من أجرة ومصاريف وقد بلغت في أوائل سنة 1940 مبلغ 16 ج و516 م استصدرت به الوزارة من رياسة محكمة مصر الابتدائية في 21 من فبراير سنة 1940 أمراً باختصاصها بالمنزل رقم 18 بشارع انبابى قسم باب الشعرية من أعمال محافظة مصر البالغة مساحته 93 متراً و90 سنتيمتراً باعتباره مملوكاً لمدينها وقيد هذا الاختصاص بسجل محكمة مصر الابتدائية الأهلية في التاريخ المذكور كما قيد بقلم الرهون بمحكمة مصر المختلطة في 12 من مارس سنة 1940. وفي 19 من أغسطس سنة 1940 أعلنت الوزارة إلى المطعون ضده الثاني تنبيهاً بنزع ملكيته من العقار سالف الذكر وفاءً لمطلوبها منه. ولما لم يدفع رفعت عليه دعوى نزع ملكية قضى فيها في 2 من ديسمبر سنة 1940 بنزع ملكية المطعون ضده من ريع المنزل فقط. وفاءً لمبلغ 18 ج و566 م غير ما يستجد. ثم سارت الوزارة في إجراءات البيع الجبري ضد مدينها المطعون ضده الثاني. وفي أثناء سير تلك الإجراءات رفعت الطاعنة على وزارة الأوقاف الدعوى رقم 1060 سنة 1941 طلبت فيها الحكم باستحقاقها جميع أرض وبناء المنزل الذي تنزع الوزارة ملكية الربع فيه مع محو التسجيلات التي ترتبت عليه بفعلها وإلزامها بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة، وقد أدخلت الوزارة المطعون ضده الثاني خصماً في الدعوى ليصدر الحكم فيها في مواجهته. وقد استندت الطاعنة في إثبات ملكيتها إلى عقد بيع مسجل في سنة 1919 تملكت به النصف في المنزل المذكور وإلى عقدين غير مسجلين صادرين إليها من المطعون ضده الثاني أحدهما في 23 من مايو سنة 1926 بربع المنزل والآخر في 15 من نوفمبر سنة 1927 بالربع الباقي.
وفي 25 من يناير سنة 1942 قضت محكمة مصر باستحقاق الطاعنة إلى اثني عشر قيراطاً شائعة في أرض وبناء المنزل المرفوعة به الدعوى وألزمت الطاعنة بالمصاريف ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات وأمرت بالمقاصة في أتعاب المحاماة. وأسست المحكمة قضاءها بذلك على أن الطاعنة لم تقدم لها العقد المسجل في سنة 1919 الذي تقول إنها اشترت بموجبه نصف المنزل، واعتبرتها بناءً على ذلك غير مالكة لهذا النصف، ولكنها في الوقت نفسه اعتبرتها مالكة للنصف الآخر بمقتضى العقدين غير المسجلين.
استأنفت الطاعنة الحكم الابتدائي أمام محكمة استئناف مصر في 15 من مايو سنة 1943 طالبة تعديله والحكم باستحقاقها كامل أرض وبناء المنزل ومحو التسجيلات المترتبة عليه مع إلزام وزارة الأوقاف بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين، وقيد استئنافها بجدول المحكمة برقم 734 سنة 60 القضائية. وفي أثناء نظره استأنفت الوزارة من جانبها بجلسة 2 من يناير سنة 1944 الحكم الابتدائي بالنسبة إلى نصف المنزل المقضى به للطاعنة وطلبت إلغاءه ورفض الدعوى مع رفض استئناف الطاعنة، وقيد هذا الاستئناف الفرعي برقم 261 سنة 61 القضائية.
وفي 27 من فبراير سنة 1944 فصلت محكمة الاستئناف في الاستئنافين الأصلي والفرعي بحكم واحد قضى بقبولهما شكلاً ورفضهما موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف مع إلزام الطاعنة بمصاريف الاستئنافين وثلثمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة لوزارة الأوقاف. وأسست المحكمة قضاءها على اعتبار الطاعنة مالكة نصف المنزل بمقتضى عقد البيع المسجل في 20 من مايو سنة 1919 الذي قدمت صورة رسمية منه واعتبارها غير مالكة للنصف الآخر الصادر به عقدا 23 من مايو سنة 1926 و15 من نوفمبر سنة 1927 لأنهما غير مسجلين ولا ينقلان الملكية بحكم القانون رقم 18 لسنة 1923.
أعلن حكم محكمة الاستئناف إلى الطاعنة في 2 من مايو سنة 1944 فقرر وكيلها بقلم كتاب هذه المحكمة في 31 من الشهر المذكور الطعن فيه بطريق النقض إلخ إلخ.


المحكمة

ومن حيث إن الطاعنة تبني طعنها على أوجه ثلاثة:
(الأول) مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون لعدم اعتداده بعقدي البيع غير المسجلين بمقولة إنهما لا ينقلان إليها الملكية، في حين أن هذين العقدين، رغم عدم تسجيلهما، هما حجة على البائع فيهما وهو المطعون ضده الثاني، فيكونان أيضاً حجة على الوزارة باعتبارها دائنة شخصية له وتعتبر قانوناً خلفاً عاماً له، وبفرض اعتبار الوزارة كدائنة من الغير فإن العقدين المذكورين يعتبران حجة عليها لأن لكل منهما تاريخاً ثابتاً بصفة رسمية قبل نشوء دينها. ومتى كان نصف المنزل قد خرج عن ملك هذا المدين (المطعون ضده الثاني) قبل نشوء دين الوزارة فلا يكون لها والحالة هذه حق نزع ملكيته لأن هذا المدين رغم عدم تسجيل العقد ضامن نقل الملكية إلى المشترية، والوزارة كدائنة لهذا البائع ملزمة باحترام هذا الضمان فيمتنع عليها بذلك التنفيذ على العين المبيعة.
(والوجه الثاني) خطأ المحكمة في تطبيق القانون إذ قضت برفض دعوى الطاعنة لعدم تسجيل العقدين، في حين أنه كان يتعين عليها تمشياً مع المبدأ القانوني الذي أخذت به أن تقضي بوقف الفصل في الدعوى حتى يتم التسجيل وتقضي بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان. فقضاؤها برفض دعوى الطاعنة هو فصل نهائي في الملكية مانع من العودة إلى المطالبة بها، في حين أن هذه المطالبة جائزة قانوناً إذا ما سجل العقدان المذكوران وانتقلت بتسجيلهما الملكية فعلاً إلى الطاعنة.
(والوجه الثالث) مناقضة أسباب الحكم المطعون فيه بعضها بعضاً ومناقضة تلك الأسباب للمنطوق. وفي بيان ذلك تقول الطاعنة إن الحكم الابتدائي قضى لها بنصف المنزل الذي تملكته بالعقدين غير المسجلين ورفضت الدعوى بالنسبة إلى النصف الآخر الذي استندت في ملكيته إلى عقد البيع المسجل في سنة 1919 وقد استأنفت الطاعنة الحكم الابتدائي طالبة القضاء لها بالنصف الذي لم يقض لها به واستأنفته الوزارة طالبة رفض الدعوى بالنسبة إلى النصف المقضى به، وقد جاء الحكم المطعون فيه مؤيداً قضاء المحكمة الابتدائية مع أنه في أسبابه قضى للطاعنة بنصف المنزل الذي رفضت دعواها به ابتدائياً، كما أن تلك الأسباب قد قامت على قبول الاستئنافين موضوعاً وعلى إلغاء الحكم المستأنف.
(عن الوجهين الأول والثاني):
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أن القانون رقم 18 لسنة 1923 قد جعل نقل الملكية متراخياً إلى ما بعد حصول التسجيل فلا يصح والحالة هذه للمشتري ما دام عقده لم يسجل، أن يطلب الحكم بتثبيت ملكيته لما اشتراه. فإذا هو طلب تثبيت الملكية قبل التسجيل رفض طلبه لرفع الدعوى به قبل استيفاء شروطها. وعلى ذلك يكون طلب الطاعنة تثبيت ملكيتها للنصف الثاني من المنزل استناداً إلى العقدين غير المسجلين الصادرين في 23 من مايو سنة 1926 و15 من نوفمبر سنة 1927 طلباً سابقاً لأوانه ويتعين رفض الدعوى بالنسبة إليه.
وحيث إن هذه المحكمة تقر ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن ملكية نصف المنزل لم تنتقل إلى الطاعنة بالعقدين غير المسجلين ومن عدم جواز طلب الحكم بثبوت ملكيتها لهذا النصف قبل أن تكون الملكية قد انتقلت إليها فعلاً بحكم القانون كأثر مترتب على التسجيل، وليست دعوى استحقاق العقار المنزوعة ملكيته إلا دعوى أساسها ثبوت الملكية.
وحيث إن ما تثيره الطاعنة من أن هذين العقدين يصح الاحتجاج بهما على الوزارة التي يمتنع عليها بعد صدورهما أن تنزع ملكية المبيع فيهما بعد أن خرج عن ملكية مدينها قبل نشوء الدين - هذا الذي تثيره لا سند له من القانون، لأنه متى كانت الملكية بحكم القانون رقم 18 لسنة 1923 لا تنتقل بين المتعاقدين أنفسهم بالعقد غير المسجل فيكون للدائن دائماً حق نزع ملكية المدين من المبيع باعتباره باقياً في ملكه. وإذا كان المشتري بعقد البيع غير المسجل لا يستطيع أن يدعي انتقال الملكية إليه في وجه البائع نفسه فلا يستطيع ذلك من باب أولى في وجه الدائن. وإذا كان البائع رغم ضمانه نقل الملكية للمشتري يستطيع باعتباره مالكاً أن يبيع العين لمشتر ثان تنتقل إليه الملكية بالتسجيل، فيكون لدائن البائع اكتساب الحقوق العينية بالتسجيل على هذه العين باعتبارها ملكاً للمدين.
وحيث إنه متى كانت الملكية لم تنتقل إلى المشتري بسبب عدم التسجيل، فلا يكون للمشتري حق المطالبة باستحقاق العين، لأن هذا الطلب يجب أن يستند قبل كل شيء إلى ملكية ثابتة، ويكون الحكم المطعون فيه لم يخطئ حين قال إن دعوى الطاعنة لم يتوافر فيها هذا الشرط الأساسي وعلى ذلك تكون سابقة لأوانها وواجبة الرفض. ولا محل لاعتراض الطاعنة بأنه كان واجباً على المحكمة أن تقضي بوقف الدعوى حتى يتم التسجيل ما دامت أنها قد رفضتها لرفعها قبل الأوان. وهذا القضاء لا يمنع من العودة إلى المطالبة بالاستحقاق بعد انتقال الملكية بالتسجيل.
(عن الوجه الثالث):
وحيث إن الحكم المطعون فيه يقول "وحيث تبين مما تقدم أن المستأنفة محقة في المطالبة بتثبيت ملكيتها لنصف المنزل فقط وهو الصادر به العقد المسجل في سنة 1919 ويكون الحكم المستأنف القاضي بتثبيت ملكيتها للنصف في محله ويتعين تأييده". وهذا الذي يقوله الحكم المطعون فيه صريح في القضاء باستحقاق الطاعنة نصف المنزل الصادر به العقد المسجل وصريح أيضاً في أن تأييد الحكم المستأنف منصب على ما قضى به من استحقاق الطاعنة نصف المنزل بغير تعيين بناءً على الأسباب الخاصة التي أوردها الحكم المطعون فيه لا الأسباب التي بنى عليها الحكم الابتدائي، وعلى ذلك فلا تناقض بين أسباب الحكم المطعون فيه ومنطوقه كما تزعم الطاعنة.


[(1)] يراجع مع هذا الحكم الصادر في القضية رقم 56 سنة 13 بجلسة 2 مارس سنة 1944 المنشورة قاعدته تحت رقم (105).