أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 4 - صـ 511

جلسة 19 من فبراير سنة 1953
(75)
القضية رقم 24 سنة 21 القضائية

برياسة حضرة الأستاذ أحمد حلمي وكيل المحكمة، وبحضور حضرات الأساتذة سليمان ثابت ومحمد نجيب أحمد ومحمد زكي شرف ومحمود عياد المستشارين.
( أ ) قضاء مستعجل. إشكال في التنفيذ. حكم صادر من المحكمة الشرعية بتقرير نفقة. اختصاص قاضي الأمور المستعجلة بتقدير حجية هذا الحكم وما إذا كان قد صدر من جهة ذات ولاية أم غير ذلك عند تنفيذه على أموال المدين سواء بدئ فعلاً بالتنفيذ أم لم يبدأ به.
(ب) قضاء مستعجل. إشكالات التنفيذ. هي بطبيعتها مستعجلة. اختصاص قاضي الأمور المستعجلة بنظرها. قضاؤه بوقف التنفيذ أو السير فيه هو تقدير مؤقت ولا مساس له بأصل الحق.
(ج) اختصاص. متى يختص المجلس الملي. قضاء مستعجل. حكم. تسبيبه. قضاؤه بإيقاف تنفيذ حكم نفقة صادر من المحاكم الشريعة لزوجة على زوجها الذي ينتمي لطائفة السريان الكاثوليك. تأسيس قضائه على أن المجلس الملي لطائفة السريان الكاثوليك هو صاحب الولاية بنظر ما ينشأ بين الزوجين من منازعات متعلقة بالزواج وإلى أن الزوجة وإن لم تكن أصلاً من أبناء هذه الطائفة إلا أنها ارتضت في عقد الزواج أن تخضع لأحكامها. لا مخالفة في ذلك للقانون.
1 - إنه وإن كانت محاكم الأحوال الشخصية هي صاحبة الولاية في تقرير النفقة باعتبار أنها من مسائل الأحوال الشخصية إلا أنه متى صدر الحكم مقرراً لها يصبح سنداً يمكن التنفيذ به على أموال المحكوم عليه ومن ثم يكون ما تقرره محاكم الأحوال الشخصية من نفقة هو حكم مآله التنفيذ على المال وللمحاكم المدنية أن تبحث فيما إذا كان قد صدر من محكمة ذات ولاية حتى يصح التنفيذ بمقتضاه من مال المدين أم غير ذلك وبالتالي يكون لقاضي الإشكال تقدير حجية هذا الحكم سواء بدئ فعلاً بالتنفيذ به أم لم يبدأ.
2 - المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام هي من اختصاص قاضي الأمور المستعجلة بحكم الفقرة الأولى من المادة 49 مرافعات لأنها بطبيعتها مستعجلة، ولا يستطيع قاضي الأمور المستعجلة إعمال ولايته دون أن يتحسس الموضوع ليصل إلى ما يستهدفه من وقف التنفيذ أو السير فيه على أن تقديره في ذلك هو تقدير مؤقت ولا مساس له بأصل الحق. وإذن فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بوقت تنفيذ حكم نفقة لصدوره من جهة غير مختصة لم يخالف القانون.
3 - متى كان الحكم المطعون فيه إذ قضى بتأييد الحكم الابتدائي فيما انتهى إليه من أن المحاكم الشرعية غير مختصة بفرض نفقة للطاعنة على زوجها المطعون عليه أقام قضاءه على أن المجلس الملي لطائفة السريان الكاثوليك هو وحده صاحب الولاية بنظر ما ينشأ بين الزوجين من منازعات بشأن الزواج الذي ارتضت فيه الطاعنة أحكام هذه الطائفة حتى وإن لم تكن أصلاً من أبنائها، فليس في هذا التقرير مخالفة للقانون أو تناقض يبطله.


الوقائع

في يوم 27 من يناير سنة 1951 طعن بطريق النقض في حكم محكمة الإسكندرية الابتدائية بهيئة استئنافية الصادر في 21 من نوفمبر سنة 1950 في الاستئناف رقم 249 سنة 1950 وذلك بتقرير طلبت فيه الطاعنة الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والقضاء أصلياً بعدم اختصاص القضاء المستعجل واحتياطياً برفض دعوى المطعون عليه. ومن باب الاحتياط الكلي إحالة القضية على محكمة الإسكندرية الابتدائية بهيئة استئنافية للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وإلزام المطعون عليه بالمصروفات.
وفي 5 من فبراير سنة 1951 أعلن المطعون عليه بتقرير الطعن. وفي 8 منه أودعت الطاعنة أصل ورقة إعلان المطعون عليه بالطعن وصورة مطابقة للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن. وفي 7 من مارس سنة 1951 أودع المطعون عليه مذكرة بدفاعه مشفوعة بمستنداته طلب فيها القضاء أصلياً ببطلان الطعن واحتياطياً بعدم قبول الطعن بالنسبة للسببين الأول والثاني ورفضه بالنسبة للسببين الثالث والرابع. ومن باب الاحتياط الكلي برفض الطعن وإلزام الطاعنة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة في جميع الحالات. وفي 22 منه أودعت الطاعنة مذكرة بالرد.
وفي 31 من مايو سنة 1952 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها برفض الدفع ببطلان إعلان تقرير الطعن وقبوله شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعنة بالمصروفات.
وفي 5 من فبراير سنة 1953 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة حيث تنازل محامي المطعون عليه عن الدفع بعدم قبول الطعن وطلب رفض الطعن وصمم محامي الطاعنة والنيابة العامة على ما جاء بمذكرتيهما. والمحكمة أرجأت إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير حضرة المستشار المقرر ومرافعة المحامين عن الطاعنة والمطعون عليه والنيابة العامة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع تتحصل في أن المطعون عليه تزوج من الطاعنة في 28/ 6/ 1931 بالكنيسة البطريكية السريانية وقد جاء بعقد الزواج أن الزوجة قبلت اتباع زوجها في طائفته وأحواله الشخصية إلا أن الخلاف دب بينهما. وفي 9/ 7/ 1948 اتفقا على أنه من تاريخه إلى حين الطلاق بينهما يظلان منفصلين وألا يطالب أحدهما الآخر بأي التزام مالي وأن تبقى بناتهما الثلاث في كنف والدهن. وفي 1/ 6/ 1949 أقام المطعون عليه دعوى على الطاعنة أمام مجلس ملي السريان الكاثوليك طالباً الفراق المؤقت من زوجته والحكم بحضانة بناته. وفي 18/ 8/ 1949 قضى المجلس المذكور باعتبار الزوجة منفصلة مؤقتاً من زوجها وبحضانة الزوج للبنات وقد نفذ الحكم وتسلم الزوج بناته ثم رفعت الزوجة دعوى أمام محكمة العطارين الشرعية تطالب فيها المطعون عليه بنفقة لها فدفع هذا الأخير بعدم الاختصاص. وفي 14/ 12/ 1949 قضت المحكمة بقبول الدفع وبعدم اختصاصها تأسيساً على ما ثبت لها من أن الطرفين من طائفة السريان الكاثوليك وأن لهما مجلساً ملياً يفصل في قضايا أحولهما الشخصية. فاستأنفت الطاعنة أمام محكمة الإسكندرية الشرعية. وفي 23/ 1/ 1950 قضت محكمة الإسكندرية الشرعية بإلغاء الحكم وإعادة القضية إلى محكمة أول درجة مؤسسة حكمها على "أن طائفة السريان الكاثوليك التي منها المتداعيان وإن كانت من الطوائف التي قدمت إلى الحكومة قوانينها إلا أنه لم يصدر إلى الآن مرسوم باعتمادها" فعادت بعد ذلك القضية أمام محكمة العطارين الشرعية إلى سيرتها الأولى. وفي 28/ 2/ 1950 قضت فيها بفرض نفقة للطاعنة على المطعون عليه كل شهرين اثنا عشر جنيهاً تأسيساً على أن الشريعة الإسلامية لا تعترف بما أسماه المجلس الملي تفريقاً جسمانياً وأن الطاعنة لا تزال زوجة المطعون عليه تلزمه نفقتها. وفي 25/ 4/ 1950 رفع المطعون عليه دعوى أمام قاضي الأمور المستعجلة بمحكمة الإسكندرية مستشكلاً في تنفيذ هذا الحكم وطلب وقف تنفيذه فقضت بقبول الإشكال شكلاً ووقف تنفيذ الحكم. وتتحصل أسبابه في أن للمحاكم المدنية الولاية العامة ولها بهذا الوصف الهيمنة على ما تصدره الجهات الأخرى من أحكام لتراقب التزام كل منها الحدود التي رسمها لها القانون فإن استبان لها أنها جاوزت هذه الحدود حق لها أن تعتبر الحكم المستشكل فيه غير حائز لقوة الأمر المقضي وتوقف تنفيذه وأن المجلس الملي للسريان الكاثوليك وإن لم يصدر به مرسوم إلا أنه معترف من الحكومة المصرية بوجوده وبولايته في المسائل الشخصية المتعلقة بأفراد هذه الطائفة. فاستأنفت الطاعنة وقيد الاستئناف برقم 429 سنة 1950 أمام محكمة الإسكندرية منعقدة بهيئة استئنافية. وفي 21/ 12/ 1950 قضت بتأييد الحكم المستأنف. فطعنت الطاعنة بطريق النقض في هذا الحكم.
ومن حيث إن الطعن بني على أربعة أسباب تنعى الطاعنة بالأول منها على الحكم مخالفة القانون إذ خول لقاضي الأمور المستعجلة سلطة الرقابة على الأحكام الشرعية - فيوقف تنفيذها من غير قيد متى خرجت عن ولايتها مع أن لائحة ترتيب المحاكم تجعل اختصاصها مقصوراً على المسائل المدنية والتجارية والجنائية وتمنعها من النظر في مسائل الأحوال الشخصية كالنفقة بين الزوجين المصريين على أن للمحاكم حق الرقابة على الأحكام الصادرة من جهات الأحوال الشخصية إذا جاوزت هذه الجهات اختصاصها وتعرضت للفصل في مسائل مالية بحتة كالملكية مثلاً وليست كذلك حالة الدعوى، ولم تمنع لائحة المحاكم الشرعية المحاكم الشرعية من الفصل في المنازعات الخاصة بالأحوال الشخصية مهما كانت الديانة أو الملة أو المذهب التابع له الطرفان أو أحدهما.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأنه وإن كانت محاكم الأحوال الشخصية هي صاحبة الولاية في تقرير النفقة باعتبار أنها من مسائل الأحوال الشخصية إلا أنه متى صدر الحكم مقرراً لها يصبح سنداً يمكن التنفيذ به على الأموال المحكوم عليه ومن ثم يكون ما تقرره محاكم الأحوال الشخصية من نفقة هو حكم مآله التنفيذ على المال وللمحاكم المدنية أن تبحث فيما إذا كان قد صدر من محكمة ذات ولاية حتى يصبح التنفيذ بمقتضاه على مال المدين أم غير ذلك وبالتالي يكون لقاضي الإشكال تقدير حجية هذا الحكم سواء بدئ فعلاً بالتنفيذ به أم لم يبدأ.
ومن حيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثاني على الحكم مخالفة القانون مؤسسة نعيها على أن اختصاص قاضي الأمور المستعجلة مقيد بشرطين هما الاستعجال وعدم المساس بالحق وأن كليهما غير متوافر في النزاع الذي فصل فيه الحكم فليس ثمت استعجال في وقف تنفيذ حكم النفقة بل على العكس يجب تقدير نفقة مؤقتة للطاعنة إلى أن يقضى في موضوع النزاع ما دامت الزوجية ليست محل نزاع، كما أن قضاء قاضي الأمور المستعجلة بوقف تنفيذ حكم النفقة دون تعليق على حكم يصدر من قاضي الموضوع هو إنهاء للنزاع في موضوعه ومن ثم يكون قاضي الأمور المستعجلة غير مختص بالفصل في الدعوى على فرض أن للقضاء الوطني ولاية الفصل فيما إذا كانت المحكمة الشرعية قد جاوزت اختصاصها.
ومن حيث إن هذا السبب على غير أساس ذلك بأن المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام هي من اختصاص قاضي الأمور المستعجلة بحكم الفقرة الأولى من المادة 49 مرافعات لأنها بطبيعتها مستعجلة، وأن قاضي الأمور المستعجلة لم يكن ليستطيع إعمال ولايته دون أن يتحسس الموضوع ليصل إلى ما يستهدفه من وقف التنفيذ أو السير فيه على أن تقديره في ذلك هو تقدير مؤقت ولا مساس له بالحق.
ومن حيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثالث على الحكم الخطأ في القانون إذ جاري حكم قاضي الأمور المستعجلة فيما أخذ به من أنه ما دام الزواج قد انعقد بين الزوجين بمعرفة أحد قساوسة كنيسة السريان الكاثوليك ووفقاً لطقوس هذه الطائفة فإن المجلس الملي لتلك الطائفة يكون وحده صاحب الولاية بنظر ما ينشأ بين الطرفين في منازعات يستوي في ذلك أن تكون الزوجة من أهل تلك الطائفة أو أنها لم تكن كذلك وبذلك قرر خطأ أن الفصل في المنازعات الزوجية يكون دائماً من اختصاص المجلس الملي الذي تولت كنيسته إبرام عقد الزواج وإن كان الزوجان مختلفين في المذهب والطائفة ويكون بذلك قد أسقط ولاية المحاكم الشرعية عن جميع المصريين من غير المسلمين. وتنعى الطاعنة بالسبب الرابع على الحكم التناقض في الأسباب إذ بعد أن قرر أن للمجلس الملي لطائفة السريان الكاثوليك ولاية الفصل في الأحوال الشخصية لأفراد هذه الطائفة وإن لم يصدر بذلك مرسوم جعل هذه الولاية تمتد على غير أفراد هذه الطائفة لمجرد أن أحد قساوسة تلك الكنيسة قام بتوثيق العقد.
ومن حيث إن هذين السببين مردودان بأن تأييد الحكم المطعون فيه لما انتهى إليه حكم محكمة أول درجة إنما كان على أساس أن المجلس الملي لطائفة السريان الكاثوليك هو وحده صاحب الولاية بنظر ما ينشأ بين الزوجين من منازعات بشأن الزواج "الذي ارتضت فيه المستأنفة أحكام هذه الطائفة حتى وإن لم تكن أصلاً من أبنائها" وواضح من هذا الذي جاء بالحكم أنه أقام قضاءه على ما قبلته الزوجة عند الزواج من أن تكون خاضعة لأحكام طائفة زوجها حتى ولو لم تكن أصلاً من أبنائها وليس في هذا التقرير مخالفة للقانون أو تناقض يبطله ومن ثم يتعين رفض الطعن.