أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 4 - صـ 607

جلسة 5 من مارس سنة 1953
(94)
القضية رقم 5 سنة 22 قضائية

برياسة حضرة الأستاذ أحمد حلمي وكيل المحكمة وبحضور حضرات الأساتذة: عبد العزيز محمد وكيل المحكمة ومصطفى فاضل وأحمد العروسي ومحمود عياد المستشارين.
( أ ) إعلان. استئناف. وجه البطلان هو أن ورقة التكليف بالحضور أعلنت للخصم في غير موطنه وأن المحضر لم يثبت بها أنه في ظرف 24 ساعة من تاريخ الإعلان وجه إلى المعلن إليه كتاباًً موصى عليه بتسليم الصورة إلى جهة الإدارة. زوال هذا البطلان بحضور المعلن إليه في أول جلسة المواد 11 و12 و24 و140 مرافعات.
(ب) أحوال شخصية. تبني. جنسية اختصاص. حكم. تسبيبه. ثبوت أن المطعون عليه اليوناني الجنسية تبنى لقيطاً مجهول الأبوين وجد بالديار المصرية. تصديق المحكمة القنصلية على هذا التبني. اعتبار الحكم المطعون فيه أن الطاعن المتبني مصري وأن الحكم الصادر من المحكمة القنصلية باطل. لا مخالفة في ذلك للقانون. المادة 3/ 10 من المرسوم بقانون الصادر في 26 مايو سنة 1926 والمادة 3/ 6 من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929.
(ج) أحوال شخصية. تبني. حكم. تسبيبه. اعتباره الطاعن مصرياً لأسباب سائغة وقضاؤه ببطلان حكم المحكمة القنصلية بالتصديق على التبني. التمسك بأحكام القانون اليوناني الخاصة بأحوال الرجوع في التبني - لا محل له.
(د) أحوال شخصية. اختصاص. محاكم قنصلية يونانية. اختصاصها بمسائل الأحوال الشخصية في الفترة التي تلت إلغاء الامتيازات الأجنبية مقصور على منازعات الأحوال الشخصية المتعلقة بالرعايا اليونانيين فقط.
(هـ) أحوال شخصية. اختصاص. حكم صادر من محكمة قنصلية يونانية بالتصديق على تبني شخص ثبت أنه مصري. بطلان هذا الحكم. البطلان متعلق بالنظام العام. جواز التمسك به ممن طلب التبني.
(و) أحوال شخصية. تبني. نقض. طعن. المصلحة في الطعن. تمسك اليوناني المتبني ببطلان حكم التبني الصادر من القنصلية. توافر هذه المصلحة وفقاً للمواد من 1579 إلى 1586 من القانون اليوناني.
1 - إذا كان وجه البطلان هو أن ورقة التكليف بالحضور أعلنت للخصم في غير موطنه، وأن المحضر لم يثبت بها في ظرف أربع وعشرين ساعة من تاريخ الإعلان أنه وجه إلى المعلن إليه في موطنه الأصلي كتاباً موصى عليه يخبره فيه بأن صورة الإعلان سلمت إلى جهة الإدارة كما توجب ذلك المادتان 11 و12 مرافعات وأنه يترتب على عدم مراعاة هذا الإجراء بطلان ورقة التكليف بالحضور وفقاً لنص المادة 24 مرافعات، فإن حضور الطاعن في أول جلسة حددت لنظر الدعوى يزيل العيب الذي لحق الإعلان المشار إليه وفقاً لنص المادة 140 مرافعات. وإذن فمتى كان الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدفع الخاص ببطلان صحيفة الاستئناف والدفع الخاص بعدم قبول الاستئناف شكلاً لرفعه بعد الميعاد وبقبول الاستئناف شكلاً أقام قضاءه على أنه وإن كان إعلان الطاعن بصحيفة الاستئناف في 9 من يوليو قد وقع باطلاً لأن المحل الذي أعلن فيه لم يكن هو الذي يقيم فيه وقت الإعلان، وأن هذه الصحيفة قد خلت من الإجراءات الخاصة بالإخطار الذي توجبه المادة 12 من قانون المرافعات وأن الورقة المستقلة المرافقة لصحيفة الاستئناف محررة في 10 من سبتمبر أي بعد حصول الإعلان بشهرين، إلا أن هذا البطلان قد زال بحضور الطاعن في جلسة المرافعة الأولى فإن هذا الذي قرره الحكم صحيح في القانون، ولا يؤثر على النتيجة التي انتهى إليها ما قرره من أن أثر هذا التصحيح لا يبدأ إلا من تاريخ الحضور ولا يسري على الإجراءات السابقة عليه، ذلك أن الإجراء القابل للإبطال متى كان من الجائز قانوناً أن تلحقه الصحة، فإن زوال هذا البطلان يجعل الإجراء معتبراً صحيحاً من وقت صدوره ومن ثم يكون غير منتج البحث فيما إذا كان إعلان الطاعن الحكم الابتدائي إلى المطعون عليه في يوم 11 من أغسطس قد وقع صحيحاً فيعتبر تاريخ إعلانه مبدأ لسريان ميعاد الطعن أم أنه غير صحيح فيعتبر باب الطعن ما زال مفتوحاً حتى يوم حضور المطعون عليه بالجلسة كما ذهب الحكم المطعون فيه ذلك أن الاستئناف على كلا الاعتبارين صحيح لحصوله في الميعاد القانوني.
2 - متى كان يبين من الحكم الصادر من المحكمة القنصلية اليونانية باعتبار الطاعن ابناً متبنى للمطعون عليه وزوجته أن هذين الأخيرين قررا في طلبهما إلى المحكمة القنصلية أنهما عثرا على طفل لقيط حديث الولادة أما مسكنهما وأخطرا البوليس بذلك، وأن التحريات التي أجراها البوليس لم تسفر عن معرفة والدي اللقيط وقرر هذا الحكم في أسبابه ومنطوقه أن الطاعن ولد طبيعي لأبوين مجهولين، وكان الحكم المطعون فيه إذ قرر أن الطاعن ليس ابناً غير شرعي للمطعون عليه قد استند إلى ما ورد بحكم المحكمة القنصلية، وإلى أن ما دفع به الطاعن من أنه ابن غير شرعي لا دليل عليه سوى مجرد قوله، وأن الأوراق التي قدمها لا تكفي لإثبات هذه البنوة لأن ما ذكر بها كان الباعث عليه العلاقة التي نشأت بينهما بعد العماد والتبني، وإلى الأسباب الأخرى التي أوردها والتي تؤدي إلى ما رتبه عليها، وهو أن الطاعن يعتبر مصرياً وأن قضاء المحكمة القنصلية باطل لأنه لم يكن لها ولاية الفصل في طلب التبني الذي قدم إليها من المطعون عليه وزوجته، فإن هذا الذي قرره الحكم لا خطأ فيه، ذلك أنه لما كان قد ثبت مما سلف بيانه أن الطاعن لقيط من أبوين مجهولين عثر عليه في الدولة المصرية، وكان الطاعن قد عجز عن إثبات دفاعه بأنه ابن غير شرعي للمطعون عليه من أم يونانية كان يعاشرها هذا الأخير معاشرة الأزواج فإنه يعتبر مصرياً مولوداً في مصر وفقاً للمادة 3/ 10 من المرسوم بقانون الصادر في 26 من مايو سنة 1926 الذي كان سارياً وقت العثور عليه وكذلك وفقاً للمادة 3/ 6 من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 الذي كان سارياً وقت صدور حكم المحكمة القنصلية بالتبني ولا تكون المحكمة القنصلية ذات ولاية في الفصل في موضوع التبني وليس بمنتج بعد ذلك البحث فيما إذا كان الطاعن هو فلان أو أنه شخص آخر خلافه لأنه يعتبر في كلتا الحالتين مصرياً متى كان الثابت أنه لقيط مجهول الأبوين عثر عليه في مصر.
3 - متى كان الحكم المطعون فيه إذ قرر أن الطاعن يعتبر مصرياً ورتب على ذلك أن المحكمة القنصلية اليونانية لم تكن مختصة بالتصديق على التبني للأسباب السابق بيانها، فإنه لم يخطئ في تطبيق القانون، ولا محل بعد ذلك لتمسك الطاعن بتطبيق أحكام القانون اليوناني الخاصة بأحوال الرجوع في التبني إذ يجب أولاً تعيين المحكمة التي لها ولاية التصديق على التبني والقانون المصري هو الذي يجب الرجوع إليه لتحديد ولاية القضاء في داخل الدولة المصرية.
4 - اختصاص المحاكم القنصلية اليونانية عند إلغاء الامتيازات الأجنبية بمقتضى اتفاقية منترو في 8 من مايو سنة 1937 كان مقصوراً في فترة الانتقال التي انتهت في 14 أكتوبر سنة 1949 على المنازعات الخاصة بالأحوال الشخصية المتعلقة بالرعايا اليونانيين فقط، وإذن فمتى كان الثابت أن الطاعن كان لقيطاً من أبوين مجهولين عثر عليه في الدولة المصرية، فإنه يعتبر في التاريخ الذي عثر عليه فيه، وفي تاريخ صدور حكم التبني من المحكمة القنصلية مصرياً، ومن ثم لا تكون المحكمة القنصلية ذات ولاية في خصوص طلب تبنيه، ويكون الحكم الصادر منها باطلاً بطلاناً مطلقاً ولا يغير من هذا النظر أن تكون دعوى البطلان قد رفعت بعد بلوغ الطاعن سن الرشد، لأنه ليس لأهليته شأن في تصحيح حكم باطل صدر من محكمة ليست ذات ولاية للفصل في طلب تبنيه.
5 - بطلان حكم التصديق على التبني لصدوره من محكمة لا ولاية لها هو بطلان يتعلق بالنظام العام، ومن ثم فإنه يكون للمطعون عليه أن يتمسك به ولو كان هو الذي قدم طلب التبني إلى القنصلية اليونانية.
6 - مصلحة المطعون عليه في اعتبار أن الإجراءات التي اتخذت أمام المحكمة القنصلية اليونانية غير صحيحة وأن الحكم الصادر منها بالتصديق على التبني وقع باطلاً، هذه المصلحة متوافرة متى كان هذا الحكم من شأنه أن ينشئ حقوقاً للطاعن قبل المطعون عليه مقرره بمقتضى المواد 1579 - 1586 من القانون اليوناني الصادر في 30 من يناير سنة 1941.


الوقائع

في يوم 16 من يونيه سنة 1952 طعن بطريق النقص في حكمي محكمة استئناف القاهرة الصادر أولهما بتاريخ 9 من مارس سنة1952 وثانيهما بتاريخ 3 من يونيه سنة 1952 في الاستئناف رقم 624 سنة 68 ق - وذلك بتقرير طلب فيه الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكمين المطعون فيهما والحكم أصلياً بقبول الدفعين ببطلان إعلان صحيفة الاستئناف رقم 624 سنة 68 ق وبعدم قبول الاستئناف شكلاً لرفعه بعد الميعاد مع إلزام المطعون عليه بالمصروفات وأتعاب المحاماة عن جميع درجات التقاضي واحتياطياً بإحالة القضية على دائرة أخرى للفصل فيها مجدداً مع إلزام المطعون عليه بالمصروفات وأتعاب المحاماة - وفي نفس اليوم أودع الطاعن صورة مطابقة للأصل من كل من الحكمين المطعون فيهما ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداته.
وفي 29 من يونيه سنة 1952 عرضت أوراق الطعن على حضرة رئيس المحكمة فأمر بإعلان تقرير الطعن إلى المطعون عليه وحدّد له خمسة عشر يوماً من تاريخ إعلانه لإيداع مذكرة بدفاعه مشفوعة بالمستندات التي يرى تقديمها.
وفي 2 من يوليه سنة 1952 أعلن المطعون عليه بتقرير الطعن - وفي 6 منه أوع بالملف أصل ورقة إعلان الطعن - وفي 17 منه أودع المطعون عليه مذكرة بدفاعه مشفوعة بمستنداته طلب فيها رفض الطعن.
وفي 2 من أغسطس سنة 1952 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه للسبب الوارد في الطعن والمبنى على مخالفة القانون وبإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم في موضوع الاستئناف المرفوع من المطعون عليه برفضه وبتأييد الحكم المستأنف وبإلزام المطعون عليه بجميع المصروفات.
وبجلسة 18 من ديسمبر سنة 1952 المحددة لنظر الطعن سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة حيث صمم محاميا الطرفين على ما جاء بمذكرتيهما وعدلت النيابة العامة عن رأيها وطلبت أصلياً رفض الطعن واحتياطياً السماح لها بتقديم مذكرة تكميلية للرد على دفاع المطعون عليه - والمحكمة أرجات إصدار الحكم إلى جلسة أول يناير سنة 1953 وفيها قررت المحكمة إعادة القضية إلى المرافعة لجلسة 19 من فبراير سنة 1953 وصرحت بتقديم مذكرات تكميلية.
وفي 14 من يناير سنة 1953 أودع الطاعن مذكرة تكميلية صمم فيها على الطلبات الواردة بتقرير الطعن - ولم يقدم المطعون عليه مذكرة تكميلية.
وفي 7 من فبراير سنة 1953 وضعت النيابة العامة مذكرتها التكميلية وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً مع إلزام الطاعن بالمصروفات.
وبجلسة 19 من فبراير سنة 1953 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة حيث صمم محاميا الطاعن والمطعون عليه على ما جاء بمذكراتهم وصممت النيابة العامة على ما جاء بمذكرتها التكميلية - والمحكمة أرجأت إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير حضرة المستشار المقرر ومرافعة المحامين عن الطرفين والنيابة العامة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن واقعة الدعوى - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 763 سنة 1950 القاهرة الابتدائية وقال فيها إنه في 17 من ديسمبر سنة 1926 عثر بقرب مسكنه على طفل حديث الولادة. فأبلغ بوليس قسم عابدين الذي سلم الطفل إلى مستشفى القصر العيني وسمي محمد جمعه، ولما لم يكن هو وزوجته قد أنجبا فإنهما تسلماه من المستشفى للعناية به وتربيته، وفي 22 من مايو سنة 1927 عمداه وفقاً لقواعد الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية وسمياه ديمترى. وفي سنة 1940 قدّم هو وزوجته إلى المحكمة القنصلية اليونانية بالإسكندرية طلباً بتبني الطفل المذكور، وفي 27 من أغسطس سنة 1940 حكمت المحكمة القنصلية باعتبار ديمترى البالغ من العمر أربعة عشر عاماً المجهول الأبوين ابناً متبنى لهما، ولما كانت إجراءات التبني وقعت باطلة قانوناً لأن الطفل المتبنى يعتبر مصري الجنسية مسلماً، ولا يعترف قانونه بنظام التبني وتنكره ديانته وكان هذا البطلان جوهرياً وفقاً لقواعد القانون الدولي الخاص التي تستلزم مرافقة قانون الأحوال الشخصية للمتبني والمتبنى وبحكم المواد 844 - 846 من القانون رقم 94 لسنة 1937، ونظراً لأن زوجته قد توفيت وأنه أراد أن تستقر حقوقه وأمواله على أساس قانوني صحيح فقد طلب الحكم ببطلان إجراءات التبني التي تمت أمام المحكمة القنصلية اليونانية وبعدم أحقية الطاعن في الاحتفاظ بلقب ليمونيا واستند المطعون عليه في تأييد دعواه إلى شهادة ميلاد محررة في 23 من ديسمبر سنة 1926 لطفل لقيط عثر عليه في 17 من ديسمبر سنة 1926 باسم محمد جمعه، وإلى كتاب من مستشفى القصر العيني محرر في 2 من يوليه سنة 1928 بطلب تقديم الطفل لمناظرته، وإلى شهادة من النائب البطريكي تدل على عماد الطاعن في 22/ 5/ 1927، وإلى ترجمة الحكم الصادر في 27 من أغسطس سنة 1940 من المحكمة القنصلية القاضي باعتبار ديمترى البالغ من العمر أربع عشرة سنة والولد الطبيعي المجهول الأبوين ابناً متبنى للمطعون عليه وزوجته كاليوبي. فدفع الطاعن الدعوى بأنه ابن غير شرعي للمطعون عليه، وأن والده تسلمه من أمه وقدمه إلى زوجته الشرعية باعتبار أنه عثر عليه أمام باب مسكنهما وقد احتضناه وعمداه ثم تبنياه، وأن الإجراءات التي تمت بالمحكمة القنصلية صحيحة لأنه يوناني الجنسية تبعاً لوالده اليوناني، وأن اللقيط محمد جمعه هو شخص آخر غيره. وفي 12 من يونيه سنة 1951 قضت المحكمة برفض الدعوى وألزمت المطعون عليه بالمصروفات. فاستأنف الأخير هذا الحكم وقيد استئنافه برقم 624 سنة 68 ق القاهرة، فدفع الطاعن أولاً ببطلان صحيفة الاستئناف لأن المطعون عليه أعلنه في مسكنه القديم بمصر الجديدة مع علمه بأنه قد ترك هذا المنزل وأقام بالعمارة رقم 2 بشارع سراي الأزبكية وثانياً بعدم قبول الاستئناف شكلاً لرفعه بعد الميعاد لأن صحيفة الاستئناف لم تصل إليه ولم يعلم به إلا عرضاً أثناء دعوى أخرى، وفي 9/ 3/ 1952 قضت المحكمة برفض الدفعين وبقبول الاستئناف شكلاً. وفي 3/ 6/ 1952 قضت في موضوع الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وببطلان حكم المحكمة القنصلية اليونانية بالإسكندرية الصادر في 27 من أغسطس سنة 1940 في موضوع تبني الطاعن واعتباره كأن لم يكن مع إلزام الطاعن بالمصروفات عن الدرجتين و500 قرش مقابل أتعاب للمحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات، تأسيساً على أن الطاعن ليس ابناً غير شرعي للمطعون عليه، وأنه لقيط مجهول الأبوين ولد بالقاهرة فهو مصري بحكم المادة 3/ 6 من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929، وأن جنسيته تختلف عن جنسية المطعون عليه وهو يوناني فكان يتعين اتخاذ إجراءات التبني أمام المحكمة المختلطة وفقاً للمواد 844 - 846 من القانون رقم 94 لسنة 1937، وعلى أنه لا ولاية للمحكمة القنصلية اليونانية بالفصل في طلب التبني فيكون قضاؤها في هذا الخصوص باطلاً. وبالنسبة لطلب المطعون عليه حرمان الطاعن من التسمي باسم ليمونيا فإن الثابت من شهادة العماد أن الطفل المعمد سمي باسم ديمترى فقط فلم تر المحكمة محلاً للنظر فيه لأن الطاعن في حل من أن يتسمى بأي اسم يشاء. فقرر الطاعن الطعن في الحكمين الصادرين في 9 من مارس سنة 1952 و3 من يونيه سنة 1952 بطريق النقض.
ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم الصادر في 9 من مارس سنة 1952 في سبب واحد يتحصل في أنه إذ قضي برفض الدفعين الخاص أولهما ببطلان صحيفة الاستئناف والآخر بعدم قبوله شكلاً لرفعه بعد الميعاد، قد أخطأ في تطبيق القانون، لأن المطعون عليه أعلنه بصحيفة الاستئناف بمصر الجديدة، مع أنه يعلم أن الطاعن لا يقيم بها، بل يقيم بدائرة قسم الأزبكية، وأنه سبق أن أعلنه بها في 12 من مارس سنة 1951 في دعوى التصفية، فإعلانه في غير محله باطل وفقاً لنص المادتين 11 و24 مرافعات. أما وجه الخطأ فهو أن الحكم قرر أن هذا الإعلان لا بد أن يكون قد وصل الطاعن عن طريق قسم مصر الجديدة لأن المحضر أثبت في محضره أنه وجد مسكنه مغلقاً، كما أخطأ إذ قرر أنه قد يكون للطاعن محلا إقامة أحدهما بمصر الجديدة والآخر بالأزبكية. وهذا يخالف الثابت بالمستندات. وفي حين أنه قرر - دون أن يدفع بذلك المطعون عليه - أن إعلان الطاعن الحكم الابتدائي للمطعون عليه في 11/ 8/ 1951 في المخبر بميدان التوفيقية باطل، لأن المخبر ليس محل إقامة المطعون عليه أو محل عمله، مع أن المطعون عليه معترف بأن له محلي إقامة أحدهما في مصر الجديدة والآخر بميدان توفيق رقم 3 قسم الأزبكية، وأن المستندات تؤيد ذلك. أما قول الحكم بأن حضور الطاعن بجلسة المرافعة قد أزال بطلان عريضة الاستئناف استناداً إلى المادة 140 مرافعات فإنه غير صحيح لأن إعلان صحيفة الاستئناف الباطل لا يترتب عليه أي أثر. وكان لزاماً على المحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها بسقوط الحق في الطعن بطريق الاستئناف.
ومن حيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه الصادر في 9 من مارس سنة 1952 أنه إذ قضي برفض الدفع الخاص ببطلان صحيفة الاستئناف والدفع الخاص بعدم قبول الاستئناف شكلاً لرفعه بعد الميعاد وبقبول الاستئناف شكلاً فإنه قد أسس قضاءه على أنه وإن كان إعلان الطاعن بصحيفة الاستئناف في 9 من يوليه سنة 1951 قد وقع باطلاً لأن المحل الذي أعلن فيه لم يكن هو الذي يقيم فيه وقت الإعلان، وأن هذه الصحيفة قد خلت من الإجراءات الخاصة بالإخطار الذي توجبه المادة 12 من قانون المرافعات، وأن الورقة المستقلة المرافقة لصحيفة الاستئناف محررة في 10/ 9/ 1951 أي بعد حصول الإعلان بشهرين، إلا أن هذا البطلان قد زال بحضور الطاعن جلسة المرافعة في 21/ 11/ 1951، وذلك وفقاً للمادة 140 مرافعات. وهذا الذي قرره الحكم صحيح في القانون ذلك أنه متى كان وجه البطلان هو أن ورقة التكليف بالحضور أعلنت إلى الطاعن في غير موطنه، وأن المحضر لم يثبت بها في ظرف أربع وعشرين ساعة من تاريخ الإعلان أنه وجه إلى الطاعن في موطنه الأصلي أو المختار كتاباً موصى عليه يخبره فيه بأن صورة الإعلان سلمت إلى جهة الإدارة كما توجب ذلك المادتان 11 و12 مرافعات، وأنه يترتب على عدم مراعاة هذا الإجراء بطلان ورقة التكليف بالحضور وفقاً لنص المادة 24 مرافعات، فإن حضور الطاعن في أول جلسة حددت لنظر الدعوى في 21/ 11/ 1951 يزيل العيب الذي لحق الإعلان المشار إليه وفقاً لنص المادة 140 مرافعات. ولا يؤثر على النتيجة التي انتهى إليها الحكم ما قرره من أن أثر هذا التصحيح لا يبدأ إلا من تاريخ الحضور ولا يسري على الإجراءات السابقة عليه، ذلك أن الإجراء القابل للإبطال متى كان من الجائز قانوناً أن تلحقه الصحة، فإن زوال هذا البطلان يجعل الإجراء معتبراً صحيحاً من وقت صدوره في 9/ 7/ 1951. لما كان ذلك يكون غير منتج البحث فيما إذا كان إعلان الطاعن الحكم الابتدائي إلى المطعون عليه في 11/ 8/ 1951 قد وقع صحيحاً فيعتبر تاريخ إعلانه مبدأ لسريان إعلان الطعن أم أنه غير صحيح فيعتبر باب الطعن ما زال مفتوحاً حتى يوم حضور المطعون عليه بالجلسة كما ذهب الحكم المطعون فيه، ذلك أن الاستئناف على كلا الاعتبارين صحيح لحصوله في الميعاد القانوني ومن ثم يتعين رفض هذا السبب.
ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم الصادر في 3 من يونيه سنة 1952 في سبعة أسباب يتحصل الأول والثالث والسابع منها في أن الحكم مشوب بالقصور من ثلاثة وجوه، الأول لأن الطاعن دفع الدعوى بأن والده المطعون عليه وهو المدعي يقع عليه عبء إثبات أن شهادة ميلاد محمد جمعه المحرر في 23 من ديسمبر سنة 1926 هي له (الطاعن) وقد استدل هو على نفي هذه الواقعة بأن المطعون عليه لم يقدم صورة التحقيق الذي أجراه قسم عابدين عند تسليم اللقيط إليه يوم العثور عليه في 17 من ديسمبر سنة 1926 لبيان ارتباط هذه الواقعة بشخص محمد جمعه الثابت بشهادة ميلاده المحررة في 2 يوليه سنة 1928 أنه ولد في 26 ديسمبر سنة 1926 مع أنه يبين من حكم التبني أن الطاعن الذي تبناه المطعون عليه ولد في 21 يوليه سنة 1926، وبأن المطعون عليه قد اعترف في حكم التبني أن الطفل الذي تبناه هجرته أمه مما يؤيد دفاع الطاعن بأنه ولد غير شرعي له، وبأن الحكومة المصرية لا تسمح بتسليم طفل مسلم لشخص أجنبي ومسيحي، وبأنه ثابت من شهادة العماد المحررة في 22 مايو سنة 1927 أن الطفل مسيحي تبعاً لدين والديه، وبأن إجراءات التبني تمت بعد أن ثبت دين الطاعن المسيحي من شهادة العماد ومن الشهادات المدرسية الصادرة من المدارس التي التحق بها من سنة 1934، بأن المطعون عليه قد اعترف بأبوته أمام القضاء بعد رفعه هذه الدعوى، كما أن شهوده الذين استشهدهم في بعض القضايا شهدوا بوجود هذه العلاقة. والوجه الثاني هو أن النيابة دفعت بأنه ثابت من الأوراق ودفاع الطرفين أن الطاعن ليس محمد جمعه وأنه ابن غير شرعي للمطعون عليه، وعلى هذا تكون إجراءات التبني تمت صحيحة وأمام الجهة المختصة. والوجه الثالث هو أن النيابة قررت في مذكرتها أن الطاعن حسب أقوال المطعون عليه ومستنداته لا يمكن أن يعتبر لقيطاً، وعلى هذا يكون الطاعن ابناً غير شرعي للمطعون عليه وله حكمه الخاص، ويكون التبني قد وقع صحيحاً. والحكم المطعون فيه إذ قضى ببطلان حكم المحكمة القنصلية اليونانية. قد أغفل الرد على هذه الدفوع. ويتحصل السبب السادس في أن الحكم قد خالف القانون، لأن المطعون عليه يوناني خاضع للقانون اليوناني، وقد قام بإجراءات التبني وفقاً لنصوص القانون اليوناني وأمام المحكمة اليونانية المختصة، فليس له أن يطلب إبطال التبني، ولكن له الرجوع فيه بشروط معينة غير متوافرة في هذه الدعوى.
ومن حيث إن النعي على الحكم في هذه الأسباب مردود أولاً بأنه يبين من الحكم الصادر من المحكمة القنصلية اليونانية بالإسكندرية في 27 من أغسطس سنة 1940 باعتبار الطاعن ابناً متبنى للمطعون عليه وزوجته كاليوبي، أن الأخيرين قررا في طلبهما إلى المحكمة القنصلية أنهما عثرا في 21 من يوليه سنة 1926 على طفل لقيط حديث الولادة أمام مسكنهما، وأنهما أخطرا البوليس بذلك، وأن التحريات التي أجراها البوليس لم تسفر عن معرفة والدي اللقيط، وقرر هذا الحكم في أسبابه ومنطوقه أن الطاعن ولد طبيعي لأبوين مجهولين، ويبين من الحكم المطعون فيه أنه إذ قرر أن الطاعن ليس ابناً غير شرعي للمطعون عليه، وأنه لقيط من أبوين مجهولين ولد بمدينة القاهرة، فإنه قد استند إلى ما ورد بحكم المحكمة القنصلية مما سبق بيانه، وإلى أن ما دفع به الطاعن من أنه ابن غير شرعي لا دليل عليه سوى مجرد قوله، وأن الأوراق التي قدمها لا تكفي لإثبات هذه البنوة، لأن ما ذكر بها كان الباعث عليه العلاقة التي نشأت بينهما بعد العماد والتبني، وإلى الأسباب الأخرى التي أوردها والتي تؤدي إلى ما رتبه عليها، وهو أن الطاعن يعتبر مصرياً ولم يكن للمحكمة القنصلية ولاية الفصل في طلب التبني الذي قدم إليها من المطعون عليه وزوجته، ومن ثم يكون قضاؤها باطلاً، وهذا الذي قرره الحكم لا خطأ فيه، ذلك أنه لما كان قد ثبت - مما سلف بيانه أن الطاعن لقيط من أبوين مجهولين عثر عليه في الدولة المصرية، كان الطاعن قد عجز عن إثبات دفاعه بأنه ابن غير شرعي للمطعون عليه من أم يونانية كان يعاشرها الأخيرة معاشرة الأزواج، فإنه يعتبر مصرياً مولوداً في مصر وفقاً للمادة 3/ 10 من المرسوم بقانون الصادر في 26 من مايو سنة 1926 الذي وكان سارياً وقت العثور عليه وكذلك وفقاً للمادة 3/ 6 من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 الذي كان نافذاً وقت صدور حكم المحكمة القنصلية بالتبني ومن ثم لا تكون المحكمة القنصلية ذات ولاية في الفصل في موضوع التبني، وليس بمنتج بعد ذلك البحث فيما إذا كان الطاعن هو محمد جمعه أو أنه شخص آخر خلافة لأنه يعتبر في كلتا الحالتين مصرياً متى كان الثابت أنه لقيط مجهول الأبوين عثر عليه في مصر. ومردود ثانياً بأن الحكم المطعون فيه إذ قرر أن الطاعن يعتبر مصرياً ورتب على ذلك أن المحكمة القنصلية اليونانية لم تكن مختصة بالتصديق على التبني للأسباب السابق بيانها، فإنه لم يخطئ في تطبيق القانون، ولا محل بعد ذلك لتمسك الطاعن بتطبيق أحكام القانون اليوناني الخاصة بأحوال الرجوع في التبني إذ يجب أولاً تعيين المحكمة التي لها ولاية التصديق على التبني والقانون المصري هو الذي يجب الرجوع إليه لتحديد ولاية القضاء في داخل الدولة المصرية.
ومن حيث إن السببين الثاني والخامس يتحصلان في أن الحكم مشوب بالقصور من وجهين: الأول لأن الطاعن دفع بأن الدعوى الحالية رفعت بعد أن بلغ سن الرشد واستقر دينه وجنسيته اليونانية، وأن المطعون عليه يهدف من طلبه إلى أن يتبعه للجنسية المصرية، وأن هذا الطلب ليس من اختصاص قضاء الأحوال الشخصية، وإنما هو من اختصاص القضاء الإداري، والوجه الثاني لأن النيابة دفعت أمام محكمة ثاني درجة بأن حكم التبني قد صدر من المحكمة القنصلية في حدود ولايتها القضائية، فله حجيته ولا يطعن عليه إلا بطريق من طرق الطعن على الأحكام، لا بدعوى مبتدأة، إلا أن الحكم المطعون فيه أغفل الرد على هذين الدفعين.
ومن حيث إن النعي على الحكم في هذين السببين مردود بأن اختصاص المحاكم القنصلية اليونانية عند إلغاء الامتيازات الأجنبية بمقتضى اتفاقية منترو في 8 من مايو سنة 1937 كان مقصوراً في فترة الانتقال التي انتهت في 14 من أكتوبر سنة 1949 على المنازعات الخاصة بالأحوال الشخصية المتعلقة بالرعايا اليونانيين فقط. ولما كان الثابت مما سبق بيانه أن الطاعن كان لقيطاً من أبوين مجهولين عثر عليه في الدولة المصرية، فإنه يعتبر في التاريخ الذي عثر عليه فيه، وفي تاريخ صدور حكم التبني من المحكمة القنصلية مصرياً، ومن ثم لا تكون المحكمة القنصلية ذات ولاية في خصوص طلب تبنيه، ويكون الحكم الصادر منها بطلاً بطلاناً مطلقاً ولا يغير من هذا النظر أن تكون دعوى البطلان قد رفعت بعد بلوغ الطاعن سن الرشد، لأنه ليس لأهلية الطاعن شأن في تصحيح حكم باطل صدر من محكمة ليست ذات ولاية في الفصل في طلب تبنيه.
ومن حيث إن السبب الرابع يتحصل في أن الحكم مشوب بالقصور، لأن الطاعن دفع بأن لا مصلحة للمطعون عليه في هذه الدعوى. فهو كابن متبنى لا يرث المطعون عليه وفقاً للقانون اليوناني، وبأن إجراءات التبني تمت بين ثلاثة أطراف الطاعن والمطعون عليه وزوجته المتوفاة كاليوبي ليمونيا، وبأنه لا يجوز للمطعون عليه أن يطعن في تصرف صادر منه لأجل الإضرار بالطاعن، وبأن الطاعن يتمتع بكل الحقوق التي يخولها له حكم التبني ومنها حقه في حمل اسم ليمونيا وقد أثبت الحكم الصادر من محكمة أول درجة هذا الدفاع إلا أن الحكم المطعون فيه أغفل الرد عليه.
ومن حيث إن هذا السبب مردود - أولاً - بأن مصلحة المتبني (المطعون عليه) في اعتبار أن الإجراءات التي اتخذت أمام المحكمة القنصلية اليونانية كانت غير صحيحة، وأن الحكم الصادر منها بالتصديق على التبني وقع باطلاً، هذه المصلحة متوافرة متى كان هذا الحكم من شأنه أن ينشئ حقوقاً للطاعن قبل المطعون عليه مقررة بمقتضى المواد 1579 - 1586 من القانون اليوناني الصادر في 30 من يناير سنة 1944. ومن ثم يكون غير منتج النعي على الحكم أنه أغفل الرد على هذا الدفاع. ومردود - ثانياً - بأن بطلان حكم التصديق على التبني لصدوره من محكمة لا ولاية لها هو بطلان متعلق بالنظام العام وللمطعون عليه أن يتمسك به ولو كان هو الذي قدم طلب التبني إلى القنصلية اليونانية.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن الطعن على غير أساس ويتعين رفضه.