مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع - صـ 675

جلسة 17 مايو سنة 1945

برياسة سعادة محمد زكي علي باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد كامل مرسي بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك وأحمد علي علوبة بك المستشارين.

(252)
القضية رقم 70 سنة 14 القضائية

أ - نقض وإبرام. المادة 11 من قانون محكمة النقض. الطعن في الحكم لمخالفته حكماً سابقاً. لا يشترط أن يكون الحكم السابق صادراً من محكمة أهلية. كل حكم نهائي صادر من جهة قضائية معترف بها في حدود اختصاصها يدخل في متناول المادة.
ب - قوة الشيء المحكوم فيه. حكر. اختصاص المحكمة الشرعية بالفصل فيه. حكمها في مسائل الحكر تكون له قوة الشيء المقضى به. حكم نهائي من المحكمة الشرعية برفض طلب التحكير. حكم المحكمة المدنية للطالب بحق البقاء والقرار على الأرض. مخالفة للحكم الشرعي تستوجب نقضه.
1 - إن المادة 11 من قانون محكمة النقض إذ أجازت الطعن في الحكم إذا صدر على خلاف حكم سابق فإنما أريد بها احترام الأحكام النهائية الحائزة قوة الشيء المقضى به الصادرة من أية جهة قضائية معترف بها قانوناً. وإذن فلا يشترط أن يكون الحكم السابق صادراً من محكمة أهلية.
2 - إنه لما كانت المحاكم الشرعية جهة قضائية أنشأها الشارع بجانب المحاكم الأهلية لتفصل في المنازعات التي جعلت من اختصاصها، ثم لما كانت هذه المحاكم مختصة بالفصل في مسائل الحكر طبقاً للمادة 8 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، فإن قضاءها النهائي في هذه المسائل تكون له قوة الشيء المقضى به، ويكون على المحاكم المدنية أن تحترمه. وإذن فإذا قضت المحكمة الشرعية نهائياً برفض طلب التحكير فلا تجوز إثارة هذا النزاع من جديد أمام المحكمة المدنية. فإذا أثير وقضت المحكمة المدنية للطالب بأن يكون له حق البقاء والقرار على أرض الوقف فإنها تكون قد خالفت حجية الحكم الشرعي النهائي السابق الحائز قوة الشيء المقضى فيه بين الخصوم ويجب نقض حكمها.


الوقائع

تتحصل وقائع هذا الطعن في أن المرحومة السيدة نظلة هانم حجازي وقفت قطعة أرض ثم أقامت فوقها بناءً لم تلحقه بالوقف، وبعد وفاتها رفع ورثتها دعوى بقسمته باعتباره تركة، ولعدم إمكان القسمة حكمت المحكمة ببيعه بالمزاد، وبعد إنقاص الخمس عدة مرات رسا المزاد على المطعون ضدها بمبلغ 105 ج و200 م وبعد ذلك أنذر الطاعن وشقيق له - توفي كان ناظراً معه على الوقف - المطعون ضدها بإزالة البناء المملوك لها القائم على أرض الوقف فردت عليهما بأن لها حق البناء والقرار، فرفع عليها الطاعن بصفة كونه ناظراً على وقف والدته المرحومة السيدة نظلة المذكورة أمام محكمة مصر الابتدائية الدعوى رقم 618 سنة 1939 كلي وطلب في صحيفتها الحكم عليها بإزالة المباني القائمة على أرض الوقف مع إلزامها بمبلغ 200 ج قيمة أجرة هذه الأرض بسعر 20 ج شهرياً من 18 من ديسمبر سنة 1937 تاريخ رسو مزاد المباني على المطعون ضدها إلى 18 من أكتوبر سنة 1938 وما يستجد حتى يصبح حكم الإزالة نهائياً وينفذ، وفي أثناء نظر هذه الدعوى تقدمت المطعون ضدها إلى المحكمة الشرعية طالبة الترخيص لها بتحكير أرض الوقف بأجر المثل فقضت المحكمة المذكورة برفض طلبها ابتدائياً في 29 من ديسمبر سنة 1940 وانتهائياً في 27 من فبراير سنة 1941، وعلى أثر ذلك قضت محكمة مصر الابتدائية الأهلية في 8 من يونيه سنة 1941 بإزالة مباني الطاعنة في خلال شهرين من تاريخ صيرورة الحكم نهائياً وإعلانه للمطعون ضدها، وإن لم تفعل كانت ملزمة بدفع عشرة جنيهات شهرياً باعتبارها ريعاً إلى أن يتم تنفيذ حكم الإزالة وبرفض ما خالف ذلك من الطلبات.
استأنفت المطعون ضدها هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر طالبة إلغاءه ورفض الدعوى، كما استأنفه الطاعن طالباً إلغاء الحكم بالنسبة إلى ما رفض من الطلبات وإلزام المطعون ضدها بأن تدفع له مبلغ الـ 200 ج وما يستجد بسعر 20 ج شهرياً حتى الإزالة.
وضمت محكمة الاستئناف هذين الاستئنافين أحدهما إلى الآخر وقضت فيهما في 27 من يونيه سنة 1943 بإلغاء الحكم المستأنف فيما يتعلق بطلب الإزالة ورفض هذا الطلب وقبل الفصل في طلب الريع بندب خبير لتقدير أجر المثل.
لم يعلن هذا الحكم إلى الطاعن وقد قرر الطعن فيه بطريق النقض إلخ إلخ.


المحكمة

وحيث إن المطعون ضدها دفعت بعدم قبول الطعن لسببين:
(أولهما) أن الطاعن قبل الحكم المطعون فيه بدفعه أمانة الخبير وتنفيذه الحكم التمهيدي، وقد تنازلت عن هذا الدفع بالجلسة. (والآخر) أنه يشترط لتطبيق المادة 11 من قانون إنشاء محكمة النقض أن يكون الحكم السابق صادراً من محكمة أهلية لا من محكمة أخرى، وهذا الدفع مردود بعموم نص المادة 11 من قانون إنشاء محكمة النقض وبحكمة التشريع التي هي احترام الأحكام النهائية الحائزة قوة الشيء المقضى به الصادرة من أية جهة قضائية معترف بها قانوناً. وليست المحاكم الشرعية إلا جهات قضائية أنشأها الشارع المصري نفسه بجانب المحاكم الأهلية لتفصل في المنازعات التي جعلت من اختصاصها، والأحكام التي تصدرها في دائرة هذا الاختصاص وتحوز قوة الشيء المقضى به تكون حجة على الخصوم بما قضت به ويجب على المحاكم المدنية احترامها وعليه يكون هذا الدفع مرفوضاً.
وحيث إن هذا الطعن قد استوفى شكله القانوني.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه خالف المادة 11 من قانون إنشاء محكمة النقض إذ أهدر حجية الحكم الشرعي النهائي الذي صدر بين الطرفين في مادة التصرفات رقم 1012 سنة 39 - 40 في 27 من فبراير سنة 1942 وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن المطعون ضدها لجأت إلى المحكمة الشرعية وطلبت منها تحكير أرض الوقف فرفضت المحكمة الشرعية الابتدائية طلبها بناءً على أنه ليس لها حق البقاء جبراً على الوقف وعلى أن التحكير ليس من مصلحة الوقف. وقد تأيد هذا الحكم لأسبابه من المحكمة الشرعية في 27 من فبراير سنة 1941 ورغم هذا القضاء النهائي من الجهة المختصة قضى الحكم المطعون فيه بأن للمطعون ضدها حق البقاء والقرار على أرض الوقف وندب خبير لتقدير أجر المثل.
وحيث إنه يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه والحكم الابتدائي وباقي أوراق الدعوى أن المحكمة الابتدائية الشرعية عندما رفضت طلب التحكير الذي تقدمت به المطعون ضدها قالت في أسباب حكمها "ومن حيث إن المنصوص عليه شرعاً أن مالك المباني المقامة على أرض الوقف يؤمر بالانتظار حتى ينهدم بناؤه إن كان الذي بناها هو الواقف أو الناظر وكان في إزالة تلك المباني ضرر يلحق أرض الوقف.... ومن حيث إنه بمقتضى ذلك أن مالك البناء الذي على أرض الوقف حتى في الحالة التي لا يجب عليه فيها إزالة بنائه ليس له أن يلزم الوقف ببقاء بنائه عليه جبراً. ومن حيث إن الطالبة هنا متناقضة فوق هذا مع نفسها فيما ضمنته طلبها. فإن طلبها التحكير بأجر المثل اعتراف ضمني بأنها لا تستطيع البقاء والقرار ببنائها على أرض الوقف بدون إذن من له حق إذنها بذلك. وهذا يتناقض مع ادعائها أن لها حق البقاء والقرار إطلاقاً على أرض الوقف، فإن هذا الحق لو كان ثابتاً لها ما كانت في حاجة إلى طلب التحكير والتأجير. ومن حيث إن المحكمة ترى في التحكير ترتيب حق للمحكرة على أرض الوقف قد يستمر عشرات السنين بل مئات الأعوام ويحول بين الوقف وحرية التصرف في ملكه بما قد يظهر أنه أنفع له ولمستحقيه، فضلاً عما في التحكير من تعريض الأعيان المحكرة للضياع بأقل من قيمتها، وإن ذلك إذا لم تكن ثمة ضرورة ملجئة وحاجة ماسة أو منفعة ظاهرة للوقف لا ينبغي أن يصار إليه" وقد أيدت المحكمة العليا الشرعية هذا الحكم لأسبابه. ومحكمة مصر الابتدائية الأهلية قالت إن السيدة نظلة هانم حجازي وقفت قطعة أرض ثم بنت عليها مع علمها أنها بوقفها قد خرجت من ملكها فتعد بانية بسوء نية على أرض الوقف وورثتها يمثلونها، وعندما تلقت المطعون ضدها المباني بحكم رسو المزاد تلقتها بعيوبها التي هبطت بها من الثمن الذي قدره الخبير وهو 1420 ج إلى 105 ج و200 م وهذا المبلغ لا يعدو أن يكون ثمن الأنقاض. وقالت إن هذا هو ما ذهبت إليه أيضاً المحكمة الشرعية حين رفضت طلب التحكير إذ ورد بأسباب حكمها أن المباني مقامة بغير حق على أرض الوقف ثم قضت بالإزالة. ومحكمة الاستئناف قالت إن الواقف إذا بنى من ماله ولم يشهد أنه للوقف يكون البناء ملكاً خاصاً به يتصرف فيه كيف يشاء كما يكون له حق القرار، مستندة في ذلك إلى المادتين 207 و208 من قانون العدل والإنصاف. ثم قالت إن المطعون ضدها تملكت عن الواقفة فتعتبر أنها تملكت بحسن نية، ويكون لها من الحقوق ما كان للواقفة نفسها، فيكون لها حق التصرف كما يكون لها حق القرار وقضت بإلغاء الحكم الابتدائي فيما يتعلق بالإزالة وبرفض طلبها وبتعيين خبير لتقدير أجر المثل عن الأرض من تاريخ رسو المزاد.
وحيث إنه يبين مما تقدم أن الحكم المطعون فيه قد قضى للمطعون ضدها بحق البقاء والقرار على أرض الوقف في مقابل دفعها أجر المثل. وهذا القضاء يخالف ما قضت به المحكمة الشرعية نهائياً من رفض طلب التحكير الذي قدمته.
وحيث إن المحكمة الشرعية مختصة بالفصل في مسائل الحكر طبقاً للمادة 8 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية فيكون لقضائها النهائي في هذه المسائل قوة الشيء المقضى به. ومن ثم لم يكن للمطعون ضدها - بعد أن قضت المحكمة الشرعية نهائياً برفض طلب التحكير المقدم منها - إثارة هذا النزاع من جديد أمام المحكمة المدنية، ويكون الحكم المطعون فيه إذ أجابها إلى ما طلبت من أن يكون لها حق البقاء والقرار على أرض الوقف قد خالف حجية الحكم الشرعي النهائي السابق الحائز قوة الشيء المقضى به بين الخصوم فيتعين نقضه.
وحيث إن موضوع الدعوى صالح للفصل فيه.
وحيث إن الإزالة التي قضى بها الحكم الابتدائي هي نتيجة لازمة لاحترام الحكم الشرعي النهائي القاضي برفض طلب التحكير فيكون هذا الحكم (بصرف النظر عن أسبابه) في محله للأسباب سالفة الذكر ويتعين تأييده فيما قضى به من الإزالة وإعادة الدعوى لمحكمة الاستئناف للفصل في باقي الطلبات.