مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع - صـ 692

جلسة 24 مايو سنة 1945

برياسة سعادة محمد زكي علي باشا وكيل المحكمة وحضور حضرات: محمد كامل مرسي بك ونجيب مرقس بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك المستشارين.

(258)
القضية رقم 126 سنة 14 القضائية

أ - نقض وإبرام. دعوى وضع يد. فصل المحكمة فيها على هذا الاعتبار. تعرض المحكمة للملكية وتأسيس الحكم عليها. الطعن فيه بطريق النقض. جائز.
(المادة 10 من قانون محكمة النقض)
ب - دعوى يد. التعرض فيها لمستندات الملك. تأسيس الحكم فيها على ثبوت الحق في الملك أو عدم ثبوته. مخالف للقانون.
(المادة 29 مرافعات)
1 - متى تبين من أوراق الدعوى أنها رفعت باعتبار أنها دعوى يد وفصلت فيها المحكمة على هذا الاعتبار فإن الحكم الصادر فيها استئنافياً من المحكمة الابتدائية يكون قابلاً للطعن بطريق النقض طبقاً للمادة 10 من قانون محكمة النقض ولو كانت المحكمة قد تعرضت فيه للملكية وأسست عليها قضاءها فخلطت في ذلك بين دعوى اليد ودعوى الملك.
2 - في دعوى اليد يجب أن يقصر بحث القاضي على تبين ماهيتها والنظر في توافر شروطها دون تعرض للملكية. فإذا ما دعت الضرورة إلى الرجوع إلى مستندات الملك فلا يكون ذلك إلا على سبيل الاستئناس وبالقدر الذي يقتضيه البحث في دعوى اليد [(1)]. فإن تجاوز ذلك الحد كأن حكم للمدعي بوضع يده بناءً على ثبوت حقه في الملك، أو حكم برفض دعواه لانعدام حقه فيه، فإنه يكون قد خالف القانون.


الوقائع

تتحصل وقائع هذا الطعن في أن المطعون ضدهما أقاما على مصلحة التنظيم والطاعن أمام محكمة الموسكي الدعوى رقم 919 سنة 1941 وطلبا فيها الحكم على وجه الاستعجال بمنع تعرض المدعى عليهما لهما في إقامة السور الذي شرعا في إقامته في نهاية الطريق الخاص المعروف بحارة عباس سعودي من الجهة القبلية مع إلزامهما بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. وقد طلب الطاعن - على ما هو ثابت بالحكم الذي صدر في هذه الدعوى - رفض الدعوى، وقال إنه هو والمطعون ضدهما اشتروا قطعاً مجزأة من أرض مملوكة أصلاً لشخص واحد شقت فيها طرق، وإن المطعون ضدهما لا يملكان الطريق الذي شرعا في إقامة السور عند نهايته من الجهة القبلية، وإنهما لا حق لهما في سد الطريق المذكور، لأن ذلك يؤثر في ملكه ويجعله محبوساً لا منفذ له في حالة تقسيم ملكه المذكور والتصرف فيه لإقامة مبان ومنازل عليه، وإنه مما يدل على أن هذا الطريق ليس طريقاً خصوصياً أن مصلحة المجاري وضعت فيه المواسير لتصريف مياه المجاري، وكذلك فعلت شركة المياه وشركة النور. وفي 13 من إبريل سنة 1941 قضت المحكمة بندب خبير للاطلاع على عقدي المطعون ضدهما وعقد الطاعن لمعرفة هل الطريق المتنازع عليه يدخل في ملكية أحد منهم أم هو متروك لمنفعة الجميع، وهل للمطعون ضدهما مصلحة في سد هذا الطريق، وهل سده يؤثر في منفعة الطاعن بأملاكه، مع بيان إن كانت مصلحة المجاري وشركة المياه وشركة النور قد استخدمته في وضع منشآتها. وبعد أن قدم الخبير تقريره قضت المحكمة في 30 من نوفمبر سنة 1941 برفض الدعوى وألزمت المطعون ضدهما بالمصاريف. فاستأنف المطعون ضدهما هذا الحكم أمام محكمة مصر الابتدائية، وطلبا في استئنافهما القضاء بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع إلغاء الحكم المستأنف والحكم لهما بالطلبات الموضحة بصحيفة افتتاح الدعوى مع إلزام المستأنف عليهما بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين. وبجلسة 16 من إبريل سنة 1943 قضت المحكمة بندب خبير للاطلاع على سندات الطرفين، والانتقال إلى محل النزاع لمعاينته وإثبات حالته، وأداء المأمورية التي قام بها الخبير الذي ندبته المحكمة الابتدائية، وبحث حق الارتفاق الذي يدعيه الطاعن، وبيان كيف كان يملك الأرض جميعاً شخص واحد ثم خصص الطريق الممتد بين منزلي المستأنفين لمنفعة جميع أصحاب العقارات المحيطة به، ومتى كان ذلك؟ ورخصت له بأخذ أقوال الخصوم وشهودهم ومن يرى لزوماً لسماع شهادته. وفي 19 من مارس سنة 1944 أودع الخبير تقريره وبجلسة 16 من مايو سنة 1944 قدمت مصلحة التنظيم مذكرة طلبت فيها إخراجها من الدعوى بلا مصاريف. لأن الطريق المتنازع عليه هو كما قرر مندوبها في محضر أعمال الخبير طريق خاص وليس من الأملاك العامة ولا شأن لها به ولا بالنزاع القائم بين المستأنفين والمستأنف عليه الآخر. وفي 23 من مايو سنة 1944 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف ومنع تعرض المستأنف عليه الثاني (الطاعن) في إقامة السور في نهاية الطريق الخصوصي من الجهة القبلية المعروف بحارة عباس سعودي المبين بصحيفة الدعوى وألزمته إلخ.
وقد أعلن هذا الحكم إلى الطاعن في 23 من يوليو سنة 1944 فطعن فيه وكيله بطريق النقض إلخ.


المحكمة

من حيث إن المطعون ضدهما دفعا بعدم جواز الطعن مستندين إلى أن الدعوى التي صدر فيها الحكم المطعون فيه هي دعوى ملكية لا دعوى يد، كما يتضح من دفاع الطرفين فيها ومن إجراءات المحكمة ومن أسباب الحكم نفسه وقالا إنه لا يغير من طبيعة الدعوى كونهما لم يطلبا فيها صراحة الحكم بالملك، فإن طلبهما تقرير حقهما في سد الطريق إنما هو منتزع من حقهما في الملك الثابت بالمستندات المقدمة منهما. ومتى كان الأمر كذلك فإن الطعن يكون غير جائز بناءً على المادة 10 من قانون إنشاء محكمة النقض والإبرام لصدوره من محكمة ابتدائية بهيئة استئنافية في دعوى ملكية.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن الدعوى رفعت باعتبار أنها دعوى يد وفصلت فيها المحكمة على هذا الاعتبار، فقد أقامها المطعون ضدهما أمام محكمة الموسكي الجزئية على مصلحة التنظيم وعلى الطاعن، وقالا في صحيفتها إن أولهما يملك المنزل رقم 46 بحارة سعودي والثاني يملك المنزل رقم 12 بالحارة نفسها، وإنه ظاهر من عقود تمليكهما أن الحد الفاصل بين ملكيهما هو طريق خاص يمتد من الجهة البحرية إلى نهاية ملكهما من الجهة القبلية، وإنهما عندما شرعا في إقامة سور في نهاية الطريق المذكور من الجهة القبلية باعتباره طريقاً خاصاً متروكاً فضاءً لمنفعة ملكيهما تعرض لهما المدعى عليهما في 6 من نوفمبر سنة 1941 ومنعاهما من البناء بحجة أن هذا الطريق من المنافع العامة، وإنه لما كان الطريق موضوع النزاع ثابتاً في عقودهما وفي خرائط مصلحة التنظيم أنه طريق خصوصي ومن ثم يكون التعرض الحاصل من المدعى عليهما تعرضاً غير قانوني ويجب منعه، فإنهما لذلك يطلبان الحكم على وجه الاستعجال بمنع تعرض المدعى عليهما لهما في إقامة السور في نهاية الطريق الخصوصي المعروف بحارة عباس سعودي والذي عرضه 5 متر، ولما أن قضت محكمة الموسكي برفض الدعوى استأنف المطعون ضدهما الحكم وطلبا إلغاءه والقضاء لهما بتلك الطلبات نفسها. وقد قضت المحكمة لهما بمنع تعرض الطاعن في إقامة السور وإذن فإن الدفع بعدم جواز الطعن لا أساس له.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى شكله القانوني.
ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه، لأنه - والدعوى مرفوعة على أنها منع تعرض بحسب تصوير وطلبات المطعون ضدهما - لم يبحث شروط دعوى اليد ويبين توافرها في النزاع بل قصر بحثه على ملكية حق الارتفاق، وما كان يجوز له أن يؤسس قضاءه على ذلك ويحكم بطلبات المطعون ضدهما لمجرد عدم تقديم الطاعن مستندات تثبت له حقاً من حقوق الارتفاق، لأن القانون في المادة 29 مرافعات يحرم على طرفي الخصومة في دعوى اليد طلب الحكم بالملكية بحيث إذا طلبها المدعي سقط حقه في طلب وضع اليد، وإذا طلبها المدعى عليه لا يقبل طلبه ما لم يترك حقه في وضع اليد أو يسلم العقار لخصمه. ثم إنه من جهة أخرى قلب الوضع الطبيعي والقانوني لدعوى منع التعرض التي شرعت كما في دعاوى وضع اليد لحماية وضع اليد والحيازة ومنع كل تعكير أو تغيير يطرأ، بأن أباح للمطعون ضدهما تغيير الحالة القائمة وسد الطريق المفتوح منذ إنشائه.
ومن حيث إنه يجب قانوناً في دعوى اليد أن يقتصر بحث القاضي على تبين ماهيتها والنظر في توافر شروطها دون التعرض للملكية. وإذا دعت الضرورة للرجوع إلى مستندات الملك فلا يكون إلا على سبيل الاستئناس وبالقدر الذي يقتضيه البحث في دعوى اليد فإن تجاوز ذلك الحد كأن حكم للمدعي بوضع يده بناءً على ثبوت حقه في الملك أو حكم برفض دعواه لانعدام حقه فيه فإنه يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه حين قضى للمطعون ضدهما بمنع التعرض أسس ذلك على ما قاله من أن الخبير أثبت في تقريره "أن ليس للمستأنف ضده حق ارتفاق يبيح له المرور من الممر المتنازع عليه لوجود منافذ أخرى وهي حارة أبو رابية وحارة عوني وشارع الصغير، وفي تلك المنافذ كل الكفاية بالنسبة إلى مساحة أرضه من الناحية الهندسية في تقسيم وتخطيط الأراضي الفضاء للبناء وتخطيط المدن، وأن المعاينة التي أجراها قد دلت على أن الأرض التي للمستأنفين كانت ملكاً للسيدة ناظلي غالي فخصصت الممر المتنازع عليه الممتد بين منزلي المستأنفين لمنفعتهما دون سواهما وليس لأصحاب العقارات التي تنتهي إليها حارة عباس سعودي الانتفاع به أصلاً، وأن المستأنف ضده لم يقدم أية مستندات تثبت له حقاً من حقوق الارتفاق في حين أن المستأنفين قدما مستندات عدة تثبت أن الممر المعروف بحارة عباس سعودي هو طريق خاص وأن لهما الحق في بناء حاجز عند نهايته من الناحية القبلية إذ هما وحدهما المنتفعان بهذا الجزء، وليس للمستأنف ضده أن ينازعهما في ذلك. وبما أن المستأنف ضده الثاني (الطاعن) لم يأت في دفاعه بشيء ينقض به ما أثبته الخبير في تقريره، وترى المحكمة أخذاً بهذا التقرير أن النتائج التي انتهى إليها قد استقر معها النزاع عند حال من الوضوح لا تجعل للمستأنف ضده الثاني أي حق يدعوه إلى التعرض للمستأنفين في بناء ذلك السور المتنازع عليه، ومن ثم يتعين إلغاء الحكم المستأنف والحكم للمستأنفين بطلباتهما.
ومن حيث إنه يبين من هذا الذي ذكره الحكم المطعون فيه أن المحكمة قد تعرض في حكمها للملكية وأسست قضاءها عليها، فخلطت بذلك بين دعوى اليد ودعوى الملك. وإذن فإن حكمها يكون معيباً ويتعين نقضه.


[(1)] أول حكم صدر بهذا المعنى هو الحكم الصادر في القضية رقم 32 سنة 2 المنشور بالجزء الأول من هذه المجموعة برقم 66 صفحتي 137 و138.