أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 4 - صـ 102

جلسة 13 من نوفمبر سنة 1952
(17)
القضية رقم 193 سنة 21 قضائية

برياسة السيد المستشار الأستاذ عبد الحميد وشاحي وبحضور السادة الأساتذة: سليمان ثابت ومحمد نجيب أحمد وعبد العزيز سليمان وأحمد العروسي المستشارين.
( أ ) إجراءات تقاضي. دفع شكلي. دفع ببطلان صحيفة افتتاح الدعوى وبطلان الإجراءات التي اتخذت فيها. تأسيس الطاعن هذا الدفع على أن الصحيفة لم تسلم إليه وأن إجراءات الدعوى اتخذت في بلدة ليست موطناً له. صدور حكم من محكمة الدرجة الأولى بإحالة الدعوى على التحقيق. ثبوت حضور الطاعن في الجلسات التالية لصدور هذا الحكم. سقوط حقه في الدفع لزوال البطلان بحضوره في الدعوى. الفقرة الأولى من المادة 138 مرافعات (قديم).
(ب) إجراءات تقاضي. حكم. خلو الحكم المطعون فيه من رد صريح على الدفع الآنف ذكره. تأييده الحكم الابتدائي. في هذا قضاء ضمني برفض الدفع.
( أ ) متى كان يبين من الحكم المطعون فيه أن الطاعن أسس دفعه ببطلان صحيفة الدعوى الابتدائية وبطلان الإجراءات التي اتخذت فيها على أن الصحيفة أعلنت لشيخ بلدة صديق للمطعون عليه ولم يسلمها له لهذا السبب، وأن إجراءات الدعوى اتخذت في بلدة ليست موطنه لإقامته في بلدة أخرى، وكان ثابتاً بالحكم الابتدائي أن محكمة الدرجة الأولى أصدرت حكماً تمهيدياً بالإحالة على التحقيق وسمعت الشهود وأن كلاً من الطرفين أصر على دفاعه المدون بمحاضر الجلسات، وأن مما اعتمدت عليه في قضائها أن الطاعن لم يشهد أحداً لنفي الدعوى رغم حضوره وتكليفه بإعلان شهوده، الأمر الذي يستفاد منه حضور الطاعن في الدعوى بالجلسات التالية للحكم التمهيدي المشار إليه - متى كان ذلك - يكون الدفع الذي أسسه الطاعن على بطلان إعلانه بصحيفة الدعوى وبطلان تكليفه بالحضور بالجلسة التي حددت للتحقيق بناء على الحكم التمهيدي قد سقط الحق فيه لزوال هذا البطلان - بفرض قيامه - بحضوره في الدعوى وفقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 138 من قانون المرافعات (القديم).
(ب) إنه وإن كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه خلو من رد صريح على الدفع بالبطلان الآنف ذكره إلا أن فيما قضت به محكمة الدرجة الثانية من تأييد الحكم الابتدائي قضاءاً ضمنياً برفضه وبحسبها ما أثبته الحكم المذكور من بيانات ووقائع مادية تؤدي إلى النتيجة الصحيحة التي قررها هذا القضاء الضمني من زوال البطلان بالحضور وسقوط الحق في الدفع به.


الوقائع

في يوم 14 من مايو سنة 1951 طعن بطريق النقض في حكم محكمة كفر الشيخ الابتدائية الصادر بهيئة استئنافية في 22 من فبراير سنة 1951 في القضية رقم 138 سنة 1950 - وذلك بتقرير طلب فيه الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وإبطال الحكم المطعون فيه واحتياطياً إحالة القضية على دائرة أخرى للفصل فيها مجدداً مع إلزام المطعون عليه بالمصروفات وأتعاب المحاماة عن جميع مراحل التقاضي. وفي 22 من مايو سنة 1951 أعلن المطعون عليه بتقرير الطعن وفي 3 من يونيه سنة 1951 أودع الطاعن أصل ورقة إعلان المطعون عليه بالطعن وصورة مطابقة للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداته - ولم يقدم المطعون عليه دفاعاً. وفي 30 من إبريل سنة 1952 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن بالمصروفات. وبجلسة 30 من أكتوبر سنة 1952 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة حيث صمم محامي الطاعن والنيابة العامة على ما جاء بمذكرتيهما - والمحكمة أرجأت إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير السيد المستشار المقرر ومرافعة المحامي عن الطاعن والنيابة العامة وبعد المداولة،
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية،
ومن حيث إن وقائع الدعوى تتحصل، حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن، في أن المطعون عليه أقام في 5 من يناير سنة 1948 على الطاعن الدعوى رقم 31 سنة 1948 مدني محكمة بيلا الجزئية وطلب الحكم بإلزامه بإعادة الطريق المبين بصحيفتها والذي هدمه وبمنع تعرضه له في المرور من هذا الطريق إلى آخر طلباته..... وفي 10 من يناير سنة 1948 قضت المحكمة تمهيدياً بإحالة الدعوى على التحقيق لإثبات ونفي انتفاع المطعون عليه بالطريق المذكور ومنع الطاعن له من المرور فيه إلى أطيانه المجاورة منذ 22 من مارس سنة 1947. ثم قضت في 17 من إبريل سنة 1948 حضورياً بطلبات المطعون عليه استناداً إلى ما شهد به شاهداه من انتفاعه بالطريق من عدة سنوات حتى تعرض له فيه الطاعن في مارس سنة 1947 وإلى أن الطاعن لم يشهد أحداً لنفي الدعوى رغم حضوره وتكليفه بإعلان شهوده. واستأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة المنصورة الابتدائية التي قضت في 30 من نوفمبر 1948 بإعادة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ونفي أن المطعون عليه استعمل حق انتفاع المرور في الطريق المتنازع عليه مدة سنة قبل التعرض أو أنه لم يمض على التعرض سنة قبل رفع الدعوى، ثم أحيل الاستئناف على محكمة كفر الشيخ الابتدائية وقيد بجدولها برقم 138 سنة 1950 مدني مستأنف. ودفع الطاعن ببطلان صحيفة الدعوى الابتدائية وإجراءات محكمة الدرجة الأولى، كما دفع في مذكرته الختامية بعدم قبول الدعوى (أولاً) لرفعها من غير ذي صفة بناء على أن الطريق المتنازع عليه طريق عمومي ولا يملك المطعون عليه رفع الدعوى عنه (وثانياً) لرفعها بعد مضي سنة من تاريخ التعرض وفي 27 من فبراير سنة 1950 قضت محكمة كفر الشيخ الابتدائية بهيئة استئنافية برفض الدفعين بعدم قبول الدعوى وبتأييد الحكم المستأنف. وقرر الطاعن الطعن في الحكم المذكور بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب يتحصل أولها في أن الحكم المطعون فيه خالف القانون كما عاره القصور في التسبيب ذلك أن المحكمة قضت بتأييد الحكم الابتدائي مع أنه حكم باطل لما شاب صحيفة الدعوى الابتدائية والإجراءات التي اتخذها المطعون عليه فيها من بطلان، إذ لم يعلن الطاعن بالصحيفة المذكورة وصدر الحكم التمهيدي فيها بالإحالة على التحقيق في غيبته بغش من المطعون عليه هذا فضلاً عن عدم إعلان الطاعن بهذا الحكم: وأنه لما علم بالدعوى مصادفة لوجوده بالجلسة التي كانت محددة للتحقيق حضر فيها ودفع ببطلان صحيفتها وإجراءاتها، ولكن محكمة الدرجة الأولى لم تعر هذا الدفع التفاتاً وأجلت الدعوى إلى جلسة أخرى وكلفت الطاعن بإعلان شهوده ثم سمعت شاهدي المطعون عليه وأصدرت حكمها في الموضوع دون أن تقول كلمة عن هذا البطلان: وأنه على الرغم من تمسك الطاعن به في صحيفة استئنافه فإن محكمة الدرجة الثانية لم ترد هي أيضاً عليه مع أنها أثبتته في أسباب الحكم المطعون فيه: كما أنه لا يزيل من هذا البطلان التفسير الذي قالت به محكمة المنصورة الابتدائية في الحكم القاضي بإعادة الدعوى إلى التحقيق إذ حرم الطاعن بسبب تلك الإجراءات الباطلة من إحدى درجتي التقاضي.
ومن حيث إنه لما كان الطاعن لم يقدم إلى هذه المحكمة في صدد الدفع بالبطلان الآنف ذكره إلا ما ورد بالحكم المطعون فيه في خصوصه، ويبين منه أنه بناه على أن صحيفة الدعوى الابتدائية أعلنت لشيخ بلدة درين صديق المطعون عليه ولم يسلمها له لهذا السبب وأن إجراءات الدعوى اتخذت بناحية درين وهي ليست موطنه لإقامته بناحية كفر الحصة: وكان ثابتاً بالحكم الابتدائي أن محكمة الدرجة الأولى أصدرت الحكم التمهيدي بالإحالة على التحقيق بجلسة 10 - 1 - 1948 وسمعت الشهود بجلسة 7 - 4 - 1948 وأن كلاً من الطرفين أصر على دفاعه المدون بمحاضر الجلسات، وأن مما اعتمدت عليه في قضائها هو أن الطاعن لم يشهد أحداً لنفي الدعوى رغم حضوره وتكليفه بإعلان شهوده، الأمر الذي يستفاد منه حضور الطاعن في الدعوى بالجلسات التالية للحكم التمهيدي المشار إليه: وكانت المادة 138 فقرة أولى من قانون المرافعات (القديم) تنص على أنه إذا كانت ورقة التكليف بالحضور باطلة وحضر الخصم المطلوب حضوره فيزول ما اشتملت عليه هذه الورقة من بطلان ويسقط الحق في الدفع به: لما كان ذلك يكون الدفع، الذي أسسه الطاعن على بطلان إعلانه بصحيفة الدعوى وبطلان تكليفه بالحضور بالجلسة التي حددت للتحقيق بناء على الحكم التمهيدي وذلك لإجراء الإعلان والتكليف المذكورين بناحية درين مخاطباً مع شيخ بلدتها، قد سقط الحق فيه لزوال هذا البطلان - بفرض قيامه - بحكم القانون بحضوره في الدعوى. وأنه وإن كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه خلو من رد صريح على هذا الدفع، إلا أن فيما قضت به المحكمة من تأييد الحكم الابتدائي قضاء ضمنياً برفضه، وبحسبها ما أثبته الحكم المذكور من بيانات ووقائع مادية تؤدي إلى النتيجة الصحيحة التي قررها هذا القضاء الضمني، ومن ثم لا يكون الحكم قد أخطأ في القانون ولا عاره القصور في التسبيب ويكون هذا السبب في غير محله.
ومن حيث إن السبب الثاني يتحصل في أن الحكم المطعون فيه مشوب بالخطأ في الاستدلال والمسخ في الوقائع من وجهين (أولهما) إذ قضت المحكمة برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة بناء على ما قررته من أن قول المطعون عليه بصحيفة دعواه بأن الطريق المتنازع عليه عمومي لم يقصد به العمومية بمعناها القانوني، وعلى ما استظهرته من دفاع الطاعن من أنه اعتبر هذا الطريق خصوصياً - مع أن المطعون عليه أكد صراحة في صحيفة دعواه أن الطريق عمومي وهو أيضاً ما شهد به شهوده، وبذلك تكون المحكمة قد نفت أهم عنصر قامت عليه الشهادة، كما أنه ما كان يجوز لها أن تعتمد في نفي هذا العنصر الذي أسس عليه المطعون عليه دعواه على قول صدر من الطاعن.
ومن حيث إن هذا الوجه مردود بما جاء في الحكم من أن الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة لا سند له من الواقع: لما يبين من الأوراق وأقوال الشهود إثباتاً ونفياً من أن الطريق محل النزاع لا يعدو طريقاً خصوصياً أعد لمنفعة ملاك الأطيان التي تروى من ترعة جرو العجمي. ولأن الطاعن لم يقل في دفاعه صراحة أنه طريق عمومي بل قال ما يفيد أنه طريق خصوصي مملوك له دون أن يكون للمطعون عليه حق فيه: ولأن العبارة التي وردت في صحيفة الدعوى وتمسك بها الطاعن لم يقصد بها أن الطريق عمومي إنما قصد بها أنه طريق يمر فيه المطعون عليه وغيره من الملاك - وهذا الذي قررته المحكمة هو استخلاص موضوعي سليم. ولما كان الطاعن لم يقدم صورة رسمية من محاضر التحقيق الذي أجري في الدعوى فيكون نعيه بأن الشهود قرروا أن الطريق عمومي لا خصوصي عارياً عن الدليل.
ومن حيث إن الوجه الثاني من السبب الثاني هو لأن المحكمة قضت برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد القانوني بناء على ما قررته من أن التعرض الذي نسبه المطعون عليه إلى الطاعن بدأ من تاريخ الشكوى المقدمة في مارس سنة 1947 وأنه لم تنقض سنة من هذا التاريخ حتى تاريخ رفع الدعوى في 10 من يناير سنة 1948 - مع أن شهود المطعون عليه شهدوا بأن التعرض حصل من ثلاث سنوات على الأقل سابقة على ذلك التحقيق الذي أجري في ديسمبر سنة 1949، مما يفيد أن التعرض حصل في ديسمبر سنة 1946 أي من مدة تزيد على سنة سابقة على رفع الدعوى.
ومن حيث إن هذا الوجه غير مقبول متى كان الطاعن لم يقدم صورة رسمية من محاضر التحقيق: وهو ما كان متعيناً عليه حتى يمكن بحث ما ينعاه من خطأ في الاستدلال أو مسخ في الوقائع، على ما استخلصته المحكمة من شهادة الشهود من أنه لم تمض سنة بين حصول التعرض ورفع الدعوى كما هو ثابت بالحكم.
ومن حيث إن السبب الثالث يتحصل في أن الحكم بني على أسباب غير صحيحة من وجهين (أولهما) إذ ارتكنت المحكمة في قضائها بأحقية المطعون عليه في الانتفاع بالمرور في الطريق المتنازع عليه إلى ما شهد به شهوده مع أن أقولهم في التحقيق لا تؤدي إلى ذلك ولا إلى ما إذا كانت الدعوى التي قبلتها المحكمة هي دعوى منع تعرض أو استرداد حيازة (والوجه الثاني) إذ لم ترد المحكمة على ما تمسك به الطاعن من أن الخرائط والمستندات الرسمية المودعة لدى مصلحة الأملاك البائعة للمطعون عليه تثبت أنه ليس له حق المرور في الطريق المتنازع عليه وهو بصفته مشترياً محجوج بالتزامات البائعة.
ومن حيث إن هذا السبب بوجهيه غير مقبول لعدم تقديم الطاعن صورة رسمية من محاضر التحقيق ولا من الخرائط والمستندات الرسمية التي يقول إن المحكمة لم ترد عليها ولا ما يثبت تقديمها إليها.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه.