مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الرابع - صـ 723

جلسة 14 يونيه سنة 1945

برياسة سعادة محمد زكي علي باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد كامل مرسي بك ونجيب مرقس بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك المستشارين.

(266)
القضية رقم 75 سنة 14 القضائية

أ - دعوى. سببها. دعوى بالملكية. عدول المدعي عن ادعائه الملكية بالعقد إلى ادعاء التملك بوضع اليد. القضاء بالملكية على أساس العقد. لا يصح.
ب - تسجيل. اعتماد المحكمة في إثبات الملكية إلى أوراق معينة دون تعرض لتواريخها للوقوف على آثار أحكام قانون التسجيل بالنسبة إليها. مخالفة لقانون التسجيل.
جـ - إثبات. عدم ثبوت الملكية للمدعي بالسند الذي أسس عليه دعواه. عجز منازعه المدعى عليه في الدعوى عن إثبات ملكيته بالتقادم. اتخاذ المحكمة من ذلك دليلاً على ثبوت الملكية للمدعي. قلب لأوضاع الإثبات.
1 - إذا كان مدعي الملكية قد عدل عن ادعائه الملكية بالعقد إلى ادعائه الملكية بوضع اليد المدة الطويلة فإنه لا يجوز للمحكمة أن تقضي له بهذه الملكية بناءً على العقد مع تنازله عن التمسك به.
2 - إن قانون التسجيل رقم 18 لسنة 1923 قد أوجب لنقل الملكية تسجيل العقود الصادرة بين الأحياء إلا إذا كانت ثابتة التاريخ قبل أول يناير سنة 1924. فإذا اعتبرت المحكمة أن البائع لمدعي الملكية قد تملك الأرض موضوع النزاع بناءًا على ما قال به من أن هذه الأرض قد رسا مزادها في المحكمة المختلطة على بنك عينه وتسلمها ثم انتقلت ملكيتها إلى شخص آخر عينه ومنه إلى البائع، واعتمدت في قضائها بذلك على خطاب من هذا البنك إلى النائب العمومي يقر فيه وصول الملكية إلى البائع، ولم تتعرض إلى ثبوت تاريخ تصرف البنك قبل أول يناير سنة 1924 ولا إلى تأثير عدم تسجيله، ولا إلى تاريخ العقد الذي قيل بصدوره من الشخص الذي انتقلت إليه الملكية مباشرة من البنك إلى البائع ولا إلى تأثير عدم تسجيله كذلك، فإن حكمها يكون غير مبني على أساس صحيح قانوني [(1)].
3 - إذا لم تثبت الملكية للمدعين بالسند الذي أسسوا عليه دعواهم فلا يكون للمحكمة أن تتخذ من عجز منازعيهم - وهم مدعى عليهم في الدعوى - عن إثبات ملكيتهم بالتقادم دليلاً قانونياً على ثبوت ملكية المدعين وهم المكلفون قانوناً بإثبات دعواهم.


الوقائع

تتحصل وقائع هذا الطعن في أن المطعون ضدهم الأصليين أقاموا أمام محكمة بني سويف الدعوى رقم 289 سنة 1938 كلي على مورث الطاعنين المرحوم علي فتح الباب والمطعون ضدهم المدخلين في الطعن، وقالوا في صحيفتها إن المرحوم حسن مياس مورث المطعون ضدهم المدخلين في الطعن باعهم 2 ف و2 ط و20 س بعقد عرفي مؤرخ في 22 من ديسمبر سنة 1937 ومسجل في 23 منه وإن هذه الأرض آلت إلى حسن مياس من بنك يونيان الذي كان تملكها بحكم رسو مزاد صادر من محكمة مصر المختلطة في 19 من أغسطس سنة 1915، وبما أن مورث الطاعنين ينازعهم في ملكيتها فهم يطلبون أصلياً تثبيت ملكيتهم لها واحتياطياً إلزام ورثة حسن مياس بدفع ثمنها وهو مبلغ 300 جنيه. وفي 16 إبريل سنة 1940 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات وضع اليد المدة المكسبة للملكية ونفيه، وفي 23 من إبريل سنة 1941 حكمت المحكمة بتثبيت ملكية المطعون ضدهم للأرض المذكورة وتسليمها إليهم. استأنف الطاعنون هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر، وفي 28 من مارس سنة 1944 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف.
أعلن هذا الحكم إلى الطاعنين في 15 من مايو سنة 1944 و7 من يونيه سنة 1944 فقرروا الطعن فيه بطريق النقض إلخ إلخ.


المحكمة

وحيث إن الطاعنين يبنون طعنهم على سببين:
وحيث إن محصل السبب الأول أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه (أولاً) لأن المطعون ضدهم الأصليين استندوا إلى عقد البيع الصادر إليهم من حسن مياس المسجل في 23 من ديسمبر سنة 1937 وقالوا إن حسن مياس اشترى الأرض من شقيقه بدوي مياس بعقد عرفي مؤرخ في 27 من مايو سنة 1923 وإن بدوي مياس اشتراها من بنك يونيان الذي رسا عليه مزادهما بحكم محكمة مصر المختلطة الصادر في 19 من أغسطس سنة 1915 وقد تبين أثناء سير الخصومة أنه لا وجود للعقد الذي قيل بصدوره من البنك لبدوي مياس ولا للعقد الذي قيل بصدوره من بدوي مياس لأخيه حسن مياس ولذلك عدل المطعون ضدهم المذكورون عن التمسك بعقود التمليك أمام محكمة أول درجة في جلسة 20 من مارس سنة 1941 واقتصروا على ادعاء الملكية بوضع اليد المدة الطويلة، ورغم هذا استندت المحكمة في حكمها إلى تلك العقود، فتمسك الطاعنون أمام محكمة الاستئناف بأنه ما كان يصح لمحكمة أول درجة أن تستند إلى سبب من أسباب الملكية تركه أصحابه، ولكن محكمة الاستئناف هي الأخرى وقعت في ذات الخطأ، واستندت إلى العقود وتكون بذلك قد قبلت من المطعون ضدهم سبباً جديداً للملكية أو طلباً جديداً لم يكن معروضاً على محكمة أول درجة. (ثانياً) لأن الحكم المطعون فيه اكتفى - مع تعدد عقود البيع - بتسجيل الأخير منها وهو العقد الصادر من حسن مياس إلى المطعون ضدهم الأصليين، مع أن المادة 619 من القانون المدني - التي كانت تجيز في حالة تعدد عقود انتقال الملكية بين عدة ملاك متوالين الاكتفاء بتسجيل العقد الأخير منها - قد ألغتها المادة 16 من قانون التسجيل، وأصبحت القاعدة وجوب تسجيل جميع العقود المتوالية ما لم تكن ثابتة التاريخ قبل أول يناير سنة 1924، ولم يكن العقد الصادر من البنك إلى بدوي مياس ولا العقد الصادر من بدوي مياس إلى حسن مياس مسجلين ولم تتعرض المحكمة إلى ثبوت تاريخهما قبل أول يناير سنة 1924. (ثالثاً) لأن الحكم خالف قواعد الإثبات إذ قال إن البائع للمطعون ضدهم المذكورين وضع يده مدة أربع سنوات من سنة 1921 إلى سنة 1925 وإن مورث الطاعنين وضع يده بعد ذلك بصفة غير معلومة حتى سنة 1938 فلا يكون قد تملك بالتقادم ويكون المطعون ضدهم هم الذين تملكوا بهذا السبب الذي جاء مؤيداً للعقود التي تمسكوا بها. هذا مع أنه كان ينبغي البحث أولاً في مدة وضع يد المطعون ضدهم ومن سبقهم إذ هم المدعون أصلاً المكلفون بالإثبات.
وحيث إنه عن الوجه الأول فإنه ثابت من الصورة الرسمية لمحضر جلسة 25 من مارس سنة 1941 أمام المحكمة الابتدائية أن المطعون ضدهم قالوا بلسان محاميهم "إحنا لما وجدنا أن هذه السلسلة (أي سلسلة التعاقد) ناقصة ومنقطعة بين البنك وحسن مياس اعتمدنا على وضع يد البائع لنا المدة كلها ابتداءً من سنة 1920 أي حسن مياس من سنة 1923 ومدة وضع يد بدوي مياس من قبله من سنة 1920 ونحن نتمسك بالتملك بمدة 15 سنة، وعلى هذا الأساس صدر الحكم التمهيدي، واعتمادنا في الملكية الآن قاصر على وضع اليد والمستندات المثبتة له". ورغم هذا التنازل استندت محكمة أول درجة إلى العقود بقولها "وبما أنه ثابت من الاطلاع على الأوراق أنهم (المطعون ضدهم) قدموا عقد البيع الصادر إليهم من حسن أفندي مياس بتاريخ 22 ديسمبر سنة 1937 والمسجل في 23 ديسمبر سنة 1937 وقد ثبت به أن هذه الأرض رسا مزادها على بنك يونيان في المحكمة المختلطة بتاريخ 19 أغسطس سنة 1915 واستلمها بمحضر مؤرخ 30/ 11/ 1915 وأن ملكيتها قد انتقلت بعد ذلك إلى بدوي أفندي مياس ومنه إلى حسن أفندي مياس. وبما أنه ولو أن العقود الخاصة بانتقال الملكية من البنك إلى بدوي مياس ومنه إلى حسن مياس لم تقدم في هذه الدعوى إلا أن هذا تأيد بخطاب بنك يونيان - الذي رسا عليه المزاد أصلاً إلى سعادة النائب العمومي بتاريخ 11 إبريل سنة 1938 يقر فيه التصرفات التي حصلت منه وانتقال الملكية ووصولها إلى حسن مياس الذي باع الأرض للمدعين (المطعون ضدهم). تمسك الطاعنون أمام محكمة الاستئناف بذلك التنازل وعابوا على المحكمة الابتدائية أخذها بالعقود، كما هو ثابت من الصورة الرسمية لمذكرتهم التي قدموها إليها. ولكن محكمة الاستئناف لم تعر ذلك التفاتاً واستندت هي الأخرى إلى ما استندت إليه المحكمة الابتدائية وقالت "وحيث إنه ثابت من الخطابات الصادرة من البنك في سنة 1920 إلى بدوي محمود مياس أخي حسن محمود مياس البائع للمستأنف عليهم أن البنك يقر صراحة بأنه تنازل عن ملكية الأطيان موضوع النزاع إلى بدوي مياس المذكور، كما أنه ثابت أيضاً من الخطاب المرسل من البنك إلى النائب العمومي بتاريخ 11 إبريل سنة 1928 أن ذلك التنازل كان في الواقع لحسن محمود مياس، ولا شك في أن هذا الإقرار يعتبر سنداً كافياً لهذا الأخير في ملكيته للأطيان عن طريق البنك في حين أن المستأنف نفسه لم يقدم أي دليل على ملكيته لها غير ما يدعيه من أنه تملك بوضع اليد المدة الطويلة، مع أنه ثابت من محضر التسليم أن البنك قد استلمها فعلاً، كما أنه ثابت من كشوف المكلفات أن تكليفها قد نقل لاسمه". ويبين من ذلك أن الحكم المطعون فيه - بالرغم من اعتراض الطاعنين أمام محكمة الاستئناف على الحكم الابتدائي وتمسكهم بالتنازل عن العقود - جعل هو أيضاً هذه العقود سبباً للملكية التي قضى بها للمطعون ضدهم في حين أنه ما كان يجوز اعتبارها سبباً للملكية بعد أن تنازل أصحابها عن التمسك بها وقصروا سبب ملكيتهم على وضع اليد المدة الطويلة.
وحيث إنه عن الوجه الثاني فإنه ظاهر مما نقل فيما تقدم عن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه ومما نقل عن الحكم المطعون فيه نفسه أن هذا الحكم استند في اعتبار حسن مياس مالكاً إلى نزول البنك له عن الملكية بمقتضى خطابات صادرة منه إلى بدوي مياس في سنة 1920 وإلى النائب العمومي في سنة 1938 ولم يتعرض الحكم إلى ثبوت تاريخ تصرف البنك قبل أول يناير سنة 1924 ولا إلى تأثير عدم تسجيله كما أنه لم يتعرض إلى ثبوت تاريخ العقد الذي قيل بصدوره من بدوي مياس لأخيه حسن مياس ولا إلى تأثير عدم تسجيله كذلك.
وحيث إن قانون التسجيل رقم 18 سنة 1923 أوجب لنقل الملكية تسجيل العقود الصادرة بين الأحياء إلا إذا كانت ثابتة التاريخ قبل أول يناير سنة 1924 فيكون الحكم المطعون فيه إذ اعتبر أن حسن مياس قد تملك الأرض موضوع النزاع وأصبح له حق التصرف فيها باعتباره مالكاً لم يبن على أساس قانوني صحيح لأن الملكية لم تنتقل قانوناً إليه من البنك ويترتب على ذلك أنه لا يمكن اعتبار من اشتروا منه مالكين وليس لهم والحالة هذه أن يطلبوا تثبيت ملكيتها لما اشتروه.
وحيث إنه عن الوجه الثالث فإنه متى كانت الملكية لم تثبت للمطعون ضدهم بناءً على ما سبق بيانه فما كان للمحكمة أن تتخذ من عجز مورث الطاعنين عن إثبات ملكيته هو بالتقادم - وقد كان مدعى عليه في الدعوى - دليلاً قانونياً على ثبوت ملكية المطعون ضدهم وهم المدعون المكلفون قانوناً إثبات دعواهم.
وحيث إنه بناءً على ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد خالف القانون ويتعين نقضه دون حاجة إلى التحدث عن السبب الآخر.


[(1)] المراد أن الحكم قد بني على مخالفة قانون التسجيل، بدليل قول محكمة النقض بعد ذلك "لأن الملكية لم تنتقل قانوناً إليه من البنك مما يترتب عليه أنه لا يمكن اعتبار من اشتروا منه مالكين" مما هو قاطع في نفي الملكية بالعقد. وليس المراد أن الحكم معيب بقصور تسبيبه إذ هو لم يتعرض للبحث في ثبوت تاريخ عقود التمليك قبل سنة 1924، كما قالت محكمة النقض. وعلى كل حال فالثابت أن تلك العقود لم تقدم لمحكمة الموضوع. ومما يلفت النظر أن حكم النقض قد عرض للوجه الثاني من أوجه الطعن (والحكم منشور برمته فليراجع) وقطع بعدم صلاحية عقود البيع لنقل الملكية إلى المدعي من المالك الأصلي، مع أن هذا الحكم قد قبل وجه الطعن الأول واستظهر خطأ محكمة الموضوع في التعرض لعقود التمليك بعد أن تنازل المدعي عن التمسك بها عادلاً عنها إلى دعوى التملك بوضع اليد، ومع أنه متى كانت دعوى الملكية بالعقد غير مطروحة على القضاء بسبب تركها فإنه يمتنع التعرض للفصل فيها على أي وجه من الوجوه. وتظهر أهمية هذه الملاحظة عملياً إذا ما قضت محكمة الموضوع، بعد إحالة الدعوى إليها، برفض دعوى التملك بوضع اليد ورأى المدعون أن يجددوا دعواهم بناءً على عقود التمليك بعد حصولهم عليها واستكمال الأدلة على ثبوت تواريخها قبل سنة 1924.