مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثالث (عن المدة بين 7 نوفمبر سنة 1932 وبين 26 أكتوبر سنة 1936) - صـ 222

جلسة 11 ديسمبر سنة 1933

برياسة حضرة مصطفى محمد بك وبحضور حضرات زكي برزي بك وأحمد أمين بك وحامد فهمي بك وعبد الفتاح السيد بك.

(174)
القضية رقم 61 سنة 4 القضائية

إقراض برباً فاحش. تكرر تجديد السند بفوائد أعلى من التي كان متفقاً عليها. كاف لتحقق ركن العادة.
(المادة 294 المكررة فقرة ثالثة عقوبات)
أقرض شخص شخصاً آخر مبلغ ثلاثين جنيهاً لمدّة ستة شهور بفائدة قدرها ثلاثة جنيهات. ولما حل موعد السداد وعجز المدين عن الدفع حرر الدائن سنداً آخر بدل الأوّل بمبلغ ستة وثلاثين جنيهاً لمدّة ستة شهور أخرى. ولما حل الموعد ولم يدفع جدّد له الدين وكتب به سنداً آخر بمبلغ 42 جنيهاً و450 مليماً لمدة ستة شهور أخرى. ولما حل الموعد ولم يدفع أيضاً جدّد الدين بسند آخر بمبلغ 54 جنيهاً و570 مليماً لمدّة ستة شهور أخرى.
اعتبرت محكمة النقض أن وقائع التجديد هذه قد تغير فيها الاتفاق على قيمة الفوائد، إذ يتضح من مقارنة المبالغ التي كانت تحرر بها السندات الأخيرة بمبلغ الدين الأصلي وفوائده أن قيمة الفوائد قد ارتفعت. ولا معنى لذلك إلا أن الدائن كان يقتضي فوائد مركبة، أي فوائد على الفوائد التي استحقت ولم تدفع، أو أنه على الأقل كان يحتسب فوائد بسيطة أعلى من الفوائد التي كان متفقاً عليها في أوّل الأمر. ومفاد هذا أو ذاك أن عنصراً جديداً قد دخل على الاتفاق الأصلي، فلا يمكن والحالة هذه أن يقال إن السندات الأخيرة التي حررت بين الدائن والمدين كانت مجرّد تكرار للاتفاق الأصلي أريد به مجرد تأجيل موعد حلول الدين مع احتساب فوائد للتأخير. وهذا القدر من التغيير كاف لاعتبار الاتفاقات الأخيرة عقود إقراض جديدة يتحقق بحصولها عقب عقد الإقراض الأوّل، ركن العادة في جريمة الإقراض برباً فاحش، ويكون ما وقع من هذا الدائن معاقباً عليه بالمادة 294 فقرة ثالثة مكررة من قانون العقوبات.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه في الميعاد فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن محصل الوجه الأوّل من أوجه الطعن أن الواقعة الثابتة في الحكم لا يعاقب عليها القانون وأن محكمة الموضوع أخطأت في تطبيق الفقرة الأخيرة من المادة 294 مكررة عقوبات على الطاعن لأن ما ثبت بالحكم هو أن الطاعن أقرض المجني عليه مبلغ ثلاثين جنيهاً لمدّة ستة شهور بفائدة قدرها ثلاثة جنيهات؛ ولما حل موعد السداد وعجز المجني عليه عن الدفع حرر الطاعن سنداً آخر بدل الأوّل بمبلغ ستة وثلاثين جنيهاً أي بفائدة قدرها ثلاثة جنيهات لمدّة ستة شهور أخرى؛ ولما حل الموعد ولم يدفع جدّد له الدين وكتب به سنداً آخر بمبلغ 42 جنيهاً و450 مليماً لمدّة ستة شهور أخرى؛ ولما حل الموعد ولم يدفع أيضاً جدّد الدين بسند آخر بمبلغ 54 جنيهاً و570 مليماً لمدّة ستة شهور أخرى. ويصر الطاعن لدى محكمة النقض على ما سبق أن دفع به أمام محكمة الموضوع من أن جريمة الاعتياد على الإقراض بالربا الفاحش تستلزم على الأقل وجود قرضين ربويين، وأن واقعته هي في الحقيقة قرض واحد، وأن ركن العادة غير متوفر لأن العبرة في هذه الجريمة إنما تكون بتعدّد القروض لا بتكرار الاتفاق على مواعيد حلول الفوائد الربوية. ولا يمكن الأخذ بما ذهبت إليه محكمة الموضوع من أن تكرر الاتفاق على تأجيل الدين الواحد مع اشتراط فوائد ربوية في كل دفعة يعتبر تجديداً للإقراض - لا يمكن الأخذ بذلك لأن عقد الإقراض من العقود العينية التي لا توجد قانوناً إلا بتسليم المال المقترض وذلك ما لم يتكرر حصوله في واقعة هذه المادة. على أن الطاعن إذا تمشى مع الحكم المطعون فيه وتجاوز عن ركن تكرار تسليم المال المقرض فإن ذلك الحكم تبقى فيه ثغرة، هي أنه اعتبر أن هناك تجديداً للدّين (novation) وأن كل اتفاق من الاتفاقات الثلاثة التالية للقرض قد فسخ الاتفاق السابق عليه مع أن الواقع أن لا تجديد ولا فسخ إذ التجديد الفاسخ للالتزام لا يوجد إلا بتغيير إما في شخصية المتعاقدين أو في طبيعة الدين، وهذا ما لم يقع منه شيء في هذه القضية.
ومن حيث إنه سواء أكان الحكم المطعون فيه قد أراد بكلمة "التجديد" (novation) أي الاستبدال بمعناه القانوني أو أراد معنى غيره فإن مما لا شك فيه أن وقائع التجديد الثابتة بالحكم - والتي ذكرها الطاعن في بيانه المتقدّم نقلاً عن الحكم نفسه - قد تغير فيها الاتفاق على قيمة الفوائد إذ يتضح من مقارنة المبالغ التي كانت تحرّر بها السندات الأخيرة بمبلغ الدين الأصلي وفوائده أن قيمة الفوائد قد ارتفعت، ولا معنى لذلك إلا أن الدائن كان يقتضي فوائد مركبة - أي فوائد على الفوائد التي استحقت ولم تدفع - أو أنه على الأقل كان يحتسب فوائد بسيطة أعلى من الفوائد التي كان متفقاً عليها في أوّل الأمر. ومفاد هذا أو ذاك أن عنصراً جديداً قد دخل على الاتفاق الأصلي. فلا يمكن والحالة هذه أن يقال إن السندات الأخيرة التي حررت بين الدائن والمدين كانت مجرّد تكرار للاتفاق الأصلي أريد به مجرّد تأجيل موعد حلول الدين مع احتساب فوائد للتأخير. وهذا القدر من التغيير كاف لاعتبار الاتفاقات الأخيرة عقود إقراض جديدة وأن حصولها عقب عقد الإقراض الأول يتحقق به ركن العادة بلا مراء.
ومن حيث إن محصل الوجه الثاني أن الحكم المطعون فيه لم يبين تاريخ كل سند وسعر الفائدة المتفق عليها فيه حتى تستطيع محكمة النقض أن تراقب صحة تطبيق القانون.
ومن حيث إن الحكم ذكر تاريخ أول قرض وهو 15 سبتمبر سنة 1929 ثم ذكر أن كل سند كان يحرر لمدّة ستة شهور فإذا عجز المدين عن الدفع أخذ عليه الدائن سنداً جديداً لمدّة ستة شهور أخرى وهكذا. أما سعر الفائدة فهو إن كان الحكم لم يذكرها إلا أنه كان يذكر قيمة كل سند جديد، فإذا قورنت هذه القيمة بقيمة السند السابق عليه كان من السهل استخراج قيمة الفائدة المحتسبة عليه ثم معرفة سعرها. فالبيان الوارد في الحكم كاف إذاً لتحقيق الغرض المطلوب ولا محل للطعن عليه من هذه الناحية.