مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثالث (عن المدة بين 7 نوفمبر سنة 1932 وبين 26 أكتوبر سنة 1936) - صـ 36

جلسة 28 نوفمبر سنة 1932

تحت رياسة سعادة عبد العزيز فهمي باشا وبحضور حضرات محمد لبيب عطيه بك وزكي برزي بك ومحمد فهمي حسين بك وأحمد أمين بك.

(38)
القضية رقم 402 سنة 3 القضائية

استئناف:
( أ ) الفقرة الثانية من المادة 177 من قانون تحقيق الجنايات. غرض الشارع منها.
(ب) حكم غيابي صادر في معارضة في الموضوع أو باعتبارها كأن لم تكن. ميعاد استئنافه يبدأ من يوم صدوره.
(جـ) الأحكام الغيابية. وجوب إعلانها حتى يبدأ ميعاد الطعن فيها. لا نص على هذا الوجوب. استفادته من نص المواد 133 و163 و178. انحصار ذلك في الحكم الغيابي الصادر لأوّل مرة الجائزة المعارضة فيه.
(د) استئناف. متى يجب قبوله ولو بعد الميعاد؟
(المواد 133 و163 و177 و178 تحقيق)
1 - إن غرض الشارع من نص الفقرة الثانية من المادة 177 من قانون تحقيق الجنايات هو أنه كلما أصبحت المعارضة غير مقبولة، سواء لانقضاء ميعادها أو لأن الأحكام في ذاتها غير قابلة لها، ابتدأ ميعاد الاستئناف.
2 - الحكم الغيابي الصادر في المعارضة، سواء في موضوعها أو باعتبارها كأن لم تكن، لا يمكن أن يكون محلاً لمعارضة أخرى، فالمعارضة فيه غير مقبولة من يوم صدوره. وعملاً بنص الفقرة الثانية من المادة 177 من قانون تحقيق الجنايات يمكن القول بلا حرج بأن ميعاد استئنافه يجب أن يبتدئ بالنسبة للمتهم من يوم صدوره بلا حاجة إلى إعلانه، وهذا هو المتعين الأخذ به.
3 - إن القول بأن هناك قاعدة تقضي بإعلان الأحكام الغيابية حتى يبدأ ميعاد الطعن فيها قول غير صحيح على إطلاقه، لأنه لا توجد في القوانين الجنائية قاعدة عامة واردة بهذا النص استقلالاً، وإنما القانون، إذ نص على أن ميعاد المعارضة يكون ثلاثة أيام من تاريخ إعلان الحكم الغيابي (المواد 133 و163 و187)، فقد استفيد أن الحكم الغيابي واجب إعلانه ليبدأ ميعاد المعارضة فيه. وواضح أن الأمر منحصر في الحكم الغيابي الصادر لأول مرة والجائزة المعارضة فيه. أما الأحكام الغيابية التي تصدر في المعارضة فلا يوجد في القانون أية قاعدة تقضي بإعلانها لتبدأ مواعيد التقاضي الجديد بشأنها.
4 - إذا كان المتهم لم يعلم بأيام جلسات المحاكمة بطريقة الإعلام القانونية، أو كان بعد إعلامه بهذه الطريقة قد حالت ظروف قهرية دون حضوره، ثم استأنف ولو بعد الميعاد، وأثبت للمحكمة الاستئنافية ما يدّعيه من ذلك، وجب عليها أن تقبل استئنافه شكلاً وتتصرف بما يقضي به القانون.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه في الميعاد فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن محصل الطعن أن محكمة الموضوع لم تأخذ بما طلبته النيابة من عدم قبول الاستئناف شكلاً لرفعه بعد الميعاد لأن الحكم الصادر ابتدائياً باعتبار المعارضة كأن لم تكن صدر بتاريخ 27 فبراير سنة 1932 ولم يستأنفه المتهم إلا في 5 مايو سنة 1932 - لم تأخذ المحكمة بطلب النيابة بل قضت بقبول الاستئناف استناداً منها إلى أن قضاء محكمة النقض جرى على أن حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن واجب الإعلان حتى تسري عليه مواعيد الاستئناف. وفضلاً عن أن محكمة النقض قد عدلت أخيراً عن ذلك الرأي بحكميها الصادرين في 25 يناير سنة 1932 في الدعويين رقم 42 و44 سنة واحد قضائية فإن المتهم في هذه القضية قد أعلن بالحكم في 16 مارس سنة 1932 ومع ذلك لم يستأنفه إلا في 5 مايو سنة 1932 أي بعد الميعاد على كلا الرأيين. فتكون المحكمة قد أخطأت في تطبيق القانون على كل حال.
ومن حيث إنه بالاطلاع على أوراق القضية تبين أن المتهم صدر عليه من محكمة طهطا الجزئية حكم غيابي بتاريخ 5 ديسمبر سنة 1931 فعارض فيه ولم يحضر، فحكمت المحكمة بتاريخ 27 فبراير سنة 1932 باعتبار المعارضة كأن لم تكن فاستأنف هذا الحكم بتاريخ 5 مايو سنة 1932 وبالجلسة الاستئنافية، طلبت النيابة عدم قبول الاستئناف لرفعه بعد الميعاد فلم تأخذ المحكمة بطلب النيابة وحكمت بقبول الاستئناف شكلاً اعتماداً على ما جرى عليه قضاء محكمة النقض والإبرام قديماً من وجوب إعلان حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن حتى تسري عليه مواعيد الاستئناف.
ومن حيث إن محكمة النقض والإبرام قضت أخيراً بحكمها الرقيم 25 يناير سنة 1932 الصادر في القضية المقيدة بجدول المحكمة برقم 44 سنة واحد قضائية بأن الحكم الغيابي الصادر في المعارضة من هيئة استئنافية - سواء أكان صادراً برفض المعارضة وتأييد الحكم المعارض فيه أم كان صادراً باعتبار المعارضة كأن لم تكن - هو حكم نهائي من وقت صدوره فيجب أن يجري عليه عموم نص المادة 231 من قانون تحقيق الجنايات من حيث ابتداء ميعاد الطعن فيه من وقت صدوره بلا حاجة إلى إعلانه. شأنه في ذلك شأن الأحكام الحضورية الصادرة نهائياً.
ومن حيث إن هذا الحكم وإن كان خاصاً بتقرير وقت ابتداء ميعاد الطعن بطريق النقض في الأحكام الغيابية الصادرة في المعارضة من هيئة استئنافية وكانت المحكمة راعت فيه أن حق الطعن بهذا الطريق هو حق استثنائي أي واجب حصر النصوص الخاصة به في مدلولها اللغوي وعدم التوسع في تفسيرها بما يجعل مداه متجاوزاً هذه الدائرة إلا أنه أتى فيه عرضاً ما يسمح للنيابة بما طلبته لدى المحكمة الاستئنافية بشأن وقت ابتداء ميعاد الاستئناف في الأحكام الغيابية الصادرة في المعارضة من محكمة ابتدائية.
ومن حيث إن الفقرة الثانية من المادة 177 من قانون تحقيق الجنايات نصت على أن ميعاد الاستئناف يبتدئ من يوم صدور الحكم إلا في حالة صدوره غيابياً فلا يبتدئ فيما يتعلق بالمتهم إلا من اليوم الذي لا تكون فيه المعارضة مقبولة.
ومن حيث إن الحكم الغيابي الصادر في المعارضة سواء في موضوعها أو باعتبارها كأن لم تكن لا يمكن أن يكون محلاً لمعارضة أخرى فالمعارضة فيه غير مقبولة من يوم صدوره. وعملاً بنص الفقرة المذكورة يمكن القول بلا حرج إن ميعاد استئنافه يجب أن يبتدئ بالنسبة للمتهم من يوم صدوره بلا حاجة إلى إعلانه. وهذا هو المتعين الأخذ به.
ومن حيث إنه قد يعترض أولاً بأن نص الفقرة المذكورة لا شأن له بالأحكام الغيابية الصادرة في المعارضة بل هو إنما وضع ليتناول الصورة العادية وهي صورة من يحكم عليه غيابياً فيفوت على نفسه ميعاد المعارضة التي له هو حق فيها فجاء النص مؤذناً بأن ميعاد استئنافه يبتدئ من يوم صيرورة المعارضة غير مقبولة أي لانتهاء ميعادها، وثانياً بأن الأحكام الصادرة في المعارضة سواء في موضوعها أو باعتبارها كأن لم تكن ما دامت هي غيابية فيجب بحسب القواعد العامة الخاصة بالأحكام الغيابية إعلانها لذوي الشأن حتى يبدأ ميعاد ما يخوّلهم القانون من أنواع الطعن فيها.
ومن حيث إن هذا الاعتراض بشقيه وإن كان ظاهر الوجاهة إلا أنه من السهل ردّه.
(أوّلاً) لأن النص المذكور وضع في القانون قبل النص الخاص باعتبار المعارضة في الأحكام الغيابية الصادرة من أول درجة كأن لم تكن، وعند وضعه فيه كان الشارع يعلم علماً أكيداً أن للمحكمة الابتدائية أن تصدر في موضوع المعارضة أحكاماً غيابية عند تخلف المعارض عن الحضور، بل كان يرى هذا واجباً عليها، وكان يعلم أن مثل تلك الأحكام لا تجوز المعارضة فيها عملاً بالقاعدة الفقهية المسلم بها من أنه لا معارضة على معارضة. فهذه الأحكام الغيابية الغير القابلة للمعارضة - وليست في ذاتها بالشيء النادر أو القليل التي تفوت ملاحظته - كان من شأنها أن تسترعي نظر الشارع فلا يضع النص المذكور بتلك الصيغة العامة التي تشملها في عمومها. فوضعه إياه بهذه الصيغة الشاملة دليل على عدم إرادته الاستثناء مع قيام موجبه وتشخصه لديه، وعلى أن غرضه أنه كلما أصبحت المعارضة غير مقبولة سواء لانقضاء ميعادها أو لأن الأحكام في ذاتها غير قابلة لها ابتدأ ميعاد الاستئناف.
(ثانياً) إن القانون وضع ذلك النص بصيغته هذه في باب الجنح وأما في باب المخالفات فكان النص بصيغة أخرى وهي أن ميعاد استئناف الأحكام الغيابية "يبتدئ من انقضاء ميعاد المعارضة". والنص بهذه الصيغة كان داعياً للتساؤل عما يكون الشأن في الأحكام الغيابية الصادرة في المعارضة في مواد المخالفات متى يبدأ ميعاد استئنافها فاضطر الشارع إلى تعديل النص تعديلاً يوافق مذهبه موافقة صريحة إذ أمر بأن ميعاد الاستئناف يبدأ من تاريخ انقضاء ميعاد المعارضة في الحكم الغيابي أو من تاريخ الحكم الغيابي الصادر في المعارضة (مادة 154 المعدّلة). وبما أن انقضاء ميعاد المعارضة في الحكم الغيابي يجعل المعارضة مقبولة وكذلك صدور حكم غيابي في المعارضة يجعلها غير مقبولة فهذا التعديل الصريح الدلالة هو إذن ترجمة مضبوطة لنص الفقرة الثانية من المادة 177 وكأنه بيان غير مباشر لغرض الشارع منها.
(ثالثاً) إن القول بأن هناك قاعدة تقضي بإعلان الأحكام الغيابية حتى يبدأ ميعاد الطعن فيها قول غير صحيح على إطلاقه لأنه لا توجد في القوانين الجنائية قاعدة عامة واردة بهذا النص استقلالاً وإنما القانون إذ نص على أن ميعاد المعارضة يكون ثلاثة أيام من تاريخ إعلان الحكم الغيابي (المواد 133 و163 و187) فقد استفيد أن الحكم الغيابي واجب إعلانه ليبدأ ميعاد المعارضة فيه. وواضح كل الوضوح أن الأمر منحصر في الحكم الغيابي الصادر لأوّل مرة والجائزة المعارضة فيه، فهذا الحكم وحده هو الذي يجب إعلانه. أما الأحكام الغيابية التي تصدر في المعارضة فلا توجد أي قاعدة في القانون تقضي بإعلانها لتبدأ مواعيد التقاضي الجديد بشأنها. وفي الواقع فإن من يحكم عليه غيابياً لأوّل مرة ثم يعلن إليه الحكم فيعارض فيه فإن القانون أوجب أنه عند معارضته تحدّد لنظر دعواه أقرب جلسة (المواد المتقدّمة) ويكلف بالحضور فيها. فهو عند المعارضة يعلم علماً شخصياً بالجلسة التي ستنظر فيها معارضته، فإن لم يحضر فيها فهو يعلم أن معارضته ستعتبر كأن لم تكن، وإن حضر وتأجلت الدعوى ثم نظرت بعد وصدر في موضوعها حكم حضوري أو غيابي فإن أحداً لم يأخذه على غرة بل هو عالم علماً رسمياً بجلساتها جميعاً وعليه هو أن يتحرى ويستعلم عما قد يكون صدر فيها من الأحكام في غيبته. أما أن يتخلف عن الحضور مع علمه بأيام الجلسات ثم يأتي من بعد ويقتضي أن يعلن إليه الحكم حتى يبتدئ ميعاد استئنافه فإنه ليس في القانون ما يجبر النيابة على ذلك، وليس في المنطق السليم أن إهماله يكسبه حق إطالة أجل الخصومة ومدّ ميعاد الاستئناف ويجعل له بذلك ميزة على من يطيع أوامر القضاء فيحضر ويصدر الحكم في مواجهته.
ومما تقدّم يتبين أن الاعتراض بشطريه مردود وأن القول بأن الأحكام الغيابية الصادرة في المعارضة سواء في موضوعها أو باعتبارها كأن لم تكن يبدأ ميعاد استئنافها من تاريخ صدورها هو قول متفق تماماً مع نص القانون.
ومن حيث إنه يلوح أن إيجاب إعلان مثل تلك الأحكام حتى يبدأ ميعاد استئنافها مبعثه في نفس القائلين به إحساس العدل الذي يتأذى من أخذ الناس بأحكام قد تصير نهائية لا سبيل للتخلص منها مع أنهم لم يحضروا لدى المحكمة ولم يدافعوا عن أنفسهم وقد تكون لهم أعذار لم تمكنهم من الحضور أو تكون الإعلانات لم تصلهم بصفة قانونية.
ومن حيث إن هذا الإحساس شريف حقاً وله كل قيمته واحترامه، إنما محل اعتباره وإعطائه حكمه أن يثبت حقيقة أن المتهم لم يعلم بأيام جلسات المحاكمة بطريقة الإعلام القانونية أو أنه بعد إعلامه بهذه الطريقة قد حالت ظروف قهرية دون حضوره، فمتى استأنف ولو بعد الميعاد وأثبت للمحكمة الاستئنافية ما يدعيه من ذلك وجب عليها أن تقبل استئنافه شكلاً وتتصرف بما يقضي به القانون.
ومن حيث إنه بتطبيق هذه القواعد على القضية الحالية يرى أن الحكم باعتبار المعارضة كأن لم تكن صدر بتاريخ 27 فبراير سنة 1932 وأن ميعاد الاستئناف فيما يتعلق بالمتهم يبدأ من ذلك التاريخ نفسه وينتهي بانقضاء عشرة أيام. وبما أن المتهم لم يرفع استئنافه إلا بتاريخ 5 مايو سنة 1932 أي بعد انقضاء ميعاده القانوني ولم يدع لدى المحكمة الاستئنافية عذراً ما لا مقبولاً ولا غير مقبول منع من حضوره جلسة المعارضة فكان الواجب الحكم بعدم قبول ذلك الاستئناف شكلاً.
وبما أن الحكم المطعون فيه قضى بقبول الاستئناف فيكون أخطأ في تطبيق القانون ومن أجل ذلك يتعين نقضه وتطبيق القانون على وجهه الصحيح.