مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع - صـ 718

جلسة 31 مايو سنة 1945

برياسة سعادة محمد زكي علي باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد كامل مرسي بك ونجيب مرقس بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك المستشارين.

(264)
القضية رقم 8 سنة 15 القضائية

ارتفاق. حق الشرب. اكتسابه بالتقادم. وجوب اشتمال الحكم على بيان العناصر الواقعية اللازمة لثبوته. (المادة 76 مدني)
إن حقوق الارتفاق، ومنها حق الشرب، إنما يجوز اكتسابها بالتقادم إذا ما توافرت أركان وضع اليد المكسب للملكية المقررة بالمادة 76 من القانون المدني. فإذا قضت المحكمة باكتساب حق الشرب بالتقادم وجب عليها أن تبين في حكمها العناصر الواقعية اللازمة لثبوته، من وضع اليد وصفته ومظهره واستمراره طوال المدة المكسبة له، حتى يتيسر لمحكمة النقض مراقبة صحة تطبيق القانون، فإذا كان الحكم الذي قضى بثبوت ذلك الحق خالياً من بيان العناصر الواقعية التي تفيد أن مدعيه كان يستعمل الفتحة المتنازع عليها لري أرضه من مياه الراحة، وأن استعماله لها في هذا الغرض كان ظاهراً غير غامض، ومستمراً مدة خمس عشرة سنة، فهذا يكون قصوراً في التسبيب يعيبه ويستوجب نقضه.


الوقائع

تتحصل وقائع هذا الطعن في أن الطاعن رفع على كل من المطعون ضده ووزارة الأشغال الدعوى رقم 655 سنة 1940 كلي لدى محكمة مصر الابتدائية وقال في صحيفتها المعلنة في 28 من يناير و4 من فبراير سنة 1940 إنه اشترى بناحية قليب أبيار عزبة مساحتها 377 فداناً وكسراً من فدان بموجب عقدين الأول محرر بقلم العقود الرسمية في 1 من يوليو سنة 1938 مسجل في 14 من أغسطس سنة 938 من الأطيان المذكورة وحصة قدرها النصف شيوعاً في وابور ثابت مركب على ترعة الباجورية وفي المسقى الخاصة به والآخر مسجل في 28 من أغسطس سنة 939 عن 23 قيراطاً على الشيوع عبارة عن النصف الباقي من مسقى الوابور. وعقب تحرير العقد الأول لاحظ الطاعن أن المطعون ضده أنشأ فتحة بجسر هذه المسقى لري أرضه خلسة فقدم في 4 يوليو سنة 1938 شكوى إلى مركز كفر الزيات لمنع هذا التعرض وإزالة الفتحة قيدت برقم 4329 سنة 1938 إداري ندب فيها مهندس المركز الذي قدم تقريراً بأن المسقى مختصة للطاعن وليس للمطعون ضده أي حق في استعمالها فأمرت النيابة بتفهيم المطعون ضده نتيجة هذا التقرير وأخذ التعهد عليه بعدم ري أرضه مستقبلاً من وابور الطاعن، فتعهد كتابة بذلك ولكنه لم يحترم تعهده واستمر متمسكاً بالانتفاع بتلك الفتحة، ولذلك يطلب الطاعن الحكم بإلزامه في مواجهة وزارة الأشغال بإزالة الفتحة المذكورة بمصاريف من طرفه وإلا أزالها الطاعن على حسابه مع إلزامه بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. دفع المطعون ضده بعدم اختصاص محكمة مصر بنظر الدعوى وفي 20 من إبريل سنة 940 قضت المحكمة برفض الدفع وباختصاصها. وفي 18 من فبراير سنة 1941 قضت في الموضوع بإزالة الفتحة في مدى شهر من تاريخ صيرورة الحكم نهائياً بمصاريف من طرفه وإلا أزالها الطاعن بمصاريف يرجع بها على المطعون ضده وألزمته بالمصاريف و200 قرش مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.
وفي 10 و11 من مايو سنة 1941 استأنف المطعون ضده كلا الحكمين الصادرين في الاختصاص وفي الموضوع. وفي 22 من مايو سنة 1942 قضت محكمة الاستئناف بعدم جواز الاستئناف فيما يختص بالحكم الصادر برفض الدفع بعدم الاختصاص وحددت جلسة 29 من مايو سنة 1943 لنظر الموضوع. وفي 24 من أكتوبر سنة 1943 قضت المحكمة تمهيدياً بندب خبير. وبعد أن باشر الخبير مأموريته قدم تقريره وقدم المطعون ضده تقريراً استشارياً. وبجلسة 28 من أكتوبر سنة 944 ناقشت المحكمة الخبير الذي عينته. وفي 19 من نوفمبر سنة 944 قضت بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض دعوى الطاعن وألزمته بمصاريف الدرجتين وبمبلغ ألف قرش مقابل أتعاب المحاماة عنهما.
وفي 10 من يناير سنة 1945 طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض إلخ.. إلخ.


المحكمة

وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم أنه مشوب بالقصور في أسبابه إِذ لا يبين منها أن الشروط اللازمة لاكتساب حق الارتفاق بمضي المدة، وهي الاستمرار والظهور ومعنى التعدي على ملك الجار، متوافرة للمطعون ضده. وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن المحكمة قررت أن المطعون ضده سلم في الشكوى الإدارية بعدم حقه في مياه الوابور. وقد انحصر النزاع في حق الشرب من مياه الراحة التي تدخل مسقى الوابور فكان يجب عليها إذ قضت له بهذا الحق أن تتحدث عن توفر شروط الاستمرار في الانتفاع بمياه الراحة ولكنها لم تفعل وإنما تحدثت في استمرار انتفاعه بمياه الوابور التي ليست محل نزاع. وهذا في حين أن خبير الدعوى أثبت أن مياه الراحة التي تدخل مسقى الوابور لا يعمل لها حساب في الري لأنها إنما تدخل المسقى في فترات متقطعة لم تزد على خمسة أيام غير متصلة في إحدى السنين، وكانت يوماً واحداً في سنة أخرى، مما ينتفي معه شرط استمرار وضع اليد بالنسبة إلى هذه المياه وشرط معنى التعدي على ملك الطاعن إذ أن مياه الراحة التي وصفها المتقدم ليست طريق ري منتظم لأرض المطعون ضده. ثم هي إن دخلت المسقى اختلطت حتماً بمياه الوابور الجارية فيها مما يستحيل معه التمييز بين مظهر وضع يده على مياه الوابور المسلم بأنها خارجة عن نطاق الارتفاق ومظهره على مياه الراحة المقول بدخولها في نطاقه. ويضيف الطاعن إلى ذلك أن الحكم إذ استند في قدم الفتحة موضوع النزاع إلى التقارب بين قولي الخبيرين المعين والاستشاري عن وقت إنشائها قد غفل عن أن الخبير المعين قدر لها 13 سنة على الأكثر من وقت المعاينة الحاصلة في سنة 1944 فتكون أنشئت قبل رفع الدعوى بسبع سنين فقط.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن قال إن النزاع بين طرفي الخصومة انحصر في حق الشرب من مياه الراحة التي تدخل مسقى الوابور وري أرض المطعون ضده منها بالفتحة التي أنشأها لهذه المسقى قرر أن المطعون ضده اكتسب هذا الحق وأقام ذلك على قوله: أولاً - إن مسقى الوابور قديمة العهد وكانت موجودة ومستعملة قبل إنشاء الوابور بمعرفة كازولى لري أرض هذه المنطقة. ثانياً: إن الفتحة عند النقطة "ن" على خريطة الخبير المعين من هذه المحكمة ترجع إلى ما يزيد على خمس عشرة سنة للأسباب التي أوردها الخبير الاستشاري وتأخذ بها هذه المحكمة ويؤيدها قرب المدى الذي حدده الخبير المعين من هذه المدة إذ أنه حددها بثلاث عشرة سنة وهو كما ترى هذه المحكمة تحديد تحكمي لا يستند إلى أساس مقبول ولا سند له من أقوال الشهود ويصعب جداً من الوجهة الفنية الذهاب إلى التفرقة بين ما هو منشأ منذ 13 وما هو منشأ منذ 15 سنة. ثالثاً: إن المستأنف كان يستعمل هذه الفتحة منذ عهد إنشائها وقت ما كان كازولى مالكاً للأرض وقبل أن يشتريها المستأنف عليه منه كما استمر كذلك بعد الشراء. يثبت ذلك أقوال شهوده أمام الخبير المعين المؤيدة بما ثبت من قدم عهد الفتحة ولم ينف المستأنف عليه نفسه انتفاع المستأنف بمياه الوابور منذ كان مملوكاً لكازولي وأنه نسب ذلك إلى الخلسة الأمر الذي لم يقم ما يثبته قانوناً. فضلاً عن أنه لم يقدم لهذه المحكمة ما يدل على منازعة كازولى للمستأنف في هذا الانتفاع.
وحيث إن حقوق الارتفاق ومنها حق الشرب يجوز اكتسابها بالتقادم متى توافرت أركان وضع اليد المكسب للملكية المقررة بالمادة 76 من القانون المدني. فإذا ما قضت محكمة الموضوع باكتساب حق الشرب بالتقادم وجب عليها أن تبين في حكمها العناصر الواقعية اللازمة لثبوته من وضع اليد وصفته ومظهره واستمراره طول المدة المكسبة له حتى يتيسر لمحكمة النقض مراقبة صحة تطبيق القانون.
وحيث إن ما أورده الحكم المطعون فيه ليس فيه بيان لتلك العناصر الواقعية التي تفيد أن المطعون ضده كان يستعمل الفتحة موضوع النزاع لري أرضه من مياه الراحة بالذات ولا أن استعماله لها في هذا الغرض كان ظاهراً غير غامض مستمراً مدة خمس عشرة سنة. وهذا قصور في التسبيب يعيب الحكم ويستوجب نقضه.