أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 4 - صـ 176

جلسة 11 من ديسمبر سنة 1952
(28)
القضية رقم 205 سنة 20 قضائية

برئاسة حضرة المستشار الأستاذ عبد الحميد وشاحي وبحضور حضرات الأساتذة: سليمان ثابت ومحمد نجيب أحمد وعبد العزيز سليمان وأحمد العروسي المستشارين.
(1) إبطال التصرفات. دعوى بوليصية. ماهيتها. حكم. تسبيبه. إثباته أن الطاعن يهدف بطعنه بالدعوى البوليصية إلى إجراء مفاضلة بين عقده غير المسجل وعقد المطعون عليه المسجل. طعن غير منتج حتى ولو كان المتصرف له الذي سجل عقده متواطئاً مع المتصرف على حرمانه من الصفقة.
(2) إثبات. محكمة الموضوع. حقها في الأخذ ببعض أدلة الدعوى وإطراح البعض الآخر. حكم. تسبيبه. استخلاصه من أقوال الشهود استخلاصاً سائغاً أن العقد جدي لا صوري. في هذا الرد الضمني الكافي والمبرر لإطراح الأدلة الأخرى المقدمة لإثبات صورية العقد. النعي عليه بالقصور. على غير أساس.
(1) إن الدعوة البوليصية على ما جرى به قضاء هذه المحكمة ليست إلا وسيلة يتمكن بها الدائن من أن يقتضي دينه من ثمن العين المطلوب إبطال التصرف الحاصل من مدينه فيها في مواجهة المتصرف له، وإذن فمتى كان الواقع هو أن المطعون عليه أقام الدعوى على الطاعن بطلب تثبيت ملكيته إلى عقار اشتراه بعقد مسجل ممن باع ذات العقار إلى الطاعن بعقد لم يسجل وكان دفاع الطاعن بصفة أصلية هو أن عقد المطعون عليه عقد صوري لا وجود له واحتياطياً على فرض جديته فقد أضر به ومن حقه إبطال هذا التصرف وفقاً للمادة 143 من القانون المدني (القديم) وكان الحكم قد أثبت - استناداً إلى أوراق الدعوى - أن الطاعن كان يستهدف بطعنه بالدعوى البوليصية إلى إجراء مفاضلة بين عقده غير المسجل وعقد المطعون عليه المسجل فيكون غير منتج في التخلص من آثار عقد المطعون عليه المسجل والمطعون فيه بالدعوى البوليصية حتى ولو كان هو بوصفه متصرفاً له والمتصرف سيء النية متواطئين كل التواطؤ على حرمان الطاعن من الصفقة. ومن ثم يكون كل ما يعيبه الطاعن على الحكم من إغفال التحدث عن الدعوى البوليصية لا جدوى منه في خصوص هذه الدعوى.
(2) لما كان من حق قاضي الموضوع وهو في مقام الموازنة بين أدلة الإثبات وأدلة النفي في الدعوى أن يأخذ ببعضها ويطرح البعض الآخر غير خاضع في ذلك لرقابة محكمة النقض، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه على ما استخلصه من أقوال الشهود من أن العقد جدي لا صوري، وكان هذا الذي استخلصه هو استخلاص سائغ لا مخالفة فيه للثابت بالأوراق، وكان اتخاذ الحكم لهذه الأقوال أساساً لقضائه فيه الرد الضمني الكافي والمبرر لإطراحه ما عداها من أدلة الدعوى، لما كان ذلك كان ما ينعاه الطاعن على المحكمة من عدم الرد على القرائن التي ساقها دليلاً على الصورية المدعاة لا مبرر له.


الوقائع

في يوم 4 من يوليه سنة 1950 طعن بطريق النقض في حكم محكمة أسوان الابتدائية الصادر بهيئة استئنافية في 21 من نوفمبر سنة 1949 في القضية رقم 84 سنة 1947 - وذلك بتقرير طلب فيه الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وبنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية على دائرة أخرى للفصل فيها مجدداً مع إلزام المطعون عليه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 9 من يوليه سنة 1950 أعلن المطعون عليه بتقرير الطعن - وفي 22 منه أودع الطاعن أصل ورقة إعلان المطعون عليه بالطعن وصورة مطابقة للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداته - ولم يقدم المطعون عليه دفاعاً.
وفي 31 من مايو سنة 1952 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن بالمصروفات.
وبجلسة 13 من نوفمبر سنة 1952 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة حيث صمم محامي الطاعن والنيابة العامة على ما جاء بمذكرتيهما والمحكمة أرجأت إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير حضرة المستشار المقرر ومرافعة المحامي عن الطاعن والنيابة العامة وبعد المداولة؛
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية؛
ومن حيث إن واقعة الدعوى، حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون عليه أقام على الطاعن الدعوى رقم 1216 سنة 1945 محكمة أدفو الجزئية بطلب الحكم بتثبيت ملكيته إلى 18 قيراطاً و11 سهماً استناداً إلى أنه اشتراها من أحمد عمارة بعقد محرر في أول إبريل سنة 1943 وأنه رفع دعوى بصحته ونفاذه ثم سجل الحكم ونفذه بالتسليم - ودفع الطاعن الدعوى بأنه اشترى ذات القدر المشار إليه من نفس البائع إلى المطعون عليه بعقدين محررين في 7 من سبتمبر سنة 1941 و20 إبريل سنة 1942 واستصدر بهذين العقدين حكماً بصحة التعاقد وأنه وضع اليد على العين المبيعة ثم طعن في عقد المطعون عليه بأنه صوري لا وجود له. كما رفع دعوى فرعية وطلب فيها الحكم بإبطال هذا العقد على أساس الدعوى البوليصية وفقاً لنص المادة 143 من القانون المدني (القديم) وفي 16 من مايو سنة 1946 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى على التحقيق ليثبت الطاعن بكافة الطرق بما فيها البينة أن العقد الذي يتمسك به المطعون عليه عقد صوري وأنه على فرض جديته قد عمل بقصد الإضرار به وللمطعون عليه النفي بالطرق عينها. وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين قضت في 12 من يونيه سنة 1947 للمطعون عليه بطلباته وبرفض الدعوى الفرعية - واستأنف الطاعن هذا الحكم وقيد استئنافه برقم 84 سنة 1947 محكمة أسوان الابتدائية التي قضت في 5 ديسمبر سنة 1948 بقبول الاستئناف شكلاً وإحالة الدعوى على التحقيق لسماع الشهود من جديد وليثبت الطاعن بكافة الطرق بما فيها القرائن والبينة صورية عقد المطعون عليه صورية مطلقة وأنه على فرض جديته قد عمل بطريق التواطؤ بينه وبين البائع بقصد الإضرار به وترتب عليه إعسار هذا البائع وتوافر جميع شروط الدعوى البوليصية ولينف المطعون عليه ذلك بنفس الطرق. وفي 21 من نوفمبر سنة 1949 قضت برفض الاستئناف موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف وقرر الطاعن الطعن في الحكم المذكور بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن بني على أربعة أسباب يتحصل أولها في أن المحكمة - إذ أغفلت بحث الأساس الثاني الاحتياطي لدفع دعوى المطعون عليه، وهو الطعن ببطلان العقد الذي أقام المطعون عليه دعواه على أساسه استناداً إلى الدعوى البوليصية وتوافر كافة أركانها، في حين أنها حكمت في 5 من ديسمبر سنة 1948 بإحالة الدعوى على التحقيق لإثبات ونفي هذا الطعن، مما كان يتعين معه عليها أن تقول كلمتها فيه، خصوصاً وأنها أقرت وجهة نظر الطاعن في جواز الجمع بين دعوى الصورية والبوليصية على غير ما ذهبت إليه محكمة أول درجة - وإذ قصرت المحكمة بحثها على الطعن بالصورية دون غيرها، في حين أنه كان لزاماً عليها أن تبحث الدعوى على مرحلتين الأولى مدى صورية العقد والثانية توافر أركان الدعوى البوليصية على فرض جديته - إذ فعلت المحكمة ذلك يكون قد شاب حكمها قصور يبطله.
ومن حيث إن السبب الثاني يتحصل في أن الحكم - إذ ذهب إلى أن الطاعن قد أراد تفضيل عقده على عقد المطعون عليه - أخطأ في تصوير جوهر النزاع - ذلك أن الطاعن لم يطرح على القضاء أمر المفاضلة بين عقدين ولم يدع أن عقداً عرفياً غير مسجل يرجح ويفضل عقداً مسجلاً كما أنه لم يطالب بحق عيني حتى يكون هناك محل للمزاحمة، وإنما اقتصر على دفع دعوى المطعون عليه التي استند فيها إلى عقده المسجل بأن هذا العقد عقد صوري صورية مطلقة وأضاف أنه حتى على فرض التسليم بجديته فإنه باطل على أساس المادة 143 من القانون المدني القديم، وكان هدفه هو اعتبار عقد المطعون عليه كأن لم يكن ومحو كافة آثاره وبذلك تزول العقبة القانونية التي اصطنعت لإهدار حقه والحيلولة بينه وبين تسجيل الحكم الصادر له بصحة ونفاذ عقده، ومن ثم يكون الحكم إذ صور النزاع على أنه مفاضلة بين عقدين قد أخطأ في تكييف طلبات الطاعن.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قال في خصوص ذلك "وحيث إن أساس دفاع المستأنف (الطاعن) هو أن عقد المستأنف عليه (المطعون عليه) هو عقد صوري وتمسك بهذا بصفة أصلية واحتياطية على فرض جديته فقد أضر به ومن حقه إبطال هذا التصرف تطبيقاً للمادة 143 مدني. وحيث إنه بمقتضى المادة 143 من القانون المدني يجوز للدائن أن يطعن على تصرف مدينه لإبطاله إما بالدعوى البوليصية وإما بدعوى الصورية والدعويان وإن كانتا تتفقان من ناحية أن أساس إبطال التصرف فيهما هو الإضرار بالغير إلا أنهما تختلفان من حيث توجيه الطعن ومن حيث الغرض ففي الدعوى البوليصية يكون الغرض من الطعن إعادة ملك المدعي إليه لإمكان التنفيذ عليه واستيفاء الدائن حقه منه أما في دعوى الصورية فالطعن يكون بعدم جدية التصرف لمحو العقد الظاهر وإزالة كل أثر له وتقرير أن العين لم تخرج من يد المدين بحيث إذا كان قد تلقاها عنه آخر أو نفذ عليها دائن له كان ذلك صحيحاً وأساس الدعوى الأولى كما سبق هو أن يتخذ الدائن إجراءات التنفيذ كدائن بسيط من ثمن العين المطلوب إبطال التصرف الحاصل من مدينه في مواجهة المتصرف إليه لا أن يكون مطالباً بأفضليته عن غيره" ولما كان هذا الذي قرره الحكم لا مخالفة فيه للقانون، وكان الحكم قد أثبت - استناداً إلى أوراق الدعوى - أن الطاعن كان يستهدف بطعنه بالدعوى البوليصية إلى إجراء مفاضلة بين عقده غير المسجل وعقد المطعون عليه المسجل، وكانت الدعوى البوليصية - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة ليست إلا وسيلة يتمكن بها الدائن من أن يقتضي دينه من ثمن العين المطلوب إبطال التصرف الحاصل من مدينه فيها في مواجهة المتصرف له فيكون غير منتج في التخلص من آثار عقد المطعون عليه المسجل والمطعون فيه بالدعوى البوليصية حتى ولو كان هو بوصفه متصرفاً له والمتصرف سيء النية متواطئين كل التواطؤ على حرمان الطاعن من الصفقة - ومن ثم يكون كل ما يعيبه الطاعن على الحكم من إغفال التحدث عن الدعوى البوليصية لا جدوى منه في خصوص هذه الدعوى.
ومن حيث إن السبب الثالث يتحصل في أن الحكم أغفل بحث القرائن العديدة الجدية المنتجة التي ساقها الطاعن في صدد استدلاله على صورية عقد المطعون عليه صورية مطلقة، مع أن القرائن هي عماد الأدلة المقبولة قانوناً من الغير لإثبات الصورية وأن القرائن التي أوردها الطاعن ليست من قبيل الظنون والتخمينات بل أنها ترقى إلى مرتبة الدليل اليقيني القاطع على صورية العقد وكان من المحتمل لو أن المحكمة لم تغفلها أن يتغير مصير الدعوى، ومن ثم يكون في سكوت الحكم عن بحثها قصوراً مبطلاً له.
ومن حيث إن السبب الرابع يتحصل في أن الحكم المطعون فيه، إذ ناقش أقوال الشهود في صدد الصورية وانتهى إلى أن أحداً منهم لم يشهد على سبيل الجزم واليقين بصورية العقد، اقتطع بعض عبارات الشهود من مساقها ونعى على من شهد منهم بالصورية بأنه يبدي رأياً استنتاجياً مع أن حكم القانون الصحيح يفترض - مع التسليم بحرية المحكمة في الاطمئنان إلى ما تراه من أقوال الشهود - أن تستظهر المحكمة مؤدى شهادة الشاهد ومفادها ومعناها ومضمونها ثم تجعل هذه الشهادة منتجة وأثرها في حكم المنطق والمعقول. على أنه من ناحية أخرى. فإن الأقوال التي أدلى بها الشهود وإن لم تفد في إثبات الصورية في رأي المحكمة فإنها تثبت التواطؤ والإضرار ومن ثم تكون المحكمة إذ سلكت هذا المنهج قد جاء حكمها معيباً في أساسه وفي تفاصيله وفي تطبيقه.
ومن حيث إن هذين السببين مردودان بأنه لما كان من حق قاضي الموضوع وهو في مقام الموازنة بين أدلة الإثبات وأدلة النفي في الدعوى أن يأخذ ببعضها ويطرح البعض الآخر غير خاضع في ذلك لرقابة محكمة النقض، وكان يبين من الحكم أنه أقام قضاءه على ما استخلصه من أقوال الشهود من أن العقد جدي لا صوري، وكان هذا الذي استخلصه هو استخلاص سائغ لا مخالفة فيه للثابت بالأوراق، وكان اتخاذ الحكم لهذه الأقوال أساساً لقضائه فيه الرد الضمني الكافي والمبرر لإطراحه ما عداها من أدلة الدعوى، لما كان ذلك كان ما ينعاه الطاعن على المحكمة من عدم الرد على القرائن التي ساقها دليلاً على الصورية المدعاة لا مبرر له. أما ما يعيبه الطاعن على المحكمة من عدم اعتدادها بأقوال الشهود مع أنها قد تفيد التواطؤ والإضرار بالطاعن فهو نعي غير منتج لما سبق بيانه من أن الدعوى على صورتها الذي انتهت إليه ما كانت في حاجة إلى مثل هذا البحث.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعين الرفض.