أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 4 - صـ 171

جلسة 4 من ديسمبر سنة 1952
(27)
القضية رقم 353 سنة 21 قضائية

برئاسة المستشار حضرة الأستاذ عبد الحميد وشاحي وبحضور حضرات الأساتذة: سليمان ثابت ومحمد نجيب أحمد وعبد العزيز سليمان وأحمد العروسي المستشارين.
دعوى منع التعرض. ماهيتها. حكم. تسبيبه. قضاؤه بمنع تعرض الطاعن للمطعون عليه. اعتماد على عدم ثبوت حق ارتفاق للطاعن. عدم رده على ما استند إليه الحكم الابتدائي من نفي حصول التعرض. عدم تحقيقه حيازة المطعون عليه وسندها ومدتها ومظهرها. عدم بيانه العناصر الواقعية التي استخلص منها حصول التعرض وأن حيازة المطعون عليه توافرت شروطها القانونية. بطلان الحكم لانعدام أساسه القانوني.
متى كان الحكم الابتدائي قد قرر أن للطاعن حق ارتفاق يبيح له الارتكاز على حائط منزل المطعون عليه واستعمال خزان المياه استناداً إلى أن هذا الحق قد استمده من المالك الأصلي لأرض الطاعن ومنزل المطعون عليه (رب الأسرة) وكان هذا التقرير لم يكن من الحكم في صدد الفصل في موضوع حق الارتفاق ذاته، وإنما ليستمد منه الدليل على نفي حصول التعرض الذي نسبه المطعون عليه إلى الطاعن في العقار محل النزاع. وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه. إذ ألغي الحكم الابتدائي وقضي بمنع تعرض الطاعن للمطعون عليه. قد نفى قيام حق الارتفاق الآنف ذكره، وقرر أن الطاعن قد تعرض للمطعون عليه في تاريخ لم تمض عليه سنة قبل رفع الدعوى وكانت الدعوى بوصفها القانوني هي من دعاوى الحيازة التي لا يصح فيها الاستناد إلى ثبوت حق الارتفاق أو عدم ثبوته. وكان الحكم المطعون فيه قد اعتمد في قضائه على عدم ثبوت حق الاتفاق للطاعن، مغفلاً الرد على ما استند إليه الحكم الابتدائي في تقريره بعدم حصول تعرض من الطاعن للمطعون عليه، ودون أن يحقق حيازة المطعون عليه وسندها ومدتها ومظهرها ودون أن يبين العناصر الواقعية التي استخلص منها حصول التعرض، وأن حيازة المطعون عليه قد توافرت شروطها القانونية. فمن ثم يكون الحكم المطعون فيه مشوباًً بالبطلان لفقده الأساس القانوني الذي يتعين أن يقام عليه، مما يستوجب نقضه.


الوقائع

في يوم 21 من أغسطس سنة 1951 طعن بطريق النقض في حكم محكمة الجيزة الابتدائية بهيئة استئنافية الصادر في 5 من يونيه سنة 1951 في القضية المدنية رقم 26 سنة 1950 س - وذلك بتقرير طلب فيه الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلاً ونقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى دائرة أخرى للحكم فيها مجدداً وإلزام المطعون عليه بالمصروفات وأتعاب المحاماة مع حفظ كافة الحقوق الأخرى.
وفي 16 من أغسطس سنة 1951 أعلن المطعون عليه بتقرير الطعن - وفي 9 من سبتمبر سنة 1951 أودع الطاعن أصل ورقة إعلان المطعون عليه بالطعن وصورة مطابقة للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداته - وفي 29 منه أودع المطعون عليه مذكرة بدفاعه مشفوعة بمستنداته طلب فيها رفض الطعن وإلزام الطاعن بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وفي 11 من يونيه سنة 1952 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه في خصوص السبب الأول وإحالة القضية على محكمة الجيزة الابتدائية بهيئة استئنافية للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وإلزام المطعون عليه بالمصروفات.
وبجلسة 20 من نوفمبر سنة 1952 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة حيث صمم محامي المطعون عليه والنيابة العامة على ما جاء بمذكرتيهما - والمحكمة أرجأت إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير حضرة المستشار المقرر ومرافعة المحامي عن المطعون عليه والنيابة العامة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه رفع على الطاعن الدعوى رقم 210 سنة 1950 محكمة بندر الجيزة الجزئية. وقال فيها إنه اشترى المنزل المبين بصحيفتها بعقد محرر في 4 من سبتمبر سنة 1949، وأنه أقام به من وقت الشراء، وأن الطاعن تعرض له في حائطه القبلية بأن وضع عروقاً من الخشب عليها، وحفر بجوارها خزاناً لدورة المياه يعرض منزله للسقوط، كما وضع سقفاً على قطعة الأرض التي تفصل المنزل عن المسجد، ولذا طلب الحكم بمنع تعرض الطاعن وإزالة الأخشاب الموضوعة على الحائط وردم الخزان. وفي 17 من إبريل سنة 1950 قضت المحكمة بندب خبير للانتقال إلى العقار ومحل النزاع وبيان موقعه بالنسبة إلى منزل الطاعن والمسجد المشار إليه في صحيفة الدعوى، ومعاينة حائط منزل المطعون عليه القبلية وبيان ما إذا كان الطاعن قد تعرض له فيها بأن وضع عليها وعلى حائط المسجد أخشاباً وسقف بينهما وما إذا كان الطاعن قد حفر خزاناً لدورة المياه بجوار الحائط المذكورة وتاريخ حفره ووضع الأخشاب على الحائط. وقد باشر الخبير مأموريته وقدم تقريراً انتهى فيه إلى أن منزل المطعون عليه وأرض الطاعن كانت أصلاً مملوكة لشخص واحد هو السيد أبو السعود، وأن 25 سم من سمك الحائط موضوع الشق الأول من النزاع يقع في أرض الطاعن، وأن بها كوى قديمة استعمل الطاعن اثنين منها في إنشاء تكعيبة، وأن الخزان موضوع الشق الثاني من النزاع قديم غير مستحدث أنشأه المالك الأصلي لمنزل المطعون عليه وأرض الطاعن وكان غير مستعمل ثم أعاد الطاعن استعماله من مدة حديثة، وأن حائط منزل المطعون عليه جزء من هذا الخزان، واستعماله يحدث ضرراً بها، وفي 2 من أكتوبر سنة 1950 قضت المحكمة برفض الدعوى تأسيساً على ما تبينته من تقرير الخبير من أن أساس النزاع هو ما رتبه المالك الأصلي من حقوق ارتفاق على الأرض، وأن لرب الأسرة أن يرتب حقوق ارتفاق لعين على عين أخرى مملوكين له، فتنتقل أجزاء المالك الأصلي إلى ملاكها الجدد مثقلة بحقوق الارتفاق المذكورة، وأن استعمال الطاعن لقطعة الأرض واستعماله الخزان ووضع القائمتين بحائط منزل المطعون عليه لا يعتبر تعرضاً بل هو استعمال واستغلال لحقوق ارتفاق لأرض الطاعن على أرض المطعون عليه، وأنه فضلاً عن ذلك فقد ثبت أن الحائط التي وضع فيها الطاعن القائمتين وجعلها حائطاً للخزان يقع 25 سم من سمكها في ملك الطاعن، وأما قول المطعون عليه في مذكرته بأنه قد اكتسب حقوقه المعتدى عليها بوضع اليد المدة الطويلة فلا أساس له لاعترافه بأن مدة وضع يده ووضع يد سلفه ليست المدة الطويلة - واستأنف المطعون عليه هذا الحكم وقيد استئنافه برقم 260 سنة 1950 محكمة الجيزة الابتدائية التي قضت في 5 من يونيه سنة 1951 بإلغائه وبمنع تعرض الطاعن للمطعون عليه وبإزالة الأخشاب الموضوعة على الحائط القبلية لمنزله وبردم الخزان، وذلك تأسيساً على ما تبينته من مناقشة الخبير بالجلسة من أن ما أورده في تقريره من ترتيب رب الأسرة لحق الارتفاق على الملك لم يستند فيه إلى دليل مادي قاطع، وإنما إلى أقوال سمعها وهو ما لا تعتمد عليه، هذا فضلاً عن أنها كلفت الخبير بتطبيق عقد البيع على الطبيعة فتبين أن المطعون عليه يضع يده على مقدار أقل من الوارد بعقده، وأن دعوى منع التعرض قد رفعت في بحر سنة من تاريخ التعرض. وقرر الطاعن الطعن في الحكم المذكور بطريق النقض.
ومن حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم أنه مشوب بالقصور في التسبيب إذ قررت المحكمة عدم قيام حق الارتفاق الذي رتبه رب الأسرة ولم تعتمد على تقرير الخبير في هذا الشأن بحجة أنه استند فيه إلى أقوال قيلت أمامه لم تر التعويل عليها، وذلك دون أن ترد على الأدلة التي أوردها الحكم الابتدائي وما أثبته الخبير في تقريره وصمم عليه في مناقشته بالجلسة.
ومن حيث إنه لما كان يبين من الحكم الابتدائي أنه وإن كان قد قرر أن للطاعن حق ارتفاق يبيح له الارتكاز على حائط منزل المطعون عليه واستعماله خزان المياه استناداً إلى أن هذا الحق قد استمده من المالك الأصلي لأرض الطاعن ومنزل المطعون عليه، إلا أن هذا التقرير لم يكن من الحكم في صدد الفصل في موضوع حق الارتفاق ذاته، وإنما ليستمد منه الدليل على نفي حصول التعرض الذي نسبه المطعون عليه إلى الطاعن في العقار محل النزاع - وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه - إذ ألغي الحكم الابتدائي وقضي بمنع تعرض الطاعن للمطعون عليه - قد نفى قيام حق الارتفاق الآنف ذكره، وقرر أن الطاعن قد تعرض للمطعون عليه في تاريخ لم تمض عليه سنة قبل رفع الدعوى - وكانت الدعوى بوصفها القانوني هي من دعاوى الحيازة التي لا يصح فيها الاستناد إلى ثبوت حق الارتفاق أو عدم ثبوته - وكان الحكم المطعون فيه قد اعتمد في قضائه على عدم ثبوت حق الارتفاق للطاعن، مغفلاً الرد على ما استند إليه الحكم الابتدائي في تقريره بعدم حصول تعرض من الطاعن للمطعون عليه، ودون أن يحقق حيازة المطعون عليه وسندها ومدتها ومظهرها، ودون أن يبين العناصر الواقعية التي استخلص منها حصول التعرض، وأن حيازة المطعون عليه قد توافرت شروطها القانونية - لما كان ذلك كذلك يكون الحكم المطعون فيه مشوباً بالبطلان لفقده الأساس القانوني الذي يتعين أن يقام عليه، مما يستوجب نقضه بغير حاجة إلى بحث بقية أسباب الطعن.