أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 4 - صـ 842

جلسة 2 من إبريل سنة 1953
(120)
القضية رقم 406 سنة 21 القضائية

برياسة حضرة الأستاذ أحمد حلمي وكيل المحكمة وحضور حضرات الأساتذة عبد العزيز محمد وكيل المحكمة ومصطفى فاضل وأحمد العروسي ومحمود عياد المستشارين.
( أ ) دفاع. حكم. تسبيبه. رفض المحكمة طلب إحالة الدعوى على التحقيق أو إدخال خصوم فيها. استنادها في ذلك إلى أسباب سائغة بعد سماع دفاع الطاعنين وتمحيصه. لا إخلال بحق الدفاع.
(ب) تعهدات. إثبات. سبب الالتزام. كيفية إثباته. على من يقع عبء الإثبات. السبب الصوري والسبب غير المشروع. المادة 137 مدني.
1 - متى كان يبين من الحكم أن المحكمة بعد أن أثبتت دفاع الطاعنين ومحصت الأسانيد التي استندا إليها في طلب إحالة الدعوى على التحقيق أو إدخال بعض الدائنين فيها قضت برفض إجابة هذا الطلب استناداً إلى الأسباب السائغة التي أوردتها والتي تبرر قضاءها في هذا الخصوص فإنه يكون في غير محله النعي عليها بأنها أخلت بحق الطاعنين في الدفاع ولا يعدو أن يكون النعي على الحكم في هذا السبب جدلاً موضوعياً في تقدير المحكمة للأدلة المقدمة إليها من الخصوم في الدعوى.
2 - نصت المادة 137 من القانون المدني على أن كل التزام لم يذكر له سبب في العقد يفترض أن له سبباً مشروعاً، ما لم يقم الدليل على غير ذلك ويعتبر السبب المذكور في العقد هو السبب الحقيقي حتى يقوم الدليل على ما يخالف ذلك فإذا قام الدليل على صورية السبب فعلى من يدعي أن للالتزام سبباً آخر مشروعاً أن يثبت ما يدعيه. ومؤدى ذلك أن القانون وضع قرينة قانونية يفترض بمقتضاها أن للعقد سبباً مشروعاً ولو لم يذكر هذا السبب، فإن ذكر في العقد فإنه يعتبر السبب الحقيقي الذي قبل المدين أن يلتزم من أجله فإذا ادعى المدين عدم مشروعية السبب، فإن عبء إثبات ذلك يقع على عائقه، أما إذا كان دفاعه مقصوراً على أن السبب المذكور بالعقد هو سبب صوري فعليه أن يقدم للمحكمة الدليل القانوني على هذه الصورية، وبذلك ينتقل عبء إثبات أن للعقد سبباً آخر مشروعاً إلى عاتق المتمسك به. وإذن فمتى كان الطاعنان لم يقدما الدليل على صورية السبب المدون في السندات موضوع الدعوى، وكانت المحكمة قد رأت في حدود سلطتها الموضوعية أن القرائن التي ساقها الطاعنان ليستدلا بها على عدم مشروعية سبب الدين غير جدية وغير كافية لإضعاف الدليل الذي قدمه المطعون عليه وهو إثبات قرضه بسندات إذنية ثابت بها أن قيمتها دفعت للمفلس أو لضامنه وأن هذه القرائن لا تبرر إجابة الطاعنين إلى طلب إحالة الدعوى على التحقيق فإنها لا تكون قد خالفت مقتضى المادة 137 من القانون المدني.


المحكمة

من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن واقعة الدعوى تتحصل حسبما يبين من الحكم المطعون فيه، وسائر أوراق الطعن في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 676 سنة 1949 الإسكندرية الابتدائية على الطاعنين بصفتهما وكيلي تفليسة محمد عبد الرحمن هيكل وقال بياناً لها إنه يداين المفلس في مبلغ 7700 جنيه قيمة خمسة سندات محررة لإذنه الأول في 5/ 11/ 1947 بمبلغ - 1000 جنيه والثاني في أول نوفمبر سنة 1947 بمبلغ 2000 جنيه والثالث في 5 نوفمبر سنة 1947 بمبلغ 2000 جنيه والرابع في 19/ 4/ 1948 بمبلغ 1200 جنيه والخامس في 19/ 4/ 1947 بمبلغ 1500 جنيه وأنه على أثر القرار الصادر من مأمور التفليسة بإقفال عملية تقديم الطلبات، قد اضطر إلى أن يتبع الإجراءات التي نصت عليها المادة 321 من قانون التجارة المختلط، وطلب الحكم بقبوله في التفليسة دائناً عادياً بمبلغ 7700 جنيه. فدفع الطاعنان الدعوى بأن القرض المدعى به سببه الرهان على سباق الخيل مما يعد باطلاً قانوناً، وطلبا إحالة الدعوى على التحقيق لإثبات دفاعهما. وفي 31/ 5/ 1950 قضت المحكمة بقبول المطعون عليه دائناً عادياً في تفليسة محمد عبد الرحمن هيكل بمبلغ 7700 جنيه. فاستأنف الطاعنان هذا الحكم وقيد استئنافهما برقم 173 سنة 6 ق تجاري الإسكندرية وقالا إن سبب الدين ليس قرضاً كما يدعي المطعون عليه، بل مراهنات على سباق الخيل غير مشروعة مما يبطل الالتزام بطلاناً مطلقاً، وطلبا إدخال بعض الدائنين في الدعوى وبإحالتها على التحقيق، وفي 9 من يناير سنة 1951 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف ورفضت إجابة الطاعنين إلى طلبهما استناداً إلى الأسباب التي أوردها الحكم المستأنف وإلى أن الدائنين المطلوب إدخالهم لا شأن لهم في طلبات المطعون عليه ولا ينطبق عليهم حكم المادة 144 مرافعات، وإلى أن القرائن التي قدمها الطاعنان غير جدية وغير كافية لتنقص من قيمة الدليل القاطع الذي قدمه المطعون عليه وهو إثبات قرضه بخمسة سندات إذنية، فقرر الطاعنان الطعن في هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن بني على سببين يتحصل أولهما في أن الحكم المطعون فيه إذ رفض إجابة الطاعنين إلى طلب إحالة الدعوى على التحقيق، فقد أخل بحقهما في الدفاع. لأنهما طلبا أمام محكمة أول درجة الإحالة على التحقيق لإثبات عدم مشروعية القروض الصادرة من المطعون عليه المفلس محمد عبد الرحمن هيكل بمبلغ 7700 جنيه وبمبالغ أخرى بلغت بإضافتها إلى هذا المبلغ 29350 جنيه، وذلك لأن سبب الالتزام مخالف للنظام العام إذ كان المطعون عليه يدفع بعض هذه المبالغ للمفلس لتمكينه من المقامرة على سباق الخيل، كما أن بعض القروض كان صورياً، وقد استدل الطاعنان على صحة دفاعهما بقرائن تجعل سبب الالتزام محل شك، وهي تتحصل في أن رصيد دين المطعون عليه هو مبلغ 22000 جنيه في حين أنه رفع دعواه بمبلغ 7700 جنيه فقط وأن لأشخاص آخرين سندات صادرة من المفلس ويجب إدخالهم في الدعوى لاتحاد السبب في هذه السندات وأن ثلاثين سنداً حررها المفلس للمطعون عليه في فترات متقاربة وكلها مستحقة الأداء بعد مدة وجيزة مما يجعل الوفاء بها متعذراً، وأنه من غير المعقول أن يقرض المطعون عليه المفلس هذه المبالغ دون أن يطالب بضمان أو رهن، هذا إلى جانب ما عرف عن المطعون عليه من احترافه إعطاء وتلقي الرهان على سباق الخيل، ومع أن الطاعنين قد حددا الوقائع التي طلبا تحقيقها، إلا أن الحكم المطعون فيه رفض إجابة هذا الطلب.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن الحكم المطعون فيه إذ رفض إجابة الطاعنين إلى طلب إحالة الدعوى على التحقيق، فإنه قد استند إلى أن ادعاء الطاعنين بأن المفلس قد قامر بقيمة القرض لا تأثير له على الالتزام برد المقابل، لأنهما لم يثبتا أن المطعون عليه كان يقامر مع المدين بالمبالغ التي أقرضها له أو أنه كان له شأن أو علم بحصول المقامرة بها، يؤيد ذلك أن المطعون عليه كان يتعامل مع المفلس قبل هذه القروض كما هو وارد بكشف الحساب المقدم منه والذي يستفاد منه أنه سلم المفلس في سنتي 1947 و1948 عدة شيكات منها اثنا عشر قيمتها 1300 جنيه حولها المفلس للبنك العربي لتحصيلها وقيدها لحسابه وأما ادعاء الطاعنين بأن السندات سلمت إلى المفلس عقب المراهنات ليسدد فوراً بقيمتها خسارته فهو قول يعوزه الدليل وينفيه أن تواريخ هذه السندات لا تتفق وتواريخ سباق الخيل في يومي السبت والأحد من كل أسبوع، كما ينقضه طريقة قبضها ذلك أن عدداً منها قيدها البنك لحساب المفلس الذي تصرف فيها فيما بعد. وخلص الحكم من ذلك إلى أنه لا يوجد مبرر لإجابة طلبي الطاعنين إدخال بعض الدائنين في هذه الدعوى أو إحالتها على التحقيق لأن هؤلاء الدائنين لا شأن لهم فيها ولا ينطبق على حالتهم نص المادة 144 من قانون المرافعات التي تجيز للمحكمة في أحوال معينة فيها أن تأمر بإدخال خصوم آخرين في الدعوى، وأن القرائن التي قدمها الطاعنان غير جدية وغير كافية لتضعف من قوة الدليل القاطع الذي قدمه المطعون عليه وهو إثبات قرضه بسندات إذنية دفع قيمتها للمفلس أو لضامنه. ويبين من هذا الذي قرره الحكم أن المحكمة بعد أن أثبتت دفاع الطاعنين ومحصت الأسانيد التي استندا إليها في طلب إحالة الدعوى على التحقيق أو إدخال بعض الدائنين فيها قضت برفض إجابة هذا الطلب استناداً إلى الأسباب السابق بيانها، والتي تبرر قضاءها في هذا الخصوص. ولا يعدو أن يكون النعي على الحكم في هذا السبب جدلاً موضوعياً في تقدير المحكمة للأدلة المقدمة إليها من الخصوم في الدعوى.
ومن حيث إن السبب الثاني للطعن نصه الآتي: "وقد أخطأت كلتا المحكمتين الابتدائية والاستئنافية من جهة ثانية في تطبيق القانون حيث تحكم المادة 137 من القانون المدني على الخصم متى قدم الأدلة على صورية السبب أن يقوم بعد ذلك بإثبات عدم مشروعية السبب، ومما يدل على التحتيم هنا استعمال المشرع لفظة "وعلى" من ادعى الالتزام أن يثبت إلخ... ولم يقل "لمن" ادعى الالتزام أن يثبت. وهذا الإرغام والتحتيم من جانب المشرع بوجوب إثبات الخصم ما يدعيه بشأن عدم مشروعية السبب لا يتأتى عملاً إلا بالإحالة على التحقيق لإعطاء هذا الخصم الفرصة للإثبات الواجب عليه كنص القانون. وعلى ذلك يكون في عدم إحالة المحكمتين الدعوى على التحقيق بعد أن قدم الطاعنان من الأدلة الملموسة ما ينهض على عدم مشروعية السبب خطأ في تطبيق القانون بالنسبة للمادة 137 مدني يستوجب نقض الحكم المطعون فيه".
ومن حيث إن هذا السبب يكتنفه الغموض والإبهام ذلك أن الطاعنين لم يكشفا عن وجه مخالفة الحكم المطعون فيه لمقتضى المادة 137 من القانون المدني فإن كانا يقصدان من هذا السبب أن المادة المذكورة توجب على المحكمة في حالة الدعوى أن تجيبهما إلى طلب إحالتها على التحقيق، فإن النعي على الحكم في هذا الوجه يكون على غير أساس. ذلك لأن المادة 137 نصت على أن كل التزام لم يذكر له سبب في العقد يفترض أن له سبباً مشروعاً ما لم يقم الدليل على غير ذلك. ويعتبر السبب المذكور في العقد هو السبب الحقيقي حتى يقوم الدليل على ما يخالف ذلك، فإذا قام الدليل على صورية السبب فعلى من يدعي أن للالتزام سبباً آخر مشروعاً أن يثبت ما يدعيه. ومؤدى ذلك أن القانون وضع قرينة قانونية يفترض بمقتضاها أن للعقد سبباً مشروعاً ولو لم يذكر هذا السبب، فإن ذكر في العقد فإنه يعتبر السبب الحقيقي الذي قبل المدين أن يلتزم من أجله. فإذا ادعى المدين عدم مشروعية السبب، فإن عبء إثبات ذلك يقع على عاتقه، أما إذا كان دفاعه مقصوراً على أن السبب المذكور بالسند هو سبب صوري، فعلية أن يقدم للمحكمة الدليل القانوني على هذه الصورية، وبذلك ينتقل عبء إثبات أن للعقد سبباً آخر مشروعاً إلى عاتق المتمسك به، ولما كان الطاعنان لم يقدما الدليل على صورية السبب المدون في السندات موضوع الدعوى، وكانت المحكمة قد رأت في حدود سلطتها الموضوعية أن القرائن التي ساقها الطاعنان ليستدلا بها على عدم مشروعية سبب الدين غير جدية وغير كافية لإضعاف الدليل الذي قدمه المطعون عليه وهو إثبات قرضه بسندات إذنية ثابت بها أن قيمتها دفعت للمفلس أو لضامنه، وأن هذه القرائن لا تبرر إجابة الطاعنين إلى طلب إحالة الدعوى على التحقيق، فإنها لا تكون قد خالفت مقتضى المادة 137 من القانون المدني.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه.